حزيران 2004

فئران السفينة الفلسطينية..!!

بقلم: عادل أبو هاشم*

في هذه الأيام التي تتجسد فيها التـنازلات والتراجعات عن المبادئ والثوابت بالممارسة الفعلية على الأرض، عبر المبادرات المؤتمرات والتصريحات والخطب التي تلقى هنا وهناك بالدعوة للاستسلام والتسويات وأنصاف الحلول والتـنازل عن البقية الباقية من الثوابت والأرض الفلسطينية، من قادة ومسؤولين ومخاتير ووجهاء وأشباه مثقفين شاءت لهم الظروف- بل أرادت لهم الإدارة الأمريكية وسلطات العدو الإسرائيلي- أن يكونوا في مواقع مؤثرة في هذه الحالة المصيرية بالذات!!

في هذه الأيام التي تفتح فيها الجسور أمام الأعداء لاقتحام الأوطان وتركيز أعلامهم السياسية، والعسكرية والاقتصادية والثقافية على هضاب وسفوح ومرتفعات وجنبات الوطن العربي الكبير.!

في هذه الأيام- من هذا الزمن الرديء- الذي تشير فيه كل الدلائل إلى المحاولات الحثيثة والجادة الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، التي يدور من حولها مصير الإنسان العربي وجودًا وعدمـًا، ظهرت علينا قضية الإسمنت المصري الذي قامت خمس شركات فلسطينية بعضها مملوكة لأشقاء وزير الشؤون المدنية جميل الطريفي، وبتسهيلات من وزير الاقتصاد الوطني ماهر المصري بتسريبه للسوق الإسرائيلية لبناء سور الفصل العنصري الإسرائيلي الذي يكرس الاحتلال ويضم نصف أراضي الضفة الغربية لدولة العدو الصهيوني.!

إنهم نفس "فئران السفينة" التي تلتقي وتتجمع لإغراق السفينة الفلسطينية من الداخل.!

نفس "فئران السفينة" التي تسابقت في السنوات الماضية- إرضاءً لأسيادها في البيت الأبيض الأمريكي والكنيست الإسرائيلي- إلى تشويه تاريخ نضال وجهاد الشعب الفلسطيني ، وإشاعة روح الانهزامية والاستسلام ، وتشجيع العدو على مواصلة عدوانه..!!

فمن إدانة المقاومة ووصفها بالإرهاب، مرورًا بتحريم العمليات الإستشهادية وإطلاق صفة القتلى على منفذيها بحجة أن عملياتهم تكرس الحقد بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، وأنها لا تخدم هدف إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، إلى تصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وإعطاء ذريعة للعدو الإسرائيلي للاستمرار في حرب تدمير المخيمات..!!

عشرات من البيانات التي نشرت في الصحف العبرية يصف فيها "فئران السفينة" الذين توالدوا وتكاثروا في "زمن أوسلو" انتفاضة الأقصى وعمليات المقاومة وصد العدوان الصهيوني "بالعنف"..!!

لقد وصلت الوقاحة والاستهتار بالدم الفلسطيني أن ألقى أحد هذه "الفئران" خطابـًا في الجامعة العبرية يقول فيه إنه "لن يعم السلام ولن تقوم دولة فلسطينية إلا إذا تخلى الشعب الفلسطيني عن مطلبه بالعودة إلى دياره، وأن الانتفاضة الملطخة بالدماء هي حالة من التشنج وليست ثورة شعبية..!!" كما دعا الشعب الفلسطيني إلى الاعتراف والإقرار بالروابط التي تربط اليهود بالأقصى وهو ما يسمونه بـ "جبل الهيكل"..!!

وهم أيضـًا "الفئران" التي خرجت على شعبها ببيانات في الصحف تطالبهم بعدم الثأر لاغتيال شيخ الجهاد الفلسطيني الشيخ أحمد ياسين والدعوة إلى انتفاضة سلمية.! وكأن تحرير الأوطان لا يتم إلا عبر التوقيع على التـنازل عن حق العودة، ونشر بيانات الاستسلام والتـنازل في صحف العدو، والمسيرات التي يتخللها الانبطاح على الطريق في وجه الدبابات تارة، والرقص أمام هذه الدبابات تارة أخرى، وحفلات التـنزه في القوارب ونحن نلبس الملابس المزركشة، ومن خلال حفلات شواء السمك مع أصدقاءنا الإسرائيليين، والتلطي خلف رضى السفارة الأمريكية في تل أبيب..!!

لا يختلف فلسطينيان على تأثير التسوية السياسية على مجالات الحياة الفلسطينية المختلفة، حيث دفعت هذه التسوية بالكثيرين من الرعاع والدهماء، وممن لم يكن لهم تاريخ نضالي عسكري أو سياسي، إلى القفز على السطح، والعمل بشكل علني بدون خوف أو وجل من أحد، بل أصبح كل واحد منهم يتباهى ببطولات غير موجودة لدية، ولا يعلم عنها هو نفسه شيئـًا، و أصبح ينسب إلى نفسه أعمالاً كثيرة لم يقم بها ولم يحلم في يوم من الأيام بالقيام بها، وظهرت طبقة جديدة من طحالب الفساد، والمتسلقين، والانتهازيين، والوصوليين، والمنتفعين الذين احتلوا مناصب ليسوا أهلاً لها، واعتبروا أنفسهم فوق القانون، وفوق الضوابط، وفوق المساءلة والحسابات، وحجة كل واحد فيهم: أنه محرر الأوطان وقاهر الأعداء!!

وكان عزاء الفلسطينيون على صمتهم وصبرهم على هذه الفئة المنحرفة، أن أمرهم سينكشف عاجلاً أم آجلاً أمام السلطة والشعب، ومرت ست سنوات قبل أن يكتشف الشعب الفلسطيني خطأ ما اعتقدوا به ، وظهرت في هذه السنوات أشياء وممارسات من بعض المتنفذين في السلطة، أصبح السكوت عليها يعتبر جريمة بل خيانة للوطن ، وبعد أن كانت هذه الممارسات يتداولها بعض المتنفذين في السلطة بسرية تامة ، أصبحت بعد فترة وجيزة منهجاً وظاهرة في المجتمع الفلسطيني، يتسابق بل ويتباهى ويتفاخر أزلام السلطة بممارستها على رؤوس الأشهاد ، وأصبح شعار ((من أمن العقوبة .... أساء الأدب)) هو شعار الست سنوات الماضية من عمر السلطة، إلى أن جاءت انتفاضة الأقصى المباركة في 28/9/2000 والتي لم تحاول السلطة استغلالها للقضاء على ظاهرة الفساد.!

والسؤال المحير والذي لا نجد له تفسيرًا منطقيـًا:

لماذا لم تخرج الجماهير الفلسطينية في مظاهرات غاضبة ضد الفاسدين والمفسدين في السلطة الذين أصبح المشهد الفلسطيني في وجودهم حالة من القهر والبؤس والكمد والغم والحزن والفقر المختلط بمهرجان نهب الوطن وتدمير اقتصاده وطمس هويته النضالية الممتدة على مدار قرن من الزمان.؟!

ما الذي دهاك أيها الشعب المجاهد وجعلك مسالمـًا خانعـًا مستكينـًا صامتـًا أمام ثلة من اللصوص والمحتالين والقتلة وأباطرة الفساد الذين يمارسون بغاء الفعل والقول، ويحللون الحرام ويحرمون الحلال، ويلمعون الاحتلال.؟!

كيف نقرأ هذه اللامبالاة والخنوع والخضوع بين أبناء شعبنا على "فئران السفينة" الذين قايضوا الوطن بثراء الفاسدين والمفسدين، وعلى طحالب الفساد والمتسلقين والانتهازيين والوصوليين والمنـتفعين الذين جعلوا من الوطن بقرة حلوب.؟!

كيف سكت هذا الشعب على هذا "الطابور الخامس" من الأفاقين والمنافقين والجبناء ومعدومي الضمير وفاقدي الانتماء والكرامة الذين فضلوا المتاجرة بدماء شعبهم وقضية أمتهم ووطنهم؟!

أسئلة قد نجد لها الإجابة الشافية في الأيام القادمة من هذا الشعب الصابر والمجاهد.

وحتى لا نستمر في الانزلاق إلى أسفل مدارك العمل الوطني، وحتى لا تضيع دماء شهدائنا وجرحانا سدىً يجب على كل فلسطيني فضح وتعرية كل البؤر والمستنقعات التي يعشعش فيها كل من ارتكب جريمة خيانة الوطن وبيعه في سوق النخاسة..؟! إذ ليس من الدقة ولا الصدق أن نستمر في التركيز على العدو الإسرائيلي بالرغم من دوره الأساسي في الكوارث والمصائب التي حلت بشعبنا، دون أن نلتفت إلى داخل بيتنا ومجتمعنا لنطهره من الفئران والطحالب الفاسدة والعفن، والتائهون والضائعون بين العجز والانحراف، والسرطان الذي ينمو وتزداد أورامه في أحشاء الأمة، والوجوه العفنة التي مسخت قضيتـنا العادلة، والعقلية المريضة التي لا تحرم الإثم والانحراف وإنما تحلله وتفلسفه وتنظر له، وتضع له القواعد والمرتكزات من خلال مصلحتها الذاتية التي ترتبط بالضرورة بمصلحة العدو فتصبح وإياه شيئـًا واحدًا.!

قد يقول البعض أن وجود مثل هؤلاء الناس أمر طبيعي داخل كل مجتمع وعند كل شعب من الشعوب، ونحن لا ننفي ذلك في المطلق، وقد يكون في ذلك بعض الحقيقة، ولكن التاريخ قد علمنا أيضـًا أنه ليس هناك شعب من الشعوب ترك كلابه وجواسيسه وعملاءه ومزوري تاريخه، والمتآمرين على قضاياه المصيرية، يمرحون ويسرحون، ويرتكبون الإثم ويحكمون، ويتصدرون المسؤولية في مواقع الإدارة والتوجيه وجميع مرافق الحياة العامة التي تقرر مصير الأجيال المقبلة، مثلما نفعل نحن دون محاسبة أو عقاب، حيث يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وحيث يستوي أصحاب الرسالات والقيم والقضايا الوطنية، بالتجار والمزاودين والعملاء والجواسيس، والدجالين الذين يعبثون باستقلال الأوطان، وشرف الأوطان، وكرامة الأوطان..!!

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع