حركة فتح تمر باخطر انقسام تنظيمي وسياسي في تاريخها
علمت "المجد" ان ضغوطاً فتحاوية وغير فتحاوية تتم ممارستها هذا الاوان
على مروان البرغوثي، لاقناعه بسحب ترشيحه لانتخابات السلطة قبل منتصف
الشهر الحالي الذي يعتبر اخر موعد قانوني للانسحاب من الترشيح·
وقالت مصادر عليمة "للمجد" ان قيادة فتح باتت تميل الى احتمال اقدام
البرغوثي على سحب ترشيحه، لقاء ثلاثة وعود جدية يتعهد بها منافسه محمود
عباس، وهي العمل الجدي لاطلاق سراح البرغوثي، والبدء في مسيرة اصلاح
شاملة داخل مؤسسات السلطة الفلسطينية، واعادة انصار البرغوثي الى لجنة
الاعداد للمؤتمر العام لحركة فتح في شهر آب القادم، بعد ان كان قد جرى
استثناؤهم منها لدى تشكيلها·
واشارت المصادر الى ان الحرس القديم في قيادة فتح يمارس مع البرغوثي
راهناً لعبة "العصا والجزرة"، حيث يقدمون له الاغراءات والتعهدات في
لقاءاتهم الخاصة معه، فيما يعمدون الى شن حملة سياسية واعلامية عليه
لهز صورته امام الرأي العام الفلسطيني، شأن ما فعلوا مؤخراً مع سهى
عرفات التي قصفوها اعلامياً وحرقوها شعبياً دون رحمة·
فقد شن "الحرس القديم" في حركة فتح هجمة شرسة ضد امين سر الحركة في
الضفة الغربية الاسير مروان البرغوثي لاقدامه على ترشيح نفسه كمرشح
مستقل في الانتخابات الرئاسية الفلسطينية، في مواجهة مرشح "الاجماع"
الفتحاوي محمود عباس، فيما انبرى "الحرس الجديد" في الحركة المؤيد
للبرغوثي للدفاع عن موقفه ولمؤازرته في ترشيحه لنفسه وحشد المؤيدين له
والتصدي لمناوئيه·
الهجوم من جانب الحرس القديم، والدفاع من جانب الحرس الجديد يكرس ما
يمكن وصفه باكبر انشقاق تتعرض له حركة فتح منذ قيامها عام 1956، ويزيد
من حدة التنافس في تلك الانتخابات، ويضعف من فرص محمود عباس الذي قيل
انه ضمن الفوز في غياب اي مرشح من جانب حركتي حماس والجهاد·
البرغوثي اعلن انه رشح نفسه تعزيزاً للديمقراطية والمشروع الوطني
الفلسطيني، ووفاء للاجئين وحق العودة ولقيم الانتفاضة والمقاومة، لكن
كبار قادة الحركة وجيلها القديم ردوا عليه بحدة واعتبروا ان ترشيحه يشق
صف الحركة ويضعفها في الانتخابات المقبلة، ويتسبب في قسمة الحركة
عرضياً بين قيادتها المركزية، وبين كوادرها وقواعدها·
من جهته اكد محمود عباس الذي رفض الخوض في مسألة ترشيح البرغوثي، ان
"الهيئات الفتحاوية اتخذت قراراً لا لبس فيه ولا ابهام ولا غموض، ولا
نستطيع ان نزيد على ما صدر" وذلك في اشارة الى قرار ترشيحه باسم
الحركة·
اما الطيب عبد الرحيم امين عام الرئاسة وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح
فقد شن هجوماً حاداً على البرغوثي ووصف قراره بانه مستغرب ومستهجن ولا
ينسجم مع قوانين حركة فتح، وانه نوع من التقلبات والعبث السياسي
ومحاولة للتشويش على المسيرة والثوابت الوطنية، مشيراً الى ان مروان قد
تخلى عن فتحاويته، مشدداً على ان الفتحاويين لا يتخلون عن "فتحاويتهم"
مهما كانت الضغوط·
قرار البرغوثي لم يغضب "دهاقنة" فتح فقط، بل وصل صداه الى الادارة
الامريكية التي دخلت على الخط ممثلة بمستشارة الامن القومي/ وزير
الخارجية لاحقاً كونداليزا رايس التي تدخلت لدى الجانب الاسرائيلي
للسماح لمسؤولين فلسطينيين بزيارة البرغوثي في سجنه، فيما وصف وزير
الخارجية/ المستقيل كولن باول الترشيح بأنه قد يطرح مشكلة!!
من ناحيته هدد عباس زكي بمعاقبة البرغوثي حركياً حين قال ان اللجنة
المركزية ستعالج موضوع خرق الحركة، وستتخذ اجراءات بصددها بعد استكمال
المعلومات والمشاورات، معترفاً بان قرار الترشيح يمكن ان يسبب انقسامات
في صفوف الحركة، وان تلك الخطوة جاءت مفاجئة·
وغلب زكي نظرية المؤامرة كدافع لترشيح مروان البرغوثي حيث قال انه
يعتقد ان مؤامرة تقف وراء قرار البرغوثي لطرح ترشيحه في الانتخابات
الرئاسية، غير انه لم يحدد الجهة التي تقف وراء القرار، وهو ذات المعنى
الذي ذهب اليه الطيب عبد الرحيم حين علق على الموضوع بقوله "هناك اوهام
لا ندري حتى الآن ما هي الجهة التي تدفع بالمتوهمين للاقدام على مثل
هذه الخطوات"·
واعترف صائب عريقات وزير شؤون المفاوضات في السلطة ان قرار البرغوثي
وضع حركة فتح في موقف صعب، فيما دعا نبيل ابو ردينة، ونبيل شعث،
البرغوثي الى التراجع عن خوض سباق الرئاسة الفلسطينية، معربين عن خيبة
املهما للقرار بعد ان اعلن صاحبه دعم محمود عباس في الانتخابات
القادمة·
ونسبت العديد من التقارير الى مصدر وصفته بأنه مقرب من محمود عباس
واغفلت ذكر اسمه قوله ان البرغوثي يلعب لعبة تكتيكية، معرباً عن أمله
في ممارسة الضغوط على حركة فتح لاعطاء الجيل الاصغر سناً تمثيلاً وسلطة
اكبر في الحركة·
ونقل عن علاء سناقره بصفته القائد العام لكتائب شهداء الاقصى رفضه ما
وصفه بـ "تجزئة القرار الفتحاوي لما فيه من خطورة على وحدة الشعب
الفلسطيني، خاصة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ شعبنا" مناشداً
البرغوثي الالتزام بقرار اللجنة المركزية والمجلس الثوري واللجنة
التنفيذية، ومؤكداً على انه لا يمكن لاحد ان يطعن في وطنية المناضل
الوطني الكبير مروان البرغوثي، لكن الالتزام بالقرار الفتحاوي هو
الاساس·
اما زكريا الزبيدي قائد كتائب الاقصى في الضفة الغربية فقد دعا مروان
البرغوثي للتراجع عن قرار ترشيح نفسه، مؤكداً التزام الكتائب بقرار
الحركة الذي رشح محمود عباس كمرشح شرعي ووحيد لها·
واعرب الزبيدي عن استغرابه وجماعته قرار البرغوثي وتراجعه عن موقفه
السابق في دعم عباس، وطالبه - وهو اخ مناضل وعريق - بالالتزام بقرارات
الحركة والعودة لقراره الاول، داعياً اياه الى الاستقالة من حركة فتح
اذا اراد الاستمرار بترشيح نفسه، مؤكداً حرص الكتائب على ثوابت وخيارات
وتراث حركة فتح، داعياً للحفاظ على روح الديمقراطية والتنافس الوطني في
الانتخابات·
وكانت كتائب شهداء الاقصى/ الجناح العسكري لحركة فتح قد اكدت في بيان
صادر عنها دعمها لمحمود عباس، ودعت البرغوثي الى العدول عن ترشيحه
حفاظاً على ما قالت انه وحدة الحركة ومنهجيتها، وصوناً لدماء الشهداء
والمقاومة حتى التحرير والاستقلال·
وفي ذات الاطار ادانت حركة فتح في لبنان قرار مروان البرغوثي بقسوة
بالغة، وقالت في بيان صادر عنها ان القرار يشكل "مساساً بالثقة التي
منحته اياها الحركة كمناضل في سجون الاحتلال، مشيرة الى ان "الترشيح من
سجون الاحتلال وفي الساعات الاخيرة لانتهاء الوقت المحدد لاعلان
الترشيح لا يخدم سوى اعداء الحركة الذين يضمرون لها الشر، وفي طليعتهم
شارون الذي يريدها ضعيفة وعاجزة عن قيادة الشعب الفلسطيني"، ومعرباً عن
أمله في "ان لا يكون قرار البرغوثي نتيجة ضغوط او اغراءات اسرائيلية لم
يستطع مقاومتها" داعياً جميع ابناء الحركة الى الوقوف بقوة خلف عباس
كمرشح وحيد لحركة فتح"·
هذه الانتقادات بلغت من القسوة درجت لا تليق بأن يقذف بها مناضل مثل
البرغوثي والتي بلغت حد التجريح حيث قيل "ان البرغوثي بات مرشح زوجته
فدوى"، او "ان قرار ترشيحه لم يكن قراراً مستقلاً بل بناء على رغبة
زوجته"، او "ان الفلسطينيين دخلوا عصر القيادة النسائية، فبعد ان كانت
سهى تتحكم في المعلومات المتعلقة بصحة الرئيس عرفات قبل وفاته وبعدها،
جاء دور فدوى البرغوثي لتحدد لمروان ان يرشح نفسه لانتخابات رئاسة
السلطة"·
مقابل ذلك، ابدى قطاع واسع من شباب حركة فتح تأييدهم القوي لترشيح
البرغوثي الذي يحظى بشعبية واسعة في اوساطهم ارتفعت اسهمها بعد انتفاضة
الاقصى عام 2000 التي كان يعتبر المتحدث باسمها واحد قادتها مما رشحه
لخلافة عرفات في زعامة الحركة، قبل ان يعلن عدم نيته الترشح ودعوة
ابناء فتح الى دعم محمود عباس وتراجعه عن ذلك لاحقاً·
وقد حاول العديد من المراقبين استنباط الدوافع والعوامل التي جعلت امين
سر حركة فتح الاسير الذي يقضي عقوبة بالحبس في سجن بئر السبع
الاسرائيلي مدتها خمسة مؤبدات قد تناهز مئة عام، لكن مصادر مقربة منه،
زارته في زنزانته واستمعت اليه مطولاً عزتها الى مواقف "سياسية وطنية"
او "عوامل شخصية ذاتية"، وهي تستند في مجملها الى ما وصل اليه من
معلومات وتصريحات صدرت من عدد من المسؤولين الفلسطينيين عن القضية
الفلسطينية عبر وسائل الاعلام، مروراً بـ "الطريقة المهينة" التي تم
التعامل معه فيها خلال عملية التصويت التي جرت في المجلس الثوري التابع
لحركة "فتح" حيث أشير اليه على انه من بين "الغائبين" الـ 17 الذي لم
يشاركوا في الجلسة، وقيل ان هذه "اثرت فيه" لكنها لم تكن سبباً في
اتخاذ القرار·
يضاف الى ذلك تعاطي القيادة الفتحاوية مع قراره دعم مرشحها محمود عباس
ببرود و"تجاهل"، كما قال ابو عين الذي زاره في السجن، من دون كلمة
"تقدير" او تعليق على قراره بعدم الترشح الذي اعلنه نيابة عنه الوزير
بلا حقيبة قدورة فارس الجمعة قبل الماضي·
واضافت المصادر ان البرغوثي تلقى من عدد كبير من مؤيديه رسائل تتهمه بـ
"التخلي عن نهج الانتفاضة والمساهمة في دفنها من خلال قراره عدم ترشيح
نفسه"·
على صعيد متصل اكد عضو اللجنة الحركية العليا المقرب من البرغوثي احمد
غنيم ان السبب الاساسي الذي حمل البرغوثي على الترشح هو "حماية خط
الانتفاضة"، مؤكداً ان البرغوثي اشار في الرسالة التي بعث بها اليه انه
"تجمعت لدي (لدى مروان) مجموعة من المعلومات الناتجة عن مسؤولين دوليين
واقليميين ومحليين مفادها ان حقبة الرئيس الراحل ياسر عرفات حقبة متهمة
بالارهاب وان ثمة فرصة حقيقية بعده للسلام، وهذا اتهام يبرئ شارون
وحكومته من حقيقة انها هي التي تمارس الارهاب"·
واضاف موضحاً قرار البرغوثي الاول عدم ترشيح نفسه : "اراد مروان ان
يعطي فرصة للمؤسسات الحركية في فتح كي تبلور خطاً يضيق الفجوة بين
البرنامجين، برنامج المقاومة والبرنامج الاخر من دون ان يخطف طرف رؤية
الطرف الاخر، لكن ذلك لم يحدث"·
وزاد : "نحن نريد ان نستفتي الشعب الفلسطيني : هل هو مع برنامج
الانتفاضة والمقاومة او البرنامج الآخر"·
من جانبها توقعت صحيفة "هاآرتس" الاسرائيلية على لسان مراسلها للشؤون
الفلسطينية "داني روبنشتاين" ان يتم ممارسة ضغوط كبيرة على البرغوثي
لسحب ترشيحه، لافتة الى ان ترشيحه يشكل مساً شديداً بمكانة محمود عباس،
كما ان هذا الترشيح يعتبر هو التحدي السياسي الجدي لزعامة عباس·
ونقلت هاآرتس عن زياد ابو عين وهو من رفاق البرغوثي المقربين قوله ان
مروان كان ملزماً بطرح ترشيحه في ضوء الضغط الشديد الذي مارسه الآلاف
الذين توجهوا اليه، مشيرة الى تقديرات اخرى تقول ان خضر شقيرات محامي
البرغوثي اوصاه بترشيح نفسه كمناورة لعقد صفقة تحريره من السجن، حيث
يمكن له سحب ترشيحه مقابل وعد جدي من محمود عباس ببذل اقصى الجهود لحمل
اسرائيل على اطلاق سراحه
http://almajd.net/
|