9/3/2005
أزمة "فتح"
الداخلية في ضوء المعادلات المتقاطعة
التشريعي للمحتجين وقيادة الحركة للمركزية.. حل مؤقت هل يستطيع
الصمود..؟
شاكر الجوهري
التنازلات التي قدمت للكادر المستقيل من عضوية مكتب التعبئة والتنظيم
في الضفة الغربية ليست كافية ومع ذلك فقد وضعت نهاية نظنها مؤقتة
للأزمة الناشبة, والمستعرة داخل حركة "فتح".. ذلك أن هذه التنازلات
جزئية, وتنحصر في محاولة لتلبية مطالب المحتجين المتعلقة بانتخابات
المجلس التشريعي, دون أن تتجاوز ذلك إلى تلبية المطالب المتعلقة
بانعقاد المؤتمر العام للحركة. وكأن اللجنة المركزية, التي وحدتها
الأزمة مرحليا, تريد أن تقدم تنازلات موضعية للكوادر المحتجة, مقابل
احتفاظها بالسلطة الفعلية في كل الأحوال.
ما
فجر الأزمة الراهنة عاملان رئيسان:
الأول: عدم بدء استعدادات فعلية لعقد المؤتمر العام السادس للحركة,
ووجود من يجاهر داخل اللجنة المركزية باحتمالية عدم التمكن من عقده.
الثاني: اصرار اللجنة المركزية على أن تتولى تشكيل قائمة مرشحي حركة
"فتح" للإنتخابات التشريعية المقبلة, دون أخذ رأي التنظيم بعين
الإعتبار.
هذا
ما فهم صراحة من التصريحات العلنية التي صدرت عن الكوادر المحتجة,
والتي هددت بعقد اجتماع موسع للكادر الفتحاوي اليوم (الخميس) على مستوى
الضفة الغربية لبحث الخطوات المقبلة الهادفة إلى تعزيز المشاركة في صنع
القرار.
صخر
حبش, عضو اللجنة المركزية, مفوض الشؤون الفكرية والدراسات, والذي يحظى
بمحبة الكادر الفتحاوي أكثر من غيره من أعضاء "المركزية", أعلن
الثلاثاء, مستبقا انعقاد الإجتماع الحاسم للجنة المركزية الإربعاء,
والإجتماع الموسع للكوادر الخميس موافقة المركزية على استطلاع رأي
الجمهور بشأن المرشحين الفتحاويين الأكثر قبولا لانتخابات المجلس
التشريعي, وعلى اجراء انتخابات داخلية (برايمرز) لفرز هؤلاء المرشحين
من قبل التنظيم نفسه.
ولكن ماذا عن المؤتمر العام, والإستعداد لعقده..؟ لا شيء حتى الآن. وهو
ما يدعو للتساؤل عن جدوى التنازل المتعلق بكيفية اختيار مرشحي "فتح"
للمجلس التشريعي, إن كان هؤلاء بعد فوزهم سيظلون ملتزمين بقرار اللجنة
المركزية الحالية, التي لا تبدي حماسا يذكر لعقد المؤتمر العام للحركة,
رغم مضي ستة عشر عاما على عقد المؤتمر العام الخامس سنة 1989..؟!
ولهذا, يطرح حسين الشيخ أمين سر مرجعية "فتح" في الضفة الغربية,
المستقيل, السؤال الكبير: هل يعقل أن تبنى مؤسسة وسلطة وطنية فلسطينية,
ودولة فلسطينية ديمقراطية إذا لم نحافظ على دمقرطة "فتح" نفسها..؟
التنازل الذي قدمته اللجنة المركزية, مع أنه تم تحت ضغط الكادر
الفتحاوي, إلا أنه لا يشكل تنازلا حقيقيا. وذلك لوجود فاصل زمني من
الآن, وحتى موعد الإنتخابات التشريعية في تموز/يوليو المقبل, يمكن
توظيفه من أجل تأجيل جديد للإنتخابات ذاتها, أو التراجع عن التنازل أو
الإلتفاف عليه, علما أنه في كل الأحوال, ليس بتنازل جوهري, طالما أن
الغالبية العظمى من أعضاء المركزية فازت في المؤتمرات العامة السابقة
لحركة "فتح" بفضل "فهلوة" عرفات, وهي لا تتجرأ على خوض انتخابات شعبية
عامة لأن فشلها فيها مؤكد.
ومهم هنا التذكير بأن اللجنة المركزية هي التي قررت تأجيل انتخابات
المجلس التشريعي وعدم اجرائها بالتزامن مع انتخابات رأس السلطة, موظفة
مبررات واهية من أجل تسويق قرارها.
ولعل أخطر ما في تحرك الكوادر الفتحاوية المحتجة هو أنها تعمل لأول مرة
في تاريخ حركة "فتح" خارج لعبة توزيع الأدوار المتفق عليه سابقا ـ أو
لاحقا ـ بين أعضاء اللجنة المركزية. فهم, وإن كانت ممارسات هاني الحسن
مثلت القشة التي قصمت ظهر بعيرهم, إلا أنهم لم يلجأوا إلى الإستناد
والحصول على دعم عضو أو أعضاء آخرين في اللجنة المركزية, وذلك من موقع
ادراكهم عدم وجود تمايز حقيقي بين عضو وآخر من أعضاء هذه اللجنة, وأن
جميع اعضائها متحدون, رغم ما صنع الحداد بينهم, في مواجهة المطالب
الإصلاحية للتنظيم.
لذلك, فقد وجدنا الكادر المحتج يوجه انتقاداته للجنة المركزية جملة,
ولا يقصرها على شخص هاني الحسن, متعاملا مع الجميع على قدم المساواة.
فالإستقالة الجماعية تقدم لمحمود عباس رئيس السلطة, نائب أمين سر
الحركة, كما تقدم في ذات الآن إلى فاروق القدومي رئيس الحركة, رغم
الخلافات المستعرة تحت وفوق الرماد بين الرجلين. وهم (المحتجون
المستقيلون) يلتقون عباس في رام الله, ويعتزمون التوجه لالتقاء القدومي
في تونس.. كما أنهم يعتزمون التقاء محمد راتب غنيم (أبو ماهر) مفوض
التعبئة والتنظيم المركزي, ليشكوا له هاني الحسن رأس مكتب التعبئة
والتنظيم في الداخل, الذي عينه عرفات ابتداء بشكل مخالف للنظام الداخلي
الذي لا ينص على وجود مثل هذا الموقع.
ولكن, لماذا شكل الخلاف مع هاني الحسن شرارة الأزمة الأولى..؟
يمكن تلخيص ذلك في أن هاني الحسن يمثل اللجنة المركزية في التعامل مع
هؤلاء, فضلا عن أنه رجل فوقي في التعامل, ويغلب مصالحه الذاتية على أي
شيء آخر, ولا يمكن لأحد أن يأخذ منه حقا أو باطلا, سوى بعض حلاوة من
طرف اللسان..!
اللجنة المركزية, في المقابل, كان تعاملها مع حركة الإحتجاج, والقائمين
بها غير متجانس.
فهاني الحسن, الذي غير من تكتيكاته بعد وفاة ياسر عرفات, فعمل على
تحويل ولائه لأبي مازن, خصم الأمس اللدود, ورئيس اليوم, مديرا ظهره
مواربة لحلفاء الأمس, ارتأى أن يتشاور مع رئيس السلطة بشأن ما جرى
ليوحد موقفه معه.
وأبو مازن نفسه الذي خاض صراعه مع عرفات, ثم خاض انتخابات رئاسة
السلطة, تحت شعار الإصلاح, فقد حاول احتواء حركة الإحتجاج عبر التأكيد
على أن الإستقالات شيء طبيعي, وكذلك الإختلاف في وجهات النظر. بل إنه
أضاف "أن شباب "فتح" يريدون التغيير والتجديد, وهم يعبرون عن رأيهم
بطريقة ديمقراطية, وهذا من حقهم".
بالطبع, فإن أبو مازن يحاول هنا أن يتماهى مع طروحاته السابقة التي برر
بها احتضانه للعقيد محمد دحلان, الوزير في حكومته السابقة, والوزير في
حكومة عهده الأولى الآن, ما دام الدحلان عمل هو الآخر على توظيف حالة
الإحتقان داخل التنظيم بمواجهة اللجنة المركزية من أجل تحقيق طموحاته
الذاتية, ولأن المصالح الذاتية هي الأساس, فقد قبل بالوزارة مرتين,
متناسيا شعارات الإصلاح في كل مرة منهما.
وليس هذا ديدن الدحلان وحده, لكن هذا ما يفعله الآن معظم, إن لم نقل
الأغلبية الساحقة من أنصار أبو مازن, الذين كانوا يطالبون بالإصلاح في
عهد عرفات رافضين تأجيل الإصلاح إلى ما بعد التحرير, لينقلبوا الآن,
بين ليلة وضحاها إلى منتظرين لضرورة تغليب التحرير والإستقلال الوطني,
باعتباره القضية المركزية الأولى للشعب الفلسطيني على شعار الإصلاح
الذي يمكن تأجيله..!!
والوقع أنه يصعب, إن لم يكن محالا الفصل بين التنازل السياسي والسيادي
والفساد, لأن التنازل في حد ذاته هو ذروة الفساد, ولا يمكن تصور حدوثه
على أيدي غير الفاسدين. وهذا فقط ما يمكن له أن يفسر الشعار الراهن:
تأجيل الإصلاح إلى ما بعد تحقيق التحرير, أو التنازل الأساسي ـ لا فرق
..!
أما
القدومي الذي اندلع الخلاف بين قادة التنظيم واللجنة المركزية فيما
كانت تستعر خلافاته تحت الرماد مع أبي مازن على قاعدة سياسية تتعلق
بالموقف من كيفية ادارة الصراع مع اسرائيل, وأخرى تنظيمية تتعلق بموقفه
كوزير لخارجية دولة فلسطين لا يقر أو يوافق على سياسات عباس, فقد وجد
في الإستقالات طاقة فرج يمكنه من خلالها أن يعمل على تكريس دوره.
وهو, قبل أن يصل وفد المحتجين إلى تونس ليقدم مطالبه, سارع إلى تكليف
غسان المصري, المتحدث الرسمي باسم الدائرة السياسية لمنظمة التحرير
الفلسطينية كي يعلن تفهم رئيس حركة "فتح" لمطالب كوادر الحركة الذين
يعبرون عن احتجاجهم على اوضاع الحركة, داعيا اياهم إلى المشاركة في
صناعة القرارات, والمطالبة بالعمل على عقد المؤتمر العام السادس, لأن
الكوادر يجب أن يرفدوا مؤسسات "فتح" في جميع المستويات القيادية بالطرق
الديمقراطية الحرة.
ماذا يعني ذلك..؟
إنه
يعني باختصار شديد أن القدومي قرر خلط اوراقه بأوراق كوادر الإحتجاج في
حركة "فتح" من أجل:
اولا: تكريس قيادته للحركة.
ثانيا: العمل على تكريس خطه السياسي, الناقد لكيفية ادارة عباس للطرح,
داخل حركة "فتح".
ثالثا: العمل على عقد المؤتمر العام السادس للحركة خارج الأراضي
الفلسطينية, ما دامت أجهزة السلطة الأمنية جاهزة لفرض رجال عباس على
المؤتمر, وما دام المحتجون يطالبون بالفصل بين الأجهزة الأمنية
والتنظيم. وهذا ما سبق أن طالب به صخر حبش أحد أكبر حلفاء القدومي منذ
بداية قيام السلطة.
والذين تابعوا زيارات القدومي المتتالية للعاصمة الأردنية, ادركوا بشكل
مباشر كيف تحول مقر اقامته في عمان إلى قبلة لكوادر وقيادات التنظيم في
الداخل, يأتوا ليبثوا له همومهم وشكاواهم, وينتظرون منه الدعم عبر
قرارات حاسمة لا ندري إن كان اتخذها, أم أنه ينتظر اولا عقد اجتماع
للجنة المركزية برئاسته خارج الأراضي الفلسطينية.
ولكن, هل يمكن للقدومي أن يجمع بين دعم اللجنة المركزية له, واحترام
كوادر الإحتجاج..؟!
المتابعون للملف الفلسطيني يقولون إن هذا ممكن فقط في حالة انعقاد
المؤتمر السادس خارج الأراضي الفلسطينية, وعلى قاعدة فرز اوراق اعضاء
اللجنة المركزية التي ظل عرفات يجمعها بكل تناقضاتها طوال المرحلة
الماضية, ولم يعد يجمعها الآن غير مصالح اطرافها في التصدي لحركة
التغيير والإصلاح.
يجب
أن نضع في الإعتبار كذلك امرين هامين:
اولهما: صعوبة تحقيق قاسم مشترك سياسي بين القدومي ورموز الإحتجاج, ذلك
أنهم أقرب سياسيا إلى أبي مازن منهم إلى القدومي.
ثانيهما: أن أبو مازن أقدر على التعامل مع هؤلاء من القدومي, ذلك أنه
ورث عن عرفات اسلوب الدفع, فضلا عن أن المال بات الآن تحت سيطرته, في
حين أن القدومي لا يملك المال, فضلا عن أنه مقتر في انفاقه على من
حوله.
وفي
الأساس, المحتجون يريدون ضمان مصالحهم, إلى جانب انحيازهم سياسيا إلى
جانب التسوية كخيار أول, دون أن نسمع أن احدهم يرفع الآن شعار
المقاومة.
هؤلاء يبدون حرصا على ضمان ترشحهم للإنتخابات التشريعية كي يحافظوا على
مواقعهم, وهذه المواقع تتهددها مزاجية اللجنة المركزية في اختيار قائمة
المرشحين, التي تم حلها الآن, كما يتهددها ارتفاع شعبية ومنافسة حركة
"حماس", كما اظهرتها نتائج الإنتخابات البلدية التي اجريت حتى الآن.
وهو يختلفون مع "حماس" انتخابيا بقدر ما يختلفون معها سياسيا, وهو ما
يدعو للتساؤل: كيف يمكن للقدومي أن يتفق تنظيميا وانتخابيا مع الذين لا
قواسم سياسية مشتركة تجمعهم به..؟!
لهذا نرجح أن الحل الذي تم التوصل إليه بين أبو مازن والمحتجين قد يكون
مرشحا للديمومة فقط في حالة وافق هؤلاء على أن تكون عضوية التشريعي
لهم، لكنها في خدمة الخط السياسي لأبي مازن، وأن تظل قيادة الحركة
للجنة المركزية بتركيبتها الحالية، وذلك ما لم تكن طموحاتهم تتجاوز
"التشريعي" إلى المركزية.. عندها لن نفاجأ بتكاتف جميع أعضاء المركزية
وتجاوزهم لكل خلافاتهم السياسية، وعلى طريقة تهديد القدومي بفصل مروان
البرغوثي من عضوية الحركة حين قرر منافسة أبو مازن على رئاسة
السلطة..!!
|