فلسطينيو الشتات: من لاجئين إلى مغتربين

(الجزء الثاني) من: حق العودة ومحاولات الالتفاف عليه

 

بعد نشر الجزء الأول تحت عنوان (سموم محمود عبّاس) توالت التصريحات والمواقف التي تثبت ما ذهبنا إليه من أن ما يجري هو خطة منظمة لإسقاط حق العودة تحت مسميات مختلفة من تجنيس إلى واقعية إلى رغبة بعدم العودة، حيث كشفت صحيفة معاريف العبرية في عددها الصادر الجمعة 22/07/2005 النقاب عن ان "رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية" محمود عباس (ابو مازن)، وجه مؤخرا رسالة سرية الي ارييل شارون، جاء فيها انه علي اقتناع تام بان حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الي ديارهم التي شردوا منها في نكبة العام المشؤوم 1948 ليس واقعيا وانه ليس بالامكان تحقيقه، مضيفا انه مدرك تماما بان عددا قليلا من اللاجئين يمكنهم العودة الي بيوتهم في الدولة العبرية. وقال المراسل السياسي للصحيفة بن كاسبيت، الذي استند في تقريره الي مصادر سياسية وصفها بانها مقربة جدا من ديوان شارون، ان رسالة "رئيس السلطة" الي شارون تم ايصالها بواسطة احد الاثرياء اليهود الذي يعيش في غرب الولايات المتحدة الامريكية والذي تربطه بعباس علاقات وطيدة. وشددت الصحيفة علي ان رسالة عباس تضمنت اقتراحا لشارون مفاده ان قضية حق العودة يجب ان تتم مناقشتها في قناة سرية للغاية للوصول الي حل خلاق لهذه القضية، مع التشديد علي ان جميع الفلسطينيين زودوا حقيقة دامغة وهي ان عودة اللاجئين جميعا الي ديارهم مستحيلة، بالطبع ما كنت سأعتمد على مصدر عبري لولا أن الخبر نشر في معظم الصحف الفلسطينية دون نفي من قبل عبّاس أو من يتبرع عادة للدفاع عنه.

التركيز على حق العودة ومحاولات إسقاطه في هذه الفترة تحديداً ليس صدفة، أو حرصاً على اللاجئين، بل لأن موضوع اللاجئين وحقهم في العودة يشكل لب الصراع في المنطقة، والعقبة الكأداء في وجه مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، وهو يطرح اليوم وبإلحاح في الأوساط الرسمية وكذا الشعبية سواءاً في الداخل الفلسطيني، أو في أوساط تجمعات الفلسطينيين في الشتات، وسط بث لسموم من نوع آخر تعتمد على تشويه فلسطينيو الشتات، وتزوير آرائهم، والإيحاء بأنهم ملّوا وسئموا القضية برمتها، وأنهم على استعداد للقبول بأي حل مهما كان.

لهذا يأتي الجزء الثاني مركزاً على فلسطينيي الشتات، وما يحاك لهم في الظلام من قبل الثنائي عبّاس-دحلان وباقي رموز أوسلو، ورغم تشعب الوضوع وتعقيداته، إلا أني سأحاول التركيز على الأمور الرئيسية فقط، تاركاً التفاصيل للقاريء للبحث والتمحيص.

نبذة عامة:

نشأت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين نتيجة لحرب عام 1948، وعرفت أحداثها بما أصبح يعرف بـ (النكبة) وتفاقمت المشكلة نتيجة لحرب حزيران عام 1967، التي أفرزت مصطلحاً جديداً يعرف بـ (النازحين)، وقد اندلعت حرب عام 1948 (النكبة) في أعقاب اتخاذ الجمعية العامة للأمم المتحدة للقرار رقم 181 بتاريخ 29/11/1947 (خطة التقسيم)، الذي خصص نسبة 56.47% من مساحة فلسطين لدولة يهودية، في الوقت الذي كان فيه اليهود يشكلون اقل من نسبة ثلث السكان ويسيطرون على أراضي لا تزيد مساحتها عن نسبة 7% من إجمالي مساحة فلسطين، وقد نجم عن هذه الحرب احتلال إسرائيل لحوالي 78% من المساحة الإجمالية لفلسطين، واقتلاع السكان الفلسطينيين الأصليين من وطنهم بالقوة العسكرية أو الطرد أو محاولة النجاة من المذابح والاعتداءات والانتهاكات الأخرى التي كانت ترتكبها مجموعات منظمة يهودية سرية أو عسكرية.

تعتبر قضية اللاجئين الفلسطينيين اقدم مشكلة للاجئين في العالم. ويبلغ تعدادهم اليوم حوالي ستة ملايين لاجئ فلسطيني، ويشكلون قرابة ثلثي تعداد الشعب الفلسطيني، ويعتبر الخبراء أن اللاجئين الفلسطينيين يشكلون اكبر مجموعة لاجئين فردية في العالم (بمعدل زيادة سنوية قدرها 3%).

وقد تعارف الباحثون على تصنيف اللاجئين في ثلاث مجموعات: لاجئي الفترة 1947 - 1949؛ والأشخاص الذين تم تشريدهم نتيجة حرب 1967 (النازحين)؛ والأشخاص الذين انتهت مدة تصاريح سفرهم الإسرائيلية إلى الخارج وأصبحوا يعرفوا بفاقدي هوية الإقامة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، أي مواطني الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الذين تجاوزا الفترة التي تسمح بها تصاريح سفرهم الإسرائيلية في الخارج ومنعوا من العودة إلى الأراضي المحتلة.

لقد شكلت قضية اللاجئين الفلسطينيين قضية جوهرية في الصراع العربي ـ الإسرائيلي منذ عام 1948، ولا توجد حتى الآن اية بوادر لحل سياسي عادل لها. ومنذ مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط الذي عقد عام 1990، تتركز الجهود حول معالجة قضية نازحي عام 1967 أولاً، مع تأجيل لقضية لاجئ عام 1948 إلى مفاوضات الوضع الدائم. ويعود ذلك إلى اعتقاد مفاده أن حل مشكلة النازحين من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 يعتبر أسهل من قضية أولئك اللاجئين الذين هجروا من وطنهم عام 1948 والذي أصبح يعرف بإسرائيل.

ارتبطت قضية اللاجئين إرتباطاُ وثيقاً بقضية فلسطين ومرت تبعاً لذلك بمراحلها الواحدة غير القابلة للتجزيء، وبالتالي تأثرت سلباً وإيجاباً بسياسات "القيادة" الفلسطينية التي انعطفت بالقضية ومنذ السبعينيات نحو تصفيتها والقبول بما يُعرض عليها، سواءاً بالنسبة لفلسطين الجغرافية التاريخية، أو لقضية اللاجئين، وهو ما سيأتي تفصيله في جزء لاحق.

فلسطينيو الخارج/الشتات:

يقول المرحوم أحمد صدقي الدجاني في دراسته "مستقبل فلسطينيو الخارج في ظل اتفاقات التسوية":

إن تحديد من هم فلسطينيو الخارج اليوم يتطلب منا أن نستحضر تحديد من هم الفلسطينيون اليوم، لأن فلسطينيي الخارج هم جزء من شعب فلسطين، يحملون هويته الفلسطينية. وحين نتأمل في الهوية - أية هوية- نجد أنها تتجلى في رؤية (ذاتية) فردية وجماعية، وفي رؤية الأخر لحامل هذه الهوية.

هذه "الرؤية الذاتية" الجماعية للهوية الفلسطينية، تتجلى عند الفرد الفلسطيني برؤية ذاتية لذاته وهويته، فهو عربي فلسطيني ابن عربي فلسطيني ينتمي إلى فلسطين العربية التي هي جزء من وطن عربي كبير، وللشعب العربي الفلسطيني الذي هو جزء من شعوب الأمة العربية، وللحضارة العربية الإسلامية التي شارك في إقامتها العرب مسلمون ونصارى وملل أخرى ومع العرب أقوام آخرون. وهكذا ففلسطين في نظر هذا الفرد أرض آبائه وأجداده، وهي أيضا أرض أبنائه وأحفاده، وهي الوطن المحتل ونصب عينه تحريره. وقد يحدث أن يضطر فرد فلسطيني إلى (تناسي) هذه الرؤية أو (إنكارها) تحت ضغوط معينة، ولكنه يشعر أنها لا تزال تحكمه في داخله، وأن هويته الفلسطينية كامنة فيه. كما قد يحدث أن ينشأّ فرد من أصل فلسطيني على هوية أخرى جديدة، ثم تأتي لحظة تتفاعل فيها ظروف خارجة عنه يكتشف فيها هويته الأولى فيقبل على تتبع جذوره ولا يلبث أن يكوّن رؤيته الذاتية لهويته الفلسطينية.

رؤية الآخر لحامل الهوية الفلسطينية، تسهم إسهاما فعالا في تعزيز الهوية الفلسطينية، وفي تقوية الرؤية الذاتية الجماعية والفردية لها. والحق أن (الآخرين) كثيرين على صعيد رسمي جماعي في حكومات كثيرة ينظرون إلى كل ما هو من أصل فلسطيني على انه فلسطيني مهما كانت الجنسية التي صار يحملها. وذلك لأسباب مختلفة، لعل من أهمها ما خططت له قوى الطغيان الدولية والصهيونية في قلبها، من وضع الفلسطينيين تحت نظر أجهزتها الخفية تحسبا من قيامهم بالعمل لتحرير وطنهم، ومن مواجهتهم بإجراءات تجعلهم مشغولين بدرجة كبيرة بتذليل صعوبات أمورهم الحياتية اليومية من كسب رزق وعمل مرخص وتنقل وإقامة وتعليم وصحة. ويحرك قوى الطغيان هذه شعور كامن بالإثم بما فعلته بهم وخوف كامن من متابعتهم العمل لاستعادة وطنهم. وهكذا يجد كل من كان من أصل فلسطيني نفسه في نظر هذه الحكومات أنه فلسطيني أيا كانت جنسيته الحالية، وهو يعامل معاملة جوهرها كونه فلسطينيا. ويتجلى هذا في معاملة دخول الدول ومنها المطارات.

الهوية الفلسطينية إذا باقية. وهي تشمل اليوم كل أبناء الشعب العربي الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها. وكل واحد من هؤلاء (فلسطيني)، ومنهم كثيرون يعيشون خارج فلسطين لا يمكنّون من العودة إليها، مع أنها وطنهم ووطن آبائهم وأبنائهم. وهؤلاء هم (فلسطينيو الخارج) الذين يسميهم البعض (فلسطينيي الشتات) وتتفاعل لديهم رؤيتهم للذات ورؤية الآخر لهم، لتبرز هويتهم الفلسطينية التي تجمعهم بإخوانهم الموجودين داخل فلسطين الذين يشكلون معا شعب فلسطين العربي أحد شعوب أمتنا العربية.

فلسطينيو الخارج اليوم لهم قضيتهم التي هي جزء من قضية فلسطين. وجوهر هذه القضية تطلعهم للعودة إلى وطنهم فلسطين، والحفاظ على حقوقهم، في وقت يحول المحتل بالقوة دون عودتهم، ويسعى مع قوى هيمنة دولية إلى إنكار حقوقهم. والغالبية العظمى من فلسطينيي الخارج يبرزون هويتهم الفلسطينية العربية ويعتزون بها شأن بني البشر في تعاملهم مع هوياتهم. – إنتهى الاقتباس

مفاهيم مغلوطة:

·     إن سلطة أوسلو ومنذ دخول رموزها إلى الوطن السليب وهي لا تألوا جهداً في دق اسفين الفرقة والتفريق بين ابناء الشعب الواحد، فتارة نسمع عبارات فلسطينيو الداخل والخارج، و48 و67 ، والضفة وغزة وغيرها من التقسيمات المبتدعة، وتارة يكون التقسيم بين المدن وقراها أو على أساس حركي فصائلي كل حسب إنتمائه. هنا لابد من التأكيد على وحدانية هذا الشعب وتماسكه وإصراره على حقوقه كاملة وأهمها حق العودة الذي تجري المفاوضات السرية بشأن إسقاطه بطرق إلتفافية.

·     هذه التقسيمات اتخذت بعداً آخر بمحاولة إبراز اللاجيء خارج المخيمات وكأنه يعيش في نعيم أرضي، لا يهمه حق العودة، ولا ما يجري داخل الوطن المحتل، واستعداده التام للقبول بما يطرح عليه وبانسياق تام، وفي هذا جهل واجحاف وتهميش وخداع.

·     أن معظم من يعيش من الفلسطينيين في الخارج ليسوا من سكان القصور وأرباب النعم كما هو حال أزلام أوسلو، بل أغلبهم ممن هاجر بحثاً عن لقمة العيش ولتحسين وضعه الإقتصادي والمادي، وأغلبهم يعيش عيشة "مستورة"، أما من رزقه الله فهو من حر ماله وتعبه ونتاج لسنوات من الغربة والعمل، وليس نهباً من أموال الشعب وعرقهم وقوتهم كما هو حال تجار الأسمنت والسيارات والخاوات والفنادق 5 نجوم والتي يدّعي المتهمون فيها أنهم إصلاحيون، ولو كان الفلسطيني في الخارج كما تصفه هذه الأقلام مرفهاً يتنقل بين الخمّارات لما اهتم بوطنه وشعبه وحمل همومه ولكان انصرف لما هو فيه، فعجباً على زمن تنقلب فيه الحقائق ويصبح فيه ستة ملايين فلسطيني خارج الوطن المحتل متّهمون معيّرون بغربتهم!

·     منذ بدأ مسلسل التفريط بالحقوق والتجاهل والتهميش التام لفلسطينيي الشتات، انطلقت مبادرات وحملات شعبية في المخيمات وكذلك في الدول الغربية حيث يوجد تواجد لتجمعات فلسطينية، وتشكلت لجان العودة وعقدت المؤتمرات المؤكدة على حق العودة واستحالة التفريط فيه، ليصبح أبناء فلسطين في الشتات رأس الحربة ضد مشاريع التصفية التي تحاول سلطة أوسلو تمريرها.

·     لقد كان دور اللاجئين والفلسطينيين في الشتات بارزاً وملحوظاً في دعم أهلهم وشعبهم في الانتفاضة الأولى والثانية، سواءاً الدعم المادي أو المعنوي والسياسي، وهو ما اعترف به العدو قبل الصديق، ليس منة أو صدقة لكن واجباً من أبناء الشعب الواحد.

·          رغم ذلك تصر أبواق مأجورة واستطلاعات مشبوهة مدفوعة الأجر على تصوير اللاجيء في الخارج بصور واهية وهو ما ذهبت إليه استطلاعات أجراها مركز يشرف عليه المدعو خليل الشقاقي ليدعي أن 10% فقط يرغبون بالعودة، وهو ما كرره محمود عبّاس في حديثه مع صحيفو دير شبيغل الألمانية بتاريخ 21/02/2005 ليقول: "أنه مستعد للتفاوض بشأن المكان الذي سيعود إليه اللاجئون، مضيفاً: هناك 5 ملايين لاجئ نعرف أنهم لن يعودوا جميعاً، مشيرًا إلى أن كثيرين منهم لا يريدون العودة لأنهم يعيشون حياة كريمة في الولايات المتحدة أو سعداء في الأردن ولكن يجب تعويضهم ، على حد وصفه"، وأضاف "اننا واقعيون وقد تعلمنا من تجربة قمة كامب ديفيد الفاشلة بأنه لا يمكن حل مشكلة كهذه ، عمرها قرن خلال 16 يوما ، فقد يحتاج الأمر سبعة إلى ثمانية أشهر وربما سنة كاملة للوصول إلى حل شامل".

·          وفي نفس الإطار يحاول البعض الترويج لفكرة أن من يعيش بالخارج لايحق له أن يتحدث عن الداخل لأن "اللي ايدو بالمي مش زي اللي ايدو بالنار" وعلى مبدأ " اللي بياكل العصي مش زي اللي بعدها" وهي محاولات مكشوفة لتهميش دور فلسطينيو الشتات وابعادهم عن مراكز اتخاذ القرار، وهو ما يحاول أركان أوسلو جاهدين لتطبيقه متجاهلين التحركات الشعبية والنداءات المتكررة لتفعيل المؤسسات الرسمية في الشتات.

·          ما أن يخرج صوت من الشتات ضد الفساد والإفساد، مجاهراً بالحق ضد مجرمي أوسلو، حتى تكال التهم بالعمالة والارتماء في أحضان الغرب، وتشكيل طابور خامس وغيرها من السخافات الأوسلوية، متناسين أن المرتمي في أحضان الإحتلال والذي يعمل ليل نهار لحمايته وضرب ابناء شعبه هم هؤلاء الذين يدعون الوطنية.

ممثلو أوسلو وإجهاض تحركات الشتات:

وكأن ما سبق لم يكن كافياً لسلطة أوسلو لتصفية القضية، حتى يتم الإيعاز بشكل مباشر أو غير مباشر لممثلي هذه السلطة لوأد أي تحرك في الخارج لإبقاء حق العودة حياً لاتنازل عنه، وهنا أذكر مثالين عايشتهما بنفسي لحظة بلحظة، أولهما ما جرى في لندن يوم 07/01/2004 بعد اجتماع لوفد داعم لقضية فلسطين مع البارونة سايمونس في مبنى البرلمان البريطاني، وهو ما كان خطوة إيجابية لانتزاع اعتراف بوضع الجالية الفلسطينية في بريطانيا، وهو ما كان ليحدد موعد آخر بعد شهرين لاستكمال الحوار ومتابعة ما اتفق عليه لدعم أهلنا في الداخل، في ذات اليوم مساءاً اضطررت وثلاثة من زملائي للإستقال الجماعية من رابطة الجالية الفلسطينية بسبب التدخل المباشر والشخصي لممثل سلطة أوسلو في لندن، والذي كال التهم والاهانات عشوائياً على كل من أمامه معتبراً ما جرى، أي الاجتماع، تعدياً على سلطاته!

أما المثال الآخر الذي عايشته ايضاً فكان بتاريخ 15/05/2004 في برلين، وفي القاعة التي عقد فيها مؤتمر فلسطينيو أوروبا الثاني الذي نظمه مركز العودة الفلسطيني، لأشاهد وأسمع تحريض من عرف بنفسه "أنه مناضل من خلال عمله بالسفارة الفلسطينية بألمانيا" على المؤتمر والقائمين عليه وأهدافه، ويحاول إثارة بعض الزعران ممن تواجدوا في المكان لافتعال المشاكل، وهو ما كاد أن ينجح فيه لولا وعي القائمين على المؤتمر.

بعد تلك الحادثة بعام وفي جنيف يوم 05/06/2005 وفي الاجتماع التشاوري مع فاروق القدومي، سرد أحد الحضور وهو من ألمانيا تفاصيل الاجتماع الطاريء الذي دعا إليه عبد الله الافرنجي في برلين لمواجهة "خطر مؤتمر فلسطينيو الشتات" والذي اعتبره تحدياً سافراً للسلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولأسمع أيضاً تلاسناً بين "سفير" سابق في احدى دول الغرب الأوروبي وممثل للجالية الفلسطينية هناك حول دور هذا "السفير" في العمل ضد تحركات الجالية هناك.

أخيراً وصلت رسالة من سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني الفلسطيني موجهة للجاليات الفلسطينية في الشتات يرد فيها حول الطلب بالمشاركة في محادثات إحياء منظمة التحرير الفلسطينية: "وهذه المهمة لا تتعلق بكم" أي لا دخل لكم بها!

القائمة تطول، ولا شك لدي أن قصص ممثلي أوسلو في الخارج لا حصر لها، وبما أن الشيء بالشيء يذكر، وحيث أن هناك علاقة مباشرة بين فلسطينيي الشتات وممثلي أوسلو،  أعرض هنا جزءاً من رسالة كنت قد وجهتها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لرئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية:

إن الفساد ليس فقط في إختلاس الأموال والتلاعب بالأرصدة والعيش الرغد على حساب الشعب وإبرام الصفقات المشبوهة كما هو الحال مع البعض في وسط أوروبا ممن وصلتني وثائق عنهم نشرت في بعض المواقع، خاصة الذين تربطهم علاقات مع فاسدي الداخل المتنفذين في سلطة أوسلو.

نعم هذا فساد بواح لاخلاف فيه، ولكني أدعوكم أيضا للتوقف عند أوجه الفساد المستترة الأخرى التي يكاد لا يستثنى منها أحد، وأدعوكم للتحقيق فيها، والضرب على كل من فرط وتورط، وعزل ومقاضاة كل من تثبت إدانته وليس عزله فقط لينعم بما وصل إليه.

أوجه الفساد التي أقصدها سأضعها في تساؤلات سريعة كما يلي:

·          أليس التقصير في أداء المهمة التي عيّن من أجلها موظفوكم فساد؟

·          ألا يعتبر تعيين من لاخبرة لهم ولا كفاءة ذات صلة بالعمل الدبلوماسي سوى أنهم أبناء وأقارب لمسؤولين في السلطة فساد؟

·          ألا تتفق معي أن تعيين "مستشارين" في هذه الدولة أو تلك حسب ولائهم التنظيمي فقط فساد؟

·          أليس الفشل في إتخاذ أي موقف على مدار سنوات عديدة لنصرة قضيتنا فساد؟

·          ألا يعتبر الغياب عن فعاليات شعبنا وقضاياه المركزية كقضية الأسرى وحق العودة فساد؟

·     ألا يعتبر إستغلال موارد وإمكانيات مكاتبكم في الخارج لأهداف وغايات شخصية كالدعاية للمطبوعات الشخصية والترويج لأفكار غير مقبولة في كثير من الأحيان فساد؟

·          هل يمكن إعتبار التدخل ضد أي نشاط فعّال لأبناء جالياتنا من قبل عمّالكم ومحاولات إفشاله فساد؟

·          ألا يمكن أن نعتبر محاولات التهديد المستمرة لإسكات كل صوت يعارض "سعادته" أو "سيادته" في هذه الدولة أو تلك فساد؟

·          أليس إتهام كل من إختلف مع عمّالكم في الرأي بأنه طابور خامس، أو عميل، أو يدعو للفتنة، أو ذو نزعة طائفية هو لب الفساد؟

·          ألا تعتبر "شخصنة" القضية والخلافات الفكرية  وتحويلها لصراعات فردية مقيتة فساد؟

·          ألا يعتبر فرض رسوم قاتلة على المعاملات تتجاوز حدود العقل والمنطق فساد؟

·          أليس إهمال أوضاع أبناء فلسطين خاصة الطلبة ممن تقطعت بهم السبل في المهجر فساد؟

·          ألا يعتبر التغاضي عن معاناة أبنائنا ممن يقبعون ظلما في سجون الرأي في البلاد المضيفة فساد؟

·          ألا يعتبر غياب مبدأ الرقابة والمحاسبة فساد؟

·          أليست السنوات الطويلة التي قضاها البعض كملك غير متوج يصول ويجول كما يشاء ويريد هي الفساد بعينه؟

·     وأخيرا ألا يعتبر القفز على تضحيات شعبنا، والإستهتار بخصوصياته وأخلاقه، وتجاهل معاناته وعذاباته، من خلال الدعوات لأنشطة ما أنزل الله بها من سلطان كحفلات الرقص و"هز الوسط" في وقت يذبح فيه شعبنا فساد؟

من لاجئين إلى مغتربين

 

لم تكن دعوة التجنيس التي أطلقها عبّاس، والتي أتناولها في هذه الأجزاء، الوحيدة  في مسلسل تصفية قضية اللاجئين، حيث تم استحداث قسم جديد في "وزارة الشؤون الخارجية الفلسطينية" تحت مسمى "قسم شؤون المغتربين" وعيّن شخص للإتصال بالجاليات والتجمعات الفلسطينية بالخارج باعتباره مسؤولاً عنها تحت هذا الإطار، وهو أمر خطير يراد منه تصوير اللاجئين خاصة في الغرب وكأنهم مغتربون، أي يعملون بمحض إرادتهم خارج "دولتهم" التي يمكن أن يعودوا إليها كزوار أو سواح، وهو ما يعتبر قفزاً واضحاً حول مفهوم حق العودة والذي يعني العودة إلى الديار والأماكن والأراضي الأصلي التي طرد منها اللاجئون.

 

الخلاصة:

لم ولن تتوقف محاولات مصادرة قرارات اللاجئين والتنازل الكامل عن حقوقهم من قبل رموز أوسلو، ولهذا السبب ستستمر محاولات التهميش والتشويه والتزوير والقفز عن الحقوق، ولن نجد غير أنفسنا لنلومها إن نحن سمحنا لهم بذلك، وارتضينا أن نقف موقف المتفرج، لتبقى الساحة لهم لنفث سمومهم!

علينا أن نؤكد كل يوم، وكل ساعة، أن حق العودة حق مقدس وشرعي وتاريخي، ولم ولن نسمح لمزوري التاريخ تزويره وتزوير إرادتنا، ولن نسمح لهم بالتحدث باسمنا أو نيابة عنا، وأختم بمقولتي الشخصية الخاصة:

"كلما ابتعدنا عن فلسطين، كلما ازددنا تمسكاً بها"

د.إبراهيم حمّامي

25/07/2005

 الجزء الثالث: منظمة التحرير الفلسطينية: الممثل الشرعي والوحيد؟

الجزء الأول: سموم محمود عبّاس

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع