فضائية سلطة محمود عباس ونبيل شعث

 

عبدالعزيز الملا

صحيفة الشرق القطرية 26/5/2005

 

فضائياتنا كما إعلامنا كله - في الأعم الأغلب - لا تتعامل مع التثقيف الوطني، والقضايا الوطنية الكبرى بمنهجية ومهنية - للأسف - وعلى العكس من ذلك فإننا نجدها تلتزم منهجية وتبرز إبداعاً في الإسفاف والتفاهة والبعثرة والفوضى القيمية التي تحاول إغراقنا فيها، ويبدو أن القائمين عليها، وأقول مرة أخرى في الأعم الأغلب، وحسب ما يطرحون علينا - يبدو أنهم لا فكر لديهم ولا رسالة ولا ولاء - أقصد باتجاه الوطن - وإن كان لديهم كل الولاء للترفيه، وسماجات الأفكار وإضاعة الوقت.

 

ولست أقول هذا لمجرد التهجم على هذه الفئة أو الطائفة من الناس، ولا لثأر شخصي مع أحد ولا للإثارة. خذ مثلاً الفضائية التي في قلب المقاومة والصراع الفلسطيني - وأنا أسميها «فضائية محمود عباس ونبيل شعث» وهي التي من المفترض أنها تعالج أخطر قضايا الأمة وأقدسها وأعقدها في نفس الوقت، كما يفترض أن رسالتها الأساسية هي حشد الرأي العام لهذه القضية الاستراتيجية المعرَّضة للضياع في كل يوم، كما يفترض أنها تعيش همّ الاحتلال ليل نهار، ويفترض أنها تربي في النفوس المقاومة والممانعة، وتفضح سياسات الاحتلال وذيوله.. ويفترض أن تتحكم في كل ما تقدمه لهذا الاعتبار، ويفترض أن تربط قضيتها بشكل منهجي مع كل قضايا الأمة حتى تستطيع أن تسترعي انتباه كل مواطن عربي ومسلم ليشاهدها ويشاهد من خلالها مالا تطرحه القنوات اللاهية الساهية..

 

انظر لهذه الفضائية كيف تحولت لأتفه وأعبث من كل الفضائيات حتى من تلك التي وجدت أصلاً لمسخ الفكر وتمييع الكرامة فنسيت دماء الشهداء وأنّات الجرحى وبؤس ثمانية آلاف أسير، لتبث الأغاني الهابطة لمغنين خلَّع وقبل ليلة واحدة فقط من ذكرى النكبة تبث لقطة لإحدى الفاجرات، وهي تتبطح وتتلوى أمام شيء يزعق ويصرخ يقال له هذه الأيام مطرباً.

 

وما عدنا نسمع منها «وين الملايين، وأخي جاوز الظالمون المدى» هذا إن دلّ على شيء فهو يدل على أنه لا منهجية جادة للتعاطي مع العمل الوطني، ولا سلم أولويات لديهم.. قد يقولون: الظرف اختلف!! وأقول هل اختلف لدرجة تبديل الوطنية بالخلاعة، أليس لديهم حلول وسط، وأقول كذلك: ما الذي اختلف؟ هل عادت فلسطين؟ وهل حرر الأقصى؟ بل هل انطلقت مسيرة المفاوضات من جديد؟ حتى هذه لم يتغير فيها شيء يذكر بل إن شارون يصرخ كل يوم لا لعودة المبعدين، ولا لتفكيك المستوطنات، ولا لحدود 67... لكن وحتى لا نظلم فضائية محمود عباس، فقد تحركت يوم ذكرى النكبة، ولكن ماذا قدمت؟ كنت انتظر أن تربط القضية في هذا اليوم بتاريخ صراعات الأمة الإسلامية التي يفترض أنها تنتمي إليها، وأن تتناول تاريخ فلسطين ما يتعلق منه بعمر بن الخطاب فاتح القدس وصلاح محررها ولو بكلمة، وانتظرت أن تقال كلمة للشباب العابث في كل مكان تذكرهم أن هذه القضية هي قضيتهم وليست قضية الفلسطينيين وحدهم، وكنت انتظر أن تقال كلمة في التعريف بالموقف الأمريكي - تحديداً - والدولي عموماً والعربي خصوصاً الذي حضن الاحتلال وما يزال يمده بكل أسباب البقاء والتملص.. من المحاسبة..، وكنت انتظر أن تقال كلمة في الإشادة بحماس وأخواتها من فصائل المقاومة، التي لا يهدأ لها بال ولا يهنأ لها حال وهي تواصل جهود التحرير وتبذل فلذات أكبادها من قادتها وأخلص أبنائها من المجاهدين..، فإن لم يكن ذلك في ذكرى النكبة فهل يكون بعدها؟ ولماذا يكون إعلامنا هكذا بدون منهجية؟ ولماذا لا تكون الجدية إلا ارتجالاً وأحياناً وفي المناسبات فقط. أما بقية الفضائيات فما يقال عن فضائية محمود عباس ونبيل شعث يقال عشرة أضعافه عنها، ولكن خصوصية الفضائية الفلسطينية لا يختلف عليها اثنان.

 

 سمعت مرة أحد المذيعين يقول: نحن نعرض ما يرضي كل الأذواق، واللي مش عاجبه يفتح على قناة أخرى تعجبه، «يعني يشرب من البحر!!» ونسي ذلك المذيع النابغة أن الفضائية التي تحت يده ليست له ولا لأبيه ولا لطائفته وإنما هي للأمة كلها، ونسي هذا «الأهبل» أن للإعلام رسالة وليس لمجاراة أذواق التافهين، ونسي أنه بهذه الإجابة يساوي بين الوطنية والعبث، وبين الدين والفجور، وبين المجاهدين والتافهين.. ويا ليت، فإن ما يعرض للجادين لا يساوي عشر معشار ما يعرض للعابثين.. أما إن تعللوا بالضغوط السياسية وحسابات الأنظمة فقد قالوها بألسنتهم، وإذا فهم غير محترمين لأن الإعلام المحترم هو سلطة فوق السلطة لا تحتها.

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع