ثورة متوقعة داخل "فتح" جراء التعامل
الحالي مع التنظيم
وثيقة تنظيمية هامة من اقليم الأردن
للمؤتمر العام تنفرد بنشرها "الوطن" 1/3
2005/12/7
ـ الإمتيازات تمنح للأجهزة الأمنية التي هربت من
المعركة والإهمال للتنظيم الذي حمل كل اعباء النضال
ـ قوى وتشكيلات أمنية لا علاقة لها بالحركة استقوت على
التنظيم مع موجة الإنقلابات العسكرية
ـ جمال سليم أنشأ جهاز أمن لتجنيد الفتيان لصالح
المخابرات العراقية وتنفيذ العمليات المسلحة ضد سوريا
ـ اقتراح مفوض التعبئة نائبا أول لأمين السر.. نشاط
التعبئة متوقف وأبو ماهر قام بزيارتي عمل للأردن
ـ هاني الحسن أول من عاد لقيادة التنظيم في الأردن بعد
1970 تلاه الطيب عبد الرحيم ثم عباس زكي
عمان ـ شاكر الجوهري:
رفعت قيادة تنظيم حركة "فتح" في الأردن تقريرا بالغ
الأهمية الى فاروق القدومي أمين سر اللجنة المركزية للحركة بعيد وفاة
ياسر عرفات رئيس الحركة السابق, ضمنته ملاحظات نقدية لواقع التعامل مع
التنظيم من قبل قيادة الحركة, واحلال قوى وأجهزة أمنية محل الأطر
القيادية للتنظيم, ولمحة تاريخية تناولت تعاقب القيادات على هذا
التنظيم منذ ما بعد 1970, وتأثيرات اتفاقات اوسلو عليه.
التقرير الذي رفع للقدومي من خلال عباس زكي المشرف على
التنظيم في الأردن, يتناول المهمات التي انجزت بعد أن آل الإشراف على
التنظيم الى عباس زكي. ثم يستعرض التقرير تطور وتقلب العلاقة بين
الحكومة والأجهزة الأمنية الأردنية والتنظيم, ويخلص من كل ذلك الى جملة
نتائج وتوصيات هامة.
ثم ينتقل التقرير الى تناول اعادة بناء وتصحيح اوضاع
منظمة التحرير الفلسطينية, مسجلا الخسائر التي لحقت بها, وما يتوجب
عمله من أجل الحفاظ عليها واعادة بنائها.
ويختم التقرير بذات اللغة النقدية, مشخصا واقع السلطة
الفلسطينية والإصلاح المطلوب انجازه فيها.
هنا نص القسم الأول من التقرير الوثيقة, الذي تنفرد
"الوطن" بنشره:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ القائد فاروق القدومي أمين سر حركة "فتح" حفظه
الله ورعاه
بواسطة الأخ المناضل عباس زكي عضو اللجنة المركزية
للحركة مسؤول الساحة
تحية الثورة وبعد,
إن الصلابة التنظيمية, والقدرة على استملاك المشيئة
والإرادة الكفاحية لشعبنا المناضل, هي الطريق الوحيد, الذي مكن حركتنا
الثورية (فتح) عبر تاريخها الطويل في قيادة النضال الفلسطيني, من
التغلب على الشدائد والمحن, ومظاهر الضعف واليأس والإحباط, وجعل منها
الحركة الثورية الأكثر قدرة في التاريخ الفلسطيني على تقويم الخلل
والإعوجاج, وترسيخ اللحمة الوطنية لشعبنا العربي الفلسطيني, على قاعدة
استمرار الثورة, والتمسك بالحقوق الوطنية المشروعة, والخيارات الكفاحية
الصعبة, التي تمكن من اجتراح النصر العظيم. وبالتالي فإن المحنة
الوطنية التي يعيشها شعبنا اليوم, بعد رحيل القائد الرمز الشهيد ياسر
عرفات, وما رافق وداعه الخالد من اجماع دولي وشعبي, والتفاف ومبايعة
عالمية لقضيتنا الوطنية العادلة, ودورنا التاريخي في قيادة النضال
الفلسطيني, يفرض علينا في حركة "فتح", أن نرقى إلى مستوى التحدي
التاريخي في قيادة الثورة وكفاح الشعب العربي الفلسطيني المجاهد
الصبور, وأن نعطي هذا الكفاح قوة جديدة وصلابة نادرة, في ظل قيادتكم
الحكيمة التي كان موقعها من الأحداث والوقائع الجارية خلال النصف
الأخير من القرن المنصرم, هو صناعة التاريخ وتسجيل الوقائع المهمة
والأساسية في الصراع العربي الصهيوني, وخاصة تلك الوقائع الرائعة التي
اتسمت بالوطنية والإشراق في التاريخ الحديث لبلادنا العربية, وكل مواقع
النضال والثورة.
إن وحدة وتراص الصفوف الحركية, في هذه المرحلة المفصلية
من الكفاح الوطني الفلسطيني, والإصرار على وحدة وتماسك القيادة
التاريخية لحركتنا العظيمة "فتح", هي السبيل الوحيد الذي يمكن من اعادة
الإمساك بناصية التاريخ, والمضي قدما بالنضال الفلسطيني حتى انجاز
الحرية والإستقلال, والقيام بالمهام والواجبات التي تؤدي إلى ترسيخ
الإعتماد على الجماهير الوطنية, والإستمرار في تنظيمها وقيادتها
والرهان عليها في كل الأحوال والظروف, لإنجاز مهام الثورة والدفاع عن
الحقوق المشروعة لشعبنا المناضل, واعادة بناء الحالة العربية المقاومة
القادرة على استنهاض مشيئة الأمم وارادتها الوطنية, في التصدي للمشروع
الصهيوني الأميركي, الذي يهدف إلى تدمير كل البنى السياسية والإجتماعية
العربية, وكل مقومات وجودنا القومي وشخصيتنا الحضارية المستقلة بين أمم
وشعوب العالم, وليس فقط حالتنا الوطنية على الساحة الفلسطينية.
إننا وفي الوقت الذي نودع فيه القائد العظيم, الشهيد
ياسر عرفات, بهذه الخاتمة العظيمة من الثوابت والإنجازات في التاريخ
الفلسطيني, نؤكد على أهمية التحرك والإسراع في التصدي للمهام والواجبات
التالية:
أولا: اعادة تفعيل البناء التنظيمي الحركي في جميع
الساحات والأقاليم
لقد عاشت حركة "فتح" بعد رحيل قوات الثورة الفلسطينية
عن بيروت 1982, حالة خاصة من الإنفلاش, والتمردات والإنقلابات العسكرية
والسياسية والفكرية والتنظيمية على الحركة, وأصول وقواعد الإنضباط
التنظيمي والسلوكي, هذا فضلا عن حالات التحلل العامة التي اصابت النضال
الفلسطيني ومؤسساته الوطنية, وحالات الإحلال البديلة, التي أخذت تمد
جسورها إلى مواقع التنظيم الحركي, وتسعى لتكييف مسيرتنا الوطنية
والإستقواء على التنظيم الحركي, بقوى وتشكيلات أمنية واجتماعية
وسياسية, ليس لها علاقة بحركة "فتح" والنضال الفلسطيني, والتي كانت
غالبا ما تكون في المواقع الهامشية من الحالة الفلسطينية بصورة عامة,
ودون أن يكون لها دورا بارزا في قراءة وكتابة التاريخ الوطني لقوانا
الثورية المناضلة, وكان همها الوحيد هو التعيش على حساب هذا النضال,
وتعميق التيارات الإنحرافية داخل الثورة الفلسطينية, والضغط على القوى
الشعبية لحملها على الإنكفاء عن الثورة, والتوقف عن دعمها وتأييدها.
لقد تحولت حركة "فتح" وعبر حالة الإنفلاش والإهمال
والتعطيل لدور التنظيم الحركي, في جميع الساحات والأقاليم, خلال
الثلاثة عقود الماضية, إلى مجموعة من التكتلات والشظايا ومراكز القوى
والتيارات التي تجتمع وتتفرق على الدوام, وتختلف ولا تتفق دوما, عندما
تتعرض مصالح وامتيازات القائمين عليها للخلل والإهتزاز, وهو الأمر الذي
أظهر الحالة الحركية والسياسية الفلسطينية, بصورتها الإنتهازية القائمة
الآن, والتي تسعى إلى نهب مقدرت الشعب العربي الفلسطيني, وتفريخ
الأغنياء الفاسدين, واللصوص والعملاء والمتآمرين, على ثورة هذا الشعب
واستمرار نضاله, بدلا من سعيها لحماية مسيرة الحركة واخلاقياتها
الوطنية بين الجماهير.
ظواهر
خطيرة
لقد أدى غياب التنظيم الحركي, وتوقف نشاط التعبئة والتنظيم, إلى خضوع
النضال الفلسطيني برمته واستملاكه من قبل الظواهر الخطيرة التالية:
أ ـ استبدال قوى الثورة التي خاضت النضال المسلح على قاعدة التمسك
بالخيارات الوطنية المشروعة لشعبنا العربي الفلسطيني, وتمكنت من
استملاك التجربة التنظيمية والفكرية والسياسية والأمنية والعسكرية,
بالتشكيلات الهامشية ومنظمات الأصدقاء, واللجان الشعبية, وبعض القوى
الطفيلية التي تلامست مع حركة العمل الوطني الفلسطيني, من خلال سياسات
ومناهج أهون السبل في معالجة الوجود الصهيوني, عبر النشاطات المدنية
والإقتصادية, وحالات المساندة والإحتجاج والإعتصام, واحلال هذه القوى
بكل عجزها وشهيتها للنهب والإستغلال, مكان قوى الثورة واصحاب القيم
والمواقف الوطنية, وسعيها عبر سيطرتها على مرافق العمل الفلسطيني,
لإعادة احياء العشائرية والجهوية والمحسوبية والشللية, وكل الأمراض
التي عملت الحركة خلال مسيرتها الوطنية, على تخليص المجتمع الفلسطيني
منها, وجعله مجتمعا وطنيا ينمو باتجاه التشكيل الحضاري والحياة المدنية
التقدمية.
ب ـ جعل المنهج السائد في العمل الرسمي الفلسطيني, يقوم على قاعدة
استرضاء الفساد والمفسدين, وتكييف الحالة النضالية مع مقتضيات خدمة هذا
الفساد والقائمين عليه, وصولا إلى حالة التكيف العام مع سياسة العجز
والصمت العربي, في جميع الساحات والأقاليم, وإسكات المنابر الوطنية
والنشاطات والمسارات التي تسعى لتصليب الموقف العربي في وجه الدمار
الصهيوني الأميركي القائم, وإنهاء جميع التوجهات الوطنية لأبناء
الحركة, القائمة على التمسك بالمبادىء والأهداف التنظيمية وأصول
المسلكية الثورية, والدفاع عن النظام الأساسي لحركة "فتح" وميراث
الشهداء والمناضلين.
ج ـ تحطيم القيم الوطنية, وازالة الفوارق في التعامل مع المناضلين
والمشبوهين والجواسيس, بل سرقة حقوق ومواقع المناضلين اصحاب القيم
والمعتقدات الثورية, وطمس ذاكرة الشعب العربي الفلسطيني والغائها وجعله
شعبا بلا ذاكرة وطنية يعتز بها ويقيم علاقته بالثورة والنضال والتضحية
على اساسها, هذا فضلا عن تجاوز كل الحدود والمعايير الأخلاقية في اقامة
العلاقات مع الأجهزة الأمنية المعادية لمصالح شعبنا, وصولا إلى
الإستخفاف بهذا الشعب, وانتهاك اخلاقه ومقدساته الوطنية.
د ـ اذابة الهيكليات والمراتب والقوانين والأنظمة الحركية في هيكليات
ومراتب وتسميات يسمونها لأنفسهم, ويقيمون على اساسها علاقتهم بالمجتمع
الفلسطيني والمحيط العربي والعالمي دونما حسيب أو رقيب, وهو الأمر الذي
جعل من الإستهزاء بالحركة ودورها في التاريخ أمرا لا يخجل اصحاب هذه
التصرفات, ولا يعاقب عليه القانون والنظام.
هـ ـ تدمير الخط السياسي والإعلامي لحركة "فتح", والمنهجية الفكرية
القائمة على فهم وترسيخ هذا الخط في نضال الشعب العربي الفلسطيني,
واستبداله بمنهجية انتهازية تبريرية ذرائعية غير مفهومة الشكل
والمضمون, أدت إلى تقويض الأركان الأساسية للقضية الوطنية الفلسطينية,
والأسس والقواعد التي قام عليها الصراع العربي الصهيوني, واحداث جميع
التحولات الخطيرة في وحدة الدور القومي والإختلال في معايير وقوة
النضال الفلسطيني واستمراره.
اعادة
بناء التنظيم
إن غياب التنظيم الحركي وخلال هذه الفترة الزمنية الطويلة, وتعطيل عمل
المؤسسات القيادية الراعية لهذا التنظيم, قد أوجد ما هو أسوأ وأعمق من
هذه الظاهر الخطيرة في حياتنا الكفاحية, وأدى إلى هذا التخبط والإرتجال
في العمل السياسي الفلسطيني والأداء الوطني في جميع الساحات والأقاليم,
وبالتالي فإن اعادة بناء التنظيم الحركي ضمن هذه المرحلة المفصلية من
التاريخ الفلسطيني, يجب أن تسير جنبا إلى جنب مع عملية تاريخية واسعة
وعميقة, من الدراسة والتقييم والتصحيح والتصويب, والقضاء على كل
المظاهر والظواهر السلبية الناتجة عن الإهمال والتعطيل لدور التنظيم
الحركي في صياغة الحياة الوطنية للمجتمع العربي الفلسطيني, وصيانة
معايير الحق والعدل والإنصاف بين الجماهير, واعادة هيكلة القيادة
المركزية للبحث بحيث يكون مفوض التعبئة والتنظيم هو النائب الأول لأمين
سر الحركة بصورة دائمة ومستمرة, بصرف النظر عن الأسماء والرموز, ورفع
الشرعية التنظيمية والغائها عن جميع اللجان والهيئات والمؤسسات
القيادية الصورية, التي قام اصحابها بالسطو على حركة "فتح" واحلال كل
هذه البنية الفاسدة داخلها في غفلة من الزمن ولحظة خاصة من غياب
التنظيم, وتجاهل وجوده ونظامه الأساسي, هذا فضلا عن أهمية اعادة تفعيل
الرقابة الحركية, والإعلام المركزي لحركة "فتح", وتشكيل المؤسسات
والهيئات التنظيمية القادرة على اعادة بناء التنظيم الحركي وحماية خطه
السياسي والتنظيمي ومسلكيته الثورية بين الجماهير, والعمل بمبدأ العقاب
والثواب, وصيانة هيبة الحركة وتحصينها في وجه الطامعين والإنتهازيين,
وكل الذين يسعون إلى التسلق على كفاحها الوطني وحرفها عن منهجيتها
الثورية واخراجها من التاريخ.
هذا فضلا عن أهمية انصاف أبناء الحركة في جميع الساحات والأقاليم,
وحمايتهم ماديا ومعنويا, ورفع الظلم والإجحاف الواقع بشكل خاص على
قدماء المناضلين والجرحى وابنائهم وأسرهم, واعطاء هذه القطاعات
النضالية من جسم الحركة الإهتمام الأول في الرعاية المادية والصحية
والتعليمية, وإنهاء كل احمال الألم والمعاناة التي يعانيها هذا القطاع
الوطني في وسائل المعيشة والحياة.
لقد حمل التنظيم الحركي كل أعباء ومهام النضال الوطني الفلسطيني, وفي
الوقت الذي هربت فيه الأجهزة الأمنية وتركت مواقعها واسلحتها للعدو
الصهيوني في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية, صنع التنظيم الحركي مع
جماهيرنا الوطنية بطولة غزة, وجنين, واسطورة الصمود الفلسطيني المستمرة
في جميع القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية.
عدم توفير
الإمكانات
لقد ألقت قيادة الحركة كل مهام العمل الوطني الفلسطيني
على التنظيم في الداخل دون اعطاء هذا التنظيم الدعم المادي الكافي
والموازي في حده الأدنى للدعم الذي تتلقاه الأجهزة الأمنية العاجزة, أو
بعض المؤسسات والإدارات المدنية في السلطة الفلسطينية, ومنظمة التحرير
الفلسطينية أيضا.
إن الحالة القائمة في التعامل مع التنظيم الحركي في
جميع الساحات والأقاليم, ستؤدي ـ في حال استمرارها ـ إلى ثورة حقيقة
داخل الحركة, لإنجاز وحدة الشكل مع المضمون الوطني النضالي لحركة
"فتح", واستملاك ارادتها ومقدراتها من قبل ابنائها المخلصين, وتجريد كل
البنى والهيكليات القيادية من امتيازاتها المادية ومظاهر البذخ
والإسراف الذي تعيشه على حساب الحركة وتضحيات ابنائها, هذا مع أهمية
التأكيد على مطالبة جميع قواعد الحركة بتبرأتها من كل الممارسات
الفاسدة, التي قامت بها بعض قيادات وكوادر الأجهزة الأمنية في مناطق
السلطة الفلسطينية, وخاصة تلك الممارسات التي وصلت إلى حد الملاحقة
والتصفية الجسدية, للعديد من رموز النضال الوطني الفلسطيني في الإطار
الفتحاوي والإطار الإسلامي على وجه التحديد, ومحاسبة هذه الزمر الفاسدة
وتقديمها إلى القضاء.
إن السكوت على مثل هؤلاء الساقطين, سيؤدي بالضرورة إلى
تمرد المناضلين الوطنيين على قواعد القانون والإنضباط التنظيمي, ويزيد
من الفوضى السياسية والنضالية بين جماهير الداخل.
ثانيا: الساحة الأردنية خطوة على طريق البناء والتقييم
لمحة تاريخية
ا ـ لقد شكلت الساحة الأردنية, الإنطلاقة الحقيقة لحركة
"فتح" وفصائل الثورة الفلسطينية بعد حرب عام 1967, وبالتالي أقيم على
هذه الساحة وطوال ثلاثة اعوام متواصلة من الكفاح المسلح, والتواجد
العلني المدعوم عربيا ودوليا على الصعيدين الرسمي والشعبي, كل ما يتعلق
ببنية الثورة ومعسكراتها, ومراكز تدريبها وتمويلها واعلامها ووسائل
تحريضها, ومنابرها الثقافية والتعبوية وقياداتها السياسية والعسكرية
والشعبية.
2 ـ بعد عام 1970 انتهت مظاهر التواجد العلني المسلح
للثورة الفلسطينية وحركة "فتح" على الساحة الأردنية, ولكن لم ينتهي
وجود الثورة والناس, وبالتالي أخذت حركة "فتح" بمبدأ العمل السري عبر
شكلين مهمين من العمل النضالي, الأول قطاع الأردن الذي تواصل مع فلسطين
من خلال العمل المسلح عبر الأراضي الأردنية, والثاني العمل التنظيمي
والجماهيري والنقابي, وصولا إلى تفاهمات جدة عام 1972, التي عملت على
تخفيف حدة الصراع بين الدولة والحركة, ومهدت الطريق إلى العفو الملكي
عن مناضلي الثورة الفلسطينية عام 1973, والدخول في مرحلة جديدة من
العلاقة الفلسطينية ـ الأردنية, والتعاون في العديد من المجالات التي
تخص النضال الفلسطيني, لتطبيق قرارات القمة العربية التي صدرت عام
1974, والتي اعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد
للشعب العربي الفلسطيني, وبالتالي نشأت اللجنة الأردنية الفلسطينية
المشتركة, وظهر على الساحة الأردنية العديد من اللجان والمؤسسات
الفلسطينية, التي أخذت تمارس مهامها لدعم صمود الشعب العربي الفلسطيني
في الداخل, وبذلك اختفت مظاهر العداء والصراع الحاد بين الدولة
والحركة, وبرز التنظيم من خلال دائرة شؤون الأردن في التعبئة والتنظيم
ليأخذ دوره في رعاية الشؤون الحركية, وتصريف الشؤون التعبوية والنضالية
على الساحة الأردنية.
3 ـ اعادة التنظيم الحركي من خلال شؤون الأردن, تنظيم
صفوفه على الساحة الأردنية, وتمكن عبر التحالف مع القوى القومية
واليسارية, من اظهار خطه التنظيمي والسياسي, وقيادة جميع النقابات
المهنية, والأنشطة التعبوية والسياسية في المخيمات والجامعات والمعاهد
العليا, والقطاعات التعليمية والثقافية في الأردن, وبقي مؤثرا في جميع
المسارات السياسية والفكرية والإجتماعية والإقتصادية على الساحة
الأردنية حتى عام 1983, وحدوث الإنقلابات والإنشقاقات المشؤومة في حركة
"فتح".
اختلاط
الأوراق
4 ـ في بداية عام 1985 نشأت على الساحة الأردنية مجموعات كبيرة من
الهياكل واللجان والمؤسسات القيادية والأمنية, التي أخذت كل منها دورها
ووظيفتها الخاصة في العمل الوطني, وفقا لتوجيهات ومصالح ورغبات
القائمين عليها, وليس وفقا لقواعد العمل التنظيمي ومقتضيات خدمة النظام
الداخلي للحركة, وبالتالي اختلطت الأوراق داخل حركة "فتح" على الساحة
الأردنية من جديد, وتعددت القنوات القيادية, وكذلك الولاءات والأنشطة
التعبوية والتنظيمية, وبرز في سياق ذلك اطار قيادي جديد للساحة
الأردنية, سمي لجنة العمل في الأردن, وذلك من شخصيات ومراتب حركية
قادمة إلى الساحة الأردنية من الخارج, برئاسة الأخ المناضل هاني الحسن,
وعضوية الأخت أم جهاد, وسميح درويش وعبد الحميد القدسي وآخرين من قادة
وكوادر الحركة, الذين عادوا إلى الأردن بعد دورة المجلس الوطني
الفلسطيني في ذلك العام, وقد نشط هذا الإطار في الأوساط الحركية
والشعبية على قاعدة اتفاق 11 شباط/فبراير, وهو الأمر الذي أربك المنهج
الحركي في حينه, وجعل وظيفة الحركة التنظيمية والتعبوية بين الجماهير
غير منسجمة مع منطلقاتها ونظامها الداخلي, وفتحت الحركة على مصراعيها
لأشخاص وسياسات وبرامج غير تنظيمية, وبالتالي قام جمال سليم في هذا
السياق بإنشاء جهاز أمن الساحة, الذي كان مهتما بالدرجة الأولى في
ملاحقة المعارضة, وتجنيد بعض الفتيان وارسالهم للمخابرات العراقية,
ليجري استخدامهم في عمليات مسلحة ضد سوريا, هذا فضلا عن تدخل العديد من
القيادات والكوادر الحركية بنفس الطريقة والأسلوب في شؤون الساحة
الأردنية, مما أدى إلى اختلاط الحابل بالنابل وتحويل التنظيم الحركي
إلى رقع متناثرة, ومختلفة في المنهج والإرتباط والولاء, وبالتالي عاشت
الحركة فترة طويلة من الغموض والإرتجال, أدت إلى انكفاء الإخوة اصحاب
التجربة التنظيمية على الساحة, من المشاركة بهذه النشاطات والتوجهات,
على قاعدة رفض الذيلية والإستزلام والمهام الجديدة الغريبة عن المنهج
الحركي, وطريقة "فتح" في قيادة النشاطات العامة.
لجان
الغربي
5 ـ أدرك الأخ القائد الشهيد أبو جهاد رحمه الله, خطورة الأوضاع التي
آلت إليها الحركة على الساحة الأردنية, خلال الفترة التاريخية الممتدة
من 1983 إلى 1986, فقام بإنشاء العديد من لجان القطاع الغربي, والتي
تمكنت عبر عملية تراكمية طويلة من العمل والنشاط بين اوساط الطلاب
القادمين من الضفة والقطاع, وكذلك الأوساط الشعبية في المخيمات, من
اعادة تصويب وتصحيح مسارات العمل التنظيمي والنضالي في الأوساط الحركية
على الساحة الأردنية, باتجاه التعبئة الوطنية السليمة والتحريض على
العدو الصهيوني, وادامة الصراع مع هذا العدو, والإبتعاد عن الإنشغال في
الصراعات العربية ـ العربية, والخلافات الفصائلية الداخلية, وبالتالي
اختفت لجنة العمل بقيادة الأخ المناضل هاني الحسن, وبرز على الساحة
الأردنية مجموعة من اللجان الحركية الجديدة بقيادة الأخ المناضل الطيب
عبد الرحيم.
6 ـ عملت اللجان المذكورة اعلاه, تحت مسؤولية واشراف الأخ الطيب عبد
الرحيم على مسارين مهمين في هذه المرحلة, الأول التواصل مع مهامها
كلجان حركية للقطاع الغربي, والثاني تنسيق الأنشطة النقابية والتعبوية
في الساحة الأردنية, على قاعدة المرجعية العامة للنشاط الحركي في هذه
الساحة, ونتيجة لحجم المهام في هذه المرحلة, وخاصة بعد تفجر الإنتفاضة
الشعبية في فلسطين عام 1987, برز في السفارة الفلسطينية اطار قيادي
آخر, سمي لجنة المنظمات الشعبية, تقلص خلال مرحلة وجود الأخ الطيب عبد
الرحيم سفيرا لدولة فلسطين في الأردن, إلى مسؤول المنظمات الشعبية في
السفارة.
تأثيرات
اوسلو
لقد اتسمت الفترة الزمنية الممتدة من عام 1986 إلى عام 1993, بالنشاط
الحيوي لأبناء الحركة على الساحة الأردنية, حيث سجل عام 1986 أكبر حجم
للعمليات العسكرية المسلحة ضد العدو الصهيوني داخل فلسطين, وسجلت
الأعوام 1987 وحتى عام 1993 أكبر نشاط تعبوي وسياسي ونقابي على الساحة
الأردنية بعد عام 1970, وأرقى حالات الوحدة الشعبية في الشارع الأردني,
حيث سجلت هذه الأعوام انطلاق مشروع سفينة العودة من الأردن, والذي وضع
منظمة التحرير الفلسطينية في موقع قيادة الإنتفاضة الشعبية في الداخل,
هذه الإنتفاضة التي كانت بحاجة ماسة إلى عنصرين مهمين من الخارج في
حينه, الأول اعلام وطني يحملها إلى العالم, والثاني الدعم المالي
لإعالة جرحاها ومعتقليها, وتعزيز صمود شعبها وقدرته على الإستمرار, هذا
فضلا عن انشاء اللجنة الشعبية الأردنية لدعم الإنتفاضة, وإلغاء الأحكام
العرفية, والدخول في مرحلة جديدة من العمل السياسي الأردني, والتنسيق
والتعاون الفلسطيني ـ الأردني في محادثات مدريد, وغيرها من الأحداث
والوقائع, التي ظهرت فيها الساحة الأردنية, كساحة مركزية اساسية لإدارة
العمل الفلسطيني, وقيادة الإنتفاضة ولجان القطاع الغربي, وتواجد
القيادات الفلسطينية بكل مستوياتها السياسية والأمنية والتنظيمية.
7 ـ بعد اتفاقيات اوسلو وعودة كوادر القطاع الغربي إلى الداخل, توقف
وانتهى العمل الحركي القائم على ازدواجية المهام النضالية بين الداخل
والخارج في الساحة الأردنية, حيث عادت قيادة الإنتفاضة إلى فلسطين,
وكذلك لجان وكوادر المؤسسات النضالية المساعدة, وعاد معها العديد من
الأشخاص والقيادات ذات الأطماع والولاءات الشخصية, وبالتالي انتهى دور
لجان العمل التنظيمي السابقة بعودة القائمين عليها إلى الداخل, وبهذا
عادت مسؤولية تصريف الشؤون الحركية في الساحة الأردنية, إلى القيادات
الميدانية والنقابية في القطاعات الشعبية المختلفة, وهي القيادات
والمراجع التنظيمية التي ما غابت يوما عن مواقعها الوطنية, وبالتالي
فتحت الأبواب من جديد للعمل الحركي على الساحة الأردنية بعيدا عن ضغوط
المراحل السابقة, واطماع ومصالح القنوات المتعددة التي كانت سائدة في
هذه المراحل أيضا.
مرحلة
عباس زكي
8 ـ تولى الأخ المناضل عباس زكي, مسؤولية تصريف شؤون الساحة الأردنية,
بعد اعادة تشكيل دائرة التعبئة والتنظيم في اللجنة المركزية للحركة,
اضافة إلى مهامه الأخرى في اللجنة المركزية وقيادة الإنتفاضة, التي
أصبح مركز نشاطها الداخل, وحضر الأخ المناضل أبو ماهر غنيم في جولتي
عمل تنظيمي, وتم الإتفاق مع كوادر وفعاليات الساحة الأردنية, على رؤية
جديدة للعمل الحركي على هذه الساحة, تلخصت في العناصر الأساسية
التالية:
أ ـ بعد الأخذ بالخيار الديمقراطي من قبل القيادة الأردنية, ووجود
السلطة الوطنية في الداخل, وتغير المهام والواجبات النضالية الحركية في
هذه المرحلة, لا بد لحركة "فتح" أن تكون عامل مساعد لتعزيز الخيار
الديمقراطي الأردني في الأوساط الشعبية والنقابية والسياسية.
ب ـ التقيد بمبدأ الإخضاع المتبادل في العلاقة مع القوى والأحزاب
الأردنية, وافساح المجال للمجتمع الأردني لإعادة تنظيم حياته
الدستورية, على قاعدة التعددية الحزبية, ومساعدة الأحزاب والشخصيات
والتيارات الفكرية والإجتماعية والإقتصادية, على تبوأ قيادة الأنشطة
السياسية والثقافية والشبابية, وأخذ زمام المبادرة في اعادة صياغة
الوعي الإجتماعي الأردني, وتشكيل المؤسسات والقيادات الوطنية لإدارة
العمل السياسي, وتحقيق المشاركة الشعبية في ادارة الدولة ومرافق العمل
العام.
ج ـ في الوقت الذي لا تستطيع فيه الحركة تقديم الخبرة والمشورة للمجتمع
الأردني, لا تكون عبئا على هذا المجتمع, ولا تقف عائقا أمام اندفاعه
ونشاطه, والإبتعاد الكلي عن الصراعات الحزبية, والنقاشات التي من شأنها
تفضيل طرف على آخر, واستمرار التحالف مع القوى القومية الوحدوية
واليسارية, وتعزيز دور هذه القوى في محاربة الإقليمية, والنزوع
العنصري, والمغالاة الكاذبة في الهويات السياسية الخاصة, ومحاولات
التشكل الكاذب أيضا, والإستقطاب المريض لبعض التيارات والأحزاب
والشخصيات الطفيلية الطارئة في العمل العام.
د ـ استمرار التمسك بمبدأ عدم التدخل في الشؤون المحلية الداخلية, وعدم
المساس في أي مظهر من مظاهر سيادة الدولة, والإبتعاد عن المشاركة في أي
نشاط سياسي يحمل الطابع الحزبي المطلبي, وكذلك المظاهرات والإحتجاجات
التي تحمل نفس الطابع, والإبتعاد بجماهيرنا الوطنية عن أي نشاط يجعل من
حركة "فتح" على الساحة الأردنية ورقة من اوراق العمل الحزبي, وسياسات
وبرامج الأحزاب الأردنية ضد الدولة, ومحاربة جميع الفتن والتوجهات التي
تمس الوحدة الوطنية, وتؤدي إلى الفرقة والإختلاف بين جماهير الشعب
الواحد.
هـ ـ التركيز على المخيمات كأساس لنشاطنا التعبوي والنضالي, ومنع
اختراق هذه المواقع من قبل القوى الدينية الظلامية, التي تسعى إلى
تغريب شبابنا عن قضيتهم الوطنية, وحملهم على خدمة قضايا ليس لها علاقة
بالواقع والمصالح الوطنية الفلسطينية والعربية, وخاصة تلك القوى التي
لا زالت مصرة على جعل أبناء شعبنا في الشتات وقودا لمعاركها العقائدية
مع دول وشعوب العالم.
و ـ الإنفتاح على البرامج والأحزاب والقوى السياسية والدينية, وعدم
اغلاق أي موقع جماهيري أمام هذه القوى والشخصيات السياسية العامة,
والنشاط والتفاعل بشكل حي ومباشر مع هذه الظروف الجديدة في الحياة
السياسية على الساحة الأردنية, لنقل وتبادل الخبرات في العمل التعبوي
والنضالي بصورة تنسجم مع وعي المجتمع بضرورة التوحد حول القضايا
الأساسية, والمصالح الحيوية للأمة العربية من المحيط إلى الخليج.
ز ـ اعادة بناء حياتنا الداخلية بما ينسجم مع مقتضيات خدمة النضال
الفلسطيني في الداخل, ويسهم في بناء الدولة الفلسطينية, وتشكيل الضمانة
الوطنية لمستقبل قضية الشعب العربي الفلسطيني في حالة فشل الإتفاقات
السياسية مع العدو الصهيوني.
|