الأوروبيون ينصحون القيادة الفلسطينية الجديدة بإقامة دولة مؤقتة في غزة


غزة-دنيا الوطن

تقوم دول أوروبية بارزة حاليا بتشجيع القيادة الفلسطينية الجديدة سراً على قبول حل مؤقت للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي يتضمن الموافقة على إقامة دولة فلسطينية صغيرة مؤقتة الحدود في قطاع غزة بحيث يتم الإعلان عن إقامة مثل هذه الدولة المؤقتة عام 2005 بعد انتهاء الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، ويترافق ذلك مع خطة أوروبية لتمويل إعادة إعمار وتطوير غزة من أجل دفع الفلسطينيين إلى "التعايش سلمياً" مع إسرائيل.


هذا ما كشفته لـ"الوطن" مصادر دبلوماسية أوروبية وثيقة الاطلاع أوضحت أن هذه الدول الأوروبية، ومن بينها فرنسا وألمانيا، تسعى إلى إقناع القيادة الفلسطينية الجديدة المحتملة خصوصاً رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والمرشح الجدي لرئاسة السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبومازن) ورئيس الحكومة أحمد قريع (أبوعلاء)، بقبول إقامة الدولة الفلسطينية المؤقتة الحدود استناداً إلى الأسباب والعوامل الرئيسية الآتية:
أولاً: في تقدير المسؤولين الأوروبيين فإن القيادة الفلسطينية الجديدة ليست جاهزة في هذه المرحلة أو في مستقبل منظور للتفاوض جديا مع إسرائيل لحل النزاع نهائياً وتوقيع اتفاق سلام نهائي معها، لأن ذلك يتطلب من الفلسطينيين تقديم تنازلات جوهرية أساسية رفض تقديمها الرئيس الراحل ياسر عرفات وأبرزها: التخلي عن حق عودة اللاجئين إلى وطنهم الأصلي، الموافقة على بقاء معظم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وضواحي القدس، الموافقة على عدم الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي الفلسطينية، التفاهم على ترتيبات أمنية مشددة ملائمة لمصلحة إسرائيل خصوصا بعد أربع سنوات من الانتفاضة المسلحة.


ثانياً: الحكومة الإسرائيلية الحالية ليست مستعدة بأي شكل من الأشكال، وهو ما تم إبلاغه إلى إدارة الرئيس بوش وإلى بعض الدول الأوروبية، للدخول في عملية تفاوض مع القيادة الفلسطينية الجديدة بشأن حل النزاع نهائياً وتأمين قيام الدولة الفلسطينية المتكاملة ضمن حدودها النهائية، كما أنها ليست مستعدة لأن تحدد منذ الآن موعداً لبدء مفاوضات الحل النهائية هذه، بل إن كل ما تريده الحكومة الإسرائيلية هو تركيز جهودها وجهود المجتمع الدولي على تسهيل الانسحاب الإسرائيلي من غزة في موعد أقصاه سبتمبر 2005، وإذا ما سقطت حكومة أرييل شارون فلن تخلفها حكومة أكثر اعتدالا، بل على العكس.


ثالثاً: في تقييم المسؤولين الأوروبيين فإن الإسرائيليين، وبأغلبيتهم الساحقة، وبعد أربع سنوات من الانتفاضة المسلحة ومن العمليات والهجمات الفلسطينية المختلفة، ليسوا مستعدين للسماح بإقامة دولة فلسطينية حقيقية متكاملة وعاصمتها القدس، إذ إن هناك هوة عميقة من الحقد والكراهية بينهم وبين الفلسطينيين مما يتطلب سنوات عدة من التهدئة الأمنية والتعايش السلمي بين الطرفين لردم هذه الهوة ولبدء التفكير جديا بمشروع الدولة الفلسطينية المتكاملة، والدليل على ذلك أن خطة شارون للانسحاب من قطاع غزة وحده تواجه بمعارضة شديدة من قبل أطراف وجهات إسرائيلية تهدد باغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلية.


رابعاً: أن إدارة الرئيس بوش أبلغت الدول الأوروبية البارزة المعنية، ومنها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، أنه ليست لديها أية نية أو رغبة في تكرار تجربة الرئيس السابق بل كلينتون والإشراف على عملية تفاوض جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين من أجل تسوية مختلف القضايا والمشاكل الكبرى العالقة وتوقيع اتفاق سلام نهائي بين الطرفين ينهي هذا النزاع بشكل كامل.وليست هناك قوة أو جهة دولية أخرى مستعدة أو قادرة على الحلول محل أمريكا ودفع الفلسطينيين والإسرائيليين إلى التفاوض من أجل حل النزاع نهائياً بين هذين الطرفين.


خامساً: على هذا الأساس ترى الدول الأوروبية أنه يجب بدء العمل من أجل إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود مؤقتة في غزة، وهو ما يتطابق تماما مع ما تنص عليه "خريطة الطريق" وهي الخطة الدولية الوحيدة المطروحة حالياً لحل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، إذ إن هذه الخطة تقترح إقامة دولة فلسطينية على مرحلتين: الأولى ضمن حدود مؤقتة والثانية ضمن حدود نهائية. ومن مصلحة الفلسطينيين التمسك بهذه الخطة الدولية التي تدعو إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وغزة.


سادساً: في ضوء هذه العوامل والمعطيات يرى المسؤولون الأوروبيون أنه يجب تحويل عملية الانسحاب الإسرائيلي من غزة ومن أربع مستوطنات من الضفة الغربية إلى عملية سلمية ناجحة يمكنها أن تدشن مرحلة جديدة في العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية. وما يساهم في تعزيز هذا التوجه موافقة القيادة الفلسطينية الجديدة على إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود مؤقتة في غزة يتم الإعلان عنها في خريف 2005 وترك الباب مفتوحا أمام استئناف مفاوضات الحل النهائي لاحقا من أجل إقامة الدولة الفلسطينية المتكاملة والنهائية الحدود. وستكون هذه الدولة الفلسطينية المؤقتة "محكا أساسياً" لإثبات مدى استعداد ومقدرة الفلسطينيين على التعايش سلميا مع الإسرائيليين، وهو ما يساعد على تحديد موعد لاحق لبدء مفاوضات الحل النهائي للنزاع.


وعلمت "الوطن" من المصادر ذاتها أن جهات أوروبية معنية بالأمر نصحت القيادة الفلسطينية الجديدة بعدم "ارتكاب خطأ" ياسر عرفات والدخول في مواجهة مع الإدارة الأمريكية ومع الحكومة الإسرائيلية من خلال التمسك بضرورة التحرك منذ الآن نحو إقامة الدولة الفلسطينية النهائية الحدود، لأن مثل هذه المواجهة ستضعف مواقع الفلسطينيين وتمنح حكومة شارون ذرائع لتجنب التفاوض حول الانسحاب من غزة ولفرض شروطه ومطالبه عليهم.


وضمن هذا الإطار كشفت هذه المصادر عن وجود خطة أوروبية سرية لوضع قطاع غزة بعد انتهاء الانسحاب الإسرائيلي منه تحت إشراف ورعاية الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بصورة مؤقتة مما يساعد على قيام دولة فلسطينية صغيرة مؤقتة الحدود. وأوضحت المصادر أنه تم التوصل إلى "تفاهم مبدئي" بشأن هذه الخطة بين الرئيس الفرنسي جاك شيراك ورئيس الحكومة البريطانية توني بلير والمستشار الألماني جيرهارد شرودر ورئيس الحكومة الإسبانية جوزيه لويس ثابتيرو. وتتضمن هذه الخطة إقدام الاتحاد الأوروبي على تحمل مسؤولية إعادة بناء وإعمار وتطوير قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي منه وتأمين التمويل الأوروبي والدولي والعربي اللازم لذلك. "من أجل تحويل هذا القطاع من ساحة انطلاق للهجمات ضد الإسرائيليين إلى ساحة للتعايش السلمي معهم" على حد قول ديبلوماسي أوروبي، وهناك مشاورات أوروبية - أمريكية - عربية - دولية بشأن هذه الخطة الأوروبية، وقد لمس الأوروبيون وجود "استعداد مبدئي" لدى الرئيس بوش لدعم مثل هذه الخطة في الوقت الملائم.


واعترفت المصادر الأوروبية المطلعة بأن المسؤولين الفلسطينيين الحاليين لم يحسموا أمرهم بشأن هذه الاقتراحات والنصائح الأوروبية لكنهم قد يقلبونها إذا ما كان هناك أفق سياسي واضح وجدول زمني محدد يربط بين إقامة الدولة الفلسطينية المؤقتة الحدود وبين بدء التفاوض لحل النزاع نهائياً.

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع