سيناريوهات ما بعد الانسحاب من قطاع غزة
و شمال الضفة الغربية...
مركز أبحاث المستقبل
يونيو – 2005م
مقدمة :
تمر
القضية الفلسطينية بتحولات وتغيرات دراماتيكية، والتي تعتبر من
المنعطفات المحورية للقضية الفلسطينية ، وذلك لنتائجها الاستراتيجية
على الساحة الفلسطينية وتغييرها للخارطة السياسية المحلية وشبكة
العلاقات الإقليمية والدولية ، واهم هذه التحولات على الإطلاق خطة
الهروب من غزة وشمال الضفة الغربية ، والجدل الذي أثير حولها من ناحية
الأسباب والدوافع والأطراف السياسية اللاعبة والنتائج .
غير
أن الأهم من ذلك هو مرحلة ما بعد الانسحاب وجريان الأحداث وسيناريوهات
ما بعد الانسحاب ، والتي هي غاية في التعقيد لتشابك وصعوبة القضية
الفلسطينية ، لأن الأحداث تتدافع هنا وهناك ، والأطراف كثيرة ومتعددة ،
ومن الصعب تلمس جميع هذه الخيوط والإمساك بها ، ولهذا سنحاول هذا ما
سنحاول أن نخوض به بكل جهد لاستقراء هذا الواقع المستقبلي .
وفي
هذا الإطار فإن للتاريخ وقفة ، فالخطة لم تأتي من فراغ وهي نتاج مقولات
وأفكار سابقة لزعماء صهاينة سابقين ، كذلك فإن للخطة علاقات وارتباطات
إقليمية ودولية ، فلكل موقفه وحجته ، فهذا ما سيشكل توطأة ومقدمة
للموضوع ، سائلين المولى عز وجل التوفيق .
أولا : حقيقة وأهداف خطة الفصل
الواضح ومن خلال المتتبع لكل ما قيل عن خطة والتي أعلنتها حكومة العدو
في 18 نيسان 2004م والتي تنص على الانسحاب الإسرائيلي من مستوطنات قطاع
غزة ومن أربع مستوطنات في الضفة الغربية ، أنها ليست بخطة جديدة أو هي
نتاج مرحلة الانتفاضة وإن كانت قد عجلت بها .
والذي يتابع سير الخطة وكيفية خروجها كقرار من الحكومة الإسرائيلية
يلاحظ أن فكرة الانفصال هي خطة قديمة حديثة في نفس الوقت . ففي عهد
رئيس حكومة العدو السابق أيهود باراك ، وبعد اندلاع الانتفاضة بدأت
الحكومة العدو وأجهزتها العسكرية والأمنية بتطبيق خطة الفصل السياسي
والاقتصادي للمناطق الفلسطينية عن إسرائيل بشكل أحادي الجانب كواقع ،
ضاربة عرض الحائط كافة الاتفاقيات التي وقعتها حكومات العدو مع القيادة
الفلسطينية، ومنتهكة بذلك كل الأعراف والمواثيق الدولية وقرارات
الشرعية الدولية التي لا تتيح للاحتلال تغيير واقع معين داخل الأراضي
المحتلة أو فرض أسلوب العقاب الجماعي.
لقد
خلقت حكومة باراك واقعاً سياسياً وجغرافياً وعسكرياً على الأرض بقوة
الدبابات والآليات العسكرية بشكل يدل بوضوح على أنه من الآن فصاعداً
ستنشأ أوضاع جغرافية جديدة وواقع اقتصادي وسياسي واجتماعي جديد لم
يعهده شعبنا من قبل.
وحسبما يرتأيه الجانب الإسرائيلي ووفقاً لمصالحه فقد أوردت وسائل
الإعلام الإسرائيلية أن باراك مصمم على إنجاز وتنفيذ هذا الفصل بأسرع
وقت ممكن، حيث شكل طاقماً خاصاً للبدء بهذا العمل برئاسة نائب وزير
الدفاع الإسرائيلي السابق أفرايم سنيه، الذي كلف ببلورة مفهوم الحدود
التي سترسم الفصل السيادي الواضح بين الدولتين.
لقد
تبنى طاقم التوجيه الإسرائيلي خطة الفصل تحت شعار "حدود تتنفس" بين
إسرائيل والفلسطينيين بمعنى خط تخوم ذي خروم يقيد الفلسطينيين ولا يقيد
الإسرائيليين، والترتيبات فيه ستضمن كما تعتقد حكومة باراك عدم إلحاق
أي ضرر بالمصالح الأمنية والاقتصادية الإسرائيلية.
وهذه الحدود المتنفسة أمر قابل للتطبيق فقط لأن الفصل ليس داخل البلاد،
بل على طول الحدود الخارجية لإسرائيل، أي السيطرة على نقاط الحدود مع
الأردن ومصر وكافة المعابر، وإلا ستفقد إسرائيل السيطرة على عبور
الأشخاص والبضائع من الخارج، وبالتالي ستضطر إلى إقامة حدود داخلية
محكمة الإغلاق.
"
إن شعار الفصل السياسي والاقتصادي شعار قديم يعود إلى تهديد زعماء
إسرائيل بأن في حوزتهم رداً مناسباً على التحديات العنيفة والسياسية
التي يطرحها عليهم الفلسطينيون عندما يطالبون بتطبيق الاتفاقيات
الموقعة، لقد نشأ في إسرائيل بعد عام 1967 مفهومان تقليديان متعارضان
في السياسة الإسرائيلية:
الأول : مفهوم الاندماج الذي قاده وزير الدفاع آنذاك موشيه ديان في
الفترة من 1967- 1974 الذي روج للاندماج الأقصى بين الشعبين، حتى أنه
اتخذ خطوات عملية للبنى التحتية للتعايش، مثل فتح الحدود وربط المياه
والكهرباء والشوارع.
ومن
أجل تجسيد هذا المفهوم اعتاد ديان على تشبيك أصابع يديه والقول مثلما
أصابعي متشابكة بصورة وثيقة علينا أن نخلق اندماجاً بين الشعبين بحيث
لا يمكن فصلهما.
الثاني : قاده وزير المالية آنذاك بنحاس سافير الذي أعتقد أن على
"إسرائيل أن تخلي على وجه السرعة المناطق، وأن تضع خطاً حدودياً
واضحاً، ورغم أنه كان هناك في الحكومة من أيد سافير، ومن بينهم إسرائيل
غاليلى ويغئال ألون، إلا أن سياسة ديان هي التي نفذت وتم العمل بها في
نهاية الأمر، واستمرت سياسة ديان فيما بعد في حكومات الليكود والعمل،
حتى اسحق رابين المؤيد الأبرز للفصل أضطر لمواصلة هذه السياسة، لأن
الاندماج أصبح أمراً واقعاً ومن الصعب تغييره." ( 1 )
"
ويعتبر ارئيل شارون زعيم حزب الليكود من المؤيدين لعملية الفصل، ولكن
ليس تماماً بالصيغة التي طرحها باراك، وإن كانت لا تختلف كثيراً عنها،
حيث يقترح شارون إضافة لذلك أن يتم السماح بإقامة دولة فلسطينية متفق
عليها على كل المناطق الخاضعة اليوم للفلسطينيين، وأن يبدأ الجيش
بالانتشار في المناطق الحيوية لإسرائيل في الضفة الغربية وغور الأردن
عشية الإعلان أحادي الجانب عن الدولة الفلسطينية، ويعتقد شارون أن
المناطق الحيوية هي قطاع بعرض 16ـ20كم في غور الأردن، وقطاع بعرض 10كم
من صحراء يهودا إلى الطريق الذي يربط القدس بأريحا عبر نهر الأردن،
واقترح شارون أيضاً أن يبقى خط الفصل تحت سيطرة إسرائيل، وأن تبقى
مناطق {ج}، كورقة مساومة للتسوية الدائمة المستقبلية. كما يعارض بشكل
مطلق إخلاء المستوطنات حتى النقاط المعزولة في عمق الأراضي الفلسطينية
أو تلك المتناثرة والبعيدة، ولا يعارض شارون إقامة دولة فلسطينية على
مساحة 42% من إجمالي مساحة الضفة الغربية ما عدا جيوب صغيرة لقرى في
منطقة {ب} الواقعة في المناطق الأمنية المطلوبة لإسرائيل.
أما
على صعيد التعاون الاقتصادي بين الدولتين فيجب على الدولتين العمل في
بناء مشاريع اقتصادية مشتركة. " ( 2 )
ومن
هنا يظهر لنا حقيقة خطة الفصل المعلنة من قبل الحكومة الإسرائيلية
ويظهر لنا أن هذه الفكرة هي فكرة قديمة يتم تداولها الآن بأسلوب ووسائل
جديدة تناسب الوضع الراهن من وجهة نظر ارئيل شارون .
فخطة الفصل ما هي إلا :
"
مشروع سياسي شامل يهدف إلى الهروب من وجه المقاومة ، بطريق تمكن العدو
الإسرائيلي من الاستفادة بأقصى درجة ممكنة من هذه الخطة وذلك بزيادة
السيطرة على الضفة الغربية عن طريق إطلاق غول الاستيطان وتقسيم الضفة
الغربية إلى كنتونات معزولة ، وإظهار دولة العدو أمام العالم كمن يقدم
شيء للفلسطينيين ويتنازل ، والراغب في التسوية."
كما
أن الخطة لا تشكل انسحابا من طرف واحد من قطاع غزة، بحيث تحل سيادة محل
سيادة أخرى, بل هي إعادة نشر لقوات الاحتلال بحيث يحول القطاع إلى
معسكر اعتقال كبير محاصر من جميع الجهات. هذا هو المعنى العملي للقسم
الثالث من خطة شارون : "ستشرف إسرائيل وتحرس الغلاف الخارجي لليابسة،
وستسيطر بشكل مطلق على المجال الجوي لغزة، وستواصل نشاطها العسكري في
المجال البحري للقطاع". كما تنص الخطة على بقاء القوات الإسرائيلية على
محور فيلاديلفي على طول حدود القطاع مع مصر, وتحفظ إسرائيل لنفسها الحق
في توسيع الحزام الأمني في تلك المنطقة متى شاءت.
* أهداف خطة الفصل الشارونية : ( 3 )
1ـ تعزيز أمن سكان دولة العدو داخل الخط الأخضر وأمن "المستوطنات":
وذلك عن طريق منع الإستشهاديين من التسلل إلى داخل الخط الأخضر لتنفيذ
عمليات استشهادية ، وخلال انتفاضة الأقصى تمكن عشرات الإستشهاديين من
تفجير أنفسهم داخل دولة الكيان مما أدى إلى مقتل المئات .
2ـ منع الفلسطينيين من تحقيق إنجازات إقليمية وإعلامية وسياسية:
يرى
كثير من المحللين الإسرائيليين أن خطة الفصل هي بشكل عام قائمة، وهي
خطوة من خطوات الرد التي ستتخذها الحكومة الإسرائيلية والتي كانت
ستتخذها إذا أعلن الرئيس الراحل ياسر عرفات إقامة الدولة الفلسطينية
بصورة أحادية الجانب، وإن إسرائيل لن تجعل الفلسطينيين يرسمون معالم
دولتهم بصورة أحادية، ، وستعمل في الحلبة الدولية من أجل منع تدويل
المشكلة الفلسطينية، وهذا ما أدى إلى جعل الحكومة الإسرائيلية إلى عزل
وتقويض جهود السلطة الفلسطينية في إعادة مؤسساتها وأجهزتها الأمنية .
3ـ جباية ثمن اقتصادي من الفلسطينيين يتعاظم كلما ازدادت المقاومة
واستمرت:
فقد
حذر الدكتور ماهر الكرد وكيل وزارة الاقتصاد والتجارة من هذه الخطة
لأنها ستحول الأراضي الفلسطينية إلى إغلاق شامل ومعتقلات، وأن خطة
الفصل الإسرائيلية هي بمثابة حرب تدميريه للاقتصاد الفلسطيني، وتهدف
إلى تحويل المناطق الفلسطينية إلى مجموعة كانتونات تعمل على خنق
الفلسطينيين اقتصاديا.
وخطة الفصل الإسرائيلية لن تساعد على قيام اقتصاد فلسطيني مستقل بدون
السيطرة على المعابر، ولم تعد كافة الاتفاقيات قائمة، ومن ضمنها
اتفاقية باريس الاقتصادية التي نصت بنودها على حرية انتقال البضائع
والأشخاص.
4ـ إبقاء الباب مفتوحاً لاستئناف المفاوضات والتوقيع على اتفاقيات
التسوية الدائمة أو اتفاقيات مرحلية بعيدة المدى مع السلطة أو الدولة
الفلسطينية:
حيث
ستكون السلطة ضعيفة ومحاصرة من كل النواحي سواء السياسية والاقتصادية
والأمنية ، وضعف تواجدها الدولي والإقليمي ، وبذلك ستعيد إسرائيل
الكرّة مرة أخرى من خلال إرغام الفلسطينيين على القبول بأي مبادرات
جديدة ، خاصة مع وجود شخصيات متعاونة جدا مع الإسرائيليين ولهم ماضي
واضح منه مدى حرصهم على التعاون مع الإسرائيليين وإرضائهم بشتى الوسائل
.
5- تعزيز الاستطيان :
فقد
قال رئيس وزراء العدو ارييل شارون في مؤتمر تطوير الجليل في مدينة
كرميئيل بشمال إسرائيل يوم الخميس الموافق 16/6/2005م أن خطة فك
الارتباط ليست متعلقة بالانسحاب من غزة فقط وإنما تهدف إلى تعزيز
الاستيطان اليهودي في الجليل والنقب والقدس الكبرى. وأضاف أن تطوير
الجليل يتم من خلال إقامة المزيد من البلدات (اليهودية) والقليل من
الكلام وتطوير الجليل والنقب هو غاية استراتيجية تسعي الحكومة إلى
تحقيقها . ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن شارون أن فك الارتباط هو
خطوة لتعزيز قوة الصهيونية .
ومن
خلال حديثه هذا يبدوا واضحا لنا وباعترافه إلى تعزيز الاستطيان وضم
الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية إلى حدود مدينة القدس ،
ونقل مستوطني قطاع غزة إلى مناطق النقب العربية ، وهذا ما يدعم قوله أن
فك الارتباط هو تعزيز الصهيونية ، والتي تسعى إلى إقامة دولة يهودية
خالصة وسيسعى بذلك إلى تهجير العرب من مناطقهم ووضعهم في كنتونات مغلقة
داخل أراضي ألـ 1948م .
ثانيا : الموقف المحلي والإقليمي والدولي من خطة الفصل
يبدو لأي متابع لتصريحات ومواقف الأطراف ذات العلاقة بخطة الفصل أن
هناك تباين واضح في المواقف خاصة المحلية منها وأخص بالذكر موقف السلطة
الفلسطينية والتي أربكها في البداية الإعلان عن خطة الفصل الصهيونية ،
وفي نفس الوقت بدا واضحا موقف حركات المقاومة وحركات المعارضة
الفلسطينية من خطة الفصل والتي وصفتها بأنها نتيجة من نتائج مقاومة
الفلسطينيين للعدو الصهيوني .
* الموقف الفلسطيني :
ومن
خلال التصريحات الرسمية الفلسطينية بدا واضحا ترحيب الحكومة الفلسطينية
، رغم أن هذا الترحيب بدا فيه نوعا من التشكيك بصدق هذه الخطة ، فقد
صرح رئيس الوزراء الفلسطيني احمد قريع ( أبو العلاء ) نقلتها صحيفة
يديعوت احرونوت في 6/6/2004م "نرحب بأي انسحاب إسرائيلي من أي جزء من
الأراضي الفلسطينية.. يجب أن يكون الانسحاب شاملاً، ويتضمن تفكيك جميع
المستوطنات".
ومن
خلال هذه التصريحات بدا واضحا عجز الجانب الرسمي الفلسطيني عن رؤية
استراتيجية متكاملة عن خطة الفصل ، وبدا واضحا أيضا مدى تشكك الموقف
الرسمي للحكومة الفلسطينية من تنفيذ هذه الخطة ، ربما يكون ذلك من باب
الضغط على الحكومة الإسرائيلية والمجتمع الدولي بأن يكون هناك تنسيقا
للانسحاب ، كي يبدو ذلك الانسحاب أمام الشعب الفلسطيني وكأنه نتيجة
للحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، وذلك ما بدا واضحا من خلال
كثرة اللقاءات بين المسئولين الفلسطينيين وخاصة محمد دحلان المسئول عن
ملف الانسحاب داخل الحكومة الفلسطينية وبين المسئولين الفلسطينيين .
أما
من جانب الحركات الفلسطينية وحركات المقاومة خاصة فقد بدا واضحا مثلما
قلنا تركيز تصريحات الحركات الفلسطينية على أن الانسحاب ماهو إلا نتيجة
ثمرة من ثمار المقاومة وضربات المجاهدين الفلسطينيين ، وقد كانوا
يركزون في بعض تصريحاتهم أن لا خوف على الشعب الفلسطيني من الاقتتال
الداخلي بعد الانسحاب ، والذي يراهن الجانب الإسرائيلي على أن السلطة
لن تتمكن من السيطرة على القطاع بعد الانسحاب وسوف تسيطر الحركات
المقاومة على الأراضي التي يتم الانسحاب منها ، وهذا ما كان يركز عليه
كافة القيادات الفصائلية ، من أن التنسيق يجب أن يكون ما بين السلطة
والفصائل لتجنب ما سيحدث من نتائج غير متوقعة بعد الانسحاب ، وفي نفس
الوقت فقد شبهت الحركات الفلسطينية الانسحاب بأنه خدعة إسرائيلية كبيرة
، فقد اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مصادقة الحكومة
الإسرائيلية على الخطة "خدعة كبرى"، وحذرت في بيان أصدرته الإثنين
7-6-2004 من أن إسرائيل "ستكثّف من سياساتها العدوانية تجاه
الفلسطينيين في الفترة التي حددتها الحكومة لبدء تنفيذ الخطة".
وفي
تصريحات لإسلام اون لاين في تاريخ 7/6/2004م ، أكد الجميع على نفس
الموقف السابق ، فمن جانب حركة فتح ، لم يبدِ أمين مقبول القيادي
بحركة فتح من نابلس اهتمامًا بالخطة الإسرائيلية، مؤكدًا أن حركة فتح
ترفض التعامل مع الخطة، وأن الحركة تتمسك بالشرعية الدولية وقرارات
الأمم المتحدة المتعلقة بحل الصراع العربي الإسرائيلي. ورغم ذلك اعتبر
مقبول أن السلطة الفلسطينية يمكن أن تتحمل مسئولية الأمن أو تتحمل
مسئولية إدارة القطاع في حال انسحاب إسرائيل منه.
وبدوره شكك كايد الغول القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في
جدية الخطة الإسرائيلية، وقال: "الخطة -بالتعديلات التي أدخلت عليها-
ترهن كل الوضع إلى شهر مارس 2005 وإلى التصويت على كل مرحلة من مراحل
هذه الخطة، وبالتالي ستكون عرضة لتغيرات الوضع الداخلي الإسرائيلي، وهو
ما يمكن أن يؤدي إلى عدم تحقيقها أصلاً".
كما
اعتبر خضر حبيب الناطق باسم حركة الجهاد الإسلامي تصويت الحكومة
الإسرائيلية على الانسحاب من غزة أحد إنجازات مقاومة الشعب الفلسطيني،
واصفًا إرجاء تفكيك المستوطنات إلى قرار حكومي آخر بأنه "نوع من الخداع
والمراوغة الإسرائيلية". وأكد ضرورة مواصلة المقاومة حتى إنهاء
الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
وأكد صالح زيدان -عضو القيادة السياسية للجبهة الديمقراطية لتحرير
فلسطين- أن التعديلات التي أدخلت على خطة فك الارتباط تؤثر عليها
وتفرغها من مضمونها، وقال: "هذه الخطة لها وجهان، الأول إمكانية
الانسحاب من قطاع غزة وإخلائه من المستوطنات، والثاني هو جدار الفصل
وتكريسه في الضفة الغربية واستمرار الاستيطان والاحتلال في الضفة
الغربية".
ورأى زيدان أن شارون لجأ لخطة فك الارتباط كبديل لقرارات الشرعية
الدولية، معتبرًا أن هذه الخطة "لن تؤدي إلى سلام ولا إلى أمن ولا إلى
استقرار في المنطقة".
* الموقف الإقليمي
أما
عن الموقف الإقليمي فقد بدا واضحا أيضا موافقة غالبية دول المنطقة خاصة
العربية منها على هذه الخطة ، وان كان هناك تصريحات أو موقفا معينا
ينتقد فيه خطة الفصل الشارونية ، فإنه موقف باهت وضعيف .
ومن
أهم الدول التي اهتمت بهذا الموضوع هي جمهورية مصر العربية ، ورغم تدخل
مصر في اللعبة السياسية الفلسطينية من البداية ، فقد بدا أن شارون هدف
من البداية أن لا يدخل طرفا إقليميا أو دوليا حتى في جانب التدخل في
صلب خطة الفصل ، وقد حاولت مصر ضمان الهدوء أثناء تنفيذ الانسحاب ،
وقد انحشر موقف مصر في تلك الزاوية فقط ، وقد بدا واضحا ومن خلال
الزيارات المتعددة للوزير عمر سليمان مدير المخابرات العامة المصرية ،
وزيارات مساعدية ومستشاريه للأراضي الفلسطينية ومقابلاتهم مع مسئولي
السلطة والتي كانت تتركز على إعادة ترتيب الأجهزة الأمنية وإعادة
تأهيلها لتستعد لمسك زمام الأمور بعد الانسحاب ، وكذلك أيضا لقائاتهم
المتكررة لفصائل المقاومة وخاصة حركة المقاومة الإسلامية " حماس "
والتي كانت تتركز على ضمان الهدوء وتثبيت الهدنة .
* الموقف الدولي
فقد
بدا واضحا مدى الترحيب الدولي بخطة الفصل ، وخاصة المواقف الأوروبية
والأمريكية والتي أيدت هذه الخطة وبكل قوة ، مع إبداء بعض الملاحظات
البسيطة .
فقد
أعلنت موسكو على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف أكثر من مرة أن خطة
الانسحاب الأحادي من غزة يمكن أن تكون مفيدة في حال تنفيذها في إطار
خارطة الطريق وتنفيذ جميع أحكام هذه الخارطة من قبل طرفي النزاع .
جريدة الوطن ، 4/4/2004م ، نافذة من موسكو.
وعن
الموقف الأوروبي فمعروف أن الموقف الأوروبي وافق على خطة الفصل ولكنه
دعا في نفس الوقت إلى تبني فكرة التنسيق ما بين الفلسطينيين
والإسرائيليين وربط هذه الخطة مع خطة خارطة الطريق .
* الموقف الأمريكي
عن
الموقف الأمريكي فقد تبني ألإدارة أمريكية خطة الانسحاب بالكامل من
قطاع غزة ، وقد جاء في بيان للرئاسة الأمريكية -حصلت وكالة الأنباء
الفرنسية على نسخة منه الإثنين 7-6-2004: "نرحب بقرار الحكومة
الإسرائيلية الموافقة على خطة رئيس الوزراء (إريل) شارون لفك
الارتباط". وأضاف بيان الرئاسة الأمريكية: "كما سبق أن قلنا؛ فإننا
نعتبر خطة رئيس الوزراء بإخلاء جميع المستوطنات في غزة وبعض المستوطنات
في الضفة الغربية مرحلة جريئة وتاريخية". وأوضح بيان البيت الأبيض:
"ندعو إلى القيام الآن -وفي أسرع وقت ممكن في إسرائيل- بعمل تمهيدي
لتطبيق الخطة، كما ندعو أيضًا المجموعة الدولية التي تعمل عبر اللجنة
الرباعية ومع حكومتي مصر والأردن إلى الإسراع في إجراء مشاورات مع
إسرائيل والسلطة الفلسطينية للمساعدة على التحضير لهذه الانسحابات
وتحويلها إلى مرحلة ناجحة نحو السلام".
وقد
أطلع السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة "داني أيلون" كبار
المسئولين في الإدارة الأمريكية على إقرار خطة "فك الارتباط"؛ حيث أجرى
السفير محادثة مع الرجل الثاني في مجلس الأمن القومي الأمريكي "ستيف
هادلي"، ومع المسئول عن ملف الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية
"وليام بيرنز"، وأطلعهما على نص قرار الحكومة، وأوضح مصدر في واشنطن أن
القضية المهمة بالنسبة للإدارة الأمريكية هي التنفيذ، وذلك حسب ما
ذكرته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية الإثنين 7-6-2004. وأوضح مصدر
في واشنطن أن القضية المهمة بالنسبة للإدارة الأمريكية هي التنفيذ .
ثالثا : سيناريوهات ما بعد الانسحاب من غزة :
إن
الحديث عن السيناريوهات هو حديث في المستقبل وان كان القريب ، وهذا
المستقبل هو فريد من نوعه لأنك تخوض في منطقة تعج بالارتباطات المحلية
والإقليمية والدولية ، والأحداث متلاحقة ومتزاحمة تحد من قدرة المراقب
على استيعاب الأحداث ، هناك ميزة أخرى وهي أن حدث هنا أو هناك وفي
لحظات وعيثة قد يقلب كل الحسابات ويغير كثيرا من المواقف ، وتقف أمام
سياسة جديدة ومرحلة جديدة قد تختلف كليا عن المرحلة التي تسبقها ، لذلك
فإن التنبؤ بسيناريوهات ما بعد الانسحاب من غزة غاية في الصعوبة
والتعقيد ، بصعوبة القضية وارتباطاتها ، وهي كمن يسير على الرمال
المتحركة ، لا يعرف للاستقرار شئ .
* السيناريو الأول- الهدوء :
فمبجرد الانسحاب من قطاع غزة يكون العدو الإسرائيلي قد تخلى وبضغط من
الانتفاضة عن جزء من الأراضي الفلسطينية ، وعلى ذلك لا بد من فترة هدوء
للملمة الأوراق وإعادة ترتيب الصف وبناء المؤسسات الفلسطينية وترميم ما
دمره الاحتلال خلال السنوات الماضية .
وهذا السيناريو ما يأمله الأمريكيون والأوروبيون والسلطة الفلسطينية
وعلى رأسها محمد دحلان وبالطبع العدو الإسرائيلي .
وفي
هذا السياق فإن دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وفي سبيل ترويض
حركات المقاومة المسلحة فأنها تشجع أبو مازن على استيعاب هذه الحركات
ودمجها في الحياة السياسية الفلسطينية عبر خوضها تجربة لانتخابات
التشريعية ، وحتى دخول بعض الوزارات.
وقد
كشفت بعض المصادر عن دور مصري محوري لهذا الاتجاه ، وقد توقع مسئول
عربي أن يعرض على حماس بعد الانتخابات أربعة مناصب وزارية ، والاحتفاظ
بأسلحتها وعناصرها والتي ستصبح جزءا من قوات الأمن الفلسطينية ، ويقول
المسئول : أن مصر لا تريد سحق حركة حماس ، وكأنها تريد ترويضها " .
ويقول احمد أبو الغيط رئيس وزراء مصر في مقابلة معه : أن حماس يجب أن
تحتوى ولا يجب أن نترك هؤلاء الناس ، إذا فعلنا ذلك فأنهم سيشكلون
مشكلة في المستقبل ".(4)
أما
الولايات المتحدة فقد أفادت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن الولايات
المتحدة تحاول جمع مبلغ كبير من المساعدات بعد الانسحاب ، وقالت
الصحيفة أن إدارة الرئيس بوش تسعى من الرئيس السابق للبنك الدولي جيمس
ولفونسون ، المبعوث الخاص للجنة الرباعية الإشراف على الانسحاب
الإسرائيلي من غزة إلى جمع ثلاث مليارات دولار على مدى ثلاث سنوات حيث
المال سيخصص لمشاريع محدودة مثل إقامة مرفأ ومعابر حدودية ومنشآت البنى
التحتية". ( 5 )
وقد
كشف وزير الشؤون الأمنية محمد دحلان عن سعي السلطة لتنفيذ رزمة مشاريع
استثمارية و خدماتية كبيرة في قطاع غزة عقب الانسحاب الصهيونيّ و ذلك
بالاتفاق مع (مجموعة آسبين الاستراتيجية للشرق الأوسط) التي ترأسها
مجموعة من الشخصيات الأمريكية و الصهيونيّة . و بحسب دحلان ستتولى
وزارة المالية الفلسطينية الإشراف على تمويل هذه المشاريع ، معتبراً
الانسحاب الصهيونيّ من قطاع غزة فرصة يجب استثمارها كأساسٍ للاستقرار
في المنطقة ، و لجعله القوة المحرّكة لاقتصادٍ فلسطينيّ مزدهر في
المستقبل .. و استطرد دحلان أنّ المجموعة الاستراتيجية قرّرت القيام
بمشاريع استثمارية لتطوير قطاع غزة بعد الانسحاب منها : تطوير حقول
الغاز في غزة و مصنع الطاقة المشترك , و تطوير معبر كارني من خلال
خصخصة هذا المعبر الرئيسي الذي يمرّ منه يومياً حوالي 700 - 800 شاحنة
، تنقل البضائع من و إلى مدينة غزة ، مما سيوفّر فرص عملٍ جديدة ، و
يساعد في سرعة تطوير الاقتصاد الفلسطينيّ .
إلى
جانب إنشاء مستشفى غزة الخاص و الذي يمكن أن يزوّد خدمات لحوالي 52 %
من الحالات الحالية التي تحوَّل إلى الخارج ، و ذلك لقلة الإمكانيات
العلاجية المناسبة الآن في مستشفيات غزة . بالإضافة إلى تصنيع نسيجٍ
مشترك يهدف إلى توفير و دمج المهارات التكنولوجية بالمهارات اليدوية و
إعادة بناء مطار غزة الدولي كمنفَذٍ جويّ مهم ، و مجمع رفح السكاني
الذي يهدف إلى إنشاء مجمع إسكاني لأصحاب البيوت المدمّرة إلى جانب
مشروع تحلية المياه . ( 6 )
وبعد الانسحاب من غزة فإن العدو سيعتبر ذلك نهاية التنازلات ، وهذا ما
ذكره شارون في اجتماع محدد مع قادة المستوطنين حيث أكد لهم أن "
الانسحاب من غزة وأربع مستوطنات من الضفة الغربية هو نهاية التنازلات
من الجانب الإسرائيلي أو على الأقل نهاية التنازلات لعشرات السنين
القادمة ، وأضاف شارون أن المرحلة التي تلي فك الارتباط هو المراقبة
الأمريكية والإسرائيلية لطريقة تطبيق الديموقراطية والنجاح " ( 7 )
ولا
يستبعد أن يكون قطاع غزة وبعض أجزاء من الضفة الغربية هي الدولة
الفلسطينية المؤقتة القادمة ، وهذا ما يدور في خلد الإدارة الأمريكية
والعدو الإسرائيلي ، وفي الجانب الفلسطيني هناك من هو مستعد لهذا الدور
وعلى رأسهم محمد دحلان والذي يعتبر نفسه الرجل الأقوى في قطاع غزة ،
فلقاءاته واتصالاته مع الوفود الأمريكية الإسرائيلية لا تنقطع وهم
يعولون عليه كثيرا .
* السيناريو الثاني :
حيث
إن فصائل المقاومة ما زالت في تأهب واستعداد وما زادتها التهدئة في
الفترة السابقة إلا قوة من المعنوية والمادية ، فقد زادت الذخيرة التي
تمتكلها وقامت بتطوير بعض الوسائل القتالية مثل صواريخ القسام والتي
يصل مداها إلى 9 كلم ، كما تحدث مسئول عسكري كبير في جيش الاحتلال
والذي أضاف أن المسلحين قاموا بتجريب الصواريخ في البحر والذي وصل مداه
إلى 9 كلم .(8 )
وبمجرد انتهاء الانسحاب من قطاع غزة فإن المواجهة ستندلع من جديد ،
وسيتجدد قصف المناطق القريبة من حدود قطاع غزة ، وستستأنف المقاومة في
الضفة الغربية نشاطها المسلح ، ولا يستبعد أن يتم نقل خبرة الصواريخ
إلى الضفة الغربية والتي ستصل التجمعات السكانية الإسرائيلية ببساطة
ويسر اكبر .
ويميل لهذا السيناريو معظم الدوائر العسكرية والاستخباراتية في الكيان
الصهيوني " فقد أعرب رئيس جهاز المخابرات العامة ( الشاباك ) آفي دختر
في 9/4/2005م ، عن تقديره بأن تتفجر الانتفاضة الثالثة في الربع الأخير
من هذه السنة ، وذلك بعد أن تنتهي إسرائيل من تطبيق فك الارتباط
والانسحاب الكامل من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية ، وأضاف أن
الفلسطينيين لا يجلسون مكتوفي الأيدي بل يقومون بجمع الأسلحة والذخيرة
ويتدربون على تطوير أدواتهم القتالية ، ويستعدون لتفجير المواجهات من
جديد ، فهم غير مقتنعين بسياسة أبو مازن ولا يكتفون بما تقدمه إسرائيل
لهم ، ويطرحون مطالب كبيرة ، فعندما يرون إسرائيل انسحبت من غزة
سيتجهون إلى استئناف القتال والذي سيكون أقسى واشد من الانتفاضة
الأخيرة "( 9 )
كذلك قال موشيه يعلون رئيس الأركان السابق والذي يقول في 4/6/2005م
بأنه "بعد فك الارتباط من المتوقع حرب إرهابية ثانية تتضمن عمليات
وصواريخ قسام على الوسط " (10)
بينما في قطاع غزة سيقتصر الأمر على إطلاق صواريخ القسام والتي ستعتبر
السلاح الاستراتيجي ضد التجمعات الاستيطانية حول قطاع غزة ، فإن الأمر
في الضفة الغربية وبعد إنشاء الجدار الفاصل يختلف حيث أن الخلايا
الصغيرة والموزعة في المدن والقرى يتقوم بتنفيذ عمليات على شكل حرب
العصابات كما كان في جنوب لبنان ، أو على شكل العمليات في قطاع غزة قبل
فترة التهدئة ، وستتركز العمليات ضد الجنود والمستوطنين ومهاجمة
المحاور والمعسكرات والمستوطنات .
في
هذا السياق فإن إسرائيل تستعد من الآن ، وتضع الخطط لمواجهة سيناريوهات
محتملة من هذا القبيل ، فقد أفاد محلل عسكري صهيوني " أن قطاع غزة
سيتحول في الوقت الرهن إلى رمز للكفاح المسلح الفلسطيني ويترسخ في
الوعي الدولي كساحة للإرهاب والعنف والدم ، وحتى إذا نجح الجدار في
احتواء الإرهاب وإبقائه في الداخل ولهذا السبب فقد اعد الجيش
الإسرائيلي خطة متعددة الطبقات ، تتكون من الدفاع والهجوم والاستخبارات
، ولديها أجنحة معروفة وأخرى سرية ، مشيرة إلى أن الجيش الإسرائيلي وحد
كل وسائله الاستخباراتية وكل وسائل الاعتراض وإطلاق النار والاكتشاف
والإصابة والسيطرة في قبضة واحدة ناجعة "(11)
وإذا ما استمر إطلاق صواريخ القسام من قطاع غزة وتسبب ببعض الخسائر ،
فلا يستبعد أن يتكرر سيناريو حرب 1982م وحصار بيروت ، فقد شن بيغن
وشارون الحرب تحت اسم سلامة الجليل وتأمين الحدود الشمالية من صواريخ
الكاتيوشا وقذائف الهاون ، إلا انه تم فعلا إخراج فصائل منظمة التحرير
والمقاومة من لبنان ، وإذا ما تكرر ذلك في قطاع غزة وهو من الناحية
النظرية ممكن الحدوث بخلاف الناحية العملية والميدانية والتي من
بالمقاومة في قطاع غزة إلى سنوات السبعينات والثمانينات من القرن
الماضي .
* السيناريو الثالث :
يتوقع هذا السيناريو أن تستمر المقاومة في كل من الضفة الغربية وقطاع
غزة بعد الانسحاب ، ولكن يختلف عن السيناريو الثاني في حدة ودرجة
المقاومة في قطاع غزة خاصة .
السيناريو يتحدث عن مقاومة في قطاع غزة ولكن بوتيرة مضبوطة ومدروسة ،
فهي تغلب عليها طابع ردات الفعل على انتهاكات وجرائم العدو في الضفة
الغربية ، والرد هو في هذه الحالة بصواريخ القسام على المناطق المجاورة
لحدود قطاع غزة ، ويكون بدرجة لا تستفز العدو الصهيوني بدرجة التهديد
بدخول قطاع غزة من جديد ، أما في الضفة الغربية وبعد استكمال بناء جدار
الفصل العنصري ، فإن إمكانية تنفيذ عمليات استشهادية تكون في حدود
المستحيل ، ولذلك ستقتصر المقاومة على عمليات ضد الجنود وقطعان
المستوطنين .
وفي
هذا السياق يتحدث نائب رئيس الشاباك السابق " عوفر دقل " " ويقول بأن
الإرهاب سيستمر بعد الانسحاب من غزة ، وان الأوضاع في الضفة الغربية
ستصبح أكثر سخونة ، ويضيف بأنه لن تكون هناك شرعية أمام حركة حماس في
قصف المستوطنات الإسرائيلية ، كما أن الجيش الإسرائيلي لن يكون لديه
الشرعية لاقتحام غزة للرد على أي خرق لوقف إطلاق النار. ( 12 )
* السيناريو الرابع :
وهو
الأسوأ بعد الانسحاب ، فسوف تزداد ظاهرة الفلتان الأمني وتتوسع إلى
مناطق مختلفة من الضفة الغربية والقطاع ، ولا يستبعد أن يحدث صدام بين
السلطة والفصائل ، ويحدث بما يسمى الحرب الأهلية وتتكرر تجربة لبنان في
بداية عقد الثمانينات من صدام بين الفصائل الفلسطينية ، بينما العدو
يتفرج ويراقب من بعيد حيث أن الشعب الفلسطيني ينشغل بنفسه بعيدا عن
مقاومة العدو.
وهذا هو السيناريو الأسوأ وهو نادر الحدوث ، لأن أقوى الفصائل المسلحة
وهي حركة حماس تتعارض استراتيجيتها مع هذا التوجه ، إلا إذا أجبرت على
ذلك ووجدت انه لا مناص من المحظور ، كذلك تدخل مصر المستمر والوساطة
بين الفصائل والسلطة قد يؤد الفتنة من بدايتها ، ولا يستبعد في هذا
الإطار تدخل عسكري مصري لفرض الهدوء وبضغط دولي.
*
هذه هي السيناريوهات والتي من الممكن أن تحدث بعد تطبيق خطة الفصل ،
وعند ترجيح سيناريو على آخر علينا ان نلفت الانتباه إلى بعض النقاط :
1-
لا يوجد خطط سياسية واضحة في الوضع الراهن لدى العدو الصهيوني إلا
الهروب من غزة وزيادة السيطرة على الضفة الغربية .
2-
إن التزام العدو النسبي بالتهدئة في هذه المرحلة نابع من حاجته الماسة
لها قبل عملية الانسحاب من قطاع غزة على أمل أن يتم الانسحاب بدون
ضربات المقاومة ، والتي قد تعكس صورة إعلامية سيئة عن العدو .
3-
يجب أن يأخذ في الاعتبار وجود شارون على راس حكومة العدو والذي لا يملك
أي برنامج سياسي عوضا عن انه يفضل استعمال الترسانة العسكرية
الإسرائيلية ولا يخفى على احد التاريخ الدامي لشارون .
4-
إن الإدارة الأمريكية مستعدة لتبني أي خطة أو سلوك من قبل دولة العدو
وغير مستعدة أو إنها لا تقدر على مواجهة هذه السياسات ، ويرافق ذلك
نفاق وعجز أوروبي واضح مع نظام عربي رسمي مهترئ يتسابق في إرضاء
الإدارة الأميركية .
5-
السلطة في وضعها الحالي غير قادرة على ضبط الأمور ولا هي قادرة على
إملاء سياساتها على فصائل المقاومة .
*
المصادر:
1) جميل العبادسة ، خطة الفصل الإسرائيلية والاقتصاد الفلسطيني ،
البنك الوطني للمعلومات ، 2005 .
2) صحيفة القدس العربي ، 18/6/2005م
3)
يعقوف عميدرور : أهداف خطة فك الارتباط ، معهد يافا للدراسات
الاستراتيجية "تقدير استراتيجي" / ، جامعة تل أبيب المجلد 7، العدد 3،
كانون الأول 2004
4) صحيفة الجارديان البريطانية ، 15/6/2005 .
5) صحيفة دار الخليج 19، /6/2005م
6) موقع المركز الفلسطيني للإعلام ، 2005-04-12
7) الشرق الأوسط ، 10/4/2005م
8) موقع ،غزة برس ، 5/4/2005م
9) الشرق الأوسط ، 2005-04-10 .
10) صحيفة هآرتس ، آري شبيط ، 5/6/2005م
11) صحيفة معاريف ، خطة إسرائيلية للتدخل في غزة ، 20/5/2005م.
12) موقع مفكرة الإسلام ، برنامج " مساء جديد " الذي تبثه القناة
السابعة العبرية التابعة للمستوطنين ، 25/6/2005م.
|