أفبعد كل القتل؟!



بقلم:عدلي صادق

إن كانت عملية التفجير، التي وقعت أمس، في سوق الكرمل، هي جريمة قتل جماعي، فلسطينية، ضد الإسرائيليين، مثلما وصفها مهووسون أعماهم الحقد العنصري؛ فما هي الصفة، التي يصح أن نطلقها، على وجبات القتل، التي يقترفها المحتلون، بين أسبوع وآخر، فيسقط في كل مرة، نحو عشرين بريئاً، معظمهم من الأطفال، في عمليات إجرامية، يقترفها جيش كبير، وليس فتى في السادسة عشر من عمره؟! هل نقول أن الفتى الذي نفّذ عملية الكرمل، حاول اقتراف القتل الجماعي، رداً على الإبادة الجماعية؟!

وإن كان معنى عملية سوق الكرمل، حسب كلام شارون، أن القيادة الفلسطينية، لم تغيّر اتجاهها، فكيف نحكم على توجهاته هو، وما إذا كانت قد تغيرت، أم أنها ازدادت سفالة وإجراماً، لا سيما بعد إقدامه مؤخراً، على قتل نحو مئة وخمسين طفل وتلميذ مدرسة، في أقل من شهر، فيما هو يتصبب عرقاً، أثناء التحدث عن إخلاء غزة، في محاولة تافهة لتقليد الزعيم شارل ديغول، عندما كان يُعلن عن إخلاء الجزائر؟!

لم يتورع، قبل أيام، قائد فصيل من الجيش (وليس فتى في السادسة عشر) عن إفراغ المزيد من الرصاص، في جسد طفلة فلسطينية، قُتلت لتّوها، ظناً منه أنه يُشبعها قتلاً. فبدلاً من المنطق السخيف، والكلام الأكثر سخافة، وبدل معاينة الإدانات الفلسطينية البائسة؛ أصبح الأجدر بالإسرائيليين، أن يواجهوا أنفسهم بشجاعة، وأن يحلوا أزمة الضمير الناشئة عن فحشاء استخدام القوة، وهي ما تحدث عنه مؤخراً، مثقفون وكتّاب إسرائيليون ويهود، أحسوا بالخطر، على سياق الرواية الصهيونية نفسها، وعلى مؤسسات الدولة العبرية، التي يحكمها قتلة معتوهون!

* * *

القيادة الفلسطينية، أدانت في الحال، عملية سوق الكرمل، لكن المحكمة الإسرائيلية، نطقت بتبرئة الضابط، قاتل الطفلة إيمان الهمص، رغم أن جنوده أنفسهم، سردوا فعلته المشينة للتلفزة الإسرائيلية: سقطت الطفلة أرضاً، بعد أن أصيبت بنيران نقطة مراقبة عسكرية، لكنها كانت قد جُرحت فقط، عندما تقدم منها الضابط قائد الفصيل، فأطلق طلقتين على رأسها، من مسافة قريبة، ثم عاد من جديد الى الطفلة، وغيّر مبدّل التلقيم، الى سرعة الإطلاق الآلي، وتجاهل اعتراضات زملائه، التي تواصلت عبر جهاز الاتصال، وأفرغ كامل الذخيرة في جسد الطفلة!

هل أدانت قيادة شارون، فعلة الضابط وغيّرت وجهتها، مثلما أدانت القيادة الفلسطينية عملية الفتى في سوق الكرمل، أم أن أطفالاً فلسطينيين آخرين كُثر، سقطوا منذ أن ارتكب الضابط فعلته النازية، وبعض هؤلاء الأطفال، من تلامذة المدارس الذين جاءهم الرصاص فيما يفتحون كراساتهم في الفصل الدراسي؟

* * *

نتمنى اللحظة التي يكون بمقدورنا أن نعبر فيها، عن استنكارنا الحقيقي لأية عملية يسقط من جرائها مدنيون أبرياء. لكن لعبة الموت المجنونة، هي من تأليف وإخراج شارون ومن معه، وهم الذين يتحملون مسؤولية الدماء التي تسفك، سواء بيد قائد فصيل، أم بيد فتى فلسطيني، يرى بأم العين ما يفعله يومياً جيش الاحتلال، التابع لدولة عضو في الأمم المتحدة، فيقرر الانتقام!

لكن الواقع اليوم، هو أن المحتلين يقتلون بدم بارد، ويتماهون مع الفاشية، ويفسدون روايتهم الصهيونية نفسها، بل ينسفون أعمدتها، وكلما قفز فتى فلسطيني لكي يفجر نفسه، في سوق أو حافلة، يستعيدون الكلام الفارغ نفسه، ويحاولون تمثيل دور الضحية، ويتحدثون عن قيادة فلسطينية وكأنها أرسلت الفتى، بينما هي لا تعرفه قطعاً ولم ترسلة، في حين تعرف القيادة الإسرائيلية قاتل الطفلة إيمان الهمص وهي التي أرسلته!

ليكفوا عن الدجل، فلن يفيدهم التباكي الوقح الكذوب. إنهم يتحملون مسؤولية كل قطرة دم تُسفك على الجانبين، ولا معنى للشجب الفلسطيني، الذي هو بمثابة شيك بلا رصيد، يدرك المستفيد أنه بلا رصيد، لكنه يتلهف عليه، لتثبيت ما يزعم أنه مستحق له، ويحرره صاحبه بصرف النظر عن كل المحاججات والآراء ومن باب التسليم جدلاً. فطالما هم مستمرون في القتل، لن يكون هناك إنسان، في المجتمع الفلسطيني، يحس بخطأ أية عملية تفجيرية من أي نوع، وبأية وسيلة. هذه هي الحقيقة باختصار، وأظنهم يعلمونها. أفبعد كل القتل، الذي مضى، والقتل المتوقع، يستهجنون أو يستنكرون أو يتحدثون علن الجريمة؟! إنهم لا يخجلون!

adlisadeq@yahoo.com

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع