نقيب المحامين الفلسطينيين: لا يوجد قضاء في فلسطين.
*القضاء تحول إلى مزارع عائلية خاصة.
*الحركة الوطنية غير ناضجة.
حاوره: أسامة العيسة -يجلس المحامي حاتم عباس أبو خليل، نقيب المحامين
الفلسطينيين، على مكتبه في مركز مدينة رام الله، تفترش أمامه الصحف
اليومية، المليئة بمناشدات من أصحابها للرئيس محمود عباس (أبو مازن)
التدخل لإنصافهم أو حمايتهم أو مطالبته بمحاكمة من تسببوا بحوادث قتل
طالت أعزاء لهم.ويرى أبو خليل، في مثل هذه المناشدات، وظاهرة الانفلات
الأمني، دليلا على ما يراه ليس فقط ضعف القضاء الفلسطيني ولكن غيابه
أصلا- كما يقول.ويضيف أبو خليل "عندما لا يوجد قضاء، فان كثير من الناس
يلجأون لتطبيق القانون بأيديهم".وخلال الأشهر الماضية قاد أبو خليل،
على راس نقابة المحامين، نضالا ضد الجهاز القضائي الفلسطيني، ونظم
المحامون اضرابات واعتصامات، ولكن تلاحق الأحداث من وفاة ياسر عرفات
وتولي محمود عباس رئاسة السلطة، اجل المواجهة بين النقابة والقضاء.وعن
القضاء والمحامين والقانون في الأراضي الفلسطينية تحدث أبو خليل
لمراسلنا
ثلاثة أجسام
*كيف ظهرت نقابة المحامين الفلسطينيين إلى الوجود، وهي نقابة حديثة؟
-أبو خليل: خلال السنوات التي أعقبت الاحتلال وجدت ثلاثة أجسام تمثيلية
للمحامين، ففي غزة وجدت نقابة المحامين كجمعية عثمانية، وفي الضفة ظهرت
لجنة المحامين العرب وضمت المحامين العاملين، بالإضافة إلى ما يعرف
بالمحامي المضرب، وهم أعضاء نقابة المحامين الأردنيين، الذين أعلنوا
الإضراب بعد الاحتلال عام 1967.وجميع هذه الأجسام توحدت بمرسوم صدر عن
الرئيس عرفات عام 1997، في نقابة المحامين الفلسطينيين التي عين لها
مجلس تأسيسي من الأجسام السابقة، وفي عام 2003 صدر قانون نقابة
المحامين عن المجلس التشريعي وجرت أول انتخابات، وكنت أول نقيب
للمحامين الفلسطينيين.
*كم عدد المحامين الفلسطينيين، وما هي مدة دورة مجلس النقابة؟
-يوجد نحو 1400 محام مزاولين للمهنة وهم أعضاء في النقابة، ولكن هناك
محاميين يعملون في وظائف حكومية وفي القطاع الخاص كمستشارين، أو مدرسين
في الجامعات، ولا يشملهم هذا العدد.وحسب القانون يجب أن تجري
الانتخابات كل عامين، وسنجريها في شهر نيسان (ابريل) المقبل.
نار وقضاء
*بعد فترة قصيرة من انتخابكم في منصب النقيب فتحت النار فورا على
القضاء، لماذا وبهذه السرعة؟
-رأينّا انه لا يوجد قضاء فلسطيني، وكان لابد من التحرك، فوجهنا مذكرة
لمجلس القضاء الأعلى تشخص حالة الجهاز القضائي، ومعاناة المواطن
والمحامي من الجهاز القضائي، وجرت اتصالات عديدة بيننا وبين المجلس
ولكنها في النهاية اصطدمت بحائط مسدود، وأدى ذلك إلى إعلاننا الإضراب
والتمسك بمطالبنا بإصلاح الجهاز القضائي بشكل عاجل، ونحن نعتبر أنفسنا
جزءا من هذا القضاء، ونقول إذا كان هو القضاء الجالس فنحن نعتبر أنفسنا
كمحامين القضاء (الواقف).
*ما هي ابرز مطالبكم؟
-المطالب كثيرة وضمناها بيناتنا ومذكراتنا، منها ما يتعلق بسرعة البت
بالقضايا، ووضع حد لظاهرة غياب القضاة المتكرر ودوامهم لساعتين أو اقل،
ووضع حد للنظرة الفوقية للقضاة تجاه المحامين والمواطنين، وتفعيل قانون
السلطة القضائية وتشكيل المكتب الفني لمجلس القضاء الأعلى، والذي من
مهامه جدولة قرارات المحاكم وإعداد نشرة بها للإطلاع، وأيضا وضع حد
لممارسات مجلس القضاء غير القانونية..
*مثل ماذا؟
-هناك قضايا تدخل فيها مجلس القضاء رغم أنها معروضة على المحاكم، مثل
قضايا تتعلق بأراض أو ما حدث في قضية بنك شهير لا أريد أن أثيرها
الان.وعلى أية حال طالبنا بإعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى، وإلغاء
تعيينات القضاة التي تمت بالواسطة والمحسوبية.
*كيف تم ذلك وما هو دليلكم؟
-تحول القضاء والنيابة إلى ما يشبه المزارع العائلية بتعيينات الأقارب،
في جهازي القضاء والنيابة العامة والنقل منها إلى الجهاز القضائي
والترفيعات التلقائية، وتم ذلك بدون أية معايير موضوعية، ودون مراعاة
للكفاءة أو الخبرة، ولكنها كانت محكومة بالمحسوبية في غالبية الحالات،
وشمل ذلك التعيينات القائمة على العلاقات الشخصية أو الفئوية أو
المناطقية والقرابة فشهدنا تعيينات لأقارب القاضي وكأن الجهاز
القضائي هو مزرعة عائلية خاصة.
*لم تتوقف مطالبكم عند ذلك؟
-بالطبع فمطالبنا كثيرة في ظل عدم وجود قضاء مستقل ومهني، لذلك ركزنا
على أهمية تأهيل القضاة عديمي الخبرة، كي يستطيعوا التعامل مع قضايا
الناس، وكذلك تأهيل الجهاز الإداري وتأهيل المحاكم بحيث تكون مفتوحة
للحضور العلني من المواطنين، ومطالب أخرى كثيرة.
مواجهة وهدنة
*ماذا فعلتم عندما لم يتم الاستجابة لمطالبكم؟
-كما هو معلوم اتخذنا خطوات احتجاجية مثل الإضراب ومقاطعة هذه المحاكم
الاسمية وحدثت مراسلات واتصالات عديدة، وكان قرارنا محاورة مجلس القضاء
الأعلى بوجود طرف ثالث.
*لماذا طرف ثالث؟
-من
تجربتنا أخذنا درسا كي لا نقع ضحية للفلفة الأمور.
*هل حدث هذا معكم؟.
-نعم، فمثلا اتخذنا قرارا بمقاطعة رئيس محكمة العدل العليا، بناء على
موقف معين، فزارنا رئيس مجلس القضاء الأعلى في النقابة واعتذر، ولكن
الممارسات التي استوجبت موقف المقاطعة منا، بقيت كما هي، واستمر أيضا
التعامل الفوقي مع النقابة، فعندما أرسلنا مندوبا منا لحضور ندوة
نظمتها مؤسسة حقوقية في احد الفنادق، طلب ممثل القضاة من مندوبنا
المغادرة لان وجوده يشكل امتعاضا للقضاة الحضور، رغم أنهم وهم موجودون
بدعوة من المؤسسة المنظمة.هذه الممارسات وغيرها جعلتنا على قناعة
بأنه حقيقة لا يوجد لدينا قضاء، وإذا أردنا حل الإشكالات لا بد من وجود
طرف ثالث.
*هل تعتقد أن عدم تنفيذ مطالبكم كان وراؤه الرئيس السابق عرفات؟
-جلسنا كممثلين عن النقابة ومجلس القضاء الأعلى بحضور عرفات، وتحدثت
ساعة ونصف دون أن يقاطعني عرفات، وكذلك تحدث الطرف الأخر، وتم الاتفاق
على مطالبنا بتشكيل لجنة ثلاثية، والطرف الثالث هو اللجنة القانونية في
المجلس التشريعي، ولكن مجلس القضاء الأعلى عاد وتراجع.وعلى ضوء ذلك
قاطعنا عدة قضاة، واستمرت الأزمة.
*أين وصلت الأزمة الان؟
-حدثت وفاة عرفات، ووعد الأخ أبو مازن، في برنامجه بإصلاح القضاء، ونحن
على قناعة، أن إصلاح القضاء، يحتاج إلى إرادة سياسية، وإذا لم توجد هذه
الإرادة فلن تحدث أية عملية إصلاح، ولن يجري إصلاح القضاء أو محاربة
الفساد، إلا إذا أصبح القضاء، قضاءا مستقلا وكما وصفناه: حرا، وعليما،
وفهيما، وأمينا، ونزيها.وبسبب غياب القضاء أقدم كثير من الناس على
تطبيق القانون بأيديهم، بسبب عدم اطمئنانهم لمعاقبة الجناة أو نيل
حقوقهم.
*يعني انتم الان في هدنة؟
-كما ذكرت الرئيس أبو مازن أعلن عزمه إصلاح القضاء وقدم تشخيصا صحيحا
لحاله، فلنعطه فرصة.ونحن نقول للأخ أبو مازن بان الخراب الموجود في
القضاء غير موجود في مكان أخر ونطالبه بالتحرك العاجل لإصلاحه.
*وما هي الخطوات العاجلة لذلك؟
-نطلب من المجلس التشريعي الاستعجال بإدخال التعديلات القانونية
اللازمة وتشكيل مجلس القضاء الأعلى وفق القوانين والمعايير، ولا نريد
أي خطوات تجميلية لان الواقع سيبقى كما هو الان.
قضاة ومحامون
*هناك من يرى أن للقضاة مطالب أيضا، فمثلا يشكون من ضعف رواتبهم؟
-طالبنا بزيادة رواتب القضاة، وزادت رواتبهم فعلا، بحيث أصبح راتب
القضاة هو الأعلى في الدولة ويصل إلى 20 ألف شاقل (الدولار:4,35).وهذه
الزيادة لم يجر عليها التصديق من المجلس التشريعي، ولم يكن لدينا أي
مانع في أن يعيش القاضي في وضع لائق ومتقدم، ولكن المفارقة في هذا
الملف، انه عندما طرحت مسالة الرواتب للنقاش في التشريعي قبل فترة
قصيرة، قرر مجلس القضاء الأعلى الإضراب، وهذا موقف مستهجن، فعندما تضرب
سلطة ثالثة عن العمل، فهذا يعني الدعوة إلى تشكيل حكومة طواريء، هذا في
أي بلد يحترم القوانين، وهو مؤشر على أننا نحتاج بشكل جدي لإصلاح
القضاء.وعندما نكون في مرحلة تحرر وطني ونعيش حالة الاحتلال، فاحد
مقومات الصمود هو وجود قضاء محترم يحقق العدالة ويضمن الكرامة
للمواطنين، كي لا نتحول إلى قوانين الغاب، والكل ينفذ قانون القوة
والعائلة والعشيرة.
*هناك انتقادات للمستوى المهني للمحامين، ماذا فعلتم من اجل الارتقاء
بمستوى المحامين ما دمتم تنتقدون مستوى القضاة؟
-كيف سيكتسب المحامي المتدرب أية خبرة، مع استمرار تأجيل القضايا، ولا
يستطيع المثول أمام القضاة؟ وعندما يكون القاضي مشلولا، فانه يصبح
خبيرا في التأجيل.لذلك أدركنا الخلل الناتج عن ذلك، وطرحنا مشروعا
لنظام تدريب جديد ملزم لنقابة المحامين بإعطاء دورات تدريبية لكل
المحامين وفي كل القوانين المعمول بها في الوطن، ويلزم المحامون اجتياز
امتحان وإنجاز بحث يجري مناقشته.ونظمنا محاضرات وندوات لأكثر من 600
محام من مختلف محافظات الوطن ونظمنا بالتعاون مع اتحاد المحامين العرب
دورات في الأردن شارك فيها 100 محام، واعتبرنا ذلك إنجازا أن نخرج هذا
العدد ليتلقى تدريبا عالي المستوى في الأردن.وسنستمر في ذلك، وهو
وموضوع يحتاج لجهد مستقبلي يبذل باستمرار.
محاكم إسرائيل
*هناك موضوع يتعلق بالمرافعة أمام المحاكم العسكرية الإسرائيلية، الذي
يتم التجنب الحديث عنه، لماذا تترافعون أمام هذه المحاكم رغم وصفكم لها
بالمحاكم الصورية؟
-هذا موضوع بحاجة لبحث، ورحلة العمل مع الأسرى داخل السجون مضنية ولا
تبدأ بمعرفة مكان الأسير ولا تنتهي بإدخال أغراض له، ثم الوقوف أمام
محاكم هي بالاسم محاكم، القرارات فيها جاهزة، لقد قبل المحامون الوقوف
أمام هذه المحاكم لأسباب وطنية، وخلال فترة الانتفاضة الأولى مثلا
عملنا ليس كمحامين وإنما كعتالين نحمل الأغراض لأسرانا ونناضل لإدخال
ملابس لهم.
*هل العمل أمام هذه المحاكم احد أسباب ضعف أداء المحامين؟
-يا
صديقي هذه المحاكم هي محاكم عسكرية لا تشكل أية فائدة لأحد، القاضي غير
محايد ويطبق قوانين عسكرية موروثة من عهد الانتداب البريطاني، وتتدخل
المخابرات في عملها بشكل مستمر, ولا تتم أمامها للمرافعات أصلا، فماذا
سيستفيد المحامي مهنيا منها.
*ما دام الأمر كذلك لما تقفون أمامها؟
-الأمر يتعلق بنضج الحركة الوطنية الفلسطينية، فلم ترتق لاعتبار أسرانا
أسرى حرب..
*كيف ذلك؟
-في
حالة اعتبرنا أسرانا، أسرى حرب فلا يجوز ظهور أسرى الحرب أمام أي محاكم
مهما كانت، ولكن مستوى حركتنا الوطنية لم تصل إلى هذا المستوى، وكانت
الفصائل الوطنية حريصة على التواصل مع الأسير عبر المحامي، وإيصال له
الملابس والسجائر وغير ذلك
|