أشباح" الفلتان الأمني: من هم؟

 

مقال/ عبد الرحمن فرحانة

25/4/2006

 

لن أتحدّث عن الأنباء التي تشير إلى خطة إفشال الحكومة الفلسطينية القائمة والأطراف المشاركة فيها محلياً وإقليمياً ومن ضمنها فعالياتها تكثيف الفلتان الأمني كأداةٍ من أدوات إضعاف الحكومة المنتخبة.

ودعونا نناقش الأمر هنا بمنظور آخر؛ كمحاولةٍ للاقتراب من تحرير أسّ مشكلة "الفلتان الأمني" والتوافق على قواعد لإنتاج حلول لعلاجها، وإذا دعت الحاجة لفضح القائمين على هذه الظاهرة التي تمسّ بشخصية الشعب الفلسطيني وتسيء إلى جهاده الذي هو مثار فخرٍ واعتزازٍ لكلّ الطامحين للخلاص من ربقة الاحتلال والهيمنة بكلّ أشكالهما.

وعلى هذه الأرضية دعونا نتصارح؛ ولنطرح السؤال مباشرةً: من هم هؤلاء؟ ومن وراءهم؟

المراقب للشأن الفلسطينيّ، والباحث عن إجابةٍ واضحة عن هذا السؤال يحتكّ بأربعة مواقف أساسية، الأول: بيانات متتالية من كتائب الأقصى تنكر فيها تبعية هذه العناصر لها، والثاني: صمتٌ ومواقف ملتبسة من قِبَل "فتح" كتنظيمٍ تجاه هذه الظاهرة. والثالث استنكارات متتالية من قِبَل الفصائل الأخرى. الرابع وهو الأمر الأشدّ غرابة أنّ الرئاسة تهتمّ باستنكار وإدانة العمليات الجهادية أكثر بكثير من هذه الظاهرة اللاحضارية.

وبنَفَسٍ وطني وموضوعي، دعونا نتجه لنبحث عن آلية تفاهمٍ ممكنة من قِبَل الحكومة والفصائل وكافة القوى المعنية حول معالجة الظاهرة. وطالما أنّ قاطرة الحوار الوطني التي انطلقت من المجلس التشريعي؛ فلتكنْ هذه المسألة من أبرز مفردات الحوار، نظراً لأهميتها على صعيدٍ شعبيّ، ولمساسها بهيبة السلطة، ولكونها تكريساً لصورة "سلاح البلطجة" التي تهين شرف البندقية الفلسطينية المقاومة.

ولمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة ينبغي البحث عن أسئلةٍ مهمّةٍ في تشخيص العلاج رغم بساطتها؛ وحتى ربما يراها البعض ساذجة:

من هم هؤلاء الذين يقومون بأعمال البلطجة؟

ما الجهات والشخصيات التي تقف من خلفهم؟

ما الأجندة التي تخدمها هذه الظاهرة؟

إجابةُ هذه الأسئلة في سياق حوار وطني أو نقاش عام تلتقي في إطاره كافة القوى السياسية سيفضح هوية هذه العناصر المنفلتة، وسيعرّي القائمين عليها من خلفها، وكذلك سيكشف الأجندة التي تستبطنها هذه الظاهرة، وعلى روؤس الأشهاد.

"علاج التعرية" بتوافقٍ جماعيّ هي أفضل السبل لكشف أيّ غطاءٍ تحتمي به هذه "الأشباح" المعروفة!. كما أنّ الإصرار على هدف المعالجة والسعي للضغط باتجاه حلّ هذا الملف سيكشف المتخاذلين أو المثبطين الذين تروق لهم هذه الظاهرة.

 من غير المنطقي، بل من المريب؛ أنْ تقف بعض الأطراف في وجه الحكومة الحالية في حملتها لمواجهة الظاهرة بحجّة الصلاحيات الدستورية والقانونية. فإذا كانت المشكلة قانونية ودستورية؛ فلتجلس الأطراف المتخاصمة لمناقشة الإطار القانوني الذي يسمح بعلاج المشكلة. أمّا مجرد الاحتجاج على إجراءات الحكومة بحجّة عدم قانونيتها والصمت على أفعال هؤلاء المنفلتين، فأعتقد أنّها لا تندرج في خانة المسؤولية الوطنية، بل ربما تؤسّس لمثار شكٍّ جماهيريّ تجاه من يعرقلون خطوات العلاج.

ولو استخدمنا لغة المناكفة فيمكننا أنْ نقول لـ"جبريل الرجوب" الذي يعترض على الحكومة لإنشائها قوة أمنية جديدة بحجّة عدم الصلاحيات، إنّ الشعب الفلسطيني ذو ذاكرةٍ قوية صقلتها الأحداث، فهو يتذكّر جيداً أنّ الحكومة الفلسطينية السابقة قد أنشأت الجيش الشعبيّ أثناء انسحاب الاحتلال الصهيوني من غزة، وهو إجراء مشابهٌ لإجراء الحكومة الجديدة. فلماذا سكتَّ حينها يا سعادة المستشار الأمني؟.

السيد "ماهر مقداد" الناطق باسم "فتح" عندما يعترِض على الحكومة لاستقوائها بعناصر من كتائب عز الدين القسام لكبح جماح هؤلاء، نقول له: "حسناً، إذن فلتدعْ حركة فتح عناصرها المسلحة لمساعدة الحكومة في لجم الفلتان الأمنيّ، أو لتتكاتف كلّ الفصائل في مساندة الحكومة لمواجهة الظاهرة، فالقصة ليست مناكفة فصائلية. والعلاج بالتأكيد ليس الصمت والتمتّع بالتفرج على المشهد المنفلت".

ولكن بعيداً عن لهجة المناكفة والمحاججة؛ فالمصلحة الوطنية أنْ يتمّ التوافق بين الرئاسة والحكومة لاجتراح إطارٍ قانونيّ متوافق عليه يتجاوز "معركة الصلاحيات" من خلال خلية التنسيق بينهما للاتفاق على برنامج لمعالجة هذه المسألة التي تمسّ الصورة الحضارية للشعب الفلسطيني، بالتوازي مع مخرجات الحوار الوطني.

أضعف مراتب الحسّ الوطني أنْ لا يقف أحدٌ في وجه الحكومة الفلسطينية الحالية وهي تحاول لجم هذه الظاهرة البغيضة، وما وراء ذلك التواطؤ وربما ما بعده.

ونذكّر بأنّ خطاب الوحدة ولهجة التشارك لا تُعَدّ ضعفاً سياسياً إلا في مناخ الاحتكار، وفلسطين الجديدة خرجت من تلك الحالة وهي اليوم تدعو حماس وفتح إلى روح جديدة لكي نغتم فرصة هذا الربيع الفلسطيني.

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع