الشعب أبقى .. ليذهب كما جاء
الاثنين 1 تشرين الثاني 2004
بقلم وجيه عمر مطر
ليس
من باب الشماتة، وليس اصطيادا في برودة الضعف والانكسار، وإنما
هو
الوقوف عند حالة المآل الذي وصل إليه الحال الفلسطيني ، الذي كان فيما
سبق
مغايرا لوضع النظام العربي الرسمي. ولكنه أبى إلا أن يكون أكثر ترويعا
وانحلالا من
الوضع الرسمي العربي سابقا ولاحقا، فانخرط في سيرك الأداء السلطوي
العربي، معلنا
ترنحه أمام أول انقباض لقبضة الأخر ، كونه جاء ضمن مقدمات مفرغة من
ديمومة التطور ،
لينتهي إلى حالة مثلى لمرض سياسي عضال يصعب الشفاء منه ،في ظل خارطة
صراع المصالح
التي تجاوزت في خطوطها المتعرجة لرسم حدود الفعل والتفاعل حتى في حده
الأقصى ، حدود
أوسلو.
من
القرار الفلسطيني المستقل ... إلى يا وحدنا.. إلى كـ...... ولو في
أريحا.. وصولا إلى ( شهيدا شهيدا شهيدا ). مانشيت صحفي فاعل لنهج سياسي
مفعول به،
كان
مقدرا له أن يكون بأفضل مما هو عليه، وان لا ينتج أفعالا أكثر من فعل
لاعب
سيرك، يعتبره البعض محترفا والبعض الأخر ( ألعبان ) حسب التعبير الشعبي
المصري ،
وهناك من يعتبر ذلك حالة من القدرة الفائقة في السير ما بين ألغام
مصالح القوى
المتصارعة والمتناقضة على المستويات الدولية والإقليمية والعربية.
إلا
أن ما آل إليه الوضع، يضعنا أمام أسئلة ليست بالجديدة، ولكنها
ضرورة إعادة طرحها من جديد وبشكل جدي وملح.
وماذا بعد؟؟
وما
العمل ؟؟
وكيف ستكون صورة المستقبل الفلسطيني في ظل المعطى الدولي والإقليمي
والعربي؟ وبخاصة بعد وصول المحافظين الجدد إلى السلطة والإمساك بعنق
البيت الأبيض
والإدارة الأمريكية، وكذلك في الكيان الصهيوني، وعلى وجه التحديد بعد
سقوط بغداد،
وهزيمة التيارات السياسية العربية منهجا وممارسة بتخليها عن دورها
المناط بها والتي
كانت قائمة عليه.
وبالتخصيص.. ما هو دور القوى الفلسطينية المستضعفة والمتشرذمة إلى حد
الفسيفساء؟ وبخاصة بعد انهيار السلطة التي كانت تشكل إلى حد ما ناظما
لهذه القوى
(
الموالية ). وكذلك فقدان الفاعلية للقوى الرافضة والمعارضة على حد
سواء، الرافضة
لنهج الاستسلام، والمعارضة لأداء السلطة في رام الله.كونها فقدت بعد
فترة من السقوط
لنظامها السياسي في تحديد رؤاها الإستراتيجية والتكتيكية . مما أعطى
مبررا لوجود أو
استمرار الكهنة في معبد السقوط الفلسطيني.
الآن.. يخرج هذا ( المرمز ) تاركا خلفه إرثا ثقيلا ليس من المآسي
فحسب، بل من الإشكالات التي لا يعلم إلا الله كيف سيكون الخروج منها أو
التغلب
عليها، في ظل إيهام الاستعباد السياسي الذي دام لأكثر من 35 عاما.
زمن
من الصراع في كل الاتجاهات، عمد بالدم والدموع، من أجل تحقيق هدف
سامي وتاريخي( التحرير )، فتراجعنا بفعل الإيهام السياسي الاستعبادي
إلى تجزئة
الهدف التاريخي إلى أهداف أقل شأنا وان كانت تحمل نفس الشعارات الناصعة
والفاقعة،
إلى
أهداف مرحلية محكومة بفعل الوهم والإيهام ، إلى عناوين سياسية متقطعة
الحروف ،
بقعة من الأرض نتحرك عليها ، ثم دولة أو دويلة فلسطينية فإذ بنا أمام
سلطة حكم ذاتي
هزيلة لا تملك من أمر نفسها سوى قدرتها على قمع الشعب والمقاومة.
فسحقتنا اتفاقات
أوسلو وواشنطن وتوابعهما وثم وادي عربة... حتى وصل الوهم إلى أدنى
حظوظه في خارطة
الطريق التي كرست خارطة في الجسد الفلسطيني ولكن بدون طريق. فتراجعنا
بوهمنا إلى
حدود فواصل مجتزئة مبتورة من واقع الهدف إلى واقع الواقعية الوقيعة.
فذهبنا يمينا
وشمالا، غربا وشرقا للبحث في ركام الأوهام المختزنة في رؤوس كهنة كان
وما زال همهم
تعطيل فعل المعبد حتى تحول بفعل هذا الايهام الى حقيبة سفر في انتظار
من يحملها الى
أبعد من منافي عوام هذا النعبد. فحطت بهم الرحال على مسارات مسارات
تفتيت ما تبقى
من
حزمة الوعد، في التنازل عن المعطيات التاريخية، حتى تلك التي ما زالت
تحفظها بعض
المنابر الدولية و شرعتها. كما فعل ذلك المدعو ياسر عبد ربه في ترتيبات
التنازل عن
حق
العودة، وقبله كان وما زال المدعو سري نسيبة.
فتتحول القضية الفلسطينية من قضية صراع ووجود بفعل سيطرة هذا الوهم
المزروع والنابت في ظلال العتمة القبيحة، الى قضية نزاع وحدود،
وليتضائل هذا الفيء
في
قلب العتمة الى هلامية سلطوية، تتنازعها أهواء وامتيازات النابتين في
هذه العتمة
.
وتتناثر الاشلاء الى ورشات وامارات ومشايخ وزوايا، بل الى عربدة
القبضايات من
البلطجية والزعران، فساد العملاء ( العقلاء ). وهذا الفعل والمآل لم
يكن من ترتيب
وفعل الأخر ، وانما هو نتيجة حتمية لسياسات حمقاء في أحسن النوايا،
قادها عقل موهوم
ومحكوم بنهج (( البوليتيكا )) حسب التعبير الشعبي أي البهلوانية
السياسية.
ولكن
...
وفي
مقابل هذا السواد المعمم ، وفي قلب هذا النفق المظلم ، هناك شموع
وبارقة من أمل، تنحت الفعل المقاوم ، لوجود لا يساوم ، وانما هي النبات
الصالح في
في
تربة صالحة.
وهذا ما يدفعنا إلى التأكيد على أن الأجنحة التي كانت تؤسس لمرحلة ما
بعد
الانهيار المحتم ، تقع اليوم تحت مسؤوليات النهوض من ذلك الرميم
البائس،
بالاعلان عن الرؤى التاريخية المحددة المعالم في انتهاج سياسة المقاومة
وبناء القوى
اللازمة لذلك بالتشديد على نهج المقاومة الفاعل الذي عطل أليات الفعل
المضاد للثورة
والمقاومة، في كل من كتائب فتح وحماس والشعبية والجهاد وكل المقاومين
الصادقين،
وأهم ما يواجه هذه المقاومة اليوم الى جانب مقاومة العدو الرئيسي، هو
رفض ما كان
يراهن عليه العدو وعملائه في الفرقة والتشتت والتناحر والصراع
الأيديولوجي
والعصبيات التنظيمية الائتلافية. في لحمة المقاومة ووحدتها، برفع
وممارسة شعار وحدة
المقاومة الوطنية الفلسطينية، حتى لا يستبق العملاء والانتهازيون
والمتسلقون
والامتيازيون في طرح شعار الوحدة الوطنية حسب مقاس مصالحهم، ليتسابق من
هم دون
الفعل المقاوم ويتباكون ذارفين الدموع الباردة المختزنة في محاجرهم
الصدئة على
(
المصلحة الوطنية ) ،ويعلنون عن وحدتهم هم وليس وحدة الوطن وقضية الشعب،
لمواجهة
المقاومة وفعل المقاومة.
انها المرحلة التي لا بد من الامساك بها ، الامساك باللحظة التاريخية
التي ان ضاعت من بين ايدينا ، وحده الله الذي يعلم كيف سيكون المآل ،
الذي نراه ان
وقع
سيكون أكثر اسودادا من جبهاتهم الملوثة بعار الضلال والهزيمة
والاستسلام
والخيانة.. اذا ما استطاعت جيوب المباغتة والصدف والكتل المسبقة الصنع
من الامساك
باللجام تحت يافطات أو مبررات شتى أو بدفع واسناد من قوى خارجية أو
تابعة
ومرتبطة.
واذا كان طرح شعار (( الوحدة الوطنية )) ورقة الكهنة للخروج من
مأزقها ولتغطية مثالبها ونهجها ، فهو اليوم أضحى مطلبا ثوريا وضرورة
تاريخية ، ليس
لتلافي الكارثة القادمة ان استطاع هؤلاء من الامساك بزمام الامور مرة
أخرى ، وانما
للحفاظ على قضيتنا من الضياع المحتم اذا ما قدروا على ذلك.. ومن أجل
ابقاء جذوة
الصراع مشتعلة في حدها الأدنى.
ويبقى ذلك أضعف الايمان.
وجيه عمر مطر-كاتب فلسطيني
نحف
ـ 1948 |