أشخاص يصلحون لكل شيء ؟!


أو بالعامية الفلسطينية بتوع كله ؟!

د. علاء أبو عامر
أستاذ العلاقات الدولية – غزة

هناك ظاهرة نادرة في مجتمعنا الفلسطيني ربما والعربي ، أقول ربما والعربي كوني عشت أغلب سنوات شبابي في أوروبا وتركت بلدان العالم العربي منذ كان عمري 18 عاماً وزرته مرة أو مرتين إما مقاتلاً في لبنان أو سائحاً في الجزائر وتونس ولم أختلط كثيراً بالناس ولم أطلع على بعض الطبائع الشرقية التي هي مستغربة في غرب وشرق أوروبا بل وربما في بلدان أخرى كثيرة ولكنها هنا تحديدا في فلسطين شيئاًً طبيعي و ربما غير الطبيعي هو أن نقول أن ذلك غير طبيعي ؟!


فمثلاً قد تجد شخصاً في إحدى الوزارات يطلب من الموظفين أن ينادوه بالدكتور فلان..في الواقع هذا من حقه إذ أن احترام العلم والمتعلمين وتمييزهم هو ظاهرة حضارية في كل المجتمعات الراقية بل أن في نظام الأسبقية الدبلوماسية يملك صاحب اللقب العلمي الأعلى أسبقية على من هم في درجته وفق بعض التقاليد في بعض بلدان العالم و المناداة باللقب هو نوع من الاحترام للمتعلمين لتميزهم عن غيرهم فقد بذلوا جهداً علمياً استحقوا عليه اللقب ، ولقب دكتور هو من حق فئة معينة من المتعلمين فمثلاً إذا كان الشخص طبيباً فذلك من حقه وإذا كان قد حصل على درجة أل PhD أي الدكتوراه في الفلسفة أو الدكتوراه في العلوم فهذا من حقه أيضاً و إذا كان دكتور حمير أي طبيب بيطري فهذا من حقه أيضاً لا أدري إن كان من حق أحد آخر ولكن ما تسعفني به ذاكرتي هي هذه الفرضيات فقط .. في إحدى الوزارات ولا داعي لذكر الاسم المهم العبرة من الموضوع، تسمع الناس ينادون أحدهم بالدكتور فلان.. تضع في اعتبارك قبل طرح السؤال على سكرتيرته أو أحد موظفي دائرته عدة افتراضات وهي محصورة فيما ذكرنا سابقاً.. تسأل أحدهم بخجل وذلك بهدف إيجاد لغة مشتركة مع هذا المسئول الكبير وحتى تزيد معرفتك به حيث أنه يملك مكتباً بدك تقطع مسافة لتوصل لصاحبه كون المكتب طويل عريض ولدى أخينا مرافقين و شوفير ( سائق يعني ) حضرته دكتور بأي تخصص ؟ يأتيك الجواب : لأ ، حضرته بس معه بكالوريوس في هندسة كذا !؟ تقول هووووووووو يعني مش دكتور آها ...تطنش بلا تعليق وتمشي قاصداً أخر في نفس الوزارة ، الآخر أيضاً يدعو نفسه دكتور تكرر السؤال على موظفي الأخر حضرته دكتور بشو بلا زغره ؟ يأتيك الجواب : لأ حضرته مخلص دبلوم سنتين تحاليل طبية ؟! ولكن قد تفاجأ بأحدهم في إحدى الوزارات يدعي أنه دكتور وهو لم يكمل الصف السادس الابتدائي ..وعندما تناديه يا دكتور يبتسم لك ويقول لك تفضل و إياك أن لا تخاطبه بهذا اللقب كل معاملتك ستتوقف ولا مجال للواسطة هنا .. هذا خط أحمر..........


تمشي في الوزارة متنقلاً بين مكاتبها تسمع كلمة دكتور تتردد في مسامعك، بعد الحالتين الأولى والثانية يصبح لديك قناعة أن كل من هم في الوزارة ممن يلقبون أنفسهم بالدكتور ليسو سوى مدعُون... و هؤلاء بادعائهم طبعا وبقصد ظلموا أشخاص آخرين متخصصين حصلوا على لقبهم العلمي بجدارة ولكن مين يدور على مين طاسه وضايعه ؟! .


طبعاً في دول العالم الأخرى هناك قوانين تحاسب مثل هؤلاء الأشخاص حساباً عسيرا إذ أن انتحال لقب علمي لا تسنده شهادة علمية هو جنحة تعرض مرتكبها إلى الحبس والغرامة وذلك ينطبق على حملت الشهادات من الجامعات غير المعترف بها وقد بدأت بعض دول الخليج العربي أخيراً في مطاردة أصحاب هذه الظاهرة ومعاقبتهم أما عندنا في فلسطين فهذه الظاهرة لا تعتبر من الأولويات و لم ينتبها لها أحد ولن يعيرها أحد اهتماما في المستقبل القريب ، لأن المشاكل التي يعيشها شعبنا تكفي وتزيد وحسب قول أحدهم و شو يعني إذا أدعا خليه يدعي شو هو سبب أذى لأحد ؟ لا والله ما أذى حدا بس أكثر من 90% من أصحاب الشهادات العلمية الحقيقية جالسين في بيوتهم عاطلين عن العمل وهم متخصصين ولكن مين يدور على مين مثل ما بيقولوا ؟؟


هذا من ناحية من ناحية أخرى في بعض جامعات الوطن قد تجد أستاذ جامعي على سبيل المثال معه PhD في علم الاجتماع في الحالة الطبيعية مفروض يدرس خدمة مجتمعية علم اجتماع سياسي مجتمع محلي... الخ من مواد علم الاجتماع وما أكثرها لكن أحد رؤساء الأقسام في إحدى الجامعات الغزاوية وهو سيد محترم مش عاجبه يدرس في تخصصه و يريد أن يبرز كرجل متخصص في السياسة فقد قام بمنافسة زميل له متخصص في هذا المجال وأخذ كل المواد ذات الصيت الواسع في العلوم السياسية مثل الدبلوماسية والعلاقات الدولية و السياسة الخارجية و أعطى زميله مواد أخرى في علم الاجتماع كان من المفروض أن تكون من نصيبه حيث أن هذا هو تخصصه كما أسلفنا وحيث أن زميله متخصص في العلوم السياسية وأستاذ مغلوب على أمره يقبل الأخير الأمر على مضض و على قاعدة مكرهاً أخاك لا بطل في النتيجة الطلاب يحتجون يدخل على الخط أصحاب المساعي الحميدة والنوايا الطيبة ولكن لا نتيجة من أقناعه ... يفتح الله .. بالمناسبة هذه الحالات تتكرر في جامعات أخرى حيث لا تعطى المحاضرات للمتخصصين بل توزع من قبل عمداء الكليات ورؤساء الأقسام بشكل عشوائي !! سياسة تجهيل بعيد عنكم!


كل هذا ولا شيء ربما أمام ظاهرة أخرى وهي أن محاسب مالي يريد أن يصبح غص بن عن التاريخ رجل سياسة هكذا بالقوة... البعض يقول من حقه وماله و ليش ما يصير.. في الحقيقة إذا كان عضو في حزب ليس هناك وجود لمشكلة إذ كل الأحزاب السياسية المتصارعة فيها رجال يعملون بالسياسة من كل التخصصات ولكن صاحبنا هذا ينافس ويصارع على مكان مركزي وعلى دائرة في إحدى الوزارات ذات العلاقة بالسياسة الدولية فهذا هو الغريب حقاً.. بالمناسبة صاحبنا المتخصص صاحب ال PhD في العلوم السياسية كان مصيره لأنه أعترض على ذلك الطموح غير المشروع للمحاسب المالي الجلوس في البيت إذ تبين فيما بعد أن المحاسب (خصيتاه أثقل عند الوزير ) وقد حصل على مراده وبعد أن أطمئن صاحبنا المحاسب على تحقيق طموحه وأمنيته لم يعمل ولم يمارس أي عمل فقط معظم وقته يقضيه سهر في الليل ونوم في النهار طبعاً ليس في المكتب بل في البيت ولكن هو يفعل ذلك بإرادته كونه يتعب في الليل من طيلة السهر ...و يعني بالنتيجة ما حدا بشتغل والوزارة معطلة ...وما حدا سائل.. كون شعار المرحلة الحالية وربما اللاحقة أيضاً هو أهم شيء الراتب آخر الشهر...


هذا غيض من فيض والسؤال الذي يطرح نفسه دائماً لمصلحة من سياسة تجهيل المجتمع هذه ؟ متى سيمنح الرجل المناسب مكانه المناسب ؟ متى سيعمل مهندس الكهرباء في وزارة الكهرباء ؟ والطبيب البيطري في وزارة الزراعة ؟ والمحاسب المالي في وزارة المالية أو في الدائرة المالية في الوزارة ؟ متى سيمنح الخباز خبزه ؟ ويعطى الراعي غنمه ؟ لماذا كل أمورنا ماشية بالشقلوب وهل هذه السياسة ورائها الوزراء الذين يمارسونها فقط إرضاءً لأشخاص قريبون منهم أم هي سياسة مدروسة ومنظمة لها علاقة بأطراف خارجية هدفها تدمير المجتمع الفلسطيني وخلق حالة من التجهيل والتدمير المنظم للطبقة المثقفة في المجتمع الفلسطيني ومسخها ؟؟!! كثير من الأسئلة تطرح وستطرح والجواب عليها ما زال في دائرة التخمين ولكن التاريخ لا يرحم حيث لا يوجد أسرار في المجتمعات الشرقية وعلى رأي المثل الشعبي الفلسطيني " يا خبر اليوم بفلوس و بكره ببلاش " .


المطلوب من مجلس وزراء السلطة ومن ديوان الموظفين العام الاهتمام بهذه الظواهر التي هي سبب من أسباب الإحباط والفوضى في مؤسساتنا والعمل على إصدار قرارات تمنع استخدام الألقاب لغير أصحابها الحقيقيين وتضع من يتجاوز هذه القرارات تحت طائلة المسئولية والعقاب ، المطلوب أيضاً إعادة النظر في الكادر الوظيفي في كثير من الوزارات وإعادة توزيع الموظفين وفق تخصصاتهم وليس وفق رغباتهم ، المفروض أيضاً من رؤساء الجامعات و القائمون على وزارة التعليم العالي أن ينظروا بجدية إلى تطوير كلياتنا من خلال منح الأستاذ المتخصص مواد تخصصه وليس مواد زميله .. هذه أمور ليست بحاجة إلى عناء وجهد لإصلاحها هي فقط بحاجة إلى شيء من الحزم والنظام وفرض القانون.. وإذا صلحت النفوس صلح المجتمع .

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع