أسباب تقدم «حماس» وتراجع «فتح»

كانت حركة فتح سيدة الساحة الفلسطينية، فما الذي حدث حتى أصبحت في مواجهة تنافس حاد مع حركة حماس؟

كانت حركة فتح تخوض كل أنواع الانتخابات وتفوز فيها، من انتخابات النقابات إلى الانتخابات النيابية، فما الذي جعلها في حاجة إلى استنفار كل طاقاتها لكي تبقى موجودة داخل إطار المنافسة؟

حكمت حركة فتح مناطق السلطة الفلسطينية بعد اوسلو، وسيطرت على الأجهزة الإدارية والأمنية، فما الذي جعلها بعد كل هذه السيطرة تفقد القدرة على التحكم في جانب من جوانبها يتعلق بالانتخابات البلدية؟

ولقد كانت استقصاءات الرأي التي «درجت مراكز بحثية فلسطينية على نشرها لأكثر من عشر سنوات، تعطي حركة حماس نسبة لا تزيد على 25%» من تأييد الجمهور لها، ولكن حركة حماس حصدت في انتخابات المرحلة الأولى للمجالس البلدية ثلثي الأصوات والمقاعد، فمن أين جاء هذا الخطأ الفادح في التقديرات؟

إن الأرقام الرسمية للمرحلة الأولى من الانتخابات، والتي جرت في أجواء ديمقراطية، وبإقبال كبير من الناخبين، حيث بلغت نسبة الاقتراع 85%، تشير إلى فوز غير عادي لقائمة «الإصلاح والتغيير» التابعة لحركة حماس، حيث تمكنت من حصد سبع بلديات من عشر، بواقع 77 مقعدا من أصل 118، أي بنسبة 65,2%، في حين لم تتمكن حركة فتح من الفوز إلا في بلديتين بواقع 26 مقعدا، أي بنسبة 22%. وهذا ما دفع حركة فتح إلى استنهاض نفسها واستنفار كل ذرة من قواها الداخلية لتبقى موجودة وفاعلة في الساحة الشعبية والسياسية، وحتى لا تنتزع حركة حماس الراية منها في الجولة الثانية من الانتخابات البلدية التي جرت قبل أيام، وهي انتخابات تقول إن الساحة الشعبية أصبحت تحت هيمنة قوتين: حركة حماس وحركة فتح، ولم تعد حركة فتح منفردة بالنفوذ والسيطرة، سواء كانت النتائج تميل لصالح فتح هنا أو تميل لصالح حماس هناك.

ما الذي أحدث هذا التغيير؟ ما الذي أدى إلى انقلاب المعادلات؟ هذا ما سنحاول أن نجيب عنه بإيجاز هنا، مع أنه يستحق دراسات موسعة ومتأنية.

لنضع السؤال بشكل محدد كما يلي: ما هي أسباب صعود حركة حماس في الانتخابات البلدية؟ والجواب يمكن أن نحدده بالنقاط الست التالية:

أولا: انتهاج حماس خط المقاومة المسلحة: فقد برزت حركة حماس كحركة عسكرية مقاومة فاعلة في انتفاضة الأقصى (2000 ـ 2004)، مما يذكّر بتاريخ حركة فتح التي بادرت إلى انتهاج الكفاح المسلح في مطلع عام 1965. وقد أدى وضوح برنامج حركة حماس المقاوم، في ظل الانتهاكات والخروقات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، إلى إضافة بعد جديد على ساحة التأييد والاستقطاب، إذ أن حركة حماس وحركة الجهاد أصبحتا في أعين الشباب الفلسطيني وريثا طبيعيا لمشروع فتح الأصلي.

ثانيا: تبني حماس خطا سياسيا عموميا تم تطعيمه بمفاهيم دينية: وكان تبني حماس للخطاب الديني في تعاملها على جميع الصعد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، العامل المؤثر في اجتذاب الأنصار إليها. ولم تكن حماس في هذا الجانب شواذا عما كان يحدث على امتداد الوضع العربي، فالتيارات الدينية تعززت وأخذت مواقع متقدمة في كل من الأردن وبلدان الخليج والسودان والجزائر، بمعنى أن حركة حماس لم تمتلك عبقرية في ذاتها، وإنما الشرط الموضوعي هو الذي سمح لها بهذا النمو، مع التأكيد على كفاءة العامل الذاتي.

ثالثا: الحضور الاجتماعي والخدماتي لحركة حماس: أنشأت حركة حماس شبكة واسعة من المؤسسات الخدمية الاجتماعية (جمعيات خيرية ـ عيادات صحية ـ دور تحفيظ القرآن ـ لجان الزكاة ـ رياض الأطفال ـ نوادي ـ مدارس ـ منابر إعلامية)، تقوم كلها بمد يد العون إلى المحتاجين. ورغم ما يشاع عن دور حركة حماس في تقديم الدعم إلى المحتاجين، فإن أقاويل الشارع السياسي تكشف الكثير عن شراء الذمم، والتقرب من القاعدة الجماهيرية بتقديم شتى أنواع المعونة واستغلالها لجذب المزيد من المناصرين. بمعنى آخر استغلت حماس المفاهيم الدينية والمعونات العينية والمالية لبناء جمهورها السياسي.

رابعا: انحسار اليسار: على الرغم من قوة اليسار الفلسطيني في المنظمات غير الحكومية، إلا أنه يبدو بعيدا عن وجوده كقوة سياسية شعبية، حيث تشير الأرقام، من واقع الانتخابات البلدية، إلى تراجع التيار اليساري، وهذا ما يبرز التنافس الفعلي بين قوتين واحدة لحركة حماس وأخرى لحركة فتح، فاليسار الفلسطيني لم يستطع تاريخيا فهم المجتمع الفلسطيني وتطوره، وتحول عمليا إلى نخب سياسية متباعدة، وهذا ما أفقده الدور السياسي منذ ما قبل الانتفاضة الأولى (1987 ــ 1993).

خامسا: الضربات الإسرائيلية ضد قادة حماس: إن استهداف إسرائيل لقادة حركة حماس ورموزها جعلها محل تعاطف من الجماهير الفلسطينية، وبخاصة عند اغتيال الشيخ أحمد ياسين، إذ رأت الجماهير في اغتياله اغتيالا لرمز فلسطيني عام، يقترب من رمزية قادة الشعب الفلسطيني العظام، كالشيخ عز الدين القسام وعبد القادر الحسيني وأبو جهاد وباقي القادة الشهداء.

يضاف إلى ذلك أن قادة حركة حماس ورموزها، تواجدوا في ساحات العمل الميداني المرتبطة بالكفاح المسلح، كالمستشفيات والجنازات وبيوت العزاء، لمتابعة حالة المصابين والشهداء، مقابل تغيب معظم قادة حركة فتح أو رموزها عن مثل تلك الحالات.

سادسا: الانخراط الذكي في العملية السياسية: اختارت حركة حماس المشاركة في الانتخابات البلدية، بعد تجاربها المتكررة في انتخابات الجامعات والنقابات والنجاح النسبي الذي كانت تحققه في تلك الانتخابات، وفعلت ذلك كاستحقاق موضوعي لثمرة مقاومتها المسلحة وأنشطتها التنظيمية والجماهيرية، بمعنى أن ما ستحققه حماس هو بفضل ما قدمته على الساحة وليس منة من أحد.

دخلت حماس الانتخابات البلدية الأولى، والتي فازت فيها فوزا غريبا وساحقا، كبروفة أولية لانتخابات المجلس التشريعي المقرر إجراؤها في تموز/يوليو القادم (إذا لم تؤجل)، وكان هدفها القيام بعملية استكشاف جماهيرية قبل خوض تجربة الانتخابات التشريعية، واستطاعت أن تحقق نجاحا كبيرا في عملية الاستكشاف حتى في معاقل حركة فتح في قطاع غزة. ويضاف إلى ذلك أن حركة حماس اهتمت بقطاع المرأة، وتضمنت قوائمها الانتخابية ممثلات للمرأة، وهذا ما ينفي عنها صفة التعصب والانغلاق.

ومن أهم الدروس المستفادة هنا، أن الانتخابات البلدية الأولى كشفت أن ميزان القوى الحقيقي يوجد لدى التيار المركزي في المجتمع، فأجندة الانتخابات ليست تنظيمية وإنما اجتماعية، وللنقاء أو للفساد، دور مركزي فيها. كما أن ما تفعله حماس في مجال الإغاثة والدعم الاجتماعي، يزيد من الدعم السياسي لها. وفي الجانب العملي فإن حماقات إسرائيل قدمت إنجازات سياسية هائلة لحركة حماس.

وبالرغم من كل هذا الذي ذكرناه، فإن إنجاز حركة حماس الانتخابي يمكن أن يظل ظاهرة عشائرية موقعية من دون مغزى، إذا ما أحسنت القوى السياسية الأخرى، وبخاصة حركة فتح، القيام بدورها الحقيقي، مع انفراج في الموقف السياسي، وانفراج في الضائقة الاقتصادية.

تكشف خلاصة هذا التحليل، أن حركة حماس تتفوق على حركة فتح بالفهم والأداء. وتكشف عن أسباب موضوعية أدت إلى قيامها بتقدم واسع على صعيد التواجد الانتخابي داخل المؤسسات الشعبية. وتكشف أن حركة فتح تحتاج إلى عمل دؤوب لتغيير نفسها وتطوير مؤسساتها.

وإذا كان هذا التحليل منحازا إلى حركة حماس، فإن أهميته ليست هنا، أهميته الأكبر أنه خلاصة دراسة نقدية أعدها مكتب التعبئة والتنظيم المسؤول عن حركة فتح في قطاع غزة (شهر 4/2005)، وتم إعداده أساسا من أجل التحضير لعمل فتحاوي دؤوب وجديد لمواجهة استحقاق المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية. وكل ما قمت به هنا هو محاولة تلخيصه بدقة.

Belal2001@club-Internet.fr

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع