أصحاب "الواسطة" يمكنهم السفر فقط..
فوضى وفساد وسوء إدارة في معبر رفح..!
كتب محمد الجمل- الأيام
ما ان شاع نبأ اعادة فتح حاجزي المطاحن وأبو هولي العسكريين
الاسرائيليين جنوب قطاع غزة، وطريق الشيخ عجلين "البحر" الساحلية من
قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي، صباح السبت 11 أيلول، بعد اغلاق دام عدة
أيام، حتى سارع مئات المواطنين من مختلف أنحاء القطاع، خاصة من المناطق
الوسطى والشمالية الى معبر "العودة" الحدودي برفح، ليتمكنوا من السفر
الى حيث يريدون من الدول العربية أو الأجنبية.
وما أن يصل المشاهد الى معبر "العودة" حتى يظن أنه وسط أحد الأسواق
الشعبية الضخمة، نظراً لشدة الازدحام، فالمسافرون ينتشرون في صالات
الانتظار والاستراحات المنتشرة خارج المعبر ويجلس العشرات منهم على
الأرض، وأرتال السيارات الطويلة تصطف أمام بوابة المعبر في انتظار
الدخول اليه، أما الفوضى وغياب النظام وانتشار المحسوبيات والواسطة
والرشاوى فبدت واضحة للجميع، خاصة عملية وضع الأختام على الجوازات.
فالموظفون الذين يحملون الختم المخصص لذلك، اختفوا من مكاتب المعبر
وترددت الشائعات حول أماكن تواجدهم، فالبعض يؤكدون أنهم يمارسون عملهم
من احدى البيارات الواقعة في خربة زلاطة شرق رفح، وآخرون يقولون إنهم
يمارسون عملهم في أحد المنازل الواقعة في مخيم يبنا جنوب المدينة.
وعلى كل الأحوال، فالضحية هو المواطن، الذي لا حول له ولا قوة، فمن
لديه واسطة ولديه معرفة على المعبر لا يجد صعوبة في ختم جواز سفره،
فالأمر لا يحتاج أكثر من أن تتوجه سيارة تحمل جوازات السفر المراد وضع
الأختام عليها الى المكان "السري"، الذي يتواجد به الختم لتعود بعد وقت
قصير وتسلم الجوازات جاهزة لأصحابها، الذين يتوجهون الى ساحة تسمى
"الحجر" وهي أقرب نقطة تقف عندها السيارات أمام بوابة المعبر الرئيسة،
فتُفتح أبواب السيارات ويتم ادخال أصحاب الواسطة الى داخلها، حيث تكون
محملة في الغالب بعشرة ركاب على الأقل عنوة، رغماً عن ارادة ركابها
الأصليين، ما يجعل حمولة السيارة الواحدة تصل الى 15 وربما 20 راكباً،
واذا حاول أحد الركاب الاعتراض فالعقاب يكون جاهزاً، حيث يتم انزاله
على عجل، وقد يفقد حقه بالسفر جراء ذلك. أما جنود الاحتلال المتمركزون
بالقرب من البوابة، فيشاهدون ما يحدث وتبدو علامات الرضا واضحة عليهم،
فما سعوا لتحقيقه من فوضى وظلم يتحقق بأيد فلسطينية.
وفي ساعات الصباح الأولى، توجه عدد من أفراد المقاومة من مختلف الفصائل
وقاموا بجمع جوازات المرضى الذين يحملون تحويلات مرضية، وطلبوا من
موظفي المعبر أن تكون لهم الأولوية في السفر، من دون اعاقة، وهو ما
وافق الموظفون عليه على مضض، وفي أعقاب مغادرة المقاومين المنطقة عادت
الأمور الى ما كانت عليه سابقاً، ولم تعطَ الأولوية للمرضى كما تم
الاتفاق.
ووصف زياد الصرفندي، رئيس لجنة الطوارئ المركزية، ورئيس اللجنة الشعبية
للاجئين برفح ما يحدث على المعبر بالفوضى الكبيرة، قائلاً: "الاحتلال
هو من خلق الأزمة القائمة على المعبر، حيث فرض اجراءات بطيئة ومعرقلة
أمام المسافرين وقلص عدد المسافرين المسموح لهم بالدخول الى المعبر، ما
أسهم في خلق الأزمة الحالية وتكدس أعداد كبيرة من المسافرين على الجانب
الفلسطيني من المعبر، مشيراً الى أن الادارة السيئة للأزمة وانتشار
المحسوبيات أدى الى تفاقمها، لافتاً الى أن الضحية هو المواطن العادي،
من لا حول له ولا قوة، ومن ليست لديه واسطة، على حسب تعبيره.
وأكد المواطن محمود زعرب (50 عاماً)، أنه يأتي الى المعبر، يومياً، منذ
أيام عدة، ولم يتمكن بعد من اجتيازه، مشيراً الى أنه شاهد بعض
السيارات، التي تقل مسافرين تأتي الى المعبر وتتوقف لوقت قصير ومن ثم
تدخل الى المعبر، قائلاً "من يملك الواسطة يسافر ومن ليست لديه واسطة
فلا سفر له".
وأشار زعرب الى أنه لا يوجد أولويات على المعبر للحالات المرضية أو
الاقامات، فالأولوية فقط للواسطة والمحسوبية على حسب وصفه. وطالب زياد
الصرفندي، بتدخل رئاسي مباشر لوقف الفوضى على المعبر، مناشداً الرئيس
ياسر عرفات ورئيس مجلس الوزراء أحمد قريع التدخل وتشكيل سلطة معابر
مستقلة لادارة الأزمة الحالية، مشيراً الى أن تداخل الأجهزة الأمنية
التي تعمل على المعبر أدى الى تفاقم الأزمة، لذا يجب أن يكون هناك جهة
واحدة فقط مسؤولة عن المعبر.
وفي ساعات بعد الظهيرة وبينما كانت ثماني سيارات تحمل مسافرين، معظمهم
من أصحاب التحويلات المرضية والاقامات في الدول العربية والأجنبية تصطف
أمام بوابة المعبر، واذ بسيارة ممتلئة بالركاب تجتاج الجموع المحتشدة
وتتخذ طريقاً التفافية مسرعة الى بوابة المعبر الرئيسة. وفي لمح البصر
اجتازت البوابة ووصلت الى الصالة الاسرائيلية، واتضح فيما بعد أن
موظفاً في الارتباط المدني هو من قام بالاتصال والتنسيق مع الجانب
الاسرائيلي لدخولها. وعندما علم المسافرون العالقون خارج المعبر بالأمر
توجهوا الى الموظف المقصود وانهالوا عليه بالشتائم واللعنات، واتهموه
بترسيخ الفساد الاداري وتجسيد الفوضى والمحسوبية في المعبر. ولم ينته
الأمر عند ذلك، فهذا غيض من فيض، مما يشهده المعبر البائس، كل يوم، وسط
توجسات لا تنتهي، من احتمال إغلاقه، بين لحظة وأخرى، بقرار إسرائيلي
عقابي، أو وقائي، كما يزعمون
|