أربعة أطراف تلعب دوراً مؤثراً بنسب متفاوتة في تحديد هوية المرشح لخلافة عرفات

واشنطن كانت تدرك أن انتقال السلطة من عرفات إلى خليفته نتيجة غياب هادئ ناجم عن وفاة طبيعية، سيكون أسلس بكثير من انتقال قسري يترتب على قتل عرفات أو إبعاده

عاطف الجولاني

احتمالات غياب عرفات باتت جدية أكثر من أي وقت مضى، وهو ما أثار كثيراً من التخوفات لدى البعض، وقدراً مماثلاً من التساؤلات والتكهنات لدى البعض الآخر. فمع أن غياب زعيم أي دولة عربية تطرح العديد من التساؤلات حول انعكاسات ذلك على الأوضاع والسياسات الداخلية والخارجية في تلك الدولة، إلا أن مسالة غياب عرفات عن الزعامة الفلسطينية تحظى باهتمام مميز لدى الأوساط المختلفة فلسطينياً وإقليمياً ودولياً، نظراً لما سيتركه هذا الغياب من تداعيات كبيرة، بفعل سيطرة عرفات المركزية على مقاليد القيادة في حركة فتح ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وبفعل حساسية الملف الفلسطيني وتأثيره على مجمل الأوضاع السياسية في المنطقة.


خشية من التبعات
الإسرائيليون والأمريكيون اتفقوا منذ ثلاث سنوات على شطب عرفات كخيار سياسي يمكن التعامل معه فلسطينيا، وأطلقت عليه أوساط إسرائيلية رسمية وصف "الرجل الميت الذي يمشي"، في إشارة واضحة إلى حسم واشنطن وتل أبيب أمرهما باتجاه إلغاء دوره السياسي. وعلى الرغم من تهديدات شارون وقادة الليكود المستمرة بتصفيته أو إبعاده عن الأراضي الفلسطينية، فإن أياً من تلك التهديدات لم يجد طريقه إلى التنفيذ، واكتفت (إسرائيل) بفرض حصار متواصل عليه داخل مقره في رام الله.
وفي رأي كثير من المحللين السياسيين فإن الخشية من التبعات السياسية والأمنية لقتل عرفات أو إبعاده، إلى جانب عدم وجود بديل جاهز يمكنه السيطرة بصورة قوية على مقاليد السلطة، هو ما دفع واشنطن إلى التردد في إعطاء شارون وحكومته ضوءاً أخضر بالمضي قدماً في مخطط التخلص من عرفات. فواشنطن كانت تدرك أن انتقال السلطة من عرفات إلى خليفته نتيجة غياب هادئ ناجم عن وفاة طبيعية، سيكون أسلس بكثير من انتقال قسري يترتب على قتل عرفات أو إبعاده، والذي من شأنه أن يثير ردود فعل غير مرغوبة ويجعل مهمة خليفته مستحيلة في إقناع كوادر حركة فتح والسلطة الفلسطينية والشارع الفلسطيني بأنه يمثل خياراً وطنياً لا خياراً إسرائيلياً أمريكياً.
في هذا السياق يشار إلى الصعوبات الكبيرة التي واجهت محمود عباس حين فرضت واشنطن وتل أبيب على عرفات- بالقوة - تعيينه رئيساً للوزراء. فقد وصل الأمر بمتظاهرين فلسطينيين ساخطين أن يهتفوا ضده وأن يصفوه بـ "قرضاي فلسطيني
" في إشارة إلى قرضاي أفغانستان الذي فرضته واشنطن بالقوة على الشعب الأفغاني بعد إقصاء حركة طالبان عن السلطة، وذهب معارضون لعباس إلى اتهامه بأنه شّكل خياراً إسرائيلياً أمريكياً لا فلسطينياً، ما دفع عباس إلى تقديم استقالته في نهاية المطاف بعد أن قال إن مهمته أضحت مستحيلة.
من يختار خليفة عرفات؟
أربعة أطراف تلعب دوراً مؤثراً بنسب متفاوتة في تحديد هوية المرشح لخلافة عرفات في قيادة فتح ومنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية.
الطرف الأول الذي يلعب الدور الأبرز في اختيار بديل عرفات هو حركة فتح التي تعدّ حزب السلطة والفصيل القائد في المنظمة. ومن غير الوارد حتى اللحظة أن يأتي خليفة عرفات من خارج إطار فتح ومؤسساتها القيادية. وقد لوحظ طوال السنوات العشر الماضية من عمر السلطة أن حركة فتح كانت هي من يختار الشخصيات التي تشغل المواقع القيادية المهمة في السلطة الفلسطينية، فرئيس المجلس التشريعي كان يتم اختياره باستمرار من قبل الهيئة القيادية للحركة ثم يعرض بعد ذلك على المجلس لإقرار انتخابه، كما كان رئيس المجلس باستمرار من حركة فتح.
وحسب اللوائح التنظيمية فإن اللجنة المركزية هي المؤسسة القيادية والإطار الأقوى في الحركة، لكن ظهرت في السنوات الأخيرة شخصيات قوية منافسة من خارج هذا الهيئة ممن يوصفون بجيل الشباب في الحركة الذي احتج بقوة على تعطيل العملية الانتخابية الداخلية في الحركة وعلى استمرار أعضاء اللجنة المركزية في شغل مواقعهم لفترة طويلة بعد انتهاء فترة عضويتهم المقررة حسب لوائح الحركة ما يحرم جيل الشباب من أخذ مواقعهم في المواقع القيادية الأولى للحركة، وباستمرار كان أعضاء اللجنة المركزية يتذرعون بالظروف السياسية الناجمة عن الاحتلال لتبرير المماطلة في تنفيذ الاستحقاق الانتخابي الداخلي.
وقد تراجعت قوة الحركة بصورة ملحوظة في الآونة الأخيرة بسبب الخلافات التي احتدمت داخلها ووصلت حدّ التناحر واستخدام السلاح حصل في الشهور الأخيرة في الصراع بين معسكري عرفات ودحلان، وهو ما انعكس سلباً على شعبية الحركة في الشارع الفلسطيني. وقد أظهر أحدث استطلاعين محايدين للرأي أجريا في الأراضي الفلسطينية مؤخراً، تقدم حركة حماس على فتح من حيث التأييد الشعبي، وهو ما دقّ ناقوس الخطر في أوساط فتح لكنه لم يكن كافياً لتجميد الصراعات الداخلية.
وعلى الرغم من أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تشكل نظرياً القيادة الرسمية للمنظمة، فإن واقع الحال يؤكد أن حركة فتح ومؤسساتها القيادية هي التي تحدد باستمرار توجهات اللجنة التنفيذية. صحيح أن اللجنة التنفيذية هي من ستعلن اسم خليفة عرفات، لكن من الناحية العملية فإن مؤسسات فتح هي من ستحدد المرشح لشغل هذا الموقع في حال شغره بوفاة عرفات.
الطرف الثاني المؤثر في معادلة الاختيار هو الشعب الفلسطيني. فبحسب أنظمة السلطة الفلسطينية التي تعالج مسألة غياب رئيس السلطة، فإن رئيس المجلس التشريعي يتولى مؤقتاً ولمدة لا تزيد على شهرين مهام رئيس السلطة في حال وفاته إلى حين إجراء انتخابات لاختيار الرئيس الجديد. هذا الأمر يمنح الشارع الفلسطيني من الناحية النظرية صلاحية اختيار الرئيس، لكن من الناحية العملية فإن هذه الصلاحية شكلية وغير مؤثرة، فمن ستختاره حركة فتح واللجنة التنفيذية للمنظمة لخلافة عرفات سيكون الأوفر حظاً لشغل هذا الموقع، وبمجرد إعلان فتح والتنفيذية اسم المرشح من طرفهما فإن ذلك سيعني أن الأمر حسم بصورة كبيرة.
الطرف الثالث المؤثر في عملية اختيار خليفة عرفات هو بعض الأطراف العربية التي تحظى بتأثير قوي على القرار الفلسطيني الرسمي، وبشكل خاص مصر التي تتمتع بنفوذ قوي تأخذه أطر فتح والمنظمة بعين الاعتبار وتدرك مدى تأثيره في حسم الكثير من قرارات السلطة. أما الأردن فهي تلعب دوراً ثانوياً في معادلة الاختيار مقارنة بالدور المصري، في حين يتضاءل دور بقية الدول العربية في ترجيح فرص المنافسين في معركة خلافة عرفات.
الطرف الرابع الذي يتمتع بثقل مهم للغاية من الناحية العملية في تحديد هوية الرئيس القادم للسلطة هو (إسرائيل) والولايات المتحدة الأمريكية. صحيح أن فتح والمنظمة هما من ستختاران خليفة عرفات، لكنهما تأخذان بالحسبان أهمية أن يحظى الرئيس الجديد برضى واشنطن وتل أبيب وموافقتهما كي يحظى بفرص قبوله كشريك في عملية التسوية السياسية المجمدة منذ انطلاقة انتفاضة الأقصى قبل أربعة أعوام. وقد كان واضحاً خلال الأعوام الثلاثة الماضية كيف أن عدم رضا تل أبيب وواشنطن عن مواقف عرفات أدى إلى شلّ مؤسسة القيادة الفلسطينية وحصرها داخل حدود المقاطعة في رام الله.
أبرز المرشحين للخلافة
ما يزال محمود عباس (أبو مازن) المرشح الأبرز لخلافة عرفات في زعامة المنظمة والسلطة. فمن الناحية الرسمية هو المسؤول الأرفع في الإطار القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية، حيث يشغل موقع أمين سر لجنتها التنفيذية، وهو ما يوازي عملياً موقع نائب الرئيس، ما أهّله لترؤس اجتماع اللجنة التنفيذية الذي عقد عقب مغادرة عرفات للعلاج في باريس. يضاف إلى ذلك أن عباس هو العضو الأقوى والأبرز في اللجنة المركزية لحركة فتح التي تفضل أن يكون خليفة عرفات من بين أعضائها.
إلى جانب ذلك فإن عباس يتمتع بعلاقات جيدة مع القاهرة التي تعتبره المرشح الأفضل من بين الخيارات المطروحة. كما يحظى عباس بقبول جيد لدى الأردن وغالبية الدول العربية. وهو خيار مفضل لدى (إسرائيل) والولايات المتحدة نظراً لواقعيته المفرطة ومواقفه السياسية المتجاوبة مع الشروط الأمريكية والإسرائيلية من حيث الاستعداد لتقديم تنازلات في القضايا الجوهرية المهمة التي تعترض طريق المفاوضات، فضلاً عن أن شخصيته تختلف تماماً عن شخصية عرفات التي تعرف بأنها شخصية تكتيكية مراوغة لا يمكن الاطمئنان إليها ويمكن أن تنقلب في أي لحظة. إلى جانب ذلك يتمتع عباس بشخصية قوية قادرة على فرض احترامها لدى الآخرين، ولم تثر ضده شبهات بالفساد.
لكن في المقابل، لا يحظى عباس بتأييد وقبول واسع في الشارع الفلسطيني، وقد ألحقت ضغوط تل أبيب وواشنطن على ياسر عرفات من أجل تعيين عباس رئيساً للوزراء أضراراً بالغة بصورته لدى الشعب الفلسطيني الذي بات يعتبره أقرب إلى المصالح الإسرائيلية والأمريكية منه إلى مصالح الشعب الفلسطيني، لا سيما أن خطابه الشهير في لقاء العقبة أثناء توليه منصب رئيس الوزراء أثار استياء واسعاً لدى فلسطينيي الداخل والشتات، حيث تباكى فيه على معاناة اليهود، وأدان النضال الفلسطيني، وتجنب الإشارة إلى معاناة الشعب الفلسطيني الناجمة عن الاحتلال وعن الجرائم الإسرائيلية المتواصلة، كما أبدى استعداده لتقديم تنازلات في قضيتي القدس واللاجئين. وقد أظهر استطلاعات الرأي التي أجريت أثناء تولي عباس مهام منصبه في رئاسة الوزراء أنه يحظى بتأييد أقل من 2% من الشارع الفلسطيني، حيث حلّ في الموقع الثامن من بين عدة خيارات طرحت على المشاركين في الاستطلاع.
وداخل اللجنة المركزية لحركة فتح ثمة من يعارض بشدة زعامة عباس للحركة، بل إن عدوه اللدود عضو اللجنة هاني الحسن يجاهر باتهامه علانية بأنه يمثل الخط المتصهين في الحركة على حدّ وصفه. كما أن تحالف عباس مع دحلان الذي شنّ حرباً لا هوادة فيها ضد عدد من أعضاء اللجنة المركزية لفتح واتهمهم بالفساد، عمّق الفجوة بين عباس وبين عدد من أعضاء اللجنة. لكن في ظل عدم توفر خيارات قوية بديلة لخلافة عرفات، فإن هؤلاء الأعضاء – باستثناء هاني الحسن – يفضلون القبول مكرهين بخيار عباس حفاظاً على زعامة فتح للمنظمة.
فاروق القدومي رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير وأحد أبرز أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح كان يمكن أن ينافس بقوة على معركة خلافة عرفات، لكن اعتراضه على اتفاقية أوسلو وتفضيله عدم الدخول إلى أراضي السلطة والبقاء خارج فلسطين، أضعف حضوره في مواقع الفعل والتأثير في الداخل الفلسطيني الذي لا يتمتع فيه بثقل يذكر. ونظراً لخطه السياسي فهو غير مقبول مصرياً وأردنياً، وبصورة تلقائية لا يحظى بقبول إسرائيلي وأمريكي. ويعدّ القدومي من الشخصيات الفتحاوية المقربة من سوريا، وهذا عامل إضافي يدفع الإسرائيليين والأمريكيين لاتخاذ موقف سالبيه تجاهه.
أحمد قريع (أبو العلاء) يتمتع بقدرات خطابية وبلاغية تفوق قدرات محمود عباس، لكن فرصه ضئيلة في المنافسة على رئاسة السلطة رغم أنه يشغل حالياً موقع رئيس الوزراء. فشخصيته ضعيفة مترددة، ولا يحظى بتأييد في الشارع الفلسطيني أو داخل حركة فتح، وإلى جانب ذلك تحوم حوله شبهات بالفساد في علاقاته التجارية مع الإسرائيليين، فقبل أشهر تفجرت فضيحة ألحقت ضرراً بالغاً بصورته في الشارع الفلسطيني بعد أن وجهت له اتهامات داخل المجلس التشريعي بأن شركة أسمنت مملوكة له ولعائلته قامت بتزويد (إسرائيل) بالأسمنت اللازم لبناء الجدار الفاصل وتشييد المستوطنات الإسرائيلية. كما أن الحالة الصحية لقريع ليست على ما يرام، حيث يعاني مشاكل في القلب.
محمد دحلان لديه طموحات لا تتوقف عند حدود بالزعامة وبخلافة عرفات، وهو لم يبق هذه المطامح دفينة بل جاهر بها علانية، وهو من الشخصيات التي تجرأت على التمرد على عرفات ومناكفته صراحة. وفضلاً عن التأييد القوي الذي يتمتع به إسرائيلياً وأمريكياً، فإن زعامته لجهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة لنحو ثماني سنوات متصلة ساعدته على كسب الكثير من المؤيدين في أوساط حركة فتح في القطاع، حيث قام بتوظيف أعداد كبيرة من هؤلاء في جهازه الأمني وأغدق عليها الأعطيات ونجح في كسب ولاء الكثيرين منهم، كما أنه عزف على وتر الظلم الذي أحاق بجيل الشباب في حركة فتح نتيجة هيمنة الحرس القديم على عضوية اللجنة المركزية للحركة، ونجح في استقطاب بعض رموز الجيل الثاني من الحركة.
لكن ثمة عقبات كثيرة تعترض طريق دحلان للزعامة. ففضلاً عن ضعف خبرته السياسية، فإن مناكفته لعرفات وجرأته على تحديه علانية أثارت ضده ردود فعل غاضبة في أوساط فتح، كما أن التصاقه بالإسرائيليين والأمريكيين وشنّه حرباً شعواء ضد حركتي حماس والجهاد الإسلامي خلال فترة ترؤسه للأمن الوقائي في غزة واعتقاله المئات من الكوادر العسكرية للحركتين جعله مرفوضاً بقوة من حماس والجهاد الإسلامي، ودفع الشارع الفلسطيني لاتهامه بالتعاون مع الإسرائيليين والأمريكيين.
وعلى الرغم من أن دحلان رفع شعار محاسبة الفاسدين من مؤيدي عرفات، فإن هؤلاء ردوا في المقابل باتهامه بالفساد المالي والإثراء غير المشروع من خلال استغلال موقعه في الأمن الوقائي. وإذا كان دحلان يتمتع بتأييد في أوساط قواعد حركة فتح في قطاع غزة فإن الصورة مغايرة تماماً في الضفة الغربية حيث لا يحظى بتأييد يذكر على صعيد فتح والشارع الفلسطيني. كما أن عدداً لا يستهان به من أعضاء اللجنة المركزية لفتح يكنون له عداء شخصياً، يوافقهم في ذلك جبريل الرجوب مستشار عرفات للشؤون الأمنية ورئيس جهاز الأمن الوقائي السابق في الضفة الغربية، والذي اتسمت علاقته بدحلان طوال السنوات السابقة بالتوتر الشديد.
روحي فتوح بحكم موقعه في رئاسة المجلس التشريعي مرشح للقيام بمهام عرفات خلال الشهرين اللذين يعقبان غياب عرفات. وقبل توليه مهام منصبه الحالي لم يكن اسمه ليرد في أي من قوائم المنافسين على الخلافة، أما الآن فباتت لديه طموحات بالزعامة، لكن ما حّرمه منها أنظمة السلطة التي تحرم رئيس المجلس التشريعي من الترشح في انتخابات الرئاسة، وقد سعى فتوح خلال الفترة الماضية لتغيير هذا البند في لوائح السلطة، لكن فرص نجاحه في المنافسة على الزعامة تبدو ضعيفة على كافة الأصعدة.
مروان البرغوثي أمين سر الحركة السابق وعضو المجلس الثوري لحركة فتح الذي يعد الهيئة القيادية الثانية في الحركة بعد اللجنة المركزية كان يمكن أن يكون من المرشحين الأقوياء للمنافسة على زعامة فتح والمنظمة والسلطة، لكن اعتقاله من قبل سلطات الاحتلال حدّ من فرصه بالمنافسة وإن كان قد زاد من شعبيته في الشارع الفلسطيني.
يتمتع البرغوثي بقبول جيد داخل حركة فتح، ونتيجة أدائه الإعلامي المتميز في انتفاضة الأقصى كسب تأييداً شعبياً واسعا، وأقام علاقات جيدة مع مختلف القوى الفلسطينية. وبنظر الأوروبيين الذين يرون أن خليفة عرفات ينبغي أن يتمتع بقبول شعبي معقول، فإن البرغوثي يعدّ المرشح الأفضل للزعامة، وقد حاولوا الضغط باتجاه الإفراج عنه وعدم إصدار حكم بالسجن بحقه، لكن (إسرائيل) رفضت الاقتراح الأوروبي بالتعامل مع البرغوثي كخيار مرشح لخلافة عرفات وأصرت على إدانته وإصدار حكم قاس بحقه.
ولا يتمتع هاني الحسن وجبريل الرجوب وعباس زكي ونبيل شعث وصائب عريقات بفرص تذكر بالمنافسة في معركة خلاقة عرفات رغم أن بعضهم كانت لديه طموحات بذلك وسعى لجمع أوراق القوة التي تؤهله لذلك، لكن تلك المحاولات لم يحالفها النجاح.
احتمالات الانقسام واردة
في ظل حالة الصراع الداخلي والشللية والأزمة التنظيمية التي تعيشها حركة فتح، فإن احتمالات حصول انقسام داخل الحركة لا تبدو مستبعدة، إن لم يكن عقب وفاة عرفات ففي وقت لاحق قد لا يكون بعيداً.
قد يكون من المرجح أن تنجح فتح في تجاوز لحظة المحنة والمرحلة الانتقالية التي تعقب غياب عرفات، وقد تتماسك حفاظاً على مكاسبها التي تخشى أن تكون معرضة للتهديد من منافسين أقوياء في حال ازدادت حالة الضعف التي تعانيها، لكن مركزية عرفات في إدارة الأمور وإمساكه بزمام كافة الملفات التنظيمية والسياسية والمالية في فتح والمنظمة والسلطة، ستجعل من الصعب على أي خليفة له السيطرة على كل هذه الملفات.
وإذا كان عرفات برمزيته وزعامته التاريخية لحركة فتح والمنظمة استطاع أن يفرض هيبته على كافة الأوساط، فإن المرشحين لخلافته لا يتمتعون بهذه الرمزية والزعامة التاريخية، والجرأة على معارضتهم وانتقادهم علانية ستكون أكبر بكثير مما حصل مع عرفات. يضاف إلى ذلك أن الخبرة الطويلة والقدرات الكبيرة التي تمتع بها عرفات في المراوغة وتجاوز المشكلات، لا تتوفر لأي من المرشحين لخلافته لا سيما محمود عباس المعروف بعصبيته واستعداده السريع لـ "الحرد".
القدرة على إدارة الأزمة التي تعيشها حركة فتح ليست التحدي الوحيد الذي يواجه خليفة عرفات القادم. فإذا كان كسب رضا الشعب الفلسطيني واحترام الحركات الفلسطينية المعارضة أمراً مهماً للغاية للنجاح، فإن المعضلة الكبيرة التي ستواجه الرئيس القادم هي القدرة على الجمع بين المتناقضين .. رضا الشعب الفلسطيني ورضا الإسرائيليين والأمريكيين. وتبدو المعادلة مستحيلة قد لا يقوى عليها عباس أو أي من المرشحين الآخرين للزعامة. فأول الشروط التي ستطلبها تل أبيب وواشنطن من الزعامة الجديدة السيطرة على الأوضاع في الأراضي الفلسطينية ووقف المقاومة من خلال جمع سلاح المقاومين وكبح جماح حماس والجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى وهو ما من شأنه أن يفتح معركة مفتوحة النتائج بين السلطة الجديدة وبين حركات المقاومة مؤيدة بأغلبية واسعة في الشارع الفلسطيني.
ما هو مرجح أن أي بديل لعرفات لن يتمتع بقوته وقدرته على إدارة الأوضاع المعقدة في الساحة الفلسطينية. كما أن قدرة أي خليفة لعرفات على إقناع الفلسطينيين وتسويق تنازلات أو اتفاقات جديدة مع الإسرائيليين لن تكون سهلة. فإذا كان عرفات بحكم رمزيته وزعامته التاريخية قادراً فيما مضى على إقناع قطاعات من الشعب الفلسطيني بأن تلك التنازلات تخدم المصلحة الوطنية، فإن قدرة خليفته على تسويق ذلك ستكون مهمة أكثر من صعبة.
..............................................
* رئيس تحرير صحيفة السبيل
 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع