الرسالة " تتابع ملف مصنع الشرق الأوسط للأنابيب بعد تحويله للنائب العام:
أكثر من عشرة ملايين دولار ذهبت هدرا ..و المعدات معروضة في سوق " الخردة !!

تحقيق/ فاطمة نصار
لعل إثارة قضية مصنع الشرق الاوسط للأنابيب بعد اسبوعين من فتح الرسالة للملف إنما يشير إلى دخول هذا القضية في مرحلة جديدة . فهيئة الرقابة العامة التى كانت قد فتحت الملف لأول مرة اعتبرت ان القضية هى قضية أمن دولة ، بينما فتح المجلس التشريعي الملف بعد أكثر من خمس سنوات على صدور تقرير الهيئة على أنه قضية تبديد للمال العام ، أما بعض المراقبين فيعتبرون أن هذه القضية إيذانا ببدء تصفية الحسابات بين رجال الحرس القديم و الحرس الجديد . و على كل حال فإن هذه القضية فتحت الباب على اللجنة العليا للإستثمار حيث ستتوالى مساءلتها في مشاريع أخرى . .... فما هي حقيقة هذه القضية بملفاتها المتشعبة؟! وما الذي نقرأه من إثارتها ؟! هذا ما ستحاول "الرسالة" البحث فيه من خلال التحقيق التالي.

**اموال ضائعة

فبعد أن أحيل ملف شركة الشرق الاوسط للانابيب الى النائب العام بعد تقرير قدمته اللجنة الاقتصادية للمجلس، استنادا الى تقرير هيئة الرقابة العامة والذي تتهم فيه اللجنة العليا للاستثمار والتمويل والتي يترأسها وزير المالية السابق محمد زهدي النشاشيبي، وماهر الكرد رئيس مجلس ادارة شركة الشرق الاوسط باهدار المال العام، بسبب عدم اقامة المصنع لغاية الان، عادت القضية مرة أخرى إلى المجلس التشريعي لسماع الأطراف المعنية، إلا أن المجلس عاد وأقر ثانية تحويلها إلى النائب العام.
إن ما يهم المواطن في النهاية أنه قد ذهبت على خزينته العامة ال 6 ملايين و700 الف دولار تكاليف المعدات، والتي تضاف اليها تكاليف اخرى تصل الى 4 ملايين دولار، خاصة في ظل ما كشف عنه البعض من دعوات لاقتصاديين ببيع معدات المصنع في "سوق الخردة"، دون ان يتم تحديد المسؤول عن هذه القضية ومن ثم اتخاذ ما يلزم في ضوء تحميله المسؤولية،علاوة على اكثر من ستة ملايين دولار هي تقديرات الربح الأولي ، حيث أن بحسب دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، كان من المفترض أن يبدأ المشروع بالانتاج بعد ستة أشهر على انشائه، وبأرباح تصل الى 30 مليون دولار سنويا، بمعنى ان الانتاج المتوقع للمصنع منذ العام 1998 ولغاية الآن كان يمكن أن يدر ربحاً قدره (210) ملايين دولار.

**مصنع الشرق الآوسط


ولغير المتابع لهذه القضية منذ حلقتها الأولى فإننا نختصر له ما أوردناه من معلومات أكيدة حول هذا الملف ، فبحسب تقرير هيئة الرقابة الذي أعد منذ عام 1999م فإن هذا المشروع به العديد من الانتهاكات منها: أن وزارة المالية التي كان يرأسها النشاشيبي قد دفعت حوالي أربعة ملايين دولار لشراء معدات دون عروض اسعار وهذه بحد ذاتها مخالفة قانونية، كما أنها قامت بشحن المعدات من خلال شركة مملوكة للسلطة بالشراكة مع جوشوا بودلي و هو يهودي اسرائيلي الجنسية صاحب شركة ( إم ل س) وهذا الشحن لثماني كونتينرات بقيمة حوالي أربعة ملايين و نصف المليون دولار أي 65% من إجمالي قيمة المعدات ، و نظرا لاهمال وزارة المالية فقد بقيت خمس شحنات بمخازن ميناء أسدود لحوالي عام ونصف و هو ما كلف السلطة أكثر من نصف مليون شيقل،كما أنه وبعد استئجار ارض من وزارة الاوقاف لمدة عامين للمشروع بمبلغ 63ألف دينار اردني عن كل سنة لم تلتزم المالية بدفع هذا المبلغ . بل أنها بعد ذلك قامت بشراء ارض في اريحا بقيمة ما يقارب مليون دولار و هى ارض ليست طابو و غير مسجلة و هو مبلغ ضخم لمثل وضعية هذه الارض...
و بحسب تقرير المجلس التشريعي : فإن القضية تبدو تبديدا للمال العام , وهذا ما دفع التشريعي مؤخرا إلى إحالة ملف القضية للنائب العام، وفي هذا يقول عزمي الشعيبي عضو المجلس التشريعي انه عندما طلب النائب سعدي الكرنز من رئيس المجلس روحي فتوح اعادة فتح الملف قال له فتوح أنه لا مجال لذلك لأن الملف قد حول للنائب العام فرد عليه الكرنز أن كلا من زهدي النشاشيبي رئيس اللجنة العليا للاستثمار ووزير المالية السابق و ماهر الكرد أمين عام اللجنة ووكيل وزارة الاقتصاد قد طلبا أن نستمع اليهما فى تلك القضية ، وعقب الشعيبي: أنه انتظر النشاشيبي لاكثر من شهرين و هو يتمارض و يسافر الى عمان لمتابعة اعماله مع العلم انه كان دائما ينزل لرام الله و لم يمر يوما على المجلس التشريعي ..
ويقول الشعيبي :استمع اليهما الكرنز و لم يقتنع بكلامهما ، لذا لم تقدم لجنة الموازنة تقريرا آخر حول الموضوع و أقرت بإبقاء الملف لدى النائب العام . وأضاف "تكاد تكون هذه المرة الاولي التى يصوت جميع الاعضاء على احالة الملف للنائب العام ، و يشير الشعيبي إلى انه طالما أن كل من النشاشيبي و الكرد يعتبران انه لا يوجد تبديد للمال العام و أنهما بريئان. إذن لماذا كل هذه الزوبعة فليدلوا بالحقيقة للنائب العام! ويتفق الكرنز مع الشعيبي حول هذا الأمر حيث يقول الكرنز : ان المجلس قد اتخذ قرارا حكيما باحالة الملف الى النائب العام .

**النشاشيبي يثير تساؤلات

من جانبه اعتبر النشاشيبي ان تقرير هيئة الرقابة أصلا "وردت فيه أخطاء ومغالطات، ومن دون تدقيق في محتوياته أو التعمق في البحث عن الحقيقة وتحري الأدلة التي تضمن صحة موقفها".ثم أثار النشاشيبي تساؤلا هاما بقوله "لقد أثار دهشتنا استعجال اللجنة الاقتصادية الى هذا الحد، فالتقرير المضلل صدر عن هيئة الرقابة في عام 1999، ولم يتخذ أي إجراء بشأنه، فما الذي حصل حتى يصبح من الأمور المستعجلة بحيث لا تنتظر اللجنة بضعة أيام حتى أتمكن من حضور اجتماعاتها، وضربت بعرض الحائط كل الأعراف والتقاليد والأنظمة ، وأصدرت تقريرها دون الاستماع الى أحد ودون احترام حقوق كل الأطراف؟!".
ومن ناحية أخرى استنكر الشعيبي على النشاشيبي نقده اعتماد اللجنة الإقتصادية في ملف مصنع الشرق الاوسط للانابيب على تقرير هيئة الرقابة و قال: هيئة الرقابة هيئة حكومية و ليست اسرائيلية وهي تابعة لمجلس الوزراء و قد قدمت هيئة الرقابة هذا التقرير قبل ذلك للرئيس الراحل و ان كان النشاشيبي يطعن في هذا التقرير فليقل هذا الكلام أمام النائب العام فالمجلس التشريعي ليس محكمة و أنما لدينا شبهة فوضعنا أصحابها تحت المساءلة .
هل بدأ الانقلاب المالي؟
لعل ما قاله النشاشيبي يفتح الباب حول قضية العلاقة بين مؤسسات منظمة التحرير والسلطة والرئاسة، فهل هناك خلاف مالي على غرار الخلاف الذي حصل بين الرئيس أبو مازن وفاروق القدومي رئيس فتح حول الدبلوماسية؟!لا ننس ذلك الخطاب الشهير الذي أعلن فيه عباس استقالته من رئاسة الحكومة سنة2003 أمام المجلس التشريعي والذي جاء فيه: حاولنا ان نتخذ بعض القرارات المالية، بعضها نفذ والبعض لم ينفذ، بعضها مر بشيء من السلاسة والبعض بكثير من العرقلة .."
لقد كان هذا الخطاب قبل عامين ينبئ بانقلاب على سياسة الرئيس عرفات المالية والتي لم يكن يعرف اسرارها أحد سواه، وكانت اللجنة العليا للتمويل والاستثمار أحد مظاهر هذه السياسة، ومشروع الأنابيب ما هو إلا احد ارهاصات هذه اللجنة التى شكلها الرئيس عرفات عام 96 من ذات الاشخاص المسؤولين في وزارة المالية في السلطة و صندوق منظمة التحرير ( زهدي النشاشيبي، أبو أسامة جرادة و غيرهم ) , فهذه اللجنة كانت تتبع مكتب الرئيس مباشرة كما كانت باقي الصناديق والوزارات تتبعه أيضا بصفاته المختلفة! رغم ما يقوله ماهر الكرد من أن الهدف الاساسي من تشكيل اللجنة كان معالجة الضغوط التى تمارس من ممثلي الدول المانحة و البنك الدولي , إلا ان القرائن كلها تشير الى ان الهدف من هذه اللجنة هو زيادة تعويم الامور المالية. فمنذ قيام لجنة الاستثمار سنة 1996م لم تشتمل موازنتها مطلقا على بند للاستثمارات كما يشير الى ذلك الكرد نفسه. ورغم أن مشروع الشرق الاوسط للانابيب قد بشكل مستقل إلا انه فتح الباب علي مشاريع اخرى للجنة العليا للاستثمار منها مشروع الاسكان الامريكي ، و مشروع تطوير مركز مدينة غزة ، و مشروع الفنادق الفرنسي، و مشروع مد أنبوب الغاز المصري ...و هذه المشاريع جميعها "ضحية لانتفاضة الاقصى" كما تريد اللجنة إيهامنا. مع العلم بأن تقرير هيئة الرقابة حول مشروع الأنابيب قد اعد في شهر 10\1999م أي قبل الانتفاضة بعام!
لقد كان متوجبا على الرئيس عباس القيام بمثل هذا الانقلاب، لأن بدون مواجهة كل هذه الدكاكين لا يمكن السيطرة على نزيف الأموال المهدورة، ولعل مما يدلل على أن إثارة هذا الملف كان متعمدا: أنه رغم ضم العديد من الهيئات لوزارة المالية منذ عام 2003م ( كهيئة البترول و غيرها) إلا أن هذه اللجنة بقيت على حالها ولم تضم رغم وقف صرف أى مستحقات لها منذ عام 2003 على الرغم من مراجعات مسئوليها المتكررة للدكتور فياض ، كما أن معدات المصنع معرضة للخطر منذ عام 2003م بسبب صرف جميع الحراس المعينين على هذه الحاويات ماعدا حارس واحد لم يتلق راتبه منذ شهور. و ذلك حسبما جاء في كتاب المهندس عبد العزيز الاعرج مدير عام المصنع، كما أنه وبحسب الدراسات التى قامت بها مؤسسة أمريكية ، فإن المصنع كان يمكنه العمل منذ عام 2003م اذا ما تم تجاوز بعض العراقيل المالية ، و رغم مخاطبة الدكتور فياض بكل ذلك إلا أنه تجاهل امر هذه اللجنة وهذا المشروع ؟!
ويضاف لما سبق كله , ما قاله الكرد من أنه بتاريخ 17\5\2003م صدر قرار من مجلس الوزراء بضم اللجنة لوزارة المالية ، إلا أنه قام بالكتابة الى وزير المالية فياض أن اللجنة تتبع مؤسسة الرئاسة و هو ما أكده الرئيس في تأشيرته الموجهة الى فياض بتاريخ 10\3\2004م ، وقد صدر قرار اخر عام 2005م من مجلس الوزراء بالتأكيد على ضم اللجنة الى وزارة المالية و قام رئيس اللجنة مرة اخرى بالاتصال مع ابو مازن لتأكيد ارتباط اللجنة العليا للإستثمار برئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير و الصندوق القومي و هو موضوع لم يتم البت فيه بين رئيس اللجنة التنفيذية و رئيس الصندوق القومي رئيس اللجنة العليا للتمويل والاستثمار.
فهل الخلاف حول مرجعية هذه اللجنة هو ما فتح الباب على هذا المشروع؟! وهل هذا المشروع يلوح لباقي المشاريع الوهمية أن تصحح من أوضاعها ؟! وهل سيحاكم من بددوا هذا المشروع إذا ما انتهى النائب العام من التحقيق وأدان القضاء المتورطين فيه؟!.

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع