العسكرة

بقلم: حمدي فراج *

 

يثير موضوع العسكرة الذي طرحه "ابو مازن" مؤخرا ردود افعال مختلفة ومتضاربة بين من يؤيدها ويعارض "ابو مازن" بالتالي، وبين من يعارضها ويؤيد "ابو مازن"، خاصة ان "ابو مازن" كان قد اقترح وقف عسكرة الانتفاضة منذ فترة طويلة ..... وقبل ان نذهب للحديث بين المؤيدين والمعارضين ، فان الذي (عسكرنا) كلنا هو دولة اسرائيل، التي تحتلنا منذ عدة عقود، وبالطبع فان احتلالها لنا هو احتلال عسكري كما يفهم العالم قاطبة، جيوش وجنود ودبابات وطائرات ورصاص، وهي بالمناسبة، اسرائيل، دولة عسكرية مئة بالمئة، خاصة عندما يتعلق الامر بوجودها في الضفة وغزة والجولان وجنوب لبنان وغور الاردن وسيناء التي (حررتها مصر)، وحتى عندما ارادت اسرائيل ان تظهر امام العالم انها دولة ديمقراطية، بعد ان فشلت في هذا الادعاء وهي تحتل شعبا آخر، عمدت الى تغيير اسمها، من الحكم العسكري الى الادارة المدنية، رغم ان كل شيء ظل عسكريا، وحين اندلعت الانتفاضة الاولى لم يكن هناك شيئا عسكريا، الا اسرائيل وسجونها ورصاصها واجهزة مخابراتها، وحين احرجت ازاء اطفال يطاردهم جنود، لجأت الى تكسير عظامهم، على اعتبار ان هذا اجراء غير عسكري، وحولت رصاصها الدمدم والعادي الى رصاص مطاطي وبلاستيكي، على اعتبار انه ليس عسكريا ... الخ ....

على كل حال قادتنا الانتفاضة الاولى عمليا الى انتفاضة ثانية فيها عسكرة أكثر، الامر الذي يفيد انها لم تحقق اي حد من اهدافها، اهداف شعبها في النعتاق والتحرر والانتعاش، بل الى ما يمكن ان يطلق عليه، عملية تضليل وخداع، انطلت على قيادة الشعب، تحت الشعار المشبوه: (نصف البطن يغني عن ملاه) او (بوس الكلب في فمه، حتى تأخذ حقك منه) او (عيشني اليوم وموتني بكره) ..... ان الشعوب التي رزحت تحت الاحتلال، او التي ما زالت ترزح، كما هو الشعب الفلسطيني، ستظل تنشد شيئا واحدا، هو التخلص من هذا الاحتلال، لا تجميله، ولا تغييره، ولا مقايضته، ولا تجييره، ولا استبداله، ولا اي شيء آخر يؤدي الى بقائه بأي شكل من الاشكال ..... لقد عرض الإحتلال علينا ان يخرج ويكلف ما اسماه روابط القرى العميلة، وعرض علينا الخيار الاردني والخيار المصري والقوات الدولية، وحتى السلطة الوطنية التي وقع معها على اعلانات مبادئ مبهمة وملغمة، فان الشعب بعد اقل من عشر سنوات استطاع ان يكشف غثها من سمينها، وبدأت ارهاصات كشفها وكشف ارتباطاتها المشبوهة مقدمة لسحب البساط الاسرائيلي العربي ـ وبالتحديد المصري ـ من تحت اقدامها مقدمة الى تصنيفها خارج سياق التاريخ النضالي، رغم ما راكمته في المرحلة التي سبقت الامساك بالقلم والتوقيع على الورق. هل يظن احد كائن من كان ان سمعة حركة "فتح" اليوم كما كانت عليه قبيل اوسلو؟ وهل سمعة منظمة التحرير الفلسطينية في العالم، هي نفسها قبل عشرين سنه او حتى قبل عشرة؟ وهل يصدق احد ان مصطفى البرغوثي بلجنة مبادرة قادر ان يحصد في الشارع تأييدا يفوق كل فصائل هذه المنظمة مجتمعين ـ باستثناء "فتح" طبعا.

في كثير من بلدان العالم التي استعمرت، عمد الاحتلال الى مقاومة موته، حتى اللحظات الاخيرة، وكان يضطر احيانا الى ان يقدم رقصته، دون ان يعترف انها رقصة الموت، لكن الحركة الوطنية، لم تكن لتتبرع كي تقدم له التنازلات، من على الشاكلة التي يقدمها ابو مازن ومن سبقوه، على طريقة النخوة العربية،: ارحل من هنا وانا ادفع لك ثمن الرحيل، الامر الذي يدفع الاحتلال للتمترس من جديد، او طرح املاءات جديدة تصب في نفس الجدول، ولهذا قيل ان الاحتلال القديم في الكثير من دول افريقيا خرج من الباب ودخل من الشباك.

ان انتفاضات الشعب المعسكرة وفق التعبير العباسي، او غير المعسكرة، انما تستهدف القضاء على هذا الاحتلال قضاء مبرما، فتتخلص المنطقة كلها من ادرانه وموبقاته، على ان يتم التخلص من ادواته او بدائله بالزي العربي والفلسطيني ايضا.

* كاتب صحفي فلسطيني يقيم في مخيم الدهيشة- بيت لحم.

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع