تحالف القدومي ـ مشعل يؤهلهما لإقصائه عن رئاسة المنظمة.. عباس يخير هنية: الإلتزام بالتسوية أو الإعتذار..!

عمان ـ الوطن - شاكر الجوهري:22\2


لاحت تباشير انتهاء شهر (سنة) العسل بين محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" منذ ما قبل افتتاح اعمال المجلس التشريعي الفلسطيني الجديد الذي فازت "حماس" بأغلبية ساحقة فيه, في وقت تتجسد فيه ملامح المشهد السياسي الفلسطيني الجديد على شكل هجوم بدأ يشنه عباس لتقييد حكومة "حماس" قبل أن تتشكل, وهجوم آخر تستعد حركة "حماس" لشنه, ويستهدف اقصاء حركة "فتح" عن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي تفردت بالقرار فيها منذ تولت قيادتها لأول مرة عام 1969.
هجوم عباس, الذي أصبح بفضل فوز "حماس", الرجل الأقوى في حركة "فتح" لم يقتصر فقط على دعوته لعقد جلسة وداعية للمجلس التشريعي المنتهية ولايته, وبعد اعلان نتائج الإنتخابات الأخيرة, التي فازت بها "حماس", ليتخذ قرارات يراد لها أن تحكم عمل حكومة "حماس" المقبلة, وتحد من صلاحياتها, لحساب تعظيم صلاحيات رئيس السلطة, إذ أنه بدأ قبل ذلك, وكانت أول اجراءاته على هذا الصعيد مرسوم رئاسي اصدره دون اعلان واشهار, بعد ظهور نتائج الإنتخابات التشريعية في 26 كانون ثاني/يناير الماضي, ووضع عليه, بشكل مخالف للحقيقة, تاريخ الخامس من ذلك الشهر.. أي قبل ثلاثة اسابيع من صدوره الفعلي.
مرسوم سري
المرسوم غير المعلن حتى الآن, ينص على:
أولا: اعادة مرجعية جميع الأجهزة الأمنية إلى رئيس السلطة, كما كان عليه الحال في عهد ياسر عرفات, قبل أن ترغمه الضغوط الخارجية والداخلية على اتباع بعضها لوزارة الداخلية ولرئيس الوزراء, وذلك في اطار الإصلاحات التي فرضت عليه.
ثانيا: تشكيل لجنة أمنية في كل محافظة برئاسة المحافظ, وعضوية مسؤولي الأجهزة الأمنية في المحافظات.
ثالثا: ترتبط جميع هذه اللجان بشخص رئيس السلطة, وليس بشخص رئيس الوزراء.
وبذلك تكون المحافظات وأفرع الأجهزة الأمنية العاملة فيها مرتبطة بشخص رئيس السلطة, من خلال المحافظين.
وتؤكد المصادر أن اسرائيل قد أبلغت رسميا بقرار عباس, وأنها وافقت عليه ورحبت به.
ولكن ماذا لو أن شخصا من "حماس" نجح في الإنتخابات الرئاسية المقبلة..؟!
يتساءل مراقبون: هل تعاود اسرائيل المطالبة بإجراء اصلاحات في السلطة..؟! ولمن ستطالب بإتباع الأجهزة الأمنية, لرئيس الوزراء, أم لوزير الداخلية, وكلاهما أيضا من "حماس"..؟!
تقول المصادر إن عباس أقدم على هذه الإجراءات, بعد أن أفاق من حالة الذهول التي اصابته لدى ظهور نتائج الإنتخابات التشريعية, حيث بدأ يدرك أن اصراره على اجراء الإنتخابات التشريعية في موعدها المؤجل, شكل حالة مثالية لا يجسدها غير الفلاسفة والأدباء.. ذلك أن اصراره أدى في نهاية المطاف إلى تقديم حكومة السلطة إلى حركة "حماس" على طبق من ذهب, ليحاول بعد ذلك الزام هذه الحكومة بالبرنامج السياسي الذي طرحه لدى ترشحه لرئاسة السلطة قبل أكثر من عام, بدلا من البرنامج الذي فازت على اساسه.
الجلسة الوداعية
الجلسة الوداعية للمجلس التشريعي المنتهية ولايته بادر عباس لدعوتها للإنعقاد بفعل نصيحة قدمها له مستشاره الأقرب (أبو هشام). وكان الهدف من عقد هذه الجلسة اقرار مشروع قانون كان قد تقدم به للمجلس التشريعي قبل موعد الإنتخابات بأربعة أيام, يعطي رئيس السلطة صلاحية حل المجلس التشريعي, غير أن انشغال نواب ذلك المجلس بحملاتهم الإنتخابية حال دون اكتمال النصاب, ما أدى إلى تعثر اقرار مشروع ذلك القانون. لكن عباس, عدل في اللحظات الأخيرة, وبعد أن دعا التشريعي القديم للموافقة على حل التشريعي الجديد, عن تقديم مشروع هذا القانون مجددا خشية تعرضه لنقد حاد, وعدم قدرته على الدفاع عن مثل هكذا تصرف. وقد اكتفى بمطالبة المجلس القديم بإقرار عدد من المراسيم الرئاسية تهدف إلى ابقاء سيطرة الحزب الخاسر في الإنتخابات على القضاء في عهد حكومة الحزب الفائز, من خلال سحب صلاحية المجلس التشريعي في الموافقة على تعيين رئيس واعضاء المحكمة الدستورية, واحالة هذه الصلاحيات لرئيس السلطة, بالتشاور مع وزير العدل. ولكن هذا التشاور سيكون بالتأكيد ـ كما يقول المراقبون ـ على طريقة شاوروهم وخالفوهم.
كذلك هدفت هذه المراسيم إلى فرض الجهاز الوظيفي "الفتحاوي" على الحكومة "الحمساوية", بحيث يصبح محالا تحقيق برنامج "حماس" في الحكم..! إذ أن عباس عين رئيسا لديوان الموظفين, وقرر اتباع مرجعيته لرئيس السلطة. وهو ما يعني منع تعيين الحكومة "الحمساوية" لأي موظف, أو فصل أي موظف. وبهذا المرسوم تعود صلاحية تعيين حتى الفرّاشين لشخص رئيس السلطة, كما كان عليه الحال في عهد ياسر عرفات, قبل الإصلاحات التي أرغم عليها.
بل إن عباس أصدر مرسوما بتعيين أمين عام من "فتح" (ابراهيم الخريشه), فشل في الإنتخابات, أمينا عاما للمجلس التشريعي, كي يتولى صلاحيات أمين سر المجلس, وليكون مسؤولا عن جميع موظفي المجلس الفتحاويين.. ما يعني تعطيل عمل المجلس التشريعي, عبر الإبطاء في احالة مشاريع القوانين التي يقرها المجلس لرئاسة السلطة كي يصادق عليها..!
الضغط الخارجي
ما الذي ستفعله "حماس" بمواجهة ذلك..؟
عزيز الدويك الرئيس الجديد للمجلس التشريعي قرر وقف العمل بكل الإجراءات التي اتخذها المجلس التشريعي السابق في جلسة الوداع التي انعقدت بعد تحول ثقة الناخبين الفلسطينيين للمجلس الجديد, لبحث مدى قانونيتها أولا.
ومصادر مقربة من "حماس" تؤكد لـ"الوطن" أن الحركة ستدرس كل الجوانب القانونية في الإجراءات التي تمت, وأنه في حال تبين وجود مخالفة قانونية, فإن "حماس" ستعمل على نقض هذه القرارات عبر المجلس التشريعي.
وتضيف المصادر إن "حماس" تعتقد أن عباس أقدم على اجراءاته هذه تحت وطأة ضغط خارجي تعرض له من كل من الأردن ومصر, هدفه افشال "حماس" قبل أن تنتقل عدوى فوزها للبلدين..!
ولكن, كيف أدى فشل "فتح" في الإنتخابات إلى تقوية مركز عباس..؟
تقول المصادر إن فوز "حماس" أدى لإضعاف جميع مراكز القوى الفتحاوية في السلطة, التي كانت تستمد قوتها من سيطرتها على الأجهزة الأمنية, وعلى المجلس التشريعي ووجودها داخل الحكومة. وها هي خسرت الآن وجودها في المجلس التشريعي والحكومة, ولم يبق لها إلا وجودها في قيادة الأجهزة الأمنية, وهو وجود بات مرهونا بدعم عباس من عدمه, باعتباره رئيس السلطة. والوحيد من "فتح" الذي يحتفظ بشرعيته.
وتضيف المصادر: إن فشل "فتح" قدم لعباس فرصة تاريخية في مواجهة القوى المتصارعة, التي انقسمت ثم انكسرت في الإنتخابات, فأصبح عباس مرجعية الجميع, نظرا لحاجة الجميع الآن إلى شرعيته في الحفاظ على مواقعهم.
أكثر من ذلك, تقول المصادر إن نتائج الإنتخابات التشريعية خدمت عباس من حيث هي أدت إلى تكسير خصومه في "فتح", ودفع "حماس" باتجاه الإندماج في عملية التسوية.
صحيح أن قادة "حماس" عادوا ليؤكدوا الآن رفضهم الإعتراف بإسرائيل, لكنهم فعلوا ذلك, بعد أن لم تجد المرونة التي ابدوها في تصريحاتهم الأولى, صدى ايجابيا لدوى الدولة العبرية. فأصبحوا يقولون, بعد أن كانوا يقولون باستعدادهم للإعتراف بإسرائيل في حال اعترفت بالحقوق الفلسطينية, إنهم يرفضون الإعتراف بإسرائيل, كما أنهم لا يستطيعون أن يقدموا خلال بضعة أيام, التنازلات التي قدمتها قيادة منظمة التحرير على مدى عشرين عاما..!
كتاب التكليف
وفيما يتعلق بالمنظمة, فإن المراقبين يتوقعون أن تؤول قيادتها خلال عام من الآن, لحركة "حماس", وأن يصبح خالد مشعل رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وتقول المصادر إن تحرك "حماس" على جبهة منظمة التحرير سيبدأ بعد أن يتم تشكيل الحكومة, والإفلات من العراقيل التي يعمل عباس على وضعها امامها.
لقد حاول عباس الزام حركة "حماس" ببرنامجه السياسي عبر الخطاب الذي افتتح به اعمال المجلس التشريعي الجديد, فأجابته بالرفض. والآن, هو يعمل على الزامها بذات البرنامج من خلال كتاب التكليف الذي سيوجهه لإسماعيل هنية بتشكيل الحكومة.
ووفقا للمعلومات المتسربة, فإن عباس سيعمد إلى الزام الحكومة "الحمساوية" ببرنامجه السياسي عبر التأكيد في كتاب التكليف على التزام الحكومة الجديدة بالتزامات وتعهدات الحكومة السابقة, ومن بينها.. بل في مقدمتها الإتفاقات المبرمة مع اسرائيل.
وهذه أول مرة يتجاوز كتاب التكليف, التكليف ذاته, إلى تحديد برنامج الحكومة الجديدة. وعلى ذلك, فإن عباس يريد أن يخير هنية مبكرا بين الإلتزام بالبرنامج السياسي لرئيس السلطة, أو الإعتذار عن تشكيل الحكومة..!
وبالقطع, فإن هنية, بالرغم من كل المرونة التي يتصف بها, لا يستطيع قبول كتاب التكليف من حيث محتواه السياسي, كما أنه لا يستطيع أن يرفضه من حيث شقه التكليفي..!
ماذا سيعمل إذا..؟
أغلب الظن, كما يرى المراقبون, أن يتأخر تشكيل حكومة "حماس" عن الوقت المبكر الذي أبدى بعض قادتها تفاؤلهم بأن يتم تشكيل الحكومة خلاله, وذلك بانتظار نتائج مفاوضات لا بد أن تبدأ بين عباس وهنية وقادة "حماس", يطلب فيها عباس ما تريده اسرائيل من "حماس", دون أن يقدم لهم شيئا مما يريدونه هم من اسرائيل..!
لكن "حماس" لن تكون وحدها في هذا المأزق, ذلك أن عباس لا يستطيع أن يكلف شخصا من "فتح" بتشكيل الحكومة, طالما أنه لا يمكن أن يحظى بثقة الأغلبية النيابية, ما لم يكن رئيس السلطة يخطط لافتعال أزمة فراغ سياسي ودستوري يعمل على توظيفها من أجل تجاوز صلاحياته الدستورية بالدعوة لإجراء انتخابات مبكرة, لا ينص القانون الأساسي الفلسطيني عليها.
كماشة "حماس"
عودة إلى منظمة التحرير الفلسطينية, فإن ضغوط عباس على "حماس" من شأنها أن تدفع بحركة المقاومة الإسلامية في أحد اتجاهين:
الأول: تأجيل الإندفاع باتجاه تولي قيادة المنظمة بانتظار نتائج معركة تشكيل الحكومة.
الثاني: الإسراع في فتح معركة تولي قيادة المنظمة, من أجل سلب عباس احدى أهم اوراقه, ما دامت منظمة التحرير هي المرجعية القانونية والسياسية للسلطة ورئيسها, ولتكمل كماشة "حماس" الإطباق على عباس عبر فكيها.. المجلس التشريعي والحكومة التي قررها, ورئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
عباس, بادر إلى خطوة استباقية على هذا الصعيد تمثلت في مصالحته لسليم الزعنوز رئيس المجلس الوطني الفلسطيني, والإتفاق معه على رفض اعادة تشكيل المجلس الوطني وفقا لاتفاق القاهرة (آذار/مارس 2005), حيث كان عباس اتفق مع الفصائل الفلسطينية على اعادة تشكيل المجلس الوطني من فقط ثلاثمائة عضو من بينهم 132 عضوا هم اعضاء المجلس التشريعي, وبحيث يتم انتخاب اعضاء المجلس في الخارج حيث يمكن ذلك, واختيار ممثلين للساحات التي لا يمكن اجراء انتخابات فيها, كما هو الحال في الأردن.
اتفاق عباس ـ الزعنون الآن يقضي برفض قصر ممثلي الخارج على 168 عضوا, بدلا من 700 عضو يتشكل منهم المجلس في تركيبته الحالية التي انتهت ولايتها منذ عام 1990, ولا يزال يمارس صلاحياته عند الضرورة التي تراها قيادة المنظمة. وقد قال الزعنون مؤخرا بالفم الملآن أنه لن يسلم المجلس الوطني لحركة "حماس", وأضاف أنه من حق "حماس" أن تحصل على عدد من المقاعد في تمثيل الخارج يوازي عدد مقاعدها في المجلس التشريعي (74 نائبا), ليصبح المجموع 148 نائبا من أصل 700 عضو في المجلس الوطني..!
وتراهن "فتح" على أن تؤيدها في ذلك الفصائل الأخرى, حيث لا يعقل أن تتخلى الجبهة الشعبية عن 24 عضوا لها في المجلس الحالي لصالح ستة اعضاء فقط, نصفهم من الداخل ونصفهم من الخارج.
وذات الأمر ينطبق على الجبهة الديمقراطية, وبقية الفصائل.
تفعيل دون اعادة بناء
لذلك, وفي ضوء الموقف العربي, خاصة المصري والأردني, الرافض اعادة بناء منظمة التحرير, اصبحت "حماس" تدرك صعوبة هذه المهمة أكثر من السابق.. ذلك أن الذين كانوا يريدون تقوية السلطة الفلسطينية على حساب منظمة التحرير, اصبحوا يريدون تفعيل منظمة التحرير دون اعادة بنائها.
ومن جهتها, تصر "حماس" وفصائل أخرى مثل الشعبية والديمقراطية على اجراء انتخابات لعضوية المجلس الوطني, خاصة في سوريا ولبنان, مع استثناء الأردن, نظرا لتداخلات ديموغرافية تحول دون موافقته على اجراء انتخابات فلسطينية في اراضيه.
وتؤكد المصادر أن المصريين بالذات, حذروا عباس من الإلتزام بهذا السيناريو الذي سبق أن تم التوصل إليه في حوار القاهرة, لأنه قد يؤدي إلى كارثة جديدة هم في غنى عنها.
وفي ضوء ذلك, تتوقع المصادر تلكؤ عباس في اعادة بناء منظمة التحرير, والإجراءات المتعلقة بذلك.
ولهذا, تزداد الآن خطورة خلافات عباس مع القدومي, الذي يطالب علنا بحق "حماس" في تشكيل حكومة فلسطينية, ويعمل على توثيق تحالفاته معها على نحو من شأنه, بشيء من الضغط السوري على فصائل فلسطينية, أن يقدم الشرعية الفصائلية لمبادرة وسيناريو ينفذ من وراء ظهر عباس, يؤدي إلى اعادة تشكيل وبناء منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ائتلافية تجمع "حماس" والقدومي, وما يمثله داخل "فتح", وفصائل فلسطينية أخرى.

مصدر الخبر    http://www.watan.com/modules.php?op=modload&name=News&file=article&sid=5055&mode=thread&order=0&thold=0

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع