وثيقة تنظيمية هامة من اقليم الأردن
للمؤتمر العام تنفرد بنشرها "الوطن" 2/3
أبو شامخ أوقف التنظيم بالتوافق مع
المخابرات الأردنية والتشاور مع عباس زكي
7/12/2005
ـ اصحاب المزارع الحركية استقووا بالدولة الأردنية على التنظيم لضمان
استمرار موازناتهم وارتزاقهم
ـ أجهزة السلطة الأمنية تتدخل لخلق ولاءات خارجية لقياداتها على حساب
التنظيم.. يوجد لها مندوبون في الأردن
ـ الدولة الأردنية تساهلت سابقا مع المناضلين المتوجهين للداخل
الفلسطيني وحظرت النشاطات داخل الأردن
ـ "فتح" أداة تحصين ثقافي في الأردن أمام القوى الظلامية بعيدا عن
متاهات الخلاف مع الأحزاب السياسية والدولة
ـ ضرورة اعادة صياغة منظمة التحرير الفلسطينية بعد انهيارها كبنية
ثورية مقاومة للأهداف والأطماع الصهيونية
عمان ـ شاكر الجوهري:
رفعت قيادة تنظيم حركة "فتح" في الأردن تقريرا بالغ الأهمية الى فاروق
القدومي أمين سر اللجنة المركزية للحركة بعيد وفاة ياسر عرفات رئيس
الحركة السابق, ضمنته ملاحظات نقدية لواقع التعامل مع التنظيم من قبل
قيادة الحركة, واحلال قوى وأجهزة أمنية محل الأطر القيادية للتنظيم,
ولمحة تاريخية تناولت تعاقب القيادات على هذا التنظيم منذ ما بعد 1970,
وتأثيرات اتفاقات اوسلو عليه.
التقرير الذي رفع للقدومي من خلال عباس زكي المشرف على التنظيم في
الأردن, يتناول المهمات التي انجزت بعد أن آل الإشراف على التنظيم الى
عباس زكي. ثم يستعرض التقرير تطور وتقلب العلاقة بين الحكومة والأجهزة
الأمنية الأردنية والتنظيم, ويخلص من كل ذلك الى جملة نتائج وتوصيات
هامة.
ثم ينتقل التقرير الى تناول اعادة بناء وتصحيح اوضاع منظمة التحرير
الفلسطينية, مسجلا الخسائر التي لحقت بها, وما يتوجب عمله من أجل
الحفاظ عليها واعادة بنائها.
ويختم التقرير بذات اللغة النقدية, مشخصا واقع السلطة الفلسطينية
والإصلاح المطلوب انجازه فيها.
هنا نص القسم الثاني من التقرير الوثيقة, الذي تنفرد "الوطن" بنشره:
لقد مثلت هذه الرؤية الوطنية لأبناء الحركة على الساحة الأردنية, قاعدة
الإنطلاق للعمل التنظيمي في هذه المرحلة, وبالتالي فقد باشرنا نشاطنا
على هذا الصعيد برعاية واشراف ومسؤولية الأخ عباس زكي, لإنجاح خطة هذا
النشاط واعادة البناء الداخلي لحركة "فتح" بكل الوسائل والخبرات
القيادية على هذه الساحة, وهو الأمر الذي فرض التوجه المباشر لإنجاز
المهام التالية:
1 ـ العمل التنظيمي والتجديد في نظريات البناء العضوي والهيكلي
للمنظمات الثورية, حيث قمنا وبصورة جماعية مسؤولة في اطار الكادر
القيادي, بدراسة وتحليل كل نظريات البناء العضوي للمنظمات الثورية في
العالم, والأسس والقواعد التي قامت عليها نظرية البناء الهيكلي في حركة
"فتح", وتجارب الفشل والنجاح في هذا المجال على جميع الساحات التي عملت
بها الحركة خلال المراحل السابقة من نضالها الثوري, وقمنا بصياغة اطار
نظري جديد للعمل التنظيمي بصورة علمية دقيقة, مزجت ما بين النظريات
الحديثة للدولة في ادارة مرافق الحياة العامة للمجتمع, ونظرية ادارة
الثورة للنشاط السياسي والتعبوي في الحياة الداخلية للمنظمات الثورية
التي تسعى إلى التخلص من المفاهيم الفاسدة في المجتمع, وكذلك كتابة
اللوائح والقوانين والأنظمة التي تحدد صلاحيات وسلطات جميع المراتب
والهيئات التنظيمية في الحركة, وقراءة ونقاش هذه الوثائق واقرارها في
الحياة الداخلية لحركة "فتح" على الساحة الأردنية, والعمل على اساسها,
وقد اسقطنا من هيكليتنا الإدارية والقيادية أي استهداف للمؤسسات
الحكومية, ومظاهر الوجود السياسي والثقافي للدولة, بل على العكس تماما,
كان وجودنا بهذه الهيكلية الجديدة ركيزة اساسية من ركائز الوجود الوطني
الأردني, والسيادة الأردنية, ودافعا قويا لاستنهاض الهوية الوحدوية
للدولة, وشخصيتها الثقافية العربية, ومدخلا موضوعيا لموالاة سياسات
الدولة, والدفاع عنها في القضايا الهامة والإستراتيجية.
2 ـ قمنا بإنشاء اللجان القيادية الأساسية في الساحة الأردنية, على
قاعدة التطبيق الخلاق لهيكلية النظام الداخلي الواردة في النظام
الحركي, والإستجابة الموضوعية لظروف الساحة الأردنية, والمهام
والواجبات الواجب ارتجالها لخدمة الحركة, وتعزيز مكانتها ودورها في
القطاعات المهنية والشعبية المختلفة.
3 ـ قمنا بالإستجابة كقيادة مسؤولة عن الساحة, بالتعاون مع الأخ عباس
زكي المشرف العام, إلى بعض الإستحقاقات التنظيمية التاريخية المزمنة في
الساحة الأردنية, وخاصة تقييم وتصنيف الكادر الحركي, ووضع هذا الكادر
في المكان المناسب من تشكيلات وهيكلية التنظيم.
4 ـ قمنا بإعادة بناء لجنة المنظمات الشعبية في السفارة, حفاظا على
شرعية وجود هذه المؤسسة في السفارات الفلسطينية في الخارج, كواجهة
فلسطينية رسمية, تقوم بتصريف الشؤون التعبوية والنشاطات ذات الطابع
الإنساني والإجتماعي في المخيمات والتجمعات الفلسطينية, وتسهيل مهمة
دعم الطلاب الفقراء في التحصيل العلمي الجامعي, ورعاية العائلات والأسر
المستورة التي قدمت كل ما تملك للثورة الفلسطينية خلال المراحل
المتعددة من نضالها, واعادة هيكلة نشاط هذه اللجنة وارتباطها في
التنظيم الحركي, كمهمة تنظيمية ضمن الهيكلية الإدارية لقيادة نشاطات
التنظيم في الأندية الرياضية والإجتماعية والمراكز الشبابية ولجان
العمل الجماهيري, ومؤسسات البلدات والعشائر والقرى الفلسطينية.
5 ـ قمنا بإنشاء المكتب الحركي للعمل النقابي, وحماية الحالة الحركية
في هذا القطاع الواسع على الساحة الأردنية, وتقديم القادة الجماهيريين
لهذا القطاع, على أسس ومزايا وسجايا قيادية حقيقة, وعزل الواجهات
الإنتهازية والشخصيات الموتورة التي كانت تعمل لحسابها الخاص في هذا
القطاع دون ضوابط ومعايير اخلاقية, على قاعدة الهيمنة والغطرسة الزائفة
في طرح المواقف واقامة التحالفات والعلاقات مع القوى والفعاليات
النقابية.
6 ـ كان هدفنا في هذه المرحلة من العمل على الساحة الأردنية, هو البحث
عن الأفضل في اعادة بناء الهيئات واللجان المسؤولة, والإبتعاد بالحركة
عن الأهواء والتكتلات والولاءات الشخصية والمعرفية والجهوية, وغيرها من
الأمراض والسلوكيات التي كانت تعتور المراحل السابقة من العمل التنظيمي
على الساحة الأردنية, وتمكنا فعلا وخلال أربع سنوات متواصلة, من انشاء
البنية الثورية بكل تفصيلاتها ومهامها النضالية, واستبعاد كل الحالات
العاجزة والضعيفة والأشكال والصور النمطية التي سادت طويلا في شكل
ومضمون الواجهات والرموز الحركية في المجتمع, واستملاك كل الخبرات
والقدرات التنظيمية القادرة على اعادة صورة المناضل الواعي, المدافع
بصلابة عقيدته الوطنية عن قضايا الناس, واخلاقيات وانجازات ومقدرات
المجتمع, وإنهاء صورة المتعيش المرتجل المأزوم القائمة على تحميل
الآخرين جمائل وطنيته وادعائه بالثورية والدفاع عن الجماهير, وبالتالي
فقد أقلعنا في هذه المرحلة بكل الأسس والقواعد المدروسة, وكذلك اللوائح
والبرامج الدقيقة, والقادة والمناضلين القادرين على حمل المسؤوليات
الوطنية بكل أمانة واخلاص, وكانت افعال التنظيم الحركي تسبق اقواله,
وانجازاته تفرح ابنائه وابطاله, وتزيل المتاعب والهموم التي اصابت
الناس في مرحلة ركود السلطة الوطنية الفلسطينية في الداخل, وصدامها مع
التيارات والقوى الإسلامية بالأساليب والوسائل التي كانت تثقل العمل
الوطني الفلسطيني وتزيد من احباطه وهمومه.
العودة للمواجهة
لقد تمكنا بهؤلاء القادة, من اعادة الحركة إلى واجهة العمل السياسي على
الساحة الأردنية, وأخذ دورها في صنع الأحداث والوقائع الرائعة والجميلة
في حياة المجتمع, واقامة أوثق العلاقات مع قاعدة العمل العام, ودعم
النواب والمرشحين الوطنيين والتقدميين, والتأسيس لمرحلة جديدة شكلا
ومضمونا للعلاقة الشعبية الأردنية ـ الفلسطينية, وجسرا لوحدة وترابط
هذا المجتمع مع النضال الوطني الفلسطيني في الداخل, إلا أنه وللأسف
الشديد, فقد جرى ايقاف نشاطنا الحركي بقرار مركزي من قبل الأخ عباس زكي
المشرف العام على الساحة, وذلك نتيجة للضغوطات والأسباب التالية:
أ ـ شعور اصحاب المزارع القديمة في الحركة, أننا نقوم بتعريتهم عبر
نشاطنا المكثف القائم على التطبيق الخلاّق لروح النظام الداخلي الحركي,
وإنهاء الولاءات الشخصية لهم في الساحة الأردنية, والتي كانوا يعتمدون
عليها في الحصول على موازنات العمل والإمتيازات الإجتماعية والإعتبارية
أمام اللجنة المركزية للحركة, وبالتالي كان اغلاق هذه المزارع يؤدي إلى
اغلاق منافذ الإرتزاق والتعيش على حساب الحركة والنضال الفلسطيني, وهو
الأمر الذي دفع أصحاب هذه المزارع إلى اخافة الدولة من نشاطنا
والإستقواء بها لمنعه وايقافه.
ب ـ عدم النضوج في فهم الحياة التنظيمية للعديد من القادة والمراجع
السياسية والأمنية, التي كانت تعتمد عليها قيادة الحركة في الإستخبار
عن الساحة الأردنية, والحصول على معطيات لاتخاذ القرارات المناسبة
بشأنها, مع التأكيد على أن العديد من الإخوة, وبحكم مهام الثورة قبل
وجودهم في الساحة الأردنية, قد وصلوا إلى أعلى المراتب القيادية في
الأجهزة النضالية المختلفة, دون أن يعيشوا لحظة واحدة في تنظيمها,
ولذلك ليس لديهم أي علم بحياة التنظيم وتصرفاته في العمل العام.
ج ـ تدخل الأجهزة الأمنية الفلسطينية في شؤون الساحة الأردنية, في
محاولة منها لخلق ولاءات خارجية لقيادتها, ولا زال شائعا حتى يومنا هذا
اصطلاح مندوب المخابرات الفلسطينية في الساحة, ومندوب الأمن الوقائي
والإستخبارات وأمن الرئيس وغير ذلك, ولا زال لهؤلاء الهاربين من
الداخل, سلطتهم الوهمية على السفارة والمجلس الوطني الفلسطيني والعديد
من المؤسسات الرسمية الأخرى, وهو الأمر الذي بات يشير إلى فوضى في
العمل الفلسطيني على الساحة الأردنية, وينبىء بالفوضى والخطورة على
سيادة الدولة, هذا فضلا عن غياب الجدية في التوجهات المركزية للحركة,
والعديد من الأسباب الأخرى التي كانت تؤكد انشغال القيادة في ترتيب
الأوضاع الفلسطينية داخل الوطن المحتل, وتهميش الساحات الخارجية, وأمام
هذه الحقائق وبعد مفاوضات واستيضاحات بين الأخ أبو شامخ, بوصفه سفيرا
لدولة فلسطين في الأردن, ودائرة المخابرات العامة, والتشاور مع الأخ
عباس زكي مسؤول الساحة, تم اصدار بيان من قبل الجهات المختصة في
الإقليم, بإيقاف جميع النشاطات ذات الطابع التنظيمي, واغلاق المكتب
الخاص بهذا الشأن في مبنى قيادة الإنتفاضة سابقا, وتسليم المبنى لدائرة
اللاجئين, وبالتالي أخذ النشاط الحركي بعد هذا الإجراء طابعين مهمين,
الأول المحافظة على الذات والمواقع الشعبية والنقابية التي تتبوأ
الحركة قيادتها, والإبتعاد عن أي خلاف مع الدولة, والتواصل اجتماعيا
وانسانيا في المناسبات الضرورية, والثاني الظهور سياسيا وتنظيميا في
المناسبات الوطنية والتضامنية مع النضال الفلسطيني في الداخل,
والإبتعاد عن المشاركة في أي مؤسسة حزبية أو هيئة سياسية اردنية بصفتنا
التنظيمية, وبالتالي فقد تمحور نشاطنا بعد ذلك في تمتين علاقاتنا
الداخلية, والإنفتاح على القوى الشعبية الأردنية, والشخصيات الإجتماعية
والإعتبارية في قيادة مرافق العمل العام, والقيام بالمهام التعبوية
التي تسهم في دعم واسناد جماهير الإنتفاضة في الداخل, وحمل الجمعيات
الأهلية والسياسية والعشائرية على التواصل مع النضال الفلسطيني, وعقد
الندوات والإعتصامات التضامنية, وتقديم المساعدات العينية والنقدية
لجماهير الإنتفاضة في الداخل الفلسطيني, هذا فضلا عن استمرار التواجد
في الشارع الوطني, والسعي لتحسين أداء هذا الشارع وضبط مساراته في
اتجاه الدعم والإسناد للشعب العربي الفلسطيني, وعدم الدخول في تناقضات
ومهاترات القوى السياسية الحزبية التي كانت ولا زالت تسعى لتحقيق مكاسب
في الشارع الوطني الأردني على حساب النضال الفلسطيني.
الدولة
والموقف من الحركة
1 ـ لقد تطورت مواقف الدولة باتجاه حركة "فتح" على الساحة الأردنية, مع
نمو وتطور الكفاح الوطني الفلسطيني نفسه, وقدرة هذا الكفاح على اقناع
الأطراف العربية والدولية بعدالته, واستملاك القائمين عليه لكل القيم
الإنسانية, والمعايير الأخلاقية في مراتب الشرف والنقاء الوطني, وفي
الوقت الذي اذابت فيه تفاهمات جدة عام 1972, الجليد الذي خيم على
العلاقة الفلسطينية ـ الأردنية, فإن قرارات القمة العربية عام 1974,
وما تلاها من تضامن وتنسيق عربي, قد فتح الباب على مصراعيه لتطور
العلاقة الفلسطينية ـ الأردنية في الآفاق والمناخات الإيجابية, على
قاعدة المصالح المشتركة, ووحدة الجهد والمصير الواحد في مواجهة الأخطار
والأطماع الصهيونية على ضفتي النهر, وبالتالي فإن سياسة الدولة
وتصرفاتها الأمنية في اتجاه حركة "فتح", قد قامت واستمرت على قاعدة
متحركة من المد والجزر, وجمعت في جدلية واحدة بين التقارب والتباعد
السياسي في علاقة الدولة مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية, والأحداث
والوقائع المتحركة في الصراع العربي الصهيوني, وفي الوقت الذي تركزت
فيه السياسة الأمنية للدولة على عدم اختراق الحدود, ومنع اقامة قواعد
فدائية مسلحة على الأراضي الأردنية, دخلت الدولة في جبهة الصمود
والتصدي, وشاركت في كل الهيئات والمؤسسات العربية التي وقفت في وجه
السقوط والمهادنة مع المشروع الصهيوني, بعد القرار المصري بالتصالح مع
هذا المشروع, ورفعت الغطاء السياسي عن روابط القرى في الداخل, التي
أخذت دورا معاديا لمصالح الشعب العربي الفلسطيني بعد اتفاقيات كامب
ديفيد, وعملت على ارسال المتطوعين وقوات بدر إلى بيروت للدفاع عن
الثورة الفلسطينية, وصرف النظر عن النشاطات الحركية في الأوساط الشعبية
والنقابية, وغيرها من الإجراءات والتصرفات التي كانت تؤدي إلى دعم
النضال الفلسطيني, ورفع درجات التنسيق والتعاون المشترك في العديد من
المجالات والنشاطات السياسية على الساحة الفلسطينية والعربية والدولية.
2 ـ ميزت الدولة في كل مراحل الإختلاف والتباعد, مع قيادات العمل
الفدائي الفلسطيني, في اجراءاتها الأمنية, ومؤسساتها القضائية, بين
المناضلين المتوجهين إلى فلسطين عبر حدودها, وبين الخلايا الثورية
العاملة داخلها, ففي الوقت الذي تعاملت به الدولة, بسياسة اللين
والمرونة مع المتوجهين إلى فلسطين, فقد اتخذت قرار الحسم والشدة, مع
خلايا وأنشطة الداخل الأردني, وهو الأمر الذي خضع واستقام على قاعدة
الوحدة والصراع في هذا الشأن الداخلي الخاص.
3 ـ وفّرت الدولة الأردنية الحماية السياسية والأمنية, لمنظمة التحرير
الفلسطينية بعد احداث طرابلس المشؤومة, وانعقاد دورة المجلس الوطني
الفلسطيني في عمان عام 1984, وهو الأمر الذي أحدث الإنفجار الكبير في
علاقة الدولة مع حركة "فتح", والنضال الفلسطيني على وجه العموم, ومهد
الطريق لوجود قيادة الإنتفاضة الشعبية على الأراضي الأردنية بعد ذلك,
ونشاط لجان القطاع الغربي, وجميع المؤسسات واللجان والهيئات القيادية
التي تواصلت مع الداخل طوال مرحلة الإنتفاضة الأولى عام 1987, وصولا
إلى التنسيق المشترك في محادثات مدريد, وعودة العديد من القيادات
والتشكيلات العسكرية والأمنية إلى الأراضي الفلسطينية بعد اتفاقيات
اوسلو.
4 ـ خلال انتفاضة الأقصى المباركة, وايمانا منا بضرورة ابقاء الحدث
الفلسطيني هو الأبرز في وسائل الإعلام العالمية, وقطع الطريق على شارون
في نقل ازماته خارج حدود فلسطين, فقد سعينا ومن خلال القنوات المختصة,
بعمل مقاربة عميقة في الوعي والتصرفات الأمنية, بين الحركة ومؤسسات
الدولة, وتم عبر هذه المقاربة تبديد جميع المخاوف السابقة في النظرة
والعلاقة مع حركة "فتح" على الساحة الأردنية, وتشكيل لجنة حركية معلنة
أمام الدولة, لتصريف جميع الشؤون التنظيمية, والأنشطة النضالية
التضامنية مع النضال الفلسطيني في الداخل, وهو الأمر الذي أسس لعلاقات
سليمة قائمة على الثقة والإحترام المتبادل, والعمل والتنسيق لدعم
الإنتفاضة المباركة, وفتح القنوات الشعبية والرسمية لإيصال صوتها
وتأثيرها إلى العالم العربي, ومعالجة جرحاها, وتوصيل الدعم للأسر
والعوائل المتضررة, وكذلك المؤسسات الوطنية والشعبية ومؤسسات السلطة
الفلسطينية, وبالتالي فإن العلاقة الفلسطينية ـ الأردنية بشكل عام,
وعلاقة الدولة مع حركة "فتح" على وجه الخصوص, ناضجة إلى حد الإشباع,
وهي مغلقة بلا رجعة على كل السلبيات الماضية, ومفتوحة بلا حدود على كل
الإيجابيات المستقبلية.
ج ـ النتائج والتوصيات:
أولا: النتائج
أ ـ تعتبر
الساحة الأردنية بالنسبة للنضال الوطني الفلسطيني, هي الرئة الدائمة
والإستراتيجية لهذا النضال, والقاعدة الطبيعية لوحدة وترابط الأسرة
العربية المتصلة على ضفتي النهر, ووحدة وترابط المصلحة الشخصية لأبناء
هذه الأمة في الحياة على هذه الأرض, والمدخل الطبيعي والموضوعي لوحدة
الجهد العربي في النضال الفلسطيني ضد الصهيونية والإستعمار.
ب ـ أقيم على الساحة الأردنية, وفي بدايات العمل الفلسطيني, بنية ثورية
متكاملة, وأصبح فيها استنادا إلى النظريات الحديثة في علم الإجتماع,
تشكيلة اجتماعية اقتصادية ثقافية مقاومة للإحتلال, ومناصرة لاستمرار
الثورة ضد المحتل, وبالتالي فإن الحالات الطارئة في منع المظاهر
النضالية ضد الصهيونية والإستعمار في هذه الساحة, لا ينفي وجود هذه
المظاهر, ولا يلغي الرغبة الشعبية في استمرار دعم المقاومة للمحتلين
على الأراضي الفلسطينية, لأن الثورة ضد المحتل الأجنبي, هي منطق تاريخي
تفرضه الأحداث والوقائع والوعي بالضرورة في التاريخ.
ج ـ الساحة الأردنية ساحة محورية جامعة من حيث التواجد الحركي والسياسي
للتجربة الفلسطينية, وكذلك التوجهات والسياسات العربية عموما, فهي ساحة
في حالة حركة دائمة تأثيرا وتأثرا, وقد عاد إليها كل من كان له علاقة
بحركة "فتح" في الخارج, سواء أثناء دراسته في دول العالم, أو أثناء
عمله ووظيفته خارج الأردن.
د ـ كل مرحلة من المراحل التاريخية التي عملت فيها الحركة على الساحة
الأردنية, كان يبرز فيها قادة ورموز ولجان ومؤسسات حركية, وبالتالي فهي
ساحة تختزن في ذاكرتها ووجودها أنبل المناضلين والقادة الوطنيين, الذين
يشكلون الحصانة الحقيقية للوحدة الوطنية على الساحة الأردنية, وقاعدة
دعم واسناد النضال الفلسطيني, وتحصينه من الإنزلاقات في متاهات
المساومة والتفريط, هذا فضلا عن وجود ثلاثة عشر مخيما للاجئين
الفلسطينيين على هذه الساحة.
هـ ـ عبر كل اشكال النضال المختلفة على الساحة الأردنية, ومن خلال
الإصرار على التواجد بين الجماهير, أصبح لحركة "فتح" امتيازات كبيرة في
الشارع الأردني, وهي أداة استنهاض للعمل السياسي في هذا الشارع, وأداة
تحصين للحركة السياسية والثقافية والوعي الإجتماعي, أمام القوى
الظلامية, التي تسعى إلى الإنحراف بالمنطقة عن قواعد وجودها, وليس فقط
المجتمع الفلسطيني في الشتات, وهي ساحة ناضجة بكل المستويات المطلوبة
لإدارة علاقاتها مع الجميع, بعيدا عن متاهات الخلافات السياسية مع
القوى الحزبية الأردنية والدولة على وجه الخصوص.
و ـ قام النشاط الحركي على الساحة الأردنية, واستمر على مسطح معنوي,
وقناعات شخصية راسخة, بضرورة العمل ضد المشروع الصهيوني الإستعماري في
المنطقة, وليس على روح الإرتزاق والتعيش على حساب القضية الوطنية
الفلسطينية, والعمل السياسي على قاعدة الموازنات, والدعم المادي وغير
ذلك, مع التأكيد على أن الحركة على الساحة الأردنية, ليس لها علاقة
بالذين كانوا يقبضون على هذه الموازنات وينفقونها على نشاطاتهم الخاصة.
ز ـ رسالة حركة "فتح" التاريخية لأبناء الأمة العربية, وحكوماتها
ومؤسساتها الشعبية, وقواها الإقتصادية والإجتماعية, هي رسالة اخلاقية
قائمة على استنهاض كل ما هو ثابت ونبيل في وجود الأمة, وقد نجحت الحركة
في حمل هذه الرسالة وتوصيلها وتعميق تأثيرها من خلال صلابة بنيانها
التنظيمي, وانضباطيتها في الشارع العربي, وهي قادرة اليوم على مواصلة
حمل هذه الرسالة والعمل بمقتضيات خدمتها على الساحة الأردنية.
ثانيا:
التوصيات
أ ـ اعادة تفويض القيادات والكوادر الحركية على الساحة الأردنية, في
زيادة النشاط التنظيمي, وتوضيح خطه السياسي وبنيته الداخلية, ووضع جميع
امكاناته وقدراته في مكانها السليم من العمل النضالي في المرحلة
المقبلة من الكفاح الوطني الفلسطيني.
ب ـ المرحلة القائمة على المستوى الحركي في جميع الساحات والأقاليم, هي
مرحلة النخبة العقائدية, في اعادة البناء والتكوين, وهي المرحلة الأكثر
دقة وحساسية في العمل التنظيمي, وطريقة اختيار من ستوضع الأمانات
والودائع التاريخية في اعناقهم, ومن أي صنف هم من الثوريين, وما هي
ارتباطاتهم في معاول الهدم والتسلق والإرتزاق الداخلي, وبالتالي التوجه
بكل حكمة وروية إلى القوى الحركية الأكاديمية, واعطائها الدور المهم في
اعادة صياغة الواقع التنظيمي على الساحة الأردنية, واستملاك ارادة
الوعي بالضرورة في اختيار عناصر القوة في عملية التأطير والتنظيم.
ج ـ الإستجابة لجميع الإستحقاقات الداخلية بشقيها المادي والمعنوي,
والإستمرار في استكمال تصنيف الكادر الحركي, وحمايته ماديا ومعنويا,
والإتفاق مع الدولة على دور حركة "فتح" على الساحة الأردنية, أسوة
بالساحتين السورية واللبنانية وجميع الساحات العربية الأخرى.
د ـ اعتبار الساحة الأردنية ساحة مركزية اساسية, واعطائها جميع الحقوق
القائمة على هذا الإعتبار, وخاصة البعثات التعليمية والمخصصات
والموازنات اللازمة, وكذلك الحجم التمثيلي في المؤتمرات والمؤسسات
القيادية, والإبتعاد عن جعلها مكان عمل للذي ليس له عمل من القيادات
الحركية.
هـ ـ الإعداد للمؤتمر الحركي السادس بكل هدوء وحكمة وروية, وعدم الخضوع
للضغوط والغوغاء التي يسعى اصحابها للإصطياد في اللجاج والعواصف,
والسير بالحركة والقضية الوطنية الفلسطينية إلى دوائر اليأس والإحباط,
وصولا إلى تصفيتها واخراجها من التاريخ.
و ـ اعطاء التنظيم الحركي على الساحة الأردنية الدور اللائق,
والإمكانات المادية المطلوبة, لإنشاء مراكز العلوم والأبحاث السياسية,
واعادة انتاج الثقافة الوطنية القادرة على تصويب الموقف العربي, وتأكيد
قواعد الوحدة الشعبية بين جماهير الأمة على ضفتي النهر, انطلاقا من
شعارنا الخالد وحدة الضفتين أرض المعركة.
ز ـ الإبتعاد عن سياسة المنافذ المتعددة للعمل التنظيمي, والتي أدت إلى
خلق الشلل والتكتلات ومراكز القوى داخل الحركة, واعادة توضيح وتصليب
الخط السياسي والتنظيمي لحركة "فتح" وضمان وحدته واستمراره.
ثالثا:
اعادة بناء وتصحيح اوضاع منظمة التحرير الفلسطينية
1 ـ لقد شكلت خسارة الساحة اللبنانية, كقاعدة ارتكازية لتواجد ونضال
الثورة الفلسطينية بعد عام 1982, وانهيار الكتلة الإشتراكية, وغياب
الظهير العالمي لكفاح الشعب العربي الفلسطيني, وتحلل الواقع الرسمي
العربي من التزاماته المادية والسياسية والإعلامية تجاه منظمة التحرير,
والقضية الفلسطينية لاحقا, البداية الموضوعية لجميع التحولات الخطيرة
التي حدثت في التوجهات السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية, وانكفائها
السريع عن قواعد ومرتكزات وجودها, كبنية وطنية مناضلة ضد الصهيونية
والإستعمار في الواقع العربي, وصاحبة مشروعية اساسية في الدفاع عن وحدة
وترابط القضية الوطنية المركزية للأمة, ووحدة وترابط المشيئة والإرادة
العربية في دعم واسناد هذه القضية, واصرار الجماهير العربية على تحرير
فلسطين, وهزيمة الأهداف والأطماع الصهيونية ـ الأميركية, وبالتالي
الإنزلاق بالصورة التي حدثت في متاهات المشاريع والحلول السلمية
الأميركية ـ الصهيونية, والتعاطي مع الخداع والشراك المعادية لخطها
السياسي, واساليبها الكفاحية في حل الصراع العربي ـ الصهيوني.
2 ـ تفاقمت حدة الأزمات الوطنية الفلسطينية نتيجة للظروف والوقائع
السابقة, وبرزت في ساحة العمل الفلسطيني أزمة الوجود والعمل الفلسطيني
نفسه من الساحات العربية, وأزمة النظرية والتطبيق في بنية الحركة
الفلسطينية بكل تفصيلاتها وضغوطها على منظمة التحرير الفلسطينية,
ودورها السابق في ادارة الصراع, على قاعدة وحدة وترابط الأهداف
الوطنية للشعب العربي الفلسطيني, في نضاله المشروع لتحرير بلاده,
والأخذ بمبدأ حرب التحرير الشعبية طريقا لإنجاز مهمة التحرير, ومنهجا
عقائديا لبلورة الشخصية الوطنية الفلسطينية, القادرة على مواصلة الكفاح
حتى تحرير كل فلسطين.
3 ـ لقد فتحت جميع هذه الأزمات والمعطيات, الأبواب على مصراعيها
للتحولات العميقة, والإجتهادات المختلفة في الساحة الفلسطينية, والتي
أدت في نهاية المطاف إلى فتح الآفاق الفلسطينية للتعاطي مع المساعي
السلمية, لحل الصراع العربي ـ الصهيوني, والأخذ بهذا الخيار (إلى جانب
الخيارات الأخرى) التي قام عليها النضال الوطني الفلسطيني, وأخذ
مشروعيته واستمراره, وبالتالي جاءت الإنتفاضة الشعبية الفلسطينية عام
1987, على خلفية هذه التحولات والإجتهادات, لتؤسس لمرحلة جديدة من
العمل والتوجهات الفلسطينية أيضا, وطرحت شعار ازالة الإحتلال, واقامة
الدولة الفلسطينية, على الأراضي التي تسعى الإنتفاضة الشعبية لطرد
المحتل منها.
4 ـ كان شعار الإنتفاضة الشعبية عام 1987, شعارا موضوعيا وممكنا, لكفاح
المنتفضين في الداخل الفلسطيني, وليس برنامجا لمنظمة التحرير
الفلسطينية, والقوى والحكومات العربية في الخارج, ولم تطرح الإنتفاضة
الشعبية عام 1987 تكييف أي حالة نضالية فلسطينية أو عربية مع شعارها في
الإطار العربي والفلسطيني خارج حدود فلسطين.
5 ـ نتيجة لعدم وجود شيء تعمله منظمة التحرير الفلسطينية في هذه
المرحلة, أخذت شعار الإنتفاضة الشعبية غطاء لحسم وإنهاء الجدل التاريخي
داخلها, "حول المرحلية والتحرير الكامل, والثورة الشعبية المسلحة,
والأخذ بالخيارات الأخرى", وبالتالي انتقل مبدأ البحث عن الحلول
السلمية, والأخذ بكل الخيارات الكفاحية إلى دائرة الفعل والممارسة,
واللقاء والتفاوض مع العدو الصهيوني وادواته وقنواته الأمنية
والإقتصادية, التي كانت منتشرة في كل بقاع الدنيا, لتعزيز هذا المنهج
الجديد في الأوساط الفلسطينية, وحمل الإرادة السياسية على الأخذ به
كخيار استراتيجي وحيد, وبديلا عن كل الخيارات السابقة في حل الصراع
العربي ـ الصهيوني.
6 ـ كان واضحا أن التفاوض مع العدو الصهيوني, على قاعدة الحلول السلمية
في هذه المرحلة الخاصة من الضعف الفلسطيني والعربي, ومن المواقع
والقواعد التي ترتكز عليها منظمة التحرير الفلسطينية, ستجري خارج
الحقائق والمعطيات والقوانين الموضوعية للصراع العربي الصهيوني, وتؤدي
إلى سلخ منظمة التحرير الفلسطينية عن مشروعية وجودها الوطني والنضالي,
ووحدة ترابط القضية الوطنية التي نشأت من أجلها, وبالتالي اعادة صياغة
وبناء منظمة التحرير الفلسطينية من جديد, على مشروعية واهداف جديدة,
خارج الوعي بالضرورة في التاريخ, والحقائق والوقائع التي حكمت وتحكم
الصراع العربي الصهيوني, وهو الأمر الذي أدى إلى انهيار منظمة التحرير
الفلسطينية, كبنية ثورية مقاومة للأهداف والأطماع الصهيونية في الوطن
العربي, وتشكيلة اجتماعية اقتصادية عسكرية ثقافية مناضلة, ومدعومة من
الواقع العربي بشقيه الرسمي والشعبي, والإغلاق عليها في دائرة مطبقة من
الشلل والسلبية, لاستخدامها في المناسبات التي يريدها العدو الصهيوني.
لقد جرى خداع العقل العربي في هذه المرحلة من المفاوضات الفلسطينية ـ
الصهيونية, وجرى في سياق هذا الخداع, سرقة منظمة التحرير الفلسطينية,
وتمزيق ميثاقها الوطني, وتصفية قواتها العسكرية ومعسكراتها ولجانها
الوطنية والتنظيمية والسياسية والفكرية في الخارج, واغلاق قنواتها
ومنافذ ارتباطها في الواقع العربي والعالمي, من أجل تصفية الشعب العربي
الفلسطيني, وممارسة كل أنواع الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
|