9/11/2004

تحليل سياسي

الحقد على أبو مازن لا يجمع سها الطويل وفاروق القدومي

نقاط الإلتقاء والإفتراق بين اطراف المعادلة الفلسطينية في غياب عرفات

 

شاكر الجوهري

لا علاقة البتة لفاروق القدومي أمين سر حركة "فتح" بالنداء المرفوض الذي وجهته سها الطويل إلى الشعب الفلسطيني بشأن من وصفتهم بـ"المستورثين" من القادة الفلسطينيين الذين قالت إنهم يريدون دفن أبو عمار وهو على قيد الحياة.

محمد دحلان ومحمود عباس يدركان هذه الحقيقة، وخاصة عباس الذي يعرف أكثر من غيره حقيقة ودوافع سها الطويل، والتي يمكن تلخيصها في عاملين:

الأول: المال..!

سها الطويل لم تتزوج ياسر عرفات إلا من أجل المال.. مال الشعب الفلسطيني وثورته وقضيته. من أجل هذا المال ضحت بفارق العمر الكبير بينها وبين عرفات (34 عاما). ومن أجل هذا المال قاطعت أمها ريموندا الطويل. ومن أجل هذا المال، وكي تنعم به، غادرت الأراضي الفلسطينية فور اندلاع الإنتفاضة الثانية، إلى باريس كي تتنقل بينها وبين تونس، تنفق بترف، وبدون حساب.

ومن أجل المال، تمنع كل القادة الفلسطينيين، بمن في ذلك فاروق القدومي من رؤية عرفات، حتى لا يعرفوا حقيقة حالته، فيعلنون فقدانه الأهلية القانونية للبقاء على رأس السلطة الفلسطينية، ويعملون بالتالي على حصر ما هو مسجل باسمه من أموال لا تحرقها النيران، واستعادتها، فيحرمونها من الأمل في التنعم بهذه الأموال، وتبذيرها على شخصها، الذي لم يكن أكثر من نزوة في حياة الرجل، لم يقيض لها أن تدوم نظريا حتى الآن إلا بفضل حنكة أمها ريموندا التي ارغمت الرئيس الفلسطيني على اعلان زواجه من ابنتها سها، تحت وطأة التلويح بأن تعلن هي عبر وكالات الأنباء الخبر الذي لم يكن سعيداً بالنسبة لأحد غيرها وغير ابنتها، ثم لم يعد سعيدا حتى لها.

الثاني: متصل بالأول، وولد احقاداً لدى سها على جميع القادة الفلسطينيين، وخاصة محمود عباس.

على الجميع لأنهم اعترضوا على زواج قائد الثورة من سها، لأسباب عديدة ذكروا بعضها في مجالسهم الخاصة، وكشفوا في هذه المجالس بعض التفاصيل. ولم يتردد بعضهم في مصارحة عرفات برفض هذه الزيجة، التي اثارت من التساؤلات في حينه، بقدر ما تثيره الآن من الإستغراب والإستهجان، إن لم يكن أكثر.

أما محمود عباس، فقد تولد لدى سها حقداً عليه يفوق ما ولده اتجاه الآخرين من اعضاء القيادة الفلسطينية.

فأبو مازن لم يكتف بمصارحة عرفات باعتراضه على هذا الزواج، واسباب هذا الإعتراض، لكنه زاد على ذلك أنه كان يرفض الدخول والجلوس حيث تكون سها الطويل. وحين عرف أنها ستكون على متن الطائرة المتجهة إلى واشنطن مقلة عرفات والوفد الفلسطيني، حيث وقع أبو مازن على اتفاقيات اوسلو في الحفل الذي أقيم في حديقة البيت الأبيض عام 1994، أبلغ عرفات بحضور كثيرين أنه لا يمكن أن يستقل طائرة تقل هذه "..." في اشارة إلى سها الطويل.

وازاء اصرار أبو مازن، تراجع عرفات عن اصطحاب زوجته إلى واشنطن، وحرمها فرصة الجلوس في حديقة البيت الأبيض بجوار هيلاري كلينتون..!

لا جدال في أن سها الطويل تعمل الآن على الإمعان في حرق صورة أبو مازن كي تحرمه من امكانية خلافة عرفات في قيادة الشعب الفلسطيني. لكنه لا جدال كذلك في أن هذا الموقف ليس نابعاً من تحالف أو تنسيق بين سها وفاروق القدومي، الذي يكن لها مثل ما يكنه لها كل القادة الفلسطينيين من عدم محبة وكراهية، حتى لا نقول عدم احترام.

لم يقول محمد دحلان غير ذلك إذا، متهما القدومي بالتآمر مع سها الطويل والتنسيق معاً لإقصاء أبو مازن ودحلان نفسه عن امكانية خلافة عرفات..؟

إنها محاولة من دحلان لخلط اوراق القدومي بأوراق سها من أجل تشويه صورة الرجل الذي يحتل الترتيب الأول في قيادة "فتح" بصفته أمين سر لجنتها المركزية، والرجل الذي يتخذ موقفا مبدئيا ضد الدحلان وضد الفساد..!

الأهم من كل هذا وذاك، أن الدحلان يخوض في تصريحه هذا حربا بالأصالة عن نفسه، وبالوكالة عن أبي مازن، ليس ضد شخص فاروق القدومي، بقدر ما هو ضد النهج السياسي للقدومي الذي عارض اوسلو منذ وقع وحتى الآن، ويرفض تقديم التنازلات وقبول الإملاءات التي تريد اسرائيل فرضها على الشعب الفلسطيني وقيادته.. وأكثر من ذلك، الرجل الذي يجاهر بدعمه وتأييده للمقاومة، واستمرار الإنتفاضة، ولا يتورع، كأمين سر للجنة المركزية لحركة "فتح"، عن الإتصال بكتائب شهداء الأقصى، بالضد من السياسات المعلنة لكل من أبي مازن ودحلان برفض ومعارضة وادانة المقاومة والإنتفاضة، والعمل على تفكيك كتائب شهداء الأقصى.

والقدومي لا يبدو وحيدا في موقفه. بل إن هناك داخل اللجنة المركزية لحركة "فتح" اغلبية ساحقة تجاهر بدعم خلافته لعرفات، حين يقعده الخجل عن المطالبة بذلك، كما تجلى هذا في تصريحات هاني الحسن عضو اللجنة المركزية لإحدى الفضائيات العربية.

لكن القدومي، الذي يدرك حقيقة التقاء المصلحة الإستراتيجية للشعب الفلسطيني، مع المصلحة الآنية والتكتيكية لسها الطويل في حربها على أبي مازن وحلفائه، يرفض أن يضحي بالمبادىء على درب المصالح، خاصة حين تكون هذه المصالح عائدة لمن أجمع القادة الفلسطينيون على نبذها. وهذا ما تجلى في تصريحه الذي استغرب فيه واستهجن وأسف لتصريحات سها الطويل ضد القيادة الفلسطينية، رافضا أن تصف رفاق درب عرفات بما اعتبره "صفات بعيدة عن الحقيقة".

لقد فعل القدومي ذلك حتى لا يحسب عليه يوما، دون اساس، تحالفه مع سها الطويل، وتمسكا بمبدئية الموقف، ولأنه لا يصارع من أجل كرسي، إن وصله سيعمل من خلاله على انجاز جماعية القيادة، وإن لم يصله، سيظل قطبا من اقطاب قيادة يأبى المنطق إلا أن تكون جماعية، بعد أن رأى الشعب الفلسطيني بأم عينه ما فعلته الفردية وخلفته..!

منذ البدء اراد القدومي أن يحتوي موقفا رآه قابلا للإنفجار على نحو مؤذ، حين صرح من أمام بوابة مستشفى بيرسي بأن الأطباء الفرنسيين وحدهم المخولون بالتحدث عن الحالة الصحية لعرفات، وذلك حين منعته سها الطويل من عيادة الرئيس.

لقد هدف تصريح القدومي ذاك إلى:

أولا: استخلاص الحقائق من الأطباء بدلاً من التصريحات التي تصيغها المصالح والتي تصدر عن سها الطويل، أو صديقتها ليلى شهيد، التي عينتها بفضل نفوذها لدى الرئيس، سفيرة لفلسطين في باريس بدلاً عن زوج شقيقتها ابراهيم الصوص.

ثانيا: وقف التصريحات المبنية على حسابات المصالح والبعيدة عن الحقائق.

ثالثا: احتواء الأزمة التي لمس وجودها تحت الرماد، وعدم السماح لها بأن تطفو فوق السطح، كما حدث.

وبالفعل، فقد أدى تصريح القدومي المقتضب إلى توقف تصريحات ليلى شهيد التي كانت تكتبها لها سها الطويل..!

ثم إن القيادة الفلسطينية احوج ما تكون الآن إلى العقلانية، ليس فقط في التعامل مع مسألة وفاة عرفات، ولكن، وهذا هو الأهم، في التعامل مع قضية خلافة عرفات.

القدومي الذي ظل يعارض اوسلو حتى الآن، يدرك أن تنافسه الآن سيكون مع اقطاب اوسلو، بعد أن ظل عرفات يمثل حلقة التوازن بين التيارين المتباينين داخل قيادة "فتح"، والقيادة الفلسطينية.

هو يدرك كذلك أن اقطاب اوسلو لا يمكن أن ينجحوا في خلافة عرفات عبر انتخابات شعبية، كما ينص على ذلك القانون الأساسي الفلسطيني.

كما أنه يدرك استحالة قبول اسرائيل واميركا به خليفة لعرفات، ولذلك فإن شارون لا يمكن أن يسمح له بالدخول للأراضي الفلسطينية، فضلا عن أنه هو نفسه ظل يرفض الدخول في ظل اتفاقات اوسلو، وبموجب شروطها واشتراطاتها.

لذلك، فإن القيادة الجماعية هي الحل، الذي يضمن انتخاب الشعب الفلسطيني لرئيس جديد للسلطة الفلسطينية على نحو يجدد شرعية نواة الدولة الفلسطينية، مع الإبقاء على مرجعية منظمة التحرير الفلسطينية للسلطة، وبقاء هذه المرجعية في الخارج بعيدة عن القبضة الإسرائيلية، وغير خاضعة لتأثيرها حين تتولى التفاوض.. بل وتكون هذه المرجعية بقيادته، صمام أمان يحول دون تقديم قيادة الداخل تنازلات تتناقض مع عدالة القضية، وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، والتنازل والمقايضة..!

مثل هذا البديل هو ما تؤكد المصادر أن القدومي سيطرحه خلال زيارة قريبة يقوم بها للقاهرة، ما دامت القيادة المصرية التي ترعى الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني، والعمل على تحريك المسار التفاوضي الفلسطيني، وترفض في ذات الوقت أي حل منقوص، ينخفض عن سقف الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، لأنه حل غير قابل للديمومة والبقاء، على نحو لا يجعل حرب رمضان آخر الحروب، كما قرر السادات، وسار على خطاه الرئيس حسني مبارك.

القدومي يدرك حقيقة التأثير العربي (خاصة المصري) في صياغة القيادة الفلسطينية بعد عرفات، كما يدرك أن القاهرة الباحثة عن تحريك المسار الفلسطيني، ترفض أن يتم ذلك على طريقة عباس ـ دحلان.

لكن المساهمة العربية، أو المصرية، في صياغة القيادة الفلسطينية الجديدة يحتاج إلى زمن، يوفره الإجماع المفاجىء بين سها الطويل وكل القيادة الفلسطينية على أن عرفات بخير، وحالته مستقرة، وأنه سيعود إلى ممارسة قيادته للشعب الفلسطيني، مع تباين الدوافع والأسباب.

فإذا كانت سها الطويل تحتاج الوقت لغايات تأمين الإستيلاء على المال، فإن القدومي يحتاجه لتأمين صياغة مقبولة من الجميع لقيادة المستقبل.

أما أبو مازن ودحلان فإنهما يحتاجان الوقت كي ينسى الرأي العام الفلسطيني سابق خلافاتهما مع عرفات، عبر إبداء حرص زائد على حياته، وكي يمررا خلال المرحلة الإنتقالية، بالتنسيق التام مع أحمد قريع رئيس الوزراء، تنفيذ ما اعلنوه من خطة امنية لاستعادة النظام في الضفة والقطاع، وكأن احدا أخل بالأمن بأكثر مما فعله الدحلان.. لكنهم يريدون الآن إنهاء حالة الفوضى، في اشارة إلى المقاومة والإنتفاضة..!

مقبل الأيام ينبىء بمخاطر غير محدودة، وقا الله الشعب الفلسطيني اياها، وجنبه ويلاتها بحكمة يفترض أن تعلو وتنتصر على خط الإنحراف.

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع