أبـا مـازن: حتىلاتتعـثّر...!
قـضـيـة نـبيلـة : تـحتــاج إلـى قـــادة نـــبــلاء
ولجنة حكماء: ضرورة استثنائية لحالةاستثنائية
د.
ربحي حـلّوم
في دوّامة الحدث ، ينبغي أن تتـّضح الرؤية ، وأن تتحـرّر المشاعر
من نزعة الحب أو الكراهية ومن عقدة الذات، ، وأن تتوقف الاهتمامات عن
التشبّث بالمصالح وبالمواقع وبالامتيازات ، وان تلقي كل المماحكات
السياسية المتعارضة رماحها وأسنّة حرابها خلف عتبة المرحلة القادمة قبل
ولوجها ؛ وأن تتوقف في لحظة تأمّلٍ ومراجعةٍ هادئةٍ مع الذات، وتتوحّد
جميعاً كي تصبح قادرة على مواجهة العدوّ المحتلّ، ومؤهّلة للتعامل مع
الاستحقاقات المستقبلية بحكمة وصلابة واقتدار يتناسب مع العطاء الخارق
لشعبنا وصلابته وصموده وقدسية قضيته العادلة .
لقد رحل الرجل ، وهو – شئنا أم أبينا ، أحببناه أم لم نحب ،
اختلفنا معه وحوله أم اتفقنا – كان لقرابة أربعة عقود مضت واجهتنا
السياسية أمام العالم ، وحامل لواء قضيتنا النضالية الوطنية المقدّسة
في كل المحافل والمنتديات ، فنحن الذين قد ولّيناه – سواء أفلح أم لم
يفلح ، أصاب أم لم يُصب ، اجتهد وفعل فأخطأ في الاجتهاد أم أصاب – وهو
لم يَخُن ، بل قّرر في النهاية أن يتصدّى بشجاعة لكل الضغوط العاتية
التي استهدفت ليّ ذراعه وتخليه عن الثوابت الوطنية فلم تفلح ، ودفع
ثمناً لذلك أن حوصر حتى رحيله ؛ وإن كانت جسامة الحدث لا تسمح بتناول
أخطائه ، فهو من صلبنا ونحن كلّنا بشر ... وكلنا خطّـاؤون .
لقد رحل الرجل ، ولا ينبغي أن يتوزع الجهد وتتبعثر الاهتمامات
نحو تقييم أدائه بقـدر ما ينبغي أن نترحّم عليه ونُقرّ له بمآثره
ونتّعظ من أخطائه ، ونتقاسم الجهد لتقويم ما اعوجّ من أداء واصلاح ما
فسد واجتثاث ما استفحل من إرث ؛
ولا يختلف اثنان حول استثنائية الظرف الدقيق الذي نمرّ به في
غمرة هذا التداعي العربي الخطير الذي يحل ّ بأمتنا وبشعوبنا العربية
المحبطة المغيّبة عن قضاياها والمزجورة من أنظمتها، وفي ظل ّ هذه
الهجمة الهمجية والشرسة التي تواجهها امتنا على الساحتين الفلسطينية
والعراقية بل وعلى الساحة العربية بمجملها؛
في مثل هذ الظرف الاستثنائي، لا يعقل أن تظلّ الأغلبية الساحقة
من شعبنا الصامد تحت الاحتلال وفي الشتات مهمّشة إزاء ما يجري على ساحة
الانتخابات الرئاسية المزمعة ومتفرّجة على ما يجري من تناحر يرقى إلى
درجة الزجر أو الاستئثار ومشاركة الاحتلال بمزيد من القهر الذي يمارس
بحق واحد من أصلب قيادات الانتفاضة الميدانيين وهو في الأسر، فينطلق
الحدّاؤون من عقالهم ويرخى العنان للألسنة المتخصّصة في استنباط أقذع
التعابير الحاقدة والتهم الرخيصة التي وُجّهت للقائد الأسير مروان
البرغوثي من قبل رهط مستشاري الرئاسة وحاشيتهم ومن كرادلة آخرين أمطروه
بسيل من التهديدات العنترية التي توعّدته بالويل والثبور وعظائم
الأمور إن هو واصل ترشيحه للانتخابات الرئاسية ولم ينسحب...وتوغل في
الإمعان بمواصلة الضغط عليه وهو في زنزانته وارسال الوفود الحركية
الواحد تلو الآخر إليه من أجل ليّ ذراعه كي ينسحب ، وقد يفعل تحت شراسة
ضغوط كهذه؛
إننا نعتقد ان لدى الأخ محمود عباس من حدّة الإلمام ما يعيد إلى
ذاكرته بان حركة فتح وفق قَسَم وشروط عضويتها – وهو أحد كرادلتها
المؤسسين والتاريخيين- ليست علامة تجارية مسجّلة مملوكة لأحد ، ولا هي
مزرعة يخضع العاملون فيها لمزاج إقطاعي يقرر ان يطرد او يفصل من يشاء
ساعة يشاء..
ورئيسنا العتيد القادم-ولو حتى على صهوة جواد امريكي أشهب -
يعلم علم اليقين أن شعبنا قد أخذ علماً بحدّة الغضب التي أبداها وزير
الخارجية الأمريكي كولن باول حينما أُبلغ بنبأ ترشح البرغوثي حيث قال:
إن ترشيح البرغوثي معضلة خطيرة ومريبـة !!
كما يعلم علم اليقين مدى ما أصاب الإسرائيليين من نزق وعصبية
عند الإعلان عن ترشيح البرغوثي عبّرت عنهما تصريحات وزير داخليتهم الذي
قال باستخفاف: إننا لن نفرج عن البرغوثي قبل أقل من مائة سنة على
الأقل ، هذا إذا ما أثبت سلوكه طوال تلك المدة...
كماأن الأخ أبا مازن يعلم أيضاً تزكية كبار العّرابين من
المسؤولين العرب له وتصويتهم المبكر لصالحه واتهامهم للبرغوثي بتهديد
الوحدة الوطنية الفلسطينية- وكأنهم يحرصون كثيراً على هذه الوحدة يا
رعاهم الله- وهم الذين لا يروق لهم أن تقف الوحدة الوطنية هذه إلا على
قدمٍ واحدةٍ عرجاء من صنعهم هم.
وهو يعلم علم اليقين ايضاً ان دولتنا الفلسطينية العتيدة لم
تقم بعد، وان المطلوب شعبياً من الرئيس المنتخب في المرحلة الراهنة أن
يكون رمزاً ورافعةً للصمود وراعياً للثوابت لا مجرد إداري أو مسيّرٍ
للأمور الخدماتية البلدية . ذلك هو ما مثّله نيلسون مانديلا في سجنه
على مدى ثمانية وعشرين عاماً في الأسر، وهو الآن موضع إجلال العالم
بأسره .
إن من العبث كل العبث أن ينْـصَبَّ اهتمام من رجموا البرغوثي
،على البساط الأحمر،أكثر من اهتمامهم بإزالة كابوس الاحتلال وبصيرورة
الدولة التي لم تقم بعد، بدليل تشكيلة الوفد الرئاسي في جولته المكوكية
الأخيرة التي ضمّت مديري المراسم البروتوكولية الرئاسية العتيديْن أبو
السعود ورمزي خوري المتفّرّغيْن لأنظمة البروتوكول كما شاهدنا في
الفضائيات، إضافة إلى آخرين ممن أسماهم السيد أسامة الباز يوماً
بوزراء( القحبنة السياسية) في وصفه للوزير العريق ياسر عبد ربه.
إنه لايعقل أن تظلّ مقدّرات أكرم شعوب الأرض عطاءاً وأشدّها
صلابة وأكثرها معاناة
رهن
شـدٍّ وجذبٍ بين أقلّ القيادات تواؤماً مع نضالات شعبها وتمسّكاً
بثوابته الوطنية وأكثرها تفريطاً بحقوقه وأقصرها رؤية لآفاق تحرّره
وانعتاقه ، وهو الشعب الذي يملك من القدرات والطاقات والكفاءات
القيادية ما لا يملكه أي شعب آخر، وتتوزع قدرات أبنائه الخارقة على
كافة أصقاع المعمورة.
يخطىء كثيراً من يعتقد أنه هو وحده دون غيره ذو الساعد الأقوى
لحمل لواء القضية والوريث الشرعي لتبوّءِ موقع القيادة ، وأنه هو وحده
الأقدر على الخلافة أو المؤهل لاعتلاء سدّة الرئاسة للدولة التي لم
تتحقّق بعد ، وأن الصولجان هو وقف على الكرادلة الأكثرعياءاً وثراءاً
والأعلى صوتاً والأوسع جاهاً والأكثر التصاقاً بالسلطان أو بحاشية
السلطان، والأكثر ولعاً بالبساط الأحمر...
ونرجو أن نكون نحن ومن يعتقد أن الأخ أبا مازن نفسه هو من طينة
هؤلاء ، مخطئين؛
إن الشعب الفلسطيني كلّه بشقيه في الوطن وفي الشتات هو الوريث
الشرعي لكل مواقع قيادته وهو وحده القادر على تسليم الراية النضالية
للسواعد الأقدر على حملها ، والوطن المغتصب بحاجة لكلّ سواعد أبنائه
على اختلاف مشاربهم وفي كافة اماكن تواجدهم.
وشعبنا الفلسطيني الذي قدّم على امتداد تاريخه الغابر والمعاصر،
الكوكبة تلو الأخرى بدءاً من القسّام ومروراً بعبدالقادر الحسيني وأبي
إبراهيم الكبير والجيلاني وشهداء الثلاثاء الحمراء وانتهاءاً بأبي
يوسف النجّار والكمالين ووديع حدّاد وأبي جهاد وأبي إياد وأبي الوليد
وإبراهيم بكر وأحمد ياسين والرنتيسي وعياش وفايز صايغ وإدوارد سعيد
وياسر عرفات وغيرهم وغيرهم وغيرهم... لن ينضب عطاؤه ولا يفتقر ابداً
إلى وجود الكثيرين من حكمائه القادرين على إخراجه من محنته ...
أليس جورج حبش وحيدر عبد الشافي وبهجت أبو غربية وشفيق الحوت
وأحمد اليماني وبسّام الشكعة وخالد مشعل ومروان البرغوثي وانيس صايغ
ووليد قمحاوي وحنان عشراوي ومصطفى البرغوثي وعزمي بشارة وآلاف مؤلّفة
اخرى من الوجوه الشابة المنزوية عن بريق الأضواء والمنخرطة في الشأن
النضالي على ساحات الوطن وخارجه من أصلاب هذا الشعب المعطاء..؟؟
إن لجنة حكماء من مثل هؤلاء الخيرة تملك حقّاً استشاريا
ورقابياً ملزماً بالأغلبية في صنع القرار السياسي إلى جانب المؤسسة
التشريعية المنتخبة ديمقراطياً وتشكّل ما يمكن مقارنته بمجالس الشيوخ
في الدول الديمقراطية المتحضرة هي ضروة استثنائية ملحّة للحالة
الاستثنائية القائمة ، لأنها بلا شك ستشكل رافعة قوية قادرة على تحديد
معالم الطريق وتوجيه الآلية التي تقود الزمام في هذا المنعطف التاريخي
لقضيتنا ولشعبنا.
إنه لمن الحكمة والشجاعة في آنٍ معاً أن يقفز القائد التاريخي
عن النصوص الوضعية في الحالات المفصلية من تاريخ الشعوب حين تقتضي
المصلحة ذلك.
ويقيننا أن أبا مازن يتمتع بقدر من الحصافة يمكنه من الحكم على
أنه ليس من الحكمة في شيء وليس من مصلحة القضية التي يتأهب لقيادتها
ولا من مصلحة الشعب الفلسطيني ولا من مصلحة حركة فتح ولا حتى من مصلحته
الشخصية هو بالذات ان تبدو الأمور وكأننا اعطينا عدوّنا حقّ اختيار
وإقرار من يجلس في مواجهته على طاولة المفاوضات كممثلٍ لنا وكأنه
(قرضاي فلسطين) الذي باركته الولايات المتحدة وإسرائيل ، بحيث يبدو
مصير القضية المتفاوض عليها كما لو أنه قد تقرّر سلفاً لصالح ذلك
العدوّ بالكامل.
يا رئيسنا العتيد القادم:
كلنا يرجو لنفسه ولشعبه ولقضيته رئيساً يفاخر به الدنيا ، وهذه
غاية نرجو لو تتحقق بك ، ولعلك تدرك القول المأثور: إن صديقك هو من
صَـدَقَك لا من صَـدّقّك ؛ ولك علينا أن نَصْدُقَكَ القول ، ولنا عليك
أن تكون محطّ رجائنا ومحقّق آمالنا بعيدة المنال...
وها نحن نَصْدُقك القول بأننا لا نطلب منك ولا نُعـوّل عليك
الكثير في تحريرِكاملِ تراب فلسطين من البحر إلى النهر...،
ولا نُعوّل عليك الكثير في التمسّكِ بالقدس كعاصمة لحكمك واتخاذها
مقرّاً لحكومتك...
ولا نعوّل عليك الكثير في إعادة اللاجئين إلى بلداتهم في فلسطين
التاريخية بعد أن تخليت عن هذا الحق في اتفاقك المعهود مع يوسي بيلين
وبعد أن اقتدى بك تلميذك النجيب ياسر عبد ربه في اتفاقية جنيف
الأخيرة...
ولا نعوّل عليك الكثير في التخفيف من معاناتنا بعد ما سمعناه من
تعاطفك العميق مع الشعب اليهودي في خطابك المأثور أمام الرئيس الأمريكي
بوش والجزار شارون في قمتكم بالعقبة قبل عامين ، دون أن تنبسّ ببنت شفة
ولو بكلمة واحدة عن معاناة شعبك الفلسطيني وجراحه وآلامه عبر اكثر من
نصف قرن من حرب الإبادة بحقه من دولة اليهود إياهم في فلسطين التي تعلم
يقيناً انها محتلّة من قبلهم...، وهو الخطاب الذي برّرته بأنهم أخذوه
منك وأجْرَوا عليه تعديلاً قبل أن يعيدوه إليك لتقرأه معدّلاً على عجل
وفق ردّك على مساءلة المجلس التشريعي في حينه حينما سحب ثقته منك...
ها نحن نَصْدُقُك القول ... فلا تصبّ جام غضبك علينا كما
أسلفنا،
لكنّ لنا عليك ومن حقنا أن نُعوّل عليك بعدم التعرض لبندقيتنا
المقاومة وحجر انتفاضتنا قبل رحيل الاحتلال عن أرضنا...
ولنا ومن حقنا أن نعوّل عليك في عدم التجرؤ على إسقاط حق العودة
من جديد وأن تسارع الى لجم المروّجين لاتفاقيات الذل في جنيف وغيرها
وأن تامر بإغلاق دكاكين (القحبنة السياسية) ...
ولنا ومن حقنا عليك أن تتحرّك بجدية وشفافية ضد سماسرة الإسمنت
ومصّاصي دماء الشهداء المسبيّة...
ولنا ومن حقنا عليك ان تقوم بمساءلةٍ ومحاسبةٍ سريعةٍ وجادةٍ
وبمصداقية بحق الفاسدين الذين أثروا على حساب الشعب ودماء الشهداء وما
زالوا يبحثون عن مزيد...
ولنا ومن حقنا عليك أن تتراجع عن سقطتك المريعة في اتفاقك السالف
مع صديقك بيلين الذي استبدلتم فيه القدس ب (ابو ديس)...
ولنا ومن حقنا عليك أن لا تضفي أية شرعية على مجرّد مدماك واحد
في ايّة مستوطنة إسرائيلية تقوم على ذرى وتلال ووهاد وقمم وسفوح
بلداتنا ومدننا وقرانا في فلسطين...
يا رئيسنا القادم العتيد:
إنك تسير الهوينا وئيداً متيقّناً باتجاه الموقع وباطمئنان
وبثبات متسلحاً بدعم رفاق دربك في الحركة الأم...،وما زال لديك متسع
كبير لمراجعة الحسابات ووضع قدمك على أرض صلبة قبل أن يسلّمك الركب
عنانه...،
وقد تكون الأقدر – وإن لم تكن الأحقّ – على الإمساك بالعنان حين
تتبوأ قيادة الركب ، وهي مهمة كما تعلم ونعلم جميعاً جسيمة وتاريخية
وشاقة بلا شك...؛ ولكنها لن تكون يسيرة إلا بمقدار حصافتك في إدارة
دفّتها من خلال تفاعلك الحقيقي مع نبض شعبك وآماله وتطلّعاته وصلابتك
في التمسك بثوابته وشجاعتك في مواجهة الضغوط وتجاوز التعرّجات
والإملاءات المتوقّعة ، وبراعتك في استثمار المعطيات والروافع
الإستنادية المتوفرة ، وجديتك ومصداقيتك في مكافحة ما فسد من سلوك
ومعالجة ما اعتلّ من إرث وتعزيز ما رسخ من قيمٍ نضالية...
ومن هنا كانت مطالبتنا لك أن تستثمر اللحظة التاريخية بشجاعة
وحكمة تستمدّ قوتها من القواعد سالفة الذكر وتتمسّك بها بثبات حتى لا
تتعثّر...
|