حق العودة لأسرى الحرية من "عرب اسرائيل" !

الخميس 24 شباط 2005

بقلم زهير أندراوس                                                                                 

المكان: مدينة رام الله. الزمان: آب (اغسطس) من العام 2000. الهدف: لقاء صحافي مع الرجل الثاني في السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير محمود عباس (أبو مازن). الراصد الجوي يتحدث عن ارتفاع حاد في درجات الحرارة، الحوار كان ساخنا للغاية وقابلا للغليان ومن ثم الانفجار. سألت السيد عباس عن حق العودة وقلت إنه في حالة إقدام السلطة، التي افرزها اتفاق اوسلو سيئ الصيت والسمعة، على اتخاذ قرار مصيري في مسالة حق عودة اللاجئين الذين شردوا وهجروا من اراضيهم في النكبة المشؤومة عام 1948 فان القيادة ملزمة باجراء استفتاء عام يشارك فيه اضلاع المثلث الفلسطيني الثلاثة: الفلسطينيون في المناطق التي احتلت في عدوان الخامس من حزيران (يونيو)، الفلسطينيون في الشتات، والفلسطينيون الذين يعيشون داخل الخط الاخضر. تجهم وجه الرجل وقال بحزم: انتم عرب اسرائيل لا شأن لكم في المشاركة باتخاذ القرار المصيري! في الحقيقة لم تقع علي اقوال عباس كالصاعقة، فالرجل من مهندسي اتفاق اوسلو، رحمه الله واسكنه فسيح جناته، وهو ينتمي الى حركة فتح التي استفردت على مدار عشرات السنين في صياغة الخطاب الفلسطيني وصنع القرار الذي يخص هذا الشعب الرازح بكبرياء تحت نير الاحتلال الاسرائيلي »المتنور». منذ ذلك الحين لم تطأ قدماي المناطق الفلسطينية المحتلة لاسباب ليس هنا المكان ولا الزمان للخوض في حيثياتها.

والشيء بالشيء يذكر: منذ اتفاق اوسلو افرج الاحتلال الاسرائيلي عن اكثر من 9000 اسير من اسرى الحرية، ولم يفرج حتى عن سجين واحد من الداخل الفلسطيني، والسبب في ذلك يعود الى ضعف المفاوض الفلسطيني الذي وافق، لا بل تبنى الموقف الاسرائيلي القائل بان اسرى الحرية من مناطق الـ48 هم مواطنون اسرائيليون خانوا دولتهم وانخرطوا في صفوف الثورة الفلسطينية، وبالتالي لا مكان للحديث عن الافراج عنهم. بقدرة قادر حولتنا اسرائيل الى مواطنين، او على حد تعبير السيد عباس الى »عرب اسرائيل». وكأن سياسة التمييز العنصري المنهجية والممأسسة ضدنا التي مارستها حكومات اسرائيل المتعاقبة والتي تنامت في عهد شارون، اختفت عن المشهد.

هذا الاسبوع اطلقت السلطات الاسرائيلية سراح 500 اسير فلسطيني اغلبيتهم الساحقة شارفوا على انهاء مدة محكوميتهم ومعظمهم ينتمون الى حركة فتح، كما تؤكد قائمة الاسماء التي نشرتها مصلحة السجون في »دولتنا» على الشبكة العالمية (الانترنيت)، وجاءت هذه الخطوة في اطار ما تسميه اسرائيل بادرة حسن نية تجاه عباس والقيادة الفلسطينية الجديدة.

اننا اذ نشارك الاسرى المحررين وعائلاتهم فرحتهم، لا نستطيع ان ننسى الاسرى من الداخل الفلسطيني الذين باتوا خارج اللعبة بقرار اسرائيلي أملي على القيادة الفلسطينية التي وافقت عليه. لا يا سادتي، ان هؤلاء الاسرى الذين انطلقوا من رحم الثورة هم جزء لا يتجزا من الحركة الاسيرة، تماما مثلما نحن جزء لا يتجزا من الامة العربية والشعب الفلسطيني، وكل من يختزلهم ويتجاهلنا يجعلنا نشكك في مصداقيته الوطنية.

من سخرية القدر ورداءة الزمن ان الذين ارسلوا هؤلاء الاسرى لتنفيذ عمليات عسكرية ضد اهداف اسرائيلية تحولوا الى اصدقاء للدولة العبرية يفاوضونها في فنادق تل ابيب والقدس وجنيف وواشنطن ولندن وشرم الشيخ.

ليس هذا فحسب، بل ان الموافقة على الموقف الاسرائيلي تستحضر الى ذاكرتنا الجماعية صفقة اطلاق سراح الاسرى التي وقعتها اسرائيل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة بزعامة احمد جبريل في العام 1985، والتي تم من خلالها اطلاق سراح الاسرى من مختلف التنظيمات، بما في ذلك اسرى من الداخل الفلسطيني، وهذه الصفقة تنسف من الاساس المزاعم الاسرائيلية بان اسرى الحرية هم مواطنون اسرائيليون مائة بالمائة. علاوة على ذلك فان الديمقراطية الاسرائيلية المخصصة لليهود فقط اطلقت سراح العديد من الارهابيين اليهود الذين نفذوا جرائم بشعة ومقززة ضد الفلسطينيين العزل، امثال المجرمين عامي بوبر ودافيد بن شيمول ونير عفروني وغيرهم من اعضاء التنظيمات الارهابية الاسرائيلية.

في الحقيقة يتبين لنا بصورة جلية من سبر غور هذه القضية المؤلمة أن تعامل القيادة الفلسطينية مع هؤلاء الاسرى ومعاناتهم هي فضيحة أخرى من افرازات وتداعيات اتفاق اوسلو ومهندسيه. لا نتفهم القيادة الفلسطينية القديمة الجديدة التي جندت اسرى الداخل للكفاح المسلح باعتبارهم جزءا من الشعب الفلسطيني، وتخلت عنهم باعتبارهم اسرائيليين في المفاوضات، وبذلك ارتكبت هذه القيادة جريمة بحقهم. ولكننا مع ذلك نفهم هذا الموقف عندما يقول السيد عباس لصحيفة »دير شبيغل» الالمانية: ربما تكون السلطة مستعدة لقبول عدم امكان عودة كل اللاجئين الى ديارهم السابقة بموجب اتفاقية سلام محتملة مع اسرائيل، مضيفا ان مكان عودة اللاجئين سيكون محل مفاوضات، وانه على استعداد لمناقشته.

وعليه لا يستغربن احد تجاهل أسرى الداخل من قبل قيادة السلطة الفلسطينية، فمن يعلن عن استعداده للتخلي عن حق العودة الذي نصت عليه الشرعية الدولية، لن يتورع عن »التضحية» بأسرى الحرية من »عرب اسرائيل».

 


زهير أندراوس


كاتب فلسطيني

رئيس تحرير جريدة كل العرب في الناصرة

 

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع