الحناجر تخرج عن صمتها في جنين..
الفوضى والفساد والسرقات والانفلات اخطر من الاحتلال
ابو مويس: خوفنا نابع من غابة البنادق وهدفها خلق وادامة الفوضى
كتب
علي سمودي
بدأت تتعالى الاصوات الرسمية والشعبية في محافظة جنين للمطالبة بوضع حد
لحالة الفوضى والانفلات والمظاهر السلبية الخطيرة التي سادت خلال
السنوات الاربعة الماضية، والتي تفاقمت فيها معاناة الشعب الفلسطيني
جراء العدوان الاسرائيلي الذي تسبب تدميره للاقتصاد ومقومات الحياة،
لارتفاع معدلات الفقر والبطالة والعوز التي لم يتمكن المجتمع المحلي
بما فيه السلطة الوطنية من ايجاد الحلول المناسبة لها.
ولوحظ مؤخرا ان هناك مؤسسات وفعاليات محلية فلسطينية بما فيها امنية
نشطت في المناداة بالقانون، وبدأت تخرج الحناجر عن صمتها لتطالب بمنع
الانهيار الاجتماعي، على حد تعبير رئيس بلدية جنين وليد ابو مويس، الذي
اكد وجود فئات تغذي الانفلات والفوضى لتنشر الخراب والدمار حيث انتشرت
السرقات والمخدرات وقتلت هيبة السلطة الوطنية بشكل ملحوظ.
ظواهر خطيرة في جنين..
وبينما تؤكد مصادر الاجهزة الامنية ان المجتمع الفلسطيني رغم كل مشاكله
ومعاناته لا زال بعيدا عن عالم العصابات والجرائم، فان معطيات محلية
تؤكد انتشار ظواهر خطيرة مثل السرقات التي طالت مدارس وهيئات تعليمية
ومتاجر وشركات ومصانع، والتعدي على القانون والحق العام وهضم الحقوق
واستغلال المناصب والمحسوبية وعرقلة تطبيق القانون والرشاوى وعمليات
النصب والتزوير والاحتيال، والتي كان آخرها تلك التي تمكن فيها أحد
المحامين من جنين بالتعاون مع عصابة محلية من عدة جهات بتزوير مستندات
وارواق ووثائق وكواشين اراضي تمكنوا خلالها من خداع عشرات العائلات
وغالبيتها من ذوي الشهداء والمعتقلين وسلبوا منهم مبالغ بمئات آلاف
الشواقل، اضف إلى ذلك انتشار ظاهرة الاتجار بالسيارات غير القانونية
والتي تحولت لمصدر رزق لمئات من الذين طردتهم اسرائيل من اعمالهم
وحولتهم لجيش من العاطلين عن العمل، والذين اصبحوا مستعدين لخوض حرب في
سبيل الحفاظ على هذه السيارات من اجل لقمة عيشهم.. أضف لذلك الانحرافات
الاخلاقية التي لا يجرؤ احد الحديث عنها ويجري حل مثل هذه القضايا في
جلسات مغلقة غالبا ما تتولاها المجموعات المسلحة وتحديدا كتائب شهداء
الاقصى، اضافة لانتشار المحسوبية والواسطة حتى في اصلاح ما دمره
الاحتلال والتمييز بين المواطنين في تقديم المساعدات والدعم والاعمار.
انشطة تثقيفية..
وسط هذا الواقع الذي تعايشه محافظة جنين تتوالى الانشطة المجتمعية
الهادفة لانقاذ المنطقة المنكوبة والتي سطرت عبر الانتفاضة ملاحم في
النضال الوطني، ومن هذه الانشطة اللقاء الذي عقدت مديرية وزارة الاعلام
في جنين يوم 12 نيسان مع مسؤولي الأجهزة الأمنية والمدنية في محافظة
جنين تحت عنوان من أجل ثبيت سلطة القانون وتفعليها.. فقد اكد محمود
استيتي مدير مكتب وزارة الاعلام اهمية تعاون الجميع في عقد هذه
اللقاءات لوضع اليد على الجرح وانقاذ ما يمكن انقاذه وللمساهمة الفاعلة
في نشر التوعية المجتعمية حول اهمية تطبيق القانون الذي لم يعد خافيا
على الجميع وجود فئات وجهات معنية بدفنه للابد.
تشخيص المحافظ..
محافظ جنين قدورة موسى دعا لرفع الاصوات الشريفة بصدق ومسؤولية لمواجهة
الفوضى والخروقات التي تدمر المجتمع وتشل الحياة وتمنع الازدهار.
واضاف: "رغم المعاناة البالغة والظروف الصعبة يجب ان نتكاثف لنصر على
البناء ودعم تطبيق القانون لان احد اسباب الفوضى هو التدمير والانهيار
الاسري الذي لم نصل اليه". واضاف: "اذا تحقق الانهيار الاسري فسنكون
على ابواب حرب اهلية، وعلينا ان نتذكر ان الحرب الاهلية في لبنان لم
يكن سببها الفلسطينيين كما كانوا يزعمون بل الانهيار الاسري
والمجتمعي".
تساؤل..
وتشير مصادر محلية مطلعة على قضايا المحاكم الشرعية ان معدلات الانهيار
الاسري في ارتفاع مستمر، وقد ارتفعت معدلات الطلاق في السنوات الاخيرة
وخاصة لدى الجيل الشاب والزيجات الحديثة بشكل لم يسبق له مثيل، لذلك
يتساءل الكثيرمن المواطنين عن علاقة ذلك بالفوضى والفساد، فيجيب موسى
أن غياب الوعي وعدم فاعلية المؤسسات والاوضاع الاقتصادية الصعبة
والضغوط النفسية التي يواجهها جيل الشباب هي اهم الاسباب لهذه النتائج
التي ترتبط حتما بالاوضاع السائدة في المجتمع.
هل
السلطة قادرة على تطبيق القانون؟
ولكن هل السلطة الفلسطينية قادرة على تحقيق وتطبيق القانون وتوفير
الامن والامان لمواطن الذي يعاني من انتشار ظاهرة الفلتان لبعض الشبان
في الشوارع ومن السرقات وغياب الدور البارز للاجهزة الامنية؟ سؤال يجيب
عنه العميد ابو الفتح قائد منطقة جنين في ذلك اللقاء حيث قال: "ان
السلطة الفلسطينية عازمة العقد على تطبيق القانون والعمل مع كافة
الجهات للحفاظ على الجبهة الداخلية من خلال رفض العبث والتخريب الداخلي
الذي يقوض الاهداف والتطلعات الوطنية". وقال: "ندعو الجميع لاحترام
قدسية الشهداء والحفاظ على عهدهم وتضحيات شعبنا من خلال الوقوف القوي
لمواجهة السلبيات ومحاولة البعض استغلال القضية الوطنية للمصالح
الشخصية". واضاف يقول: "ان الاجهزة الامنية في جنين عقدت مؤخرا سلسلة
لقاءات تنسيقية وقررت محاربة كل المعيقات امام تطبيق القانون، لذلك نمد
يدنا للمجتمع المحلي للوقوف بكل جرأة ووضوح لمواجهة السلبيات والتصدي
لمظاهر الفوضى، فلا يمكن ان نقبل بالتسيب المنتشر، فمثلا ماذا يعني
توافد الجميع على الجامعات؟ هناك شكاوى مستمرة من الزيارات غير المبررة
لفئات مختلفة من الشباب للجامعات والهدف معروف لذلك لن نصمت على هذه
المسلكيات وعلينا جميعا محاربتها لان من يدرس في الجامعات هم طالباتنا
وبناتنا وابناء شعبنا". واضاف: "هناك شكاوى من اقامة عدة استراحات حول
الجامعة يتجمع فيها من هب ودب وهذا جزء من الفوضى علينا ان نحاربه
ونحارب كل السلبيات للمحافظة على مجتمعنا وتراثنا وتاريخنا وانجازاتنا
ومؤسساتنا".
الشرطة لن تتراجع..
ولوحظ منذ اكثر من شهر النشاط المكثف للشرطة بكافة فروعها في جنين حيث
خرجت طواقم الشرطة للشوارع وتوزعت في كل مكان ساعية لمحاربة مظاهر
الفوضى. والملاحظ ان هناك استفزازات ومشاكل يومية تواجه الشرطه لدى
قيامها بواجبها من قبل بعض الفئات التي ترى بالقانون نقيضا لمصالحها،
فهل ستصمد الشرطة امام الواقع المأساوي وتنجح في تحقيق رسالتها؟ سؤال
كبير اجاب عنه العقيد ماجد هوراي مدير الشرطة في ذلك اللقاء مؤكدا ان
جهازه شرع في اجراءات عملية لتنظيم المدينة وفرض القانون، وقال: "لن
نتراجع عن واجباتنا مهما تعرضنا لتهديدات ومخاطر حيث باشرنا بالتنسيق
مع كافة المؤسسات والفعاليات وعقد لقاءات لنشر التوعية في كافة
المجالات لاعادة صياغة ثقافة الشارع الفلسطيني بما يحقق الامن
والاستقرار ويقضي على المظاهر السلبية الخطيرة". وقال العقيد هواري نحن
في الشرطة علينا واجبات ويجب ان نقوم بها بغض النظر عن العقبات
والمشاكل ونحرص على التنسيق مع الجميع وتقدير ظروف وواقع معاناة
المواطنين، لذلك نسعى لتنظيم حملات توعية لدى المواطنين للوصول لحالة
ترضي الجميع ويكون فيها القانون سيد الموقف، وبحمد الله هناك تقدم
ملحوظ وانجازات يومية، فالامن بدأ يستتب والمواطن اخذ يشعر بالاطمئنان
والخطوات مستمرة حتى القضاء على كافة المظاهر السلبية، وهناك دعم وطني
واسلامي لجهودنا التي هدفها الاول والاخير المواطن وكرامته وحياته
وحريته".
المطلوب ان يعاقب القانون الفوضى..
"الفوضى اصبحت سمة عامة"، يقول وليد ابو مويس رئيس بلدية جنين.. "فهناك
تسيب واهمال وعدم مبالاة من المواطن الذي يدرك غياب القانون.. فالبسطات
تنتشر في كل مكان، ولم نتمكن من تنظيم الوضع رغم كل ما بذلناه من
جهود.. المواطنون يمتنعون عن دفع مستحقات البلدية من كهرباء وماء
وخدمات رغم اهميتها ورغم المشاكل الكبيرة والديون الباهظة التي تكبدتها
البلدية.. المطلوب ان يعاقب القانون الفوضى لان القرار لتطبيق النظام
بيد كل فرد فينا، ولكن الانهيار الشامل في اخلاقيات شعبنا اوصلنا الى
هذه المرحلة.. ان القانون ليس بحاجة لقرار لتطبيقه.. ان الدمار الذي
احدثه الاحتلال في مجتمعنا لا يشكل خطرا على مسيرة شعبنا ولكن حالة
الفوضى التي نعيشها هي المقتل الاساسي لمسيرتنا وتضحياتنا واهدافنا".
لا
نهاب البندقية الشريفة..
واضاف رئيس البلدية أن "هناك من يغذي حالة الفوضى وخرق القانون في صفوف
شعبنا لذلك انتشرت السرقات والتعديات والمخدرات وقتلت هيبة السلطة بشكل
ملحوظ واصبحنا لا نفرق بين المواطن والمسؤول لاننا اضعنا المسؤولية
وفقدنا الامن والامان فلم يكن تطبيق القانون سبب من اسباب قطع الرزق بل
يساعد عليه والمطلوب تغيير الصورة السوداوية التي علقت في ذهن المواطن
في هذه المرحلة لان اسم جنين وللاسف اصبح يرتبط بحالة الفوضى وجميعنا
نتحمل المسؤولية عن هذه الحالة السيئة والمشوهة التي تعيشها المحافظة".
ومضى ابو مويس يقول: "اذا اردنا التغيير فالجميع مطالب بتحمل مسؤولياته
بجدية ودون تردد، فنحن لا نهاب البندقية الشريفة، وانما الخوف نابع من
غابة البنادق التي ليس لها سوى هدف واحد وهو خلق وادامة الفوضى".
المطلوب ميثاق شرف..
واشار ثروت زيد مدير التربية والتعليم في كلمته لمخاطر ما تتعرض له
المدارس والهيئات التعليمية من اعتداءات في ظل غياب القانون داعيا لعقد
لقاء موسع في جنين يجمع كافة الفعاليات لتوقيع ميثاق شرف لتطبيق
القانون وتحديد الصلاحيات مؤكدا ان الحل الجذري لكافة المشاكل يتجسد من
خلال ايجاد قانون مشرع يكون سندا لمن ينفذ القانون ليحميه ويكفل حق
المواطن في حياة كريمة لنطالبه لحظتها بتنفيذ القانون. وقال: "هناك
خلل في مفهوم القانون داخل المؤسسة لانه لا يوجد قانون يكفل حياة كريمة
لاسر الشهداء والمعتقلين وغيرهم، واذا اردنا الحديث عن قانون لا بد من
ايجاد قانون وتشريع واضح يطبق على الجميع ويكفل حقوقهم وحياتهم".
اراء..
ورأى الشيخ مصطفى الاسمر نائب مدير اوقاف جنين أن الأمن هو عصب الحياة
للناس وبدونه تضيع الحقوق وتعم الفوضى، وقال: "لن يتحقق الامن الا
بتطبيق القانون على الجميع دون تمييز، وهذه هي رسالة الاسلام العظيم
الذي اكدت دوما ان صلاح الامن بتطبيق القانون على الناس جميعا". ودعا
الى الحزم في تطبيق القانون ومحاربة الفوضى وعدم التهاون في قضايا
القتل العمد والاعتداء على امن المواطن والمجتمع ومؤسساته.
وقال الدكتور هاني ابو الرب مدير جامعة القدس المفتوحة أن "جنين عانت
الكثير من الدمار الذي سببه الاحتلال ولكن الدمار الأخطر هو دمار القيم
والمجتمع والسكوت عليها وهذا اشد من الدمار الاسرائيلي". ودعا إلى
تحريم اطلاق النار في المناسبات العامة ودخول الجامعات والمؤسسات
التعليمية بالسلاح.
وبعد،
الجميع في ذلك اللقاء وغيره من التجمعات اعلنوا تجندهم من اجل تطبيق
القانون ومحاربة الفوضى والفساد، ولكن السؤال هل وصل المجتمع الفلسطيني
لمرحلة يتقبل فيها هذه الحالة بعد سنوات من الفوضى والتسيب والدمار؟
وهل نجاح كل هذه الافكار رهن بالمواطن ام بالسلطة والقوى والاجهزة
والفعاليات والتنظيمات والاجنحة العسكرية التي اصبحت تسير الحياة وتحل
المشاكل في كثير من الاحيان مع غياب السلطة القضائية والاجهزة الامنية؟
|