حماس تمر بمرحلة مخاض سياسي جديد
هل تلد حماس ما أنجبته فتح عام 1974
ملاحظة: رغم أن موقع فلسطين الحرة يعتبر أن أوسلو وإفرازاتها ورموزها
هم أس الفساد والبلاء وبالتالي التركيز على تلك المفاسد هو أولوية،
ينشر الموقع الدراسة التالية من زاوية الرأي الآخر وبناء على طلب
المرسل:
شادي محسن – باريس
ماجستير في الحركات الإسلامية في فلسطين
بعد
عدة أيام ستخرج علينا حماس بما تسميه "برنامج سياسي مرحلي"، حيث تقوم
مؤسسات الحركة منذ عدة شهور بدراسة هذا البرنامج، وكيفية تمريره على
قاعدة الحركة التي تربت على سماع برامج أخرى، فأبناء الحركة الذين تم
تعبئتهم بأن حماس ستستمر في مقاومتها حتى يتم تحرير فلسطيني من البحر
للنهر، عليهم أن يعدوا آذانهم لاستقبال مشروع مرحلي جديد لحماس
عناوينه:
1.
القبول بدولة فلسطينية في حدود 67.
2.
القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.
3.
إزالة كافة مظاهر الاستيطان في مناطق 67.
4.
الإفراج عن كافة المعتقلين الفلسطينيين.
وهذا يعني بوضوح تام أن حماس ستلد ما أنجبته حركة فتح كبرى الحركات
الفلسطينية عام 74 عندما اعتمدت الحلول المرحلية لحل الصراع العربي
الإسرائيلي. ووفق رؤية حركة حماس – حسبما أفاد مقربون منها – فإنها
ستستند في طرحها لهذا البرنامج على تصريحات سابقة للشيخ/ أحمد ياسين
رحمه الله، والهدنة التي صادق عليها سابقاً.
ويتوقع مراقبون أن مثل هذا الموقف لن يتسبب في ازمة داخل حماس، خاصة
وأن إسرائيل اغتالت أكثر قادة حماس تشدداً، وأبقت على الزعماء
المعتدلين أو المعروفين بالاعتدال. وإذا قررت حركة حماس اعتماد هذا
الطرح المرحلي .. وقررت نشره على الملأ فإن الهامش في الخلاف السياسي
بين حماس وفتح يذوب بذوبان المواقف السابقة لحركة حماس، ويعتقد مراقبون
أن حماس ستبدأ بالتنظير لنفس مواقف حركة فتح وشعاراتها، وطرحها. فيما
يعتقد آخرون أن حماس ستبدأ – وفق رؤيتها المتبلورة – من حيث بدأت حركة
فتح قبل ثلاثين عاماً.
·
أسباب التحول في حركة حماس:
رغم
أن حماس تنادي بإسقاط أوسلو، وترفض نتائج هذه الاتفاقات، إلا أنها في
نفس الوقت بدأت تقاتل للدخول في مؤسسات هذه الاتفاقات – سيئة الصيت
والسمعة-، فعندما تقرر حماس المشاركة في الحياة السياسية، وانتخابات
المجلس التشريعي وفق نفس الأسس التي بقيت عليها اتفاقات اوسلو ورفضتها
حماس سابقاً فإن ذلك يعني ازدواجية في الأداء، فهي ترفض أوسلو – شعاراً
-، وتدخل في مؤسسات أوسلو – فعلياً.
وعندما تقرر حماس أيضاً المشاركة في الانتخابات البلدية – وهي تدرك
مسبقاً أن وزارة الحكم المحلي – إحدى وزارات أوسلو- ستشرف على نشاطات
هذه البلديات وتحدد لها الموازنات، وتتحكم في مشاريعها، وأدائها فإن
ذلك يعني أيضاً الدخول حتى العنق في مؤسسات أوسلو، ويعزز كذلك
الازدواجية التي تحدثت عنها مسبقاً.
ما
يجري داخل أروقة حماس يعتبره العديد من المحللين تحولاً غير مفهوم من
قبل هذه الحركة، ولكن ربما يكون لهذا التحول، أسباب نذكر منها:-
أولاً:
يبدو أن دمشق أصبحت اللاعب الرئيسي في تحديد مواقف حماس، فسوريا في
الفترة الأخيرة نقلت رسائل واضحة لقيادة حماس المتواجدة في سوريا
فحواها/ عليكم أن تفهموا أصول اللعبة، هناك متغيرات دولية يتوجب عليكم
أخذها بعين الاعتبار، سوريا في وضع صعب وعليكم الاختيار بين الانتحار
والانخراط في اللعبة السياسية الفلسطينية.
حماس فهمت رسالة سوريا جيداً، وأدركت أيضاً أن زيارة أبو مازن لسوريا
ستؤثر على شكل الدعم السوري لها.
ثانياً:
حماس تدرك أن محمود عباس "أبو مازن" ليس ياسر عرفات، فعباس يتمتع بوضوح
سياسي حازم … وعندما يتحدث عن مرحلة جديدة حماس تفهم أقواله جيداً،
وتدرك أيضاً ما وراء ذلك.
ثالثاً:
حماس ومن خلال مشاركتها في هذه الانتفاضة أصبحت تتمتع بشعبية كبيرة
ولديها في قطاع غزة حسبما تفيد الأنباء جهاز عسكري يمتلك آلاف البنادق،
وهي بذلك اعتقدت أنها يمكن بهذه القوة أن تقلب الطاولة فوق رأس السلطة،
وحركة فتح، وتدوس على الجهاد الإسلامي في آن واحد وتحتل مكانهما.
ولكن فوجئت حماس في الفترة الأخيرة بأن استطلاعات الرأي العام تعطي
حركة فتح قوة مضاعفة لقوة حماس، ففي الوقت الذي تحصل فيه حماس في كافة
استطلاعات الرأي من 14-20% تحصل حركة فتح على نسبة 40-45% من الأصوات
وقيادة حماس تدرك جيداً أن قوتها في الشارع ستضعف بعد أي انسحاب
إسرائيلي من المناطق الفلسطينية، أو عودة الطرفين الإسرائيلي
والفلسطيني إلى طاولة المفاوضات، ولذلك فهي معينة باستغلال قوتها
الحالية ((قبل فوات الأوان)).
رابعاً:
في صفوف حركة حماس هناك أزمة داخلية سببها أن الحركة مارست عملية شحن
لأبنائها وصلت لحد التخوين والتكفير تجاه السلطة وباقي فصائل منظمة
التحرير الفلسطينية وحتى الجهاد الإسلامي، فوفق تعبئة حماس لأبنائها
حركة فتح هي حركة علمانية، والعلمانية كفر، الجبهتان الشعبية
والديمقراطية شيوعيتان، والشيوعية كفر، والجهاد الإسلامي شيعة، والشيعة
كفر … هذا التصنيف يعني ببساطة – حسب هذه التعبئة المسمومة – أن ثلاثة
أرباع الشعب الفلسطيني كافراً ولن يدخل الجنة إلا من كان حمساوياً أو
إخوانياً!!!!!
الآن عندما تريد حماس ان تدخل انتخابات المجلس التشريعي التي ستجري
بناءً على اتفاقات اوسلو، أو ما وهو أسوأ منها (خارطة الطريق) فإن حماس
بحاجة إلى تعبئة عناصرها بطريقة جديدة تحمل عنوان ((انقلاب
في الأفكار)) حتى تستطيع الانسجام مع الواقع الجديد.
الانسجام مع الواقع الجديد
القيادة في حماس لا تعاني من أي (نقص) في هذه المفاهيم،أما القاعدة فهي
المشكلة؛ قادة حماس يجلسون مع كل قادة السلطة ويتناقشون معهم، ويضحكون
طوال الليل، ويتبادلون النكات مختلفة التصنيف، أما القاعدة (المسكينة)
فعليها أن تكره، وأن تحقد، وأن تكفر، وأن تتهم، بل وترفع سلاحها في وجه
خصومها السياسيين مثلما حدث في أكثر من موضع.
هذه
الأزمة بدأ العديد من الكادر المتوسط ممن يمتلكون القدرة على التمييز
في الحركة يتحدث بتفاصيلها ويناقش بعض قادة الحركة وبصوت عال، مطالبين
الخروج من أزمة الازدواجية في القرار، والأداء.
خامساً:
ولعل المواقف الأخيرة في حركة حماس المتعلقة بالانتخابات الرئاسية تبرز
التخبط الذي تعيشه الحركة بسبب هذا النوع من الأداء، فالزهار بعد
اجتماعه بأبي مازن وقف امام الفضائيات وقال: إن هذه الانتخابات غير
شرعية، ثم عقد إسماعيل هينة مؤتمراً صحفياً، وأكد أن موقف حماس من
الانتخابات الرئاسية هو مقاطعتها، وان عناصر الحركة سيلتزمون بذلك.
ثم
عاد د. محمود الزهار وصرح (لرويترز) لم نطلب من أحد أن يصوت ولم نطلب
من أحد أن يقاطع، الكل حر بما في ذلك أعضاء لحماس لهم الحق أن يشاركوا
أو لا يشاركوا.
وبعد أيام قليلة رد عليه سعيد صيام وحسن يوسف بعد اتصال خالد مشعل بهم
قائلين إن حماس ستلتزم بمقاطعة الانتخابات الرئاسية وسيلتزم عناصرها
بذلك.
هذا
التخبط حصيلة أسبوعين فقط من الأداء السياسي وهذا يؤكد لدى المطلعين
مدى ضحالة الفهم والوضوح السياسي لدى قيادة الحركة التي لا تتمتع بأي
"قيمة سياسية" باستثناء الظهور بين فترة وأخرى أمام الفضائيات والتصريح
أمامها "بأي شئ!!!!".
هذا
الأداء غير موجود في الحركات السياسية الإسلامية الأخرى مثل الجهاد
الإسلامي الذي حدد موقفه لمرة واحدة، وأعلن مقاطعة الانتخابات الرئاسية
بصوت واحد وبدون أي تناقضات ميزت حركة حماس وأداءها.
إن
حركة حماس ستلد بعد أيام "جنين" مشوهاً ستظهر على ملامحه خلافات قيادة
الخارج والداخل، والمعتدلين والمتشددين، وخلافات قيادة الداخل مع بعضهم
البعض، وأزمات أخرى لها علاقة بالمصالح الشخصية لهذا القائد أو ذاك..
وبعد هذا الميلاد الجديد ستدخل حماس في معارك أخرى جانبية وأساسية ربما
تكون أصعب مما تعاني منه الآن.
|