حماس؛ الخوف أم الطمع!!

د. فايز صلاح أبو شمالة

            ليس صحيحاً ما رددته وسائل الإعلام الإسرائيلية، وتشدق به المحللون العسكريون والسياسيون الإسرائيليون؛ بأن السلطة الفلسطينية قد كشرت عن أنيابها، وأرسلت رسالة واضحة لحماس، أبلغتها فيها بأن قواعد اللعبة قد تغيرت، وأن هناك حدود، ومن ثم قامت السلطة ببسط رجالها على الأرض، وأصدرت تعليماتها بإطلاق النار على كل مطلق نار على المستوطنات، جاء ذلك بعد أن هددت إسرائيل بأنها ستمنع إطلاق النار على طريقتها، إذا لم تفعل ذلك السلطة الفلسطينية، وأن بداية العمل قد تمثلت في إقالة عشرات الضباط الكبار على خلفية ذلك، وإن السلطة إذا أرادت فعلت!!.

            ما سبق رددته الصحافة، ووسائل البث الصوتي باللغة العبرية، ومن ثم تناقل الخبر البعض كمسلمات، دون الانتباه إلى ما يهدف إليه الإسرائيليون من شق الصف، وزرع بذور الفتنة، وتحريض أطراف المقاومة على بعضها، وكأن بينهم خلاف على طرد الغزاة.

            وللتوضيح أقول من أقرب نقطة على خط المستوطنات وخط المواجهة في خان يونس، بأن الوضع الميداني في قطاع غزة لا يسمح بمثل هذا الهراء من القول، فالسلطة الفلسطينية ما زالت تحاور حماس، وتسعى للوصول معها على صيغة مشتركة لوقف إطلاق النار، لأن تجارب سابقة حاولت فيها السلطة سنة 2001، وسنة 2002، أن تنشر أفرادها على طول المسافة الفاصلة بين المستوطنات والمخيمات في خان يونس، قد فشلت؛ هذا ما شاهدناه بأم أعيننا، ولم تكن حماس وإخوانها في ذلك الحين قد بلغت أشدها، ومع ذلك فقد كان الفشل لعدم توفر القناعة عند المقاومين بجدوى وقف إطلاق النار.

            إن السلطة الفلسطينية تدرك أن فرض وقف إطلاق النار على حماس وإخوانها بالقوة مستحيل، لسببين معروفين لكل مراقب؛

             الأول: لأن قوة حماس وإخوانها على الأرض لا تتمثل بقواعد عسكرية أو مقرات يمكن السيطرة عليها، ومحاصرتها، قوة حماس تكمن في كل بيت وحارة ومخيم وزقاق، وشارع، ومدينة، قد امتلأت حقداً على إسرائيل، واستعداداً للموت في سبيل ذلك، إن قوة حماس تكمن في شباب حماس الذين يلهثون بحثاً عن موت مشرف، يحفرون في الأرض الأنفاق كي يصعدون إلى السماء، هؤلاء من المستحيل إخافتهم بما هو أقل من الموت الذي يتمنون ملاقاته، إضافة لما سبق فإن السلطة نفسها لا تسعى إلا دخول دوامة عنيفة من المواجهة الداخلية، والتهديد بالقوة التي لن تكون لصالح السلطة وحماس، وستؤدي من اللحظة الأولى إلى فشل مشروع وقف إطلاق النار.

            والثاني: لا مطمع لشباب حماس أكثر من الجنة، والشهادة في سبيل الله، وكل ما يتمناه الشباب الراسخ في القناعة هو ملاقاة وجه ربه، فلا هو ينتظر وظيفة، ولا يتمنى متعة دنيوية، ولا يفتش عن وسائل ترفيه وتسلية، ولا يهتم للمال والجاه، فكيف يمكن إغراء هؤلاء بما هو أقل من التضحية بالنفس، وإشباع الرغبة لديهم في كرامة أمة، ومن يريد التأكد من ذلك، ليذهب إلى المساجد، ويستمع إلى صغار السن، ليدرك أن حماس ليست جندياً في موقع.

            إضافة لما سبق؛ فإن السلطة الفلسطينية، وكوادرها الميدانية، وشبابها العاملين في الأجهزة، هم أخوة، أو أبناء عم، أو جيران، لشباب حماس، وقد يكون في البيت الواحد، لذات للأب والأم ولدان من حماس، وولد واحد مع السلطة، أو اثنان فتح، وواحد من حماس، فكيف يهدد الأب الضابط في الأمن أحد أبنائه من شباب حماس؟ وكيف توقع السلطة بأبنائها الذين شرفوها بمواقفهم البطولية، عندما بلغت الروح الحلقوم، وزاغت الأبصار، وراحت الإذاعة والتلفاز الفلسطيني الرسمي، والصحافة تشيد بهؤلاء المقاومين، وتمجد مآثرهم البطولية، وهم يصنعون معجزة المواجهة والتصدي من العدم؟.

            ولا أذيع سراً لو قلت: أن معظم رجال السلطة الذين تحدثت إليهم، يعتزون، ويفخرون بأبنائهم شباب حماس، الذين لا يخافون التهديد، ولا يطمعون من زبد العيش بالمزيد، فكيف يلوحون لهم بعصا المهانة والوعيد؟.

            لم تمارس السلطة غير طريق الحوار، ولن تمارس غير الجد والاجتهاد في إقناع قادة حماس بأهمية وقف إطلاق النار لمصلحة الشعب الفلسطيني، وجدوى التقدير الدقيق للموقف السياسي العام، والمتغيرات الدولية والعربية، وقد أبدا قادة حماس تفهماً لذلك، واقتناعاً.

  

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع