الانتخابات الفلسطينية خيار شعبي أم خروج من مأزق؟!
بقلم الشيخ عبد الله الشامي
منذ أن جرت انتخابات أوسلو عام 1996م، والشارع الفلسطيني وقوى المقاومة
تطالب بإجراء انتخابات بلدية بدلاً من سياسة التعيينات التي اتبعت من
قِبل رئيس
السلطة الفلسطينية وهي لا تختلف عن تلك التعيينات التي تمت للعديد من
المسؤولين في
أعلى المناصب في المؤسسات الفلسطينية التي كانت فاقدة للكفاءة ومتجاهلة
للمؤهلات
مما جعل مؤسسات السلطة تصبح متخمةً من عدد الموظفين ومتخمة بالأعداد
الكبيرة من
المدراء ونواب المدراء الغير منتجين هذا بدوره أسس لجذور الفساد في كل
المؤسسات
الفلسطينية ولم تجد عملية الإصلاح الترقيعية بل تحتاج إلى ثورة
بالمفهوم الإداري
تعتمد قاعدة ((التخلية قبل التحلية((.
ورغم أن الانتخابات البلدية كانت مطلباً
شعبياً فلسطينياً، إلا أنها لم تتم، والسبب المعلن من قبل السلطة
الفلسطينية هو
وجود الاحتلال الذي يعيق ويمنع إجراء الانتخابات التشريعية الأولى عام
1996م، وكأن
الانتخابات المذكورة لم تكن مطلوبة من قبل الاحتلال الإسرائيلي والعدو
الأمريكي
لتصبح السلطة ورئاستها فيما بعد منتخبة شرعياً أمام عمليات الانتقاد
الواسعة لطريقة
وجودها ولإدارتها للأوضاع، فأصبحت هذه الانتخابات السيف الذي يُشهر في
وجه الشارع
الفلسطيني وقوى المقاومة حين يبدي اعتراضها وانتقادها وترفع صوتها ضد
السلطة
وسياستها واتفاقاتها التي توقعها مع المحتل الإسرائيلي وبات واضحاً
للجميع أن هذا
هو المطلوب فقط من كل العملية الانتخابية وهو إضفاء الشرعية على موقعي
اتفاقات
أوسلو وإكسابهم القوة في مواجهة معارضيهم بدليل أن المجلس التشريعي
الذي انتخب في
تلك الفترة لم يكن له أي دور في رسم سياسة السلطة أو في تعديلها أو في
الاعتراض
عليها، أو في حل أي من المشاكل أو أزمات الداخلية حيث بقي هيئة بلا أي
فاعلية
...
والذي أفقده الفاعلية ليس الاحتلال الإسرائيلي، إنما سياسة الإهمال
المتبعة من
قبل السلطة الفلسطينية تجاهه وسياسة انعدام وزنه في التأثير على
الأحداث وبقي
دوره بروتوكولي تجميلي للواقع السياسي الفلسطيني الرسمي فقط...
وكانت السلطة
التنفيذية منذ تشكيلها عام 1996م في نظر الإسرائيليين والأمريكان سلطة
شرعية
ومنتخبة تستقبل من قبل الإدارة الأمريكية ويتمم التباحث معها ودعمها
على المستويين
المادي والمعنوي وكذلك يتم التفاوض معها وتوقيع الاتفاقات من قِبل
العدو الإسرائيلي
الذي كان يرى فيها أنها شريك أمني مهم في مكافحة (الإرهاب) وكانت
السلطة الفلسطينية
تتباهى وتفتخر بهذا الدور الأمني إلى أن انطلقت انتفاضة الأقصى في
28/9/2000م،
وحاولت السلطة أن تركب ظهر الانتفاضة وتستغلها كورقة سياسية في يدها
تخدم مشروعها
التفاوضي وكانت تأمل السلطة أن تتحكم في وتيرتها رفعاً أو خفضاً حسب
الظرف السياسي،
لكن مع دخول القوى الإسلامية بفاعلية في الانتفاضة وتفجر أعمال
المقاومة بكل
أشكالها ودخول كتائب شهداء الأقصى والمنافسة مع كل من سرايا القدس
وكتائب القسام،
أخرج الانتفاضة من دائرة الألاعيب السياسية وسحبها من يد المفاوضين
الفلسطينيين
ليصبح مشروعاً تحررياً خاصاً بذاته مرتبط بعمليات التفاوض العقيمة
والغير مجديه،
كما ثبت ذلك عملياً على مدار عشر سنوات منذ توقيع اتفاقات أوسلو 1993م
وقبلها،
وأصبح لسان المعبرين عن الانتفاضة وفاعليتها ومرحلة التحرر المأمول حيث
قالوا : أن
الانتفاضة غيرت قواعد اللعبة السياسية وبالتالي يجب أن تغير الوجوه
المتحدثة باسم
الشعب الفلسطيني والذين ثبت فشلهم وفشل رهاناتهم السلمية التي بنو
واقعهم ومستقبلهم
عليها...
ومع مرور الوقت ومع تصاعد الانتفاضة وأعمال مقاومتها ومع فشل المحتل
بكل آلاته العسكرية وعقليته العسكرية وأساليبه الأمنية في النيل منها،
أصبح الضغط
الإسرائيلي- الأمريكي منصباً على السلطة الفلسطينية وأجهزة أمنها من
أجل إجبارها
على المشاركة في قمع الانتفاضة والمنتفضين وملاحقة المقاومين، لكن
السلطة وقيادتها
أدركت صعوبة القيام بهذه المهمة وخطورتها حيث ستصطدم بالشعب الفلسطيني
ومقاومته دون
أن يكون هناك أي مشروع سياسي (مكافأة سياسية) يمكن أن تبرر نهجها هذا
بمعنى أن
السلطة مطلوب منها أن تصبح جهازاً أمنياً صهيونياً في مكافحة الانتفاضة
فقط على
اعتبار أن هذا واجبها الذي نصت عليه اتفاقات أوسلو . . وبما أن السلطة
لم تقم بهذا
الدور وآثرت أن يكون أمامها مشروعاً سياسياً واضح المعالم، والعدو
الإسرائيلي بات
يشترط أنه لا تفاوض في ظل ما أسماه (الإرهاب) بمعنى يجب على السلطة أن
توقف أعمال
الانتفاضة والمقاومة أولاً رغم وجود المشاريع والمبادرات الأمنية التي
حاولت أن
تخرج الطرفين من المأزق قبل مشروع تنت ومشروع ميتشل وكذلك بعض
المبادرات التي
طرحتها أطراف عربية لها علاقاتها الدبلوماسية مع العدو الإسرائيلي
(التي وقعت
اتفاقات ما تم تسميته اتفاقات سلام) لتخرج أيضاً هي من مأزقها .. وبما
أن العدو
الإسرائيلي تصلب على شروطه وبدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية
هذا أدى إلى
فشل كل المبادرات والمشاريع الأمنية والسياسية التي تم طرحها...هنا
أصبحت قيادة
السلطة الفلسطينية في نظر القيادة الإسرائيلية (غير ذي صله) أي أنها
أصبحت طرفاً
غير مرغوب فيه للتفاوض معه أو لتوقيع اتفاقات ، وإذا ما أراد أن يصبح
(ذي صله)
فعليه أن يثبت جديته أولاً في مكافحة (ما تسمية إسرائيل بـ الإرهاب)
وأمام الضغوط
الإسرائيلية اتخذت الإدارة الأمريكية نفس المواقف الإسرائيلية من قيادة
السلطة
الفلسطينية، وأصبحت غير جديرة بقيادة الشعب الفلسطيني وأنها تقوده
للهاوية وأنها
تبعده عن أحلامه وتحقيق أهدافه بالاستقلال وقيام الدولة وأنها قيادة
فاسدة وعلى
الشعب الفلسطيني أن يغير قيادته بقيادة جديدة ديمقراطية تسعى إلى تحقيق
السلام مع
العدو الإسرائيلي وتستجيب للشروط الإسرائيلية المسبقة!!!
بل إن عدداً من الأقطار
العربية للأسف تبنت المواقف الأمريكية - الإسرائيلية وبدأت تمارس الضغط
على رئيس
السلطة وذلك بوقف الاتصالات به رغم الحصار الطويل المفروض عليه ورغم
محاولات
التهديد باجتياح مقره وقتله أو أبعاده أو سجنه ومحاكمته ، ولم يخجل
بعضهم (بعض
النظم) من المطالبة بالإجراءات الإصلاحية ليس بكاءً على الشعب
الفلسطيني وآلامه
وضياع مقدراته ولكن من باب الاستجابة للطلبات الأمريكية التي تسخر بعض
الزعامات
والملوك العرب لتمرير سياستها، حيث أنهم يظهرون أنهم إنما يطرحون
مواقفهم هذه، من
باب الانتماء العربي ووحدة المصير وحرصاً على روح الأخوة والصداقة التي
تربط شعوب
المنطقة!! هذا ما لعبه أيضاً بعض الحكام العرب في العراق حيث رددوا بعض
المطالب
الأمريكية، وهذا نفسه ما تبناه بعض الملوك العرب حين رددوا مطالب
أمريكيا تجاه
سوريا وإيران حين طالبوهما بإغلاق حدودهم مع العراق!!!.
وحين فشلت كل هذه
الإجراءات وكل هذه الضغوط في إجبار قيادة السلطة الفلسطينية على تنفيذ
ما يطلب منها
إسرائيلياً / أمريكياً ، بدأت أمريكيا وإسرائيل وبدعم ومشاركة من بعض
النظم العربية
في تشديد الحصار على قيادة السلطة الفلسطينية وتشديد العزلة عليه،
والأخطر هو تحريك
بعض الشخصيات الفلسطينية المحسوبة على عرفات وحركته ولكنها تدور في
الفلك الأمريكي
الإسرائيلي على أمل أن تكون القيادة المستقبلية للشعب الفلسطيني، ويتم
على أيديها
وضع حد للصراع العربي الإسرائيلي بالتوقيع على اتفاقات نهائية للسلام
لكن بعد أن
تلعب هذه الشخصيات الدور المرسوم لها في التصدي لحركات المقاومة وإنهاء
الانتفاضة،
هذه الشخصيات تحتاج إلى عنوان تتحرك أسفل منه، لأنها لا تستطيع أن تدخل
إلى الميدان
من الباب الأمريكي الإسرائيلي لأن في ذلك سقوطها المدوي، فكان العنوان
الذي استظلت
به هذه الشخصيات هو "المطالبة بالإصلاح" الإداري والسياسي والمالي
وتوحيد الأجهزة
الأمنية، وهي بالمناسبة مطالب أمريكية إسرائيلية طرحت لإحراج قيادة
السلطة
الفلسطينية ولمحاصرتها أو إدخالها في دائرة الحركة السياسية الأمريكية
الإسرائيلية
بعد إرهابها بتلك المطالب. ورغم أن الإصلاح مطلب شعبي فلسطيني ومطلب
قوى المقاومة،
لكن المطلب الشعبي الفصائلي لم يكن من نفس أرضية التحرك التي انطلقت
منها الإدارة
الأمريكية الصهيونية وتلك الشخصيات الفلسطينية الطامحة إلى القيادة تحت
الغطاء
والدعم الأمريكي الإسرائيلي. وكان أن قامت تلك الشخصيات الفلسطينية
الطامحة بما
لديها من نفوذ وأموال من تحريك بعض المحسوبين عليها من داخل حركة فتح
بإحداث فوضى
وفلتان أتمني وتسيير مظاهرات تطالب بالإصلاح, غلب عليها الطابع المسلح
في وضع
استعراض القوة الواضح, للضغط على قيادة السلطة الفلسطينية بضرورة إحداث
التغييرات
الإصلاحية (الأمريكية الإسرائيلية) وتوحيد أجهزة الأمن, ولكن المطالب
هذه المرة
شخصيات فلسطينية وفتحاوية في المقام الأول
.
هنا شعر رئيس السلطة الفلسطينية
بخطورة الوضع الموجود فيه والذي لا يحسد عليه, حصار أمريكي إسرائيلي
محكم, ضغط عربي
رسمي وتهديد مشدد, وتحرك بعض تلامذة عرفات ضد عرفات وسياسته في الوقت
الذي يعلنون
أنهم يعترفون بزعامته رغم اختلافهم معهم, هنا شعر عرفات بأن الدائرة
تضيق عليه
ويوشك المخطط الأمريكي الإسرائيلي, أن يمر بأيدي بعض الشخصيات
الفلسطينية الطامحة
إلى سدة القيادة, فمن هنا تسعى قيادة السلطة الفلسطينية إلى قطع الطريق
على المشروع
الأمريكي الإسرائيلي, من خلال إعادة تثبيت وتعزيز موقعها من خلال
الانتخابات,حيث
تجري انتخابات للسلطة التنفيذية والتشريعية, وهي تدرك أن الإسلاميين لن
يدخلوا هذه
الانتخابات لأنهم لن يكونوا جزءا من الإدارة التنفيذية التي تلتزم
بالاعتراف بشرعية
دولة الاحتلال وتنفيذ الاتفاقات الموقعة والتي تنص على ما أسمته مكافحة
الإرهاب
وبالتالي لن يكون هناك منافس جدي لرئاسة السلطة الفلسطينية على هذا
المنصب حتى
أولئك الذين يحملون اليوم راية الإصلاح والضغط على عرفات لن يكونوا
منافسين لشخص
وموقع عرفات, لسبب بسيط رمزيته وتاريخه ومسئوليته عليهم وعلى حركتهم,
ومن هنا تعتقد
قيادة السلطة الفلسطينية أن فوزها في الانتخابات التنفيذية أمر مسلم به
وبالتالي لن
تستطيع أمريكا ولا إسرائيل ولا النظام العربي الرسمي المتبني لسياسات
أمريكا
وإسرائيل, لن تستطيع إلا التعامل مع رئاسة السلطة بصفتها رئاسة منتخبة
وتظن أنها
بذلك تستطيع أن تنهي الحصار المفروض على عليها وتقطع الطريق على من
يحاول الدخول
إلى دائرة المقاطعة المفروضة عليها خصوصا من الاتحاد الأوروبي والذي
بات مؤخرا يلمح
بمطالب الإصلاح والتي هي مدخل للدخول على دائرة الحصار والمقاطعة
.
إن
الانتخابات التنفيذية المنوي إقامتها (إن تمت) تدخل في إطار الصراعات
الإعلامية
والصراع على أماكن النفوذ والبقاء في دائرة الفعل السياسي في المنطقة
والخروج منها,
وليست نهجا أصيلا يعتمد تعبيرا عن الالتزام بالنهج الديمقراطي والذي
وصفه أصحابه
مرات عديدة بسخرية "أنها ديمقراطية سكر زيادة
" .
أما انتخابات المجالس
البلدية, فأعتقد أنها لن تتم سواء اليوم أو غدا أو في العام المقبل,
لأن المانع في
قيامها ليس الاحتلال كما يزعم البعض, ولكن المانع هو التخوف من فوز
الإسلاميين بها
وهو نفس المانع الذي أدى إلى عدم إجرائها في السنوات السابقة, مع
استشراء وتنامي
الرفض والاتهام بالفساد للسلطة ورموزها وسياساتها, وكيف والحال الآن
بالنسبة
للإسلاميين (الحركات الإسلامية) أفضل بكثير من وضعها السابق سواء على
مستوى فعلها
ومقاومتها أو على مستوى شعبيتها المتنامية في الشارع الفلسطيني,
فالمراقب للوضع
الفلسطيني يكاد يجزم بفوز الإسلاميين بأغلب المراكز الانتخابية في
البلديات
والمجالس البلدية, وبناء عليه فإن السلطة ورموزها, لن تحاصر نفسها ولن
تضيق على
ذاتها بوضع عقبات جديدة في طريقها ونهجها السياسي, وذلك من خلال إظهار
قوة فاعلية
وتأثير الحركات الإسلامية المجاهدة من خلال صناديق الانتخابات
.
بقلم/ الشيخ عبد الله الشامي
احد قادة حركة الجهاد الاسلامي في
فلسطين
|