العرفاتيون يتصارعون على تركة العرفاتية

الاثنين 19 تموز 2004

بقلم رشاد أبو شاور  

سأبدأ من ختام مقالة صغيرة للصحفي الزميل حافظ البرغوثي رئيس تحرير ( الحياة الجديدة ) التي تصدر في رام الله ، والتي وصلتني بالبريد الإلكتروني بتاريخ 18 ، والتي نشرت بتاريخ 17 الجاري ، وهي حرفياً :

المطلوب انقلاب أبيض ينفذه ياسر عرفات على عرفات ياسر إن أراد تفادي انقلاب أسود ينفذه آخرون وما أكثرهم في الداخل والخارج ، ومن دون انقلاب سنبقى في حالة إنكلاب !

هذه هي الخلاصة التي حافظ البرغوثي وهذا هو الخلاص !

رؤيتنا تتناقض تماماً مع ما ذهب إليه زميلنا حافظ البرغوثي ، فأنا وآخرين نرى أن ياسر عرفات لن ينقلب على عرفات ياسر ، فعرفات هو نفسه ، وفي لمسيرته ، لا يغيّر ممارساته ، وهو رجل تكتيك لا يقيم شأنا للاستراتيجية التي ينبغي أن تنطلق من مصلحة الشعب الفلسطيني مّما يعني بالتطبيق العملي تخليه عن فرديته لصالح بناء مؤسسات تدوم ولا تعصف بها أهواء ومصالح الأفراد ، ولا تحرفها خروقات أعداء الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية .

ياسر عرفات على مدى أربعة عقود كرّس فرديته بقبضه على القرار داخل فتح ، وسيطرته على منظمة التحرير الفلسطينية وتفريغها من كل المنجزات التي سبقت مرحلته : الميثاق ، المجلس الوطني ، اللجنة التنفيذية ، جيش التحرير ، مركز الأبحاث ، المنظمات الشعبية ...

وياسر عرفات استخدم المال العام الفلسطيني للإمساك بأعناق الكوادر والمناضلين وحوّل كثيرين منهم إلى تابعين منافقين ، ومنفذين بلا إرادة ولا اعتراض لأن همهم مصلحتهم الشخصية ولا شيء آخر .

وياسر عرفات حارب التفكير والثقافة ووصف الجدل السياسي والفكري بال(تحشيش الفكري) وهو ما روّجه أعداء الوعي الذين ترعرعوا في أجواء الجهل والشعارات العاطفية التهييجية .

ياسر عرفات بقي دائماً فوق المساءلة وتصرّف ( كأب) يتحكم بالمسرة ومصاريفها ، وأقدارها ، وحتى أهوائها ، وقد طاب للمنتفعين أن يكرّسوا الصورة الأبوية منذ شرعوا في مخاطبته بالختيار، والوالد ...

ياسر عرفات أسس مدرسة الشطارة التي تجسّدت في عشرات (السفراء) و( النقابيين ) والقادة العسكريين الذين لم يتخرّجوا من الأكاديميات والذين أحلّوا في مواقع درّت عليهم الوجاهة والمال وإن فشلوا في ميادين القتال والدفاع عن الشعب والقضية لأن ( الولاء) بقي هو الأساس وليست الكفاءة والجدارة ...

ياسر عرفات لعب على تناقضات فصائل الثورة الفلسطينية التي استجابت للعبة فصار هو الحكم والمرجع والمقرر ولهذا تنافست الفصائل في التمسيح لعرفات وجعلته فوق المحاسبة لأنها لم تشأ أن تخسر حدبه عليها ...

وضع ياسر عرفات الرجل غير المناسب في الموقع الخطير والحسّاس ليضمن ولاءه _ أو ولاءها _ وهذا ما دفع كثيرين للتنازل عن المبادئ والقيم وبحجّة ( الواقعية ) وتقدير الظروف ، وهؤلاء دوبل كثير منهم مع الدول _ السفراء خّاصة _ التي يفترض أنهم يمثلون فلسطين وثورة شعبها لديها ، وهم فعلوا هذا استقواءً على من نصّيبهم بحيث لا يستطيع الاستغناء عنهم ما دانوا مدعومين ! .

رفض عرفات دائماً أن يعرف أحد حجم الأموال في ( فتح) أو ( منظمة التحرير الفلسطينية) لأن المال الذي وصفه ( جيفارا) بأنه عصب الثورة صار عند عرفات وسيلته للهيمنة على كل مقدرات الثورة ، ووسيلته للتحكم بالرجال ، والتنظيمات ، ومؤتمرات المنظمات الشعبية ، والسفارات والسفراء ..إلى أن رأينا ظاهرة ( خالد سلام) أو محمد رشيد ، والذي اختفت أخباره منذ سنة تقريباً دون أن يعرف الشعب الفلسطيني أين ذهبت أموال الشهداء والأرامل والأيتام ..أموال عصب الثورة والانتفاضة والأسرى و...

عرفات هو أبو العرفاتية ، مؤسسها فلسطينياً ، وهي تتصّف بالفردية ، رفض العمل الجماعي ، محاربة العمل المنظم وتشجيع الفوضى ، استبعاد الكفاءات ، تزبيط العلاقات مع الدول والاستقواء بها ، عدم الإيمان بعقيدة أو مبدأ واحتقار الجدل والنقاش والتفكير والثقافة ، النظر إلى الجماهير على أنها ( غوغاء ) و( دهماء ) وحطب يصلح وقوداً ليس إلاّ ...

العرفاتية تزدهر في الفوضى لأن هذا يمكنها من الانفلات من الحساب سلباً وإيجاباً ، ولأن الفوضى تعني تحميل الظروف مسؤولية المصائب والنكبات ، وتساعد على إحلال الشعارات السطيحة التافهة كبديل للدراسة والتقويم : يا جبل ما يهزك ريح ، مالقوش في الورد عيب قالوله يا احمر الخدين ، هذا العبارات لا ينقصها سوى : السح الدح امبو ...

العرفاتية هي التي رأينا بعض تجلياتها في اختطاف ( اللواء ) _ من أين له رتبة اللواء ؟ _ غازي الجبالي ، ومهاجمة مقر للصليب الأحمر واختطاف مناصرين للشعب الفلسطيني ، و( أسر) العقيد ( خالد أبو العلا )..وما سيأتي أعظم خطراً !.

ثمانية أجهزة مخابرات وأمن وشرطة في الضفة وغزة شكّلت بعد ( أوسلو) ، ما حاجة الشعب الفلسطيني لها ؟ لا حاجة للشعب الفلسطيني بكل هذه الأجهزة ولكنها حاجة من أبرموا صفقة ( أوسلو) والذين استنسخوا تجارب نظم الحكم العربية الغارقة في الفساد والقمع والتبعية !.

العرفاتية ( عادت) من تونس والمنافي ب( دولة ) عربية مستنسخة فاسدة إلى بلد غير محرّر وما زال في حالة اشتباك دموي ، وهذا حدث لأن العرفاتية أدارت الظهر لكل من رفعوا أصواتهم فلسطينياً وعربياً محذرين من سوء المصير .

وهذا حدث لن ( العرفاتية) لا تعرف ما هي الحركة الصهيونية وما هو الكيان الصهيوني ، لأنها جاهلة قامت مسيرتها على ( التكتيك) والمناورات داخلياً وخارجياً مع الافتقار للرؤية الاستراتيجية وإهمال من يقوم على كواهلهم عبء انتصار الاستراتيجية .

ما إن عادا عرفات إلى الضفة والقطاع حتى بدأت عمليات استقطاب ( فاسدي) الداخل و( توحيد) خبراتهم الإفسادية مع ( فاسدي) المنافي وهكذا اكتمل الطوق على الشرفاء والمعارضين ومن رأوا الكارثة آتية لا محالة ! .

حتى وهو رهين الحبس في ما تبقّى من ( المقاطعة) فإن ياسر عرفات لم يغيّر ولم يتغيّر فهو ما زال يتشبث بأساليبه المعروفة رافضاً تشكيل قيادة وطنية موحّدة تضع اإستراتيجية للخروج من المأزق الذي ورّطت قيادة ( أوسلو) شعبنا فيه ، وجرّته إلى المذابح ، وخسارة الأرض _ ادّعت بأنها ب( أوسلو) إنما تنقذ الأرض من الاستيطان الصهيوني !!_ مبقياً كل خيوط ( اللعبة السياسية ) في يده كما يتوهم ويوهمه المقرّبون منه في حين أن الخيوط تقطّعت من زمن بعيد وهذا ما يعرفه ( العرفاتيون) الكبار والصغار الذين ينهمكون في صراعات مكلفة لشعبنا وقضيتنا .

لا ، لن ينقلب ياسر عرفات على عرفات ياسر ، فالعرفاتية هي هي ، داخلها وخارجها ، وهي اهترأت تماماً ولا يمكن أن تتغير بالترقيع ، أمّا العرفاتيون وبأساليب ( والدهم) فإنهم يهجرون ذلك الوالد ويديرون ظهورهم له لأن كل واحد منهم يريد نتش نصيبه من التركة ! .

قرارات ( الرئيس) عرفات _ لاحظوا أنني أصفه بالرئيس مع أن السلطة منتهية الصلاحية ، والمنظمة دمّرت من زمن بعيد _ لمواجهة عمليات الاختطاف هي تجميع الأجهزة الأمنية في ثلاثة أجهزة فقط ..وذلك ليسهل على ( الرئيس) عرفات الهيمنة عليها ، لأن الرئيس عرفات مخلص لنفسه ولأساليبه وهو لن يسمح لياسر بمشاركته فيها ، أي أنه ينقلب أو يتشقلب تكتيكياً لتقوية ( وضعه ) وكما في الحياة في السياسة : من شبّ على شيء شاب عليه ! .

في بلاد العرب ألتمس المبرراتية العذر لحكّام بلادهم واتهموا ( البطانات) بالفساد ، على اعتبار أن ( الحاكم ) لا يعرف عن الفساد ، والتعذيب في السجون ، ولا يدري بنا يقترفه ذووه والمقربون منه ! .

الأمر نفسه يتكرر في الساحة الفلسطينية فثمّة من يبرّيء عرفات ويسدد التهم للمحيطين به ، والأمر باختصار وبعد تجربتنا المرّة مع ( العرفاتية ) ومؤسسها إن ياسر عرفات ، أبوعمّار ، محمد رؤوف القدوة هو أساس الخراب وراعيه ولكن ..

هل إذا راح عرفات بطريقة ما يمكن أن يتغيّر الحال وينصلح ؟ ! لا ، أبدا ، لأن ( العرفاتية) استوطنت في الحياة السياسية الفلسطينية ، حتى إنها باتت النهج السائد ( لشريحة) فاسدة مفسدة مرتبطة بكل أعداء الشعب الفلسطيني ، ومن أفضالها ، وهذه بعضها أنها استوردت ( الإسمنت ) من مصر و..باعته للصهاينة ليسهم في بناء جدار شارون !!

إن من أسهموا في بناء ( خط بارليف) قبل سنين في مواجهة مصر وجيشها العظيم والقائد جمال عبد الناصر قد وحّدوا جهودهم مع من أثروا من مال الشعب الفلسطيني دون حساب وعقاب ، بل على العكس ازدادوا ثراءً وعلت مناصبهم !! .

يعرف ( قائد) الشعب الفلسطيني ( الرمز) كل شيء ولا تخفى عليه خافية ومع ذلك فهو يعيد تنصيب اللصوص والعملاء ( قادةً )على شعبنا ، ويضع في أيديهم مقدرات شعبنا وقضيتنا !!.

ترى هل فصائل ( الثورة ) الفلسطينية بريئة من المسؤولية عن هذا الخراب الذي يفتك بحياتنا ؟!

إنها في أبسط الأحوال شاهدة زور ، متقاعسة عن التنادي للحوار واتخاذ القرارات التي ترسم ملامح طريق الخروج من هذا الجحيم فقبل انهيار كل شيء وضياع قضيتنا من جديد .

شعبنا الفلسطيني العظيم يناضل ويجاهد منذ مئة عام ومع ذلك يبتلى بهكذا قيادة لا تليق به وبتاريخه الثوري الجهادي الكفاحي ، هذا الشعب بالتاكيد سيسأل كلّ واحد من أبنائه ، وكل واحدة من بناته _ فما بالك بالفصائل ، والأحزاب _ عن ما فعله ، عن دوره في إنقاذ الثورة ، والانتفاضة ، والقضية ، عن فضح أسباب الخراب بجرأة وصدق وشرف ودون حساب الربح والخسارة من منظور شخصي ، وعدم الاكتراث بالعواقب .

ياسر عرفات لن ينقلب على عرفات ياسر ، العرفاتيون هم الذين ينقلبون على ما تبقّى من عرفات وهؤلاء خطرهم على شعبنا وقضيتنا لا يمكن أن تعرف حدوده ، وحتى لا يذهب هؤلاء المارقون بقضيتنا فإن دور كل الشرفاء من ابناء وبنات شعبنا بغض النظر عن فصائلهم أن يهبوا لإنقاذ ثورتنا وقضيتنا وقبل فوات الأوان .

وما دمت قد انطلقت في مقالتي هذه من قراءتي لمقالة زميل هو حافظ البرغوثي فإنني أتوجه إلى الكتّاب ،والصحفيين ،والباحثين ،والمفكرين الفلسطينيين ، والفنّانين في العالم أن يرفعوا أصواتهم أفراداً وجماعات ضد الخراب وأن يتنادوا لفعل شيء جدّي يفضح المارقين والمتلاعبين والمستهترين ، ويرسم فكرياً وثقافياً طريق شعبنا إلى المستقبل ، فلنكن في عون الشرفاء في الميدان ، في السجون ، في الشوارع الملتهبة في وطننا المحتل ، في المنافي البعيدة لتفعيل دورهم ، فكلماتنا الكاشفة الحاسمة الواضحة ليست قليلة الوزن إن نحن قلناها في هذا الوقت محددين المخاطر والرد عليها .

الصغار يستفردون بقضيتنا ويتصرفون كأنهم اختطفوها ويحق لهم التصرف بها ، وهو ما لايمكن أن يتحمّل وزره فرد حتى لو كان ياسر عرفات أو عرفات ياسر ، فكل فلسطيني وبحسب موقعه وقدرته يتحمل المسؤولية .

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع