"غودو" في إنتظاركم ..ومزرعة شكميم .. و الميدوسا .. وكذلك صانعوا الهذيان

غرامشي : "إن ما يحصل يقع لبس لأن أقلية ترديده ، بل لأن أغلبيته تلوذ بالصمت عند وقوعه".

أكرم أبو سمرة

كاتب وشاعر فلسطيني

2/2/2005

ولأنه ما عاد اسير الرقم الثاني المنزوع الدسم الذي ظل مسجلاً على قيد الرقم الأول و تابواته ، و تابواته و أنوية غيرته ، و لأنه صار متحرراً من ضغط المطالبة بفك الحصار عن " the irrelevant " و لأنه تخلص من عقدة الاستطلاعات سابقاً التي كانت تمنحه 2% ، تالياً على مروان البرغوثي ، و لأن دهاقنة الصورة سابقاً ما جاؤا به لسقاية برنامج وطني يعاني من التصحر و الجفاف ، و إنما للحفاظ على مكتسباتهم و تنميتها فإننا نقول لهذا الرجل: في البدء يكون التوازن ، هذا هو مطلبنا الوحيد ، خصوصاً حين اتسعت الهوة بين الممكن والمطلوب ، و للتوازن أنف لا يخطئ ، و لعله الوصفة الأهم التي يحتاجها أعضاء حركة فتح من أصغر عضو فيها إلى محمود عباس لأجل هذا كله فإننا نستطيع أن نصرخ ملء الفم : التوازن يا أبو مازن ، لاحظوا الجرس في الجناس بين المطلوب و المطالب – بفتح اللام – التوازن فقط .. فنحن لا نطالب بفرز وغربلة للملائكة عن الشياطين ، فهذا هو المستحيل بعينه ، بحكم مخلفات العشرية السابقة ، و لا نطالب بتعقيم الهواء و الماء و الرجال و النساء الذين تسيدوا العشرية السابقة ضمن معايير تخجل قبائل الهوتو و التوتسي من اعتمادها كون هذا الأمر معقداً ، و يجعلنا نأكل بالأصابع الخمسة ، كالمنسف تماماً ، وقد كانت العشرية السابقة منسفابكل ما في كلمة منسف من نسف .. أربعة أحرف .. كادت أن تجعلنا نمشي على أربع !! كما ولا ندعو إلى اعتبار ما ورد في البرنامج ولا ما رسم على الحيطان , قوانين تقتضي النفاذ في القريب الأجل فقد ثبت " زمن المنسف " أن واضع تلك القوانين سابقا لم يكن بمنأى عن الوصول اليه ؟ أن هو خرج عنها شخصيا .

نطالب ملء الفم ، و في الفم علقم و دم ، بتوازن عادل .. وهذا يحتاج إلى رجل قوي لا تأخذه في الحق لومة لائم ، ولكن بشرط أن لا يكون حجاجا كما يرغب البعض ، ولا عثمان بن عفان كما يشتهي الأبغاض أيضا ولا نيرون كما يشتهي الأبعاض كذلك . ما ينقص الساحة الفلسطينية هو غياب التصالح مع النفس مع الذات ، ولعل أبو مازن هو أحد القلائل الذين يعطون مثلا واضحا على ذلك التصالح . ربما كان الأفضل لنا أن نحصل على مؤسسة متصالحة مع نفسها أو جامعة أو تنظيم أو حزب ولكن للأسف فان قدرنا أن نحصل على أفراد فقط يملكون عقلية التصالح . استثناء

من هنا فليس كثيرا أن نطالب محمود عباس بأن يظل متصالحا مع نفسه وما كنا لنطالب بذلك لولا معرفتنا الجيدة بأن فضاء العقل من رجل مثقف كان أسيرا للظل يختلف كثيرا عنه حين يصبح قائدا وحاكما. مؤكد أن للحكم حسابات وضغوط لا يعرفها إلا من يكون في الموقع الأول الموقع الملئ بالعوسج والعسل والمصالح والضحايا والهواجس والآثام والسلام . وإن أي شخص استثنائي قد يتغير 180درجة قسريا إذا أصبح على رأس هكذا موقع فما بالك إذا كان هذا الموقع مدجج بالجياع والهوامش واللاجئين والقدس والمستوطنات الأخطر من كل ما سبق يكمن في أن صاحب الموقع الجديد يرث عشرية عجفاء أسست ملوك طوائف وتكايا وزوايا ممن لا هم لهم إلا ديمومة كعباتهم الخاصة والتي إن مست فمن بعدها الطوفان . ودون مبالغة ومن خلال معرفتي الدقيقة بضحالة المعرفة والفقر الأخلاقي والوطني لهؤلاء المليونيرات الجدد فإن الواحد منهم مستعد أن يبقر بطن أمه إن هي هددت مكتسباته غير المشروعة . والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو أبمثل هؤلاء سيترجم أبو مازن بعضا من " يو تو بيا " شعاراته فوق صوره وعلى حيطان غزة ؟!!

التصالح مع النفس يعني أن يكون الحاكم صالحا وحكيما. الصلاح هنا ليس اكتساب الحكمة من فم بوش حين أحرقه بإغداق هذا الوصف عليه ، ولا على الطريقة التي طوقه بقلادتها السيد شمعون بيرس بعد الفوز !! لان الرجل الصالح لابد وان يكون صادقا في تصالحه مع شعبه ومع كوادر حركة فتح نقول حركة فتح لا اسكيمو فتح ، أوبلياتشو فتح بمعنى أن محمود عباس القادم من فضاءات جدل الفكرة مع الواقع ، والمدجج بالممكنات ، لا بحق له أن يبيعنا طريقا آخر قائما على جدل الفكرة مع الفضائية المجانية لأحلام اليقظة والذي ثبت أن الاستغراق فيها يؤدي إلى الوهم .

بادئ ذي بدء يجب أن يوضع حد لاسطوانة مشروخة تم اعتمادها في البرنامج الانتخابي وهي أن محمود عباس جاء امتدادا للرئيس الراحل ، ومكملا لنهجه ، وأمينا على وصاياه فلا يختلف عاقلان على أن الخلف والسلف وإن اتفقا في الموقع فقد اختلفا عميقا في الموقف وزاوية الرؤية والنهج وعليه فإن أي كلام غير هذا هو ضحك على الذقون ، وإن ما كتب على الحيطان من أوهام لن تزيدعن كونها أفخاخا تم وضعها ليكون الرجل صيدا سريعا وفريسة سهلة لما بعد ولما قبل معا . ولا يعقل أن ندخل القرن الواحد و العشرين بعقلية القرن العشرين . صدقا ..أشعر وأنا أقرأ الشعارات "العباسية " على الحيطان أن ثمة من خطط لهذا العبث عبر قصف مدروس وممنهج للعقول والأرواح يمنح الصليب للناس والوطن ويعطي خشبة الخلاص لأكلة لحوم الوطن والبشر .

وأجزم بأنه لوقرأ محمود عباس الشعارات التي كتبت باسمه على الحيطان لما تردد في القيام بمسحها بيديه شعارا ينطح شعارا ، لأن تلك الشعارات لم تترك أملا وأمنية لأي فرد إلا وكتبته مخاطبة نقاط ضعف المواطن حيال أمور حياته اليومية مداعبة ضعفه حيال الأمن .. مع التشديد على أن إسرائيل هي آخر من أوصل المواطن إلى هذه الحالة من الفقر وغياب الأمن . بإختصار إن زمان المواطن على محمود عباس أتى من آلة من دعائية محمومة وعدته بالجنة كصك غفران مقابل صوته ، وبهذا تكون كذبه تحويل غزة إلى سنغافورة كما نظر لها نبيل شعت قبل عشر سنوات ، عبارة عن أمل متواضع أمام الجنة عينها المذكورة في الكتب السماوية والتي بشرت خيطان السلطة الوطنية بإمكانية صيرورتها في الزمن العباسي واقعا باذخا مرفها .يقول أحد الشعارات " أبو مازن يعني الرفاهية " وكان على رجل واقعي أن تكون شعاراته أكثر واقعية وأن تتمحور حول شعار مركزي هو " إنقاذ ما يمكن إنقاذه " فقط لاغير والذي يكفل منع الماضي من أن يصبح مستقبلا دائما وبالمناسبة ، فنحن هنا لا نتكلم إلا عن إنقاذ الوضع الاجتماعي المنحل ، والاقتصادي المدمر ، والتعليمي المنتهك ، والمفكك الآيل للسقوط وتحديدا الجامعي ، والإداري المرعب في انهياره الذي جعل من بدأت على درجة رئيس قسم تصبح وكيل وزارة ، ومن بدأت سكرتيرة تصبح مديرا عاما . ووطنا بلا جدار أصبح بجدار والذي جعل الطالب على درجة يسيل عليها لعاب أستاذه الجامعي !!

تلك التعيينات كانت أشبه بصنابير بول تصب على رؤوسنا .

هذا هو الذي نعنيه بالإنقاذ كاولوية، أما الوضع السياسي فلا عقد نقص لدينا حياله لأن خلافا وجوديا على مدار مئة عام لا يمكن أن يتم حله سحريا خلال عشرة أعوام هذا إذا كان الأداء السياسي صحيحا فما بالك وقد كان الأداء فاسدا وأحمقا لذلك لا أوهام سياسية لدينا في أن التخريب الإسرائيلي الذي مورس مع محمود عباس سوف يزداد شراسة وتلاعبا وغموضا مع الرجل كرئيس للسلطة وسيقذفونه بكل ما أوتوا من صواريخ ميثولوجية وأيدلوجية وبكل احتياطاتهم من الأساطير والتي سبق أن استخدموها ضد الله بذاته ، ناهيك عن الاستعانة بخدمات وكلائهم وسماسرتهم وعملائهم الذين أعلى شأنهم ثوارنا "سابقا" بمواقع النفوذ والمصاهرة أيضا !!!

وبخصوص عبارة " العدو الصهيوني " الشهيرة والتي أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت " إلى براءة محمود عباس منها ، أقول بأن الدم الفلسطيني أقوى من غابة الحكمة والرزانة والوعي بمعنى أنه قادرا أحيانا على فك عقدة اللسان ، وأعني عقدة الضمير واللاوعي غير المروضين ، وتتمة لما سبق أقول لن تحارب إسرائيل محمود عباس من أجل هذا ، بل لأنه من قلائل الفلسطينيين الأكثر وعيا بالفك والتركيب في الخارطة السياسية والاجتماعية أولاد عمنا تعاني من أنيميا معرفية حيال دواخل الرجل ولهذا فإنهم يتعاملون معه من باب " من مأمنه يأتي الحذر " والشك والقلق ، ولا تنسوا أنهم اخترقوا أثاث مكتبه عبر أخطر جاسوس " محبوب " في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة !!( هل تذكرون عدنان ياسين ) حتى " يوسي بيلين " كتب مؤخرا في حلقة غصة من بعض ما عالجته رسالة الدكتوراه خاصة أبو مازن !! هكذا صرخ فيها ذات لحظة فاض فيها الكيل ، قائد الدبلوماسية الهادئة سعود الفيصل " إن سياسة أمريكا تخرج الرجل عن عقله " ترى إذا كان هذا هو شعور ابن الشهيد فيصل فهل يطالب محمود عباس بعكس ذلك وهو يرى بأم عينه إسرائيل وهي تسعى إلى تشطية تذرير ما تبقى من رهان على واقعيته ، نعرف أنه لا يريد أن يكون ذئبا ولكنه لا يقبل بأن يجعله الآخر أرنباً . وربما كان من المفيد هنا التذكير بمقولة نيتشه :" حذار و أنت تصارع الوحش ، أن تصبح وحشاً " . وكان عليه أن يضيف " و أرنباً " !!

وليت محمود عباس يعتمد عبارة " العدو الصهيوني " توصيفا جاهزا لكل وحشي سادي إزاء المواطنين العزل واعتماد توصيف " الشريك " لوصف كل من يسعى لجسر الهوة ، عبر لغة غير لغة المدافع التي تقصف الطيور والمزروعات والهواء ، من الذين يستكثرون علينا الهواء أيضا.

يراهن من انتخبوا محمود عباس على كونه صانع أمل لا صانع وهم ، ومن أجل ذلك ثمة محطات يحظر الوقوف فيها ، وأبواب ممنوع الدخول منها ، ومياه يقع الغوص فيها تحت طائلة المسؤؤلية ، وحتى لا يكون لنا منطق النعامة وبوصلتها ، سنقوم بالسباحة ضد التيار :

أولاً: محطة الرأي العام

يقول الرأى العام حفظه الله من هو هذا الذي أظهر حرصا شديدا على جعل محمود عباس نسخة كربونية من الرئيس الراحل ، بل ويخيل للمرء أنهم اقتربوا من القول : إن هذا المرشح ليس محمود عباس الذي تعرفون لكنه وليد عملية استنساخ فتحوية للسلف ، على الرغم من إدراك حضراتهم الشديد بأن الرجل مختلف جدا عن سلفه في الفعل والفاعل والمفعول وعليه بنطبق قول الشاعر " إن الذي بيني وبين بنى أبي وبين بني قومي لمختلف جدا " .

وما كنت أدق رأسي بحائط السؤال لولا ما وصلني من رائحة شواء الاستنساخ المنبعثة من الصور ، ومن خطوط الرقعى والكوفي والنسخي التي تحولت إلى مقابر للأمل . فإذا كان ثمة " وراء الأكمة ماوراءها " فإننا نأمل من السادة إقناعنا " لماذا جدع قصير أنفه ؟ الا إذا كان القصير يريد منا أن نجدع أرواحنا و ضمائرنا .

ثانياً: محطة الإخراج :

تعمد مخرجوا الحملة الانتخابية ، التلاميذ النجباء لهيتشكوك " اللعب في ميدان الصور عبر جهد مكثف في الميك أب " لإظهار أن الرجلين كانا " سمنا على عسل "مع أننا نتحداهم أن يحضرا اثنين من الشهود العدول الثقات ليشهدا على ذلك ، مع إدراكنا أن شهود الزور لن يستطيعوا القيام بهذه المغامرة المكشوفة بكل المعايير لا .

القطعية .. هذا هو التوصيف المنطقي للعلاقة بين الرجلين في السنوات الأخيرة ، حتى أن الراحل في آخر خطبة له في المجلس التشريعي تندر قائلا " اللي بيشوف أبو مازن يسلملي عليه " !

القطيعة التناقضية ..هذا هو التوصيف الذي آلت إليه العلاقة عند النقطة التي تم إعلان أبو مازن فيها أنه كرا زاي فلسطين " حقيقة أعلم أن هذا الوصف لا يزعج محمود عباس لأنه _ وكما أعلم _ يكن احتراما لتلك التجربة في أفغانستان ، أما السبب الحقيقي للقطيعة فهو التخوين ولا شئ غيره " .

وكدنا نختنق من الشعارات " على خطى الزعيم الخالد " و"على درب الزعيم الراحل " لأنها كانت تتناقض مع كل الوعود والعهود من " الحرب على الفساد " إلى " القضاء على القهر الوظيفي " ..الخ .. وكلها من مخلفات العشرية الأخيرة ، وتم وقوعها بجرة قلم من السلف الراحل

أيها السادة : إنكم تضغطون على زناد الجنون ، ونحن نضغط على زناد العقل ... ونعرف أن بعضكم يستكثر علينا السير على ساقين ويريد لنا المشي على أربع ، خصوصا أولئك الذين بدأوا العشرية الاوسلوية مديونيرات ، ثم انتهوا مليونيرات " بكل ما في الكلمة من معنى".
وكان الطيب عبد الرحيم يصف الحيطان التي تغزوها الشعارات ، نقدا للسلطة أو لبعض رموزها ، بأنها " جرائد المجانين " ثم دارت الأيام فشهدنا انتقال عدوى الحائط إلى تنظيم السلطة ، حيث تم استخدام العقل ، عبر نفس الجرائد ، طريقا إلى الهدف المختوم بالجنون الأحمر !!

ثالثا : محطة خيمة العزاء

ويتساءل الرأى العام حول حادثة إطلاق النار التي وقعت بمجرد وصول محمود عباس لتقبل العزاء في الرئيس الراحل ، تلك الحادثة المخجلة ، التي ارجع الرسميون سبب وقوعها إلى " حالة التدافع " وهو التفسير الذي زادها غموضا .
ويقول الرأى العام : إذا ما قبلنا التبرير الأمني لانسحاب محمود عباس في سيارة أجرة عمومية من المكان فورا ، فان ما يحتاج إلى تفسير هو ما يتعلق بإغلاق السرادق في اليوم التالي ، حيث وجده المواطنون أثرا بعد عين فيما كانت بواباته مختومة بالشمع الأحمر .

ترى أما كان من الأجدى الإصرار على العودة لتقبل التعازي كنوع من الرد على مطلقي النار ، وكتأكيد على أن الأمر لم يكن إلا مجرد حالة تدافع .

رابعا :محطة الفساد

وبخصوص الحيطان التي اتخمت بشعارات " أبو مازن يعني الرفاهية " " أبو مازن يعني وطنا بلا فاسدين " " أبو مازن يعني القضاء على الفساد " ... الخ ..ازاء هذه السوبرمانية ..يتساءل السيد الرأى العام ..أي فساد يعنون ؟وكيف يستقيم تصديق النوايا وتلك صور "مرشح الانتلجنسيا" و" المحرومين " مدججة ومتخمة برموز الفساد ؟!
ولا يريد الرأى العام أن تظل الدونكيشوتية ، وهي ديدن من تأبطوا شرا بالوطن والسلف ، أن يظلوا مرجعية للخلف ، حتى في الصور ، وإلا فنحن أمام مرحلة نشهد فيها تأجيل كل حق أو وأد كل حقيقة ، عبر " إعادة انتشار للفساد " حسب تعبير عبد العزيز الرنتيسي قبيل استشهاده !

خامساً : محطة استقالة محمود عباس

ومن باب التذكير فقط ، فان الرأى العام يتمنى على أرباب تصنيع شعارات " على درب " و" على نهج " و " على خطى " .. الخ أن يعودوا إلى آخر خطاب قرأه محمود عباس على أعضاء المجلس التشريعي ، فان استطالوه فعليهم قراءة رسالة استقالته إلى الرئيس الراحل ، طبعا لم يجف حبر الخطاب والرسالة معا ، وهذه بعض من مقاطع " الاستقالة " والتي تقول : " وحدكم فقط تملكون قرار إقالة الحكومة ..إلا أن الرغبة توفرت وبشكل واضح لابقائها مشجبا تعلق عليه كل الأحقاد التي امتلأت بها النفوس والقلوب والعقول " !!! ثم يقوم الخلف بتوصيف وتفصيل أخطر طعنة فيقول : "وما دمتم مقتنعين < وردت في الرسالة مقتنعون > بأنني كرزاي فلسطين ، وإنني خنت الأمانة ، ولم أكن على قدر المسئولية فانني أردها إليكم لتتصرفوا بها ."

هذه هي الحقيقة الناصعة دون ضوضاء .. تناقض أعقبته قطيعة ورسالة استقالته ليست هذيانا .. لأنها ظلت تنضج تارة على نار " المجهول المبني للمعلوم " وتارة أخرى ، على نار " المعلوم المبني للمجهول " !! وحدها النجمة السداسية قهقهت ثلاث مرات :الأولى على وقع التناقض ، والثانية على وقع الجعجعة التي أنكرت ذلك التناقض والثالثة على وقع جريمة العد العكسي . وفي مقابلة مع صحيفة الحياة الجديدة < ترى هل كانت جديدة تلك الحياة التي بشر بها اسم الجريدة ؟حتى أن رئيس تحريرها كتب عن نصحه لزميل هو قيس العزاوي عراقي بأن لا يستخدم نفس الاسم وعلى ما يبدو فقد اكتفى قيس بأن شطب الحياة وأبقى " الجديدة " ": عنوانا> إذن في مقابلة مع محمود عباس بتاريخ 28/3/2004 قال : " الإخوة لم يقصروا في إجهاض التجربة ، ولم يعملوا معي بشكل صحيح ، لذلك جرحت وخرجت " .

 وأراد صخر حبش عضو مركزية فتح طمس شياطين الخلاف فقال في مقابلة مع bbc في شهر ديسمبر 2004 :" للتاريخ أقول لقد قبل أبو مازن مرغما موقع رئيس الوزراء " ولكن تتمة " ولا تقربوا الصلاة " في حديث صخر حبش تقول بأن محمود عباس خرج من الوزارة " مجروحا ،مقهورا ،مرغما ومتهما بالخيانة "وننصح بالعودة إلى رسالة استقالته والى مقابلته الصحفية الآنفة الذكر. وحتى لا يفتري أحد على طبيعة الخلاف عبر تصويرها كزوبعة في فنجان نتمنى على الإخوة العودة إلى آخر مقابلة صحفية مع الرئيس الراحل < السلف > والتي كانت شهادة تاريخية أخيرة ، على قناعته بأولوية ما فعل كتطهير وتعقيم ، ولا حظوا صفاء ذهنه ودقة بوصلة الإقصاء لديه ، وعناده الثابت رغم أن زمان المقابلة دار في فلك مرحلة الحرج الصحي . ومما جاء في المقابلة ، التي أجريت مع صحيفة " الشرق الأوسط " بتاريخ 5/10/2004..قال الراحل :" الشرق الأوسط : أنت لا تتدخل في ما يختاره الشعب الاسرائيلي قائدا له .
الراحل : نحن لا نتدخل
الشرق الأوسط : بينما هم يتدخلون
الراحل : هم يحاولون لكن لن يستطيعوا ليس لدينا قرضاي ولن يكون . نحن شعب الجبارين
الشرق الأوسط : كانت هناك محاولات وفشلت
الراحل : فشلت وستفشل .شعبنا لا يمكن إطلاقا أن يقبل بفرض شئ من هذا القبيل عليه "!
وكنا نتمنى أن نقف إمام قبر الراحل في المقاطعة لنسأله : نعرف أنه لن تنجح محاولات البعض لجعل قبركم أتاتوركي التأثير والأبهة ، لان الأفعال الفورية لحيطان برلين خاصتك تقول عكس ذلك تماما ولكننا نسألك _ ولا فرامة لسؤالنا الآن _ ما رأيك في ما حصل وعبر صناديق الانتخابات الدنماركية؟! .

خامسا : محطة الحرد والطلاق

"..معروف عن المثقف وأغلب رجال الانتلجنسيا ، الضالعين في الاعتداد بكرامتهم وأفكارهم ، إنهم إذا ما تعرضوا إلى الاختيار بين الإذلال الممزوج بالمجد أو العزلة المسيحية بالكرامة فان واحدهم سرعان ما يحمل عصاه ومحراثه ويرحل إلى مملكة عزلته " دون أن يطالب أحدا بأن يتبعه

هكذا نستطيع أن نصنع تبريرا شبه معقول لحالات " الحرد "و"الاعتزال" العباسية سابقا ..رغم الفارق النوعي بين مواقعه ومواقع المثقف . فالجرد عند " أبو مازن "لا يلغي سلبيته ونكوصه واستسلامه ..وانسحابه من مواقع هي أقوى من المداليل جميعها . خصوصا إذا كان الموقع مكتسبا بالانتخاب وليس بالتعيين ، كموقع اللجنة المركزية . حالة النزوع " الانتلجنسانية " إلى " الحرد " يستعصي تفكيك خارطتها ، لأنها تقع تحت وطأة رغبة " تسونامية "لا تقاوم عند أبو مازن ، ومع تقديرنا لذلك وتحفظنا عليه فان هذا النزوع لا يصح ولا يجوز ولا يستقيم مع الموقع الحالي.

يحق لنا أن نتخوف من ذلك لان الرجل صرح في مقابلة مع إحدى الفضائيات اللبنانية على هامش زيارته إلى لبنان مجيبا على سؤال حول ما سيفعله إن لم تسر الأمور كما يريد ! فكانت الإجابة : سأعتزل العمل السياسي !!

وهنا نقول تصوروا لو أن توني بلير _على خطاياه _قام بتقديم استقالته أو لو فعل ذلك " كويزومي "رئيس وزراء اليابان بناء على اعتراض أغلبية الشعب الياباني على إرسال قوات إلى العراق !! أو لو أن شمعون بيرس عميد السياسة الإسرائيلية قام بتقليد نزق بارك منسحباً من حزب العمل كرد على من انتخبوا من هم أقل منه عمراً وخبرة ، لقيادة الحزب . لقد سموه بالسيد الخاسر لكثرة خساراته و كان يرد عليهم : " أنا لا أضيع جهدي على خيبات الأمل و الغضب " !! أو كما قال في رواية اخرى " أنا متأمر لا يكل ولا يمل " .

صحيح أن محمود عباس في وضع لا يحسد عليه ، ولكن عليه أن يقود ويحكم ويواجه إذا ما أراد أن يصنع تاريخا حتى لو تعارض ذلك مع تطلعات الجماهير !! أو أجندة بعض المليشيات هنا أو هناك ولكن عليه قبل ذلك أن يعمم ظاهرة الفرح والضحك أسوة بحالته مع تلك الصورة المنشورة مع أبو علاء قريع و قد ظهرا فيها وهما يمتطيان ظهر الابتهاج ويسكنان في عين الرضا والحبور ويكون الحرد نزوعا استسلاميا واهتزازا نفسانيا .حين يقول أبو مازن بتاريخ 28/3/2004 " أنا اعتبر نفسي خارج إطار اللجنة المركزية ولم أكن احضر اجتماعاتها لأنها مؤسسة مشلولة " أو قوله " أنا لم استقل من اللجنة التنفيذية ولكني لا أداوم ولا أحضر اجتماعاتها لأنها مؤسسة مشلولة ولا تعمل شيئا ولا اعتقد إن حضور الاجتماعات سيغير شيئا " هنا نقول بأن هذا موقف غير ايجابي ،وهروب سلبي بامتياز لان المواجهة عبر الحضور الاحتجاجي أفضل من الغياب الأبيض .

سادسا : محطة الدولة

مسألة الشفافية في التعاطي مع حقيقة الدولة الفلسطينية : كلنا يعلم أن سقف ما كنا فيه قبل 28/9/2000 كان حكما ذاتيا إداريا خدماتيا ، أما ما نحن فيه اليوم فهو مجموعة من البانتوستانات المحتلة والمقطعة الأوصال والممنوعة من التنفس بفعل جدار الفصل العنصري ويحضرني هنا تصريح لمحمود عباس قال فيه :" كي تحشر شارون في الزاوية ، عليك أن تتحمل المسئولية "!!

لا نعرف بالضبط الوسائل العباسية التي ستكفل ذلك وكلنا يعرف ما تعنيه ضمنا تلك المسؤولية ، ولكن لنفترض أننا تحملنا تلك المسئولية ، وأكلنا المقلب الأمريكي ثم اقتنعنا بأننا نجحنا في حشر البلدوزر !! فهل سيغير ذلك من وحل الواقع وسرطاناته ؟ نعتقد أن اغتصاب الحقيقة يكمن في تعميم هذه التوقعات السحرية .. وكل ما نريده للخروج من هذه الحلقة المفرغة ، هو المصارحة والمكاشفة والتي أشار إليها أبو مازن بشكل غير مباشر بقوله : " وعندما رأى الرئيس بوش الحائط ، قال بالحرف الواحد ، أثناء وجودنا في الجلسة المغلقة ،لتشيني : لم تعد هناك دولة فلسطينية مستقلة " .

إذن ما فائدة أن نحشر شارون في زاوية ؟ وكيف يكون ذلك ؟مادام هذا الرئيس الأمريكي يعرف أن شارون قتل الدولة الفلسطينية ، واغتصب خارطة الطريق ، من جهة ، ثم يقوم بتعميده " رجل سلام " من جهة أخرى ؟!

سابعا : محطة حق العودة

مسألة الشفافية في التعامل مع " حق العودة " : حتى الآن يمارس أبو مازن سياسة التدوير الذي يخفي الخشية من الاصطدام بالحقيقة . صدقا يجب الاختيار بين الألم الدائم والعملية الجراحية . أقول ذلك نظرا لحرص أبو مازن الدائم على اعتماد القرارين 242و194 لحل قضية اللاجئين ، فيما شددت شعارات حملته الحيطانية على حق العودة والتعويض . مع العلم أنه وقع لبس شديد لدى الناس يربط القرارين وحق العودة وهذا يرجع إلى عدم الاطلاع وسوء الفهم العفوي أو المتعمد ، مع أن هذين القرارين لم يتطرقا من قريب أو بعيد إلى كلمة " حق" معرفة أو منكرة في أي منهما .

والكل يعلم أن منطق الحوار و التعايش الخاص بحركة كالسلام الآن ، يصبح طلاقاً حين يتم التطرق إلى حق العودة .. حتى أن أوري أفنيري يذكر أنه فض اجتماعاً لأعضاء حركته حين تطرق إلى هذا الموضوع و هل نذكر أنه حتى دافيد غرسمان لم يجد حرجاً في القول عبر صحيفة يديعوت أحرونوت ، بتاريخ 12/1/2001 : " ان حق العودة هو كارثة على اسرائيل " .

وكما فعلنا بميثاق م.ت.ف سيجد أبو مازن نفسه مطالباً بعقد جلسة للمجلس الوطني ، تخصص لإزالة هذا الصخرة من طريق الدولة العتيدة . وهذا ما ذهبت اليه الكاتب عكيفا الدار بوضوح في هآرتس ، 19/7/2003م. لن يقبل مواطنو دولة إسرائيل بصمت أبو مازن في هذه المسألة ، فهو مطالب بأن يقول على رؤوس الأشهاد :- ان حق الشعب العملي في السلام أفضل من حق الناس النظري في العودة إلى قراهم غير الموجودة " !!

هذا هو رأي 99% من الإسرائيلين و بالمقابل ثمة و احد بالمئة ينتمي إليه أفراد حكماء منعزلون معزولون مثل المؤرخ ايلان بابيه – جامعة حيفا – الذي يقول : " حق العودة للاجئين الفلسطينيين هو السبيل الوحيد للمصالحة " .

فما رأي أبو مازن خصوصاً إذا كان مطالباً بذلك من شعبه أولاً ؟! و الذي يطالب أغلبه بمثلث مقدس : العودة ، التعويض ، الإعتذار !!

ثامنا : إشكالية اللجنة المشرفة على الانتخابات

نعرف أن الديمقراطية الفلسطينية لا تعود إلى مئات السنين ولكن هذا لا يشفع لنا الوقوع في ثغرات تقنية ليس لها علاقة بعدم وجود تقاليد ديمقراطية عريقة . وهذا يتضح من الجهات الثلاث التي أشرفت على الانتخابات .

الأولى : ياسر الابن .. وكان له فريق خاص ، تعاطي مع الحملة وفق تصورات مختلفة ، ربما جلبها معه من تأثره بفترة دراسته في أمريكا أو من بعض منتجات هوليود.

الثانية : المسئولون الرسميون جدا من أعضاء حركة فتح .

الثالثة : أعضاء حركة فتح غير الرسمين .

وبالتدقيق في الحملة نلمس ما أحدثته هذه الجهات من ثغرات انتخابية تقنية ، وهو ما انتبهت إلى بعضها متأخرة جدا حيث اقتضى الأمر استقالة البعض كالطيب عبد الرحيم ورمزي خوري وهي خطوة ضرورية وان بقيت شكلية ومشكوكا فيها . لكن اللافت للنظر احتفاظ البعض بمناصبه .. ويتضح لنا أن الأمرين : الاستقالة المتأخرة والتمسك بالموقع الرسمي ..لا يعفيان من المساءلة . خصوصا وأن الكل لعب دور كارل روف رغم أنه لم يضع النقاط على الحروف قبل الصعود بالانتخابات إلى الروف _ مع عدم الاعتذار لصاحبة الغنجيوه _ أما ما يلفت الأنظار ويسلط الضوء على أحاجي فتح العجيبة ، والتي لا تعيش فتح إلا عليها ، فيتمثل في ورود اسم هاني الحسن ضمن أعضاء اللجنة المشرفة على الحملة الانتخابية ، وهو الذي اتهمه أبو مازن بألم وحرقة بأنه صاحب التعبير المشبوه وسئ السمعة عن المكان الذي تجمع فيه بعض الإخوة مع محمود عباس أثناء حصار الراحل ، المعمد بالعبارة الشهيرة " شهيدا ، شهيدا ،شهيدا ".. أما عبارة هاني الحسن الشهيرة في وصف المكان العباسي فهي " بناية العار "!! والتعبير لمن لا يعرفه فيه إسقاط على عبارة " غرف العار " التي أطلقها الأسرى في سجون إسرائيل على غرف العملاء أو العصافير .

تاسعا : محطة شركة " سكاي "

وهي شركة إعلانية ضخمة تعود ملكيتها إلى طارق محمود عباس وقد تولت أمر الإعلانات عن الحملة الانتخابية في الضفة والقطاع ، ابتداء من الشواهد الإعلانية العملاقة التي ارتفعت عاليا وسط الشوارع ، أوعلى صدر الميادين العامة أو على جوانب العمائد الكبيرة ، وانتهاء بالملصقات الصغيرة والميني إعلانات ، والتقاويم والكتيبات ..الخ ، ورغم أنها الوحيدة في المكان ، و أنها غطت جميع المرشحين دعائياً . إلا أنه يحق للرأي العام أن يتعكز على السؤال القائل : كيف نفسر ذهاب جزء كبير من أموال الحملة الانتخابية لمحمود عباس الأب إلى شركة طارق محمود عباس ؟ أليس في الأمر غرقا في بحر الشبهات ؟ ومن يوقف تفاعل الثرثرة فوق نيل التواطؤ والتي تقول " من جيوب حركة الوالد إلى جيوب شركة الابن "؟

ورغم ما سبق يجدر بنا أن نشهد بأن بزنس أبناء أبو مازن شرعي و واضح ويجري تحت الشمس ، والأقل ضوضاء ، في حين بغوص بزنس الابوات الآخرين وأبنائهم في بحر الممنوعات والظلمات والمال غير النظيف .

عاشراً : محطة " بيان سهى الطويل

"... بصراحة لقد صدرت عشرات الآلاف من البيانات في زمن العشرية العجفاء منها ما هو معلن الهوية ، ومنها ما هو مجهولها ، واشهد بان اغلبها ذهب هباء وجفاء واقر بأن أخطر بيان بين اقلها الباقي والذي دخل التاريخ مستقرا ، وليس كل ما يستقر في الأرض نافع للناس ، أقول بأن أخطرها هو بيان سهى الطويل الفضائي ، وقد أحدث من الأثر ما عجزت عنه مئات البيانات التي قرأتها واحتفظ بنسخ منها ، حدث هذا رغم أنه ظل بيانا يتيما . وهنا يحق للرأى العام أن يتساءل

1- لماذا أجلت القيادة الخلف زيارتها إلى فرنسا يوما واحدا ؟

2- كان البيان ناريا ، ومبشرا بعودة رئيس ربما كان في ذمة الله لحظة إعداد البيان ..مع ملاحظة أن الرئيس لم يرجع رغم الصراخ البلاغي " راجع .. راجع " بعد الرئيس "راجع ..راجع "! كذلك لم نشهد البيان رقم "2" فما هو الثمن الذي دفعته القيادة الصمت ؟ اللهم إلا إذا إرادتنا القيادة أن نصدق أن السيدة سهى الطويل تعني فعلا وتعي أبعاد المقولة القفلة ، والتي يتحرج اغلبهم من ذكرها ، أعني قولها " وثورة حتى النصر " .

كذلك ما هو سر تخبط القيادة وحيرتها وصمتها خلال وجود الرئيس في المستشفى الفرنسي ، حتى لا نذهب إلى ما قاله الكاتب المعروف سلمان الناطور لإذاعة bbcمن أن " حركة الشارع والقيادة لم تكن على قدر رمزية وحضور الرئيس المريض ثم الراحل "!!

ثم لماذا وصلنا إلى تدنيس لحظة الحزن ؟ أما كان بالإمكان توقع ذلك عبر محاولة أغلاف ملف سهى الطويل قبل أن يتفاعل فضائيا ؟ وبالتوازي مع هذا ، ولأننا شعب يحترف النسيان ..نسأل أين ذهب الملف المكون من 570 صفحة حول مرض الرئيس والذي أصبح " تابو" يحظر الاقتراب منه ؟ حتى أن من قام بقرع جدران الخزان توقف أو أوقف عن ذلك مثل د. أشرف الكردي أو بسام أبو شريف ربما لأنهما اكتشفا عبث النفخ في قربة مقطوعة ! أو لان هناك من قطع قربتيهما !! ولا نريد لأحد أن يقول لنا بأن الملف ببين أيدي وزير الصحة ..هذا الذي أصبحت الوزارة في عهده سمكا ، لبنا ، تمرا هنديا " .

وقد ثبت أن إدارته لمستوصف أكبر من إمكانياته ، ورحم الله امرءا عرف حده فوقف عنده !! لا حظوا انه كان يعلق على مرض الرئيس من معتكفه في مدينة خان يونس وليس من مستشفى " بيرس أو " الشفاء " على أقل تقدير .

أحد عشر : محطة القدس

" قلنا بان محمود عباس تأخر في الزيارة لكنها لم تأت أبدا . لذا لن نناقش ميثولوجيا هذه المدينة ، ولا قضية إن أبو مازن لم يشأ أن يستفز شارون وأقطاب معارضته الليكودية ، خصوصا وهو مقدم على تصويت على حكومته الائتلافية !! نعرف ذلك وغيره ، ولكن هذا لا يلغي حق محمود عباس الانتخابي في جولة عبر المدينة وناسها ، حتى لا ندخل في متاهة حق المدينة المقدسة عليه .أو حقه في صورة أمام بيت الشرق ! هل ظل شرقاً ؟

من هنا نعلن أن مبررات عدم القيام بالزيارة غير مقبولة ، ومردودة على ناصحيه ومستشاريه لأنه كان بالإمكان تنفيذها على الطريقة الشيراكية ، وذلك أضعف الإيمان .

ناهيك عن الثغرات التي واكبت العملية الانتخابية والتي لم يشفع بتغيرها التدخل الكارتري المتأخر 

اثنا عشر : محطة " هذيان الهدف "

هل يعقل بعد خمسين عاما ونيف أن نقف حيارى وغير متفقين على الهدف " مختلفين جدا على وسائل تحقيق ذلك الهدف " حتى وصلنا في زمن المفارقات المزاجية العجيبة إلى تحليل الانتخابات البلدية وتحريم الانتخابات الرئاسية ، رغم وقوع الاثنين تحت مظلة الشبهتين الأكبر : مزرعة شكميم ومزرعة جيش الدفاع الإسرائيلي !!

ثالث عشر : ظاهرة رامبو الملثم

" لاحظ الرأي العام منذ تولي أبو مازن مهام رئاسة اللجنة التنفيذية وبشكل أدق طوال فترة ال " 60" يوما الدستورية غيابا تاما لكلب الظواهر الاستعراضية التي استفحلت حتى غطت على الاعتداءات الإسرائيلية من مثل اختطاف الأجانب من صحفيين ومتضامنين مع الشعب الفلسطيني ، مرورا بالاعتداءات بالحرق لبعض مراكز الشرطة ، أو احتلال بعض المؤسسات ، ومكاتب بعض الوزارات ، ناهيك عن النقلة النوعية في هذا الملف الذي أكل من أعصاب الناس ومن أراضي الدولة والذي انتهى عبر حل فرق الموت والجحيم والسعير والزمهرير . وهنا يسأل الرأى العام عن مبرر وجود هذه الفرق العبقرية خلال حياة السلف ، وعن مبرر حلها وغيابها مع استلام الخلف لبعض مسؤولياته ؟ مع أن الظروف التي اقتضت وجودها لم تتغير هذا إذا كان التفسير المعلن لوجودها هو عين الحقيقة لا ذيلها أو هيكلها العظمي .. يبدو أن البعض ينسى إن حنظلة شارعنا لا يصدق ما يسمعه ، بل ما يراه ويحسه فقط .

رابع عشر : محطة عقدة البرغوثي

في اليومين الاخيرين من الحملة الانتخابية ، تم توزيع عشرات الآلاف من البيانات المضادة لمصطفى البرغوثي ، وعلى رأسها البيان الذي اشتمل على "12" سؤالا نقديا تجريحيا . ولأن النفس السلطوي بدا واضحا في البيان ، فإننا نسأل المواطن الحريص " _ وهذا هو التوقيع الذي تم تذييل البيان به _ ألهذه الدرجة كان الاستشعار بخطر رجل مستقل على تنظيم عريق وتاريخي ؟ وبصراحة فإنني شخصيا أستطيع أن أضع صفرين على يمين الرقم "12" ليصبح العدد مكونا من "1200"سؤال يتضمن حقائق وليس تهما أو افتراءات وأتحدى حضرة المواطن الحريص على مكتسباته " أن يرد عليها ، لأنها في متناول يديه ، ولكنها ويا للأسف .. أخذت طريقها إلى اللجان ، ثم حولتها اللجان إلى قعر النسيان ، وهي إن شاء محفوظة في كهوف المجلس التشريعي ، وهيئة الرقابة العامة وديوان الموظفين ، ثم في الإدارة العنكبوتية العامة لأكل لحوم الشهداء ، الموجودة في وزارة المالية تحت عنوان " يصرف له " يضاف إلى هذا المسرحية الفاشلة التي عقدها البعض تحت اسم " المبادرة " وانتهاء بالبيان المفبرك عن كتائب أبو على مصطفى .

خامس عشر : غياب محمد دحلان

لاحظ الرأي العام غيابا محسوبا ومستغربا للأخ محمد دحلان طوال فترة ال"60" يوما عن الندوات التنظيمية والنقابية والشبيبية ، وكذلك عن وسائل الميديا وعلى رأسها الفضائية ، اللهم إلا ذاك الظهور المتلفن على الجزيرة " ليرد على مراسلها وليد العمري ، أثناء حادثة خيمة العزاء الشهيرة . ولذلك من حق الرأى العام أن يتساءل عن سر غياب الرجل الفجائي وهو من عود الناس على هجومه التفكيكي المتواصل لكل مستودعات الأزمات ، وما أكثرها والآمال ، وما أقلها ...

أما بالنسبة لي فقد رأيت في أن صمت الرجل أخطر من كلامه ، وأن سكونه نافس حركته ، وان غيابه كان مطعم الحضور . وباختصار لم الصمت يوماً فترة صيانة إطلاقا حتى وان حصلت الصيانة في مكان آخر . بقي أن نقول أنه لم يعد مقبولاً منه أن يبرر حركته و حضوره على أنه يتم تحت بند المواطنية !!

و منذ اعلان أبو مازن فائزاً جرى توصيف محمد دحلان في وسائل " الميديا " العربية و الدولية ، قبل اخباره – و هي كثيرة – كما يلي : العقيد قائد الأمن الوقائي أو مستشار الرئيس الفلسطيني أو وزير الشؤون الأمنية .. وجميع ما سبق يكون متبوعاً بكلمة " سابقاً " ثم سمعت أخيراً كلمة " المفاوض " هكذا " حاف " " وعلى الناشف " . يا جماعة احترنا ، وصار بدها فك اشتباك بتدخل الايباك .

ترى ماذا لو اعتمدت " الميديا " التوصيف الذي يفضله الرجل لنفسه " المواطن " ! و ربما كانت هذه الصفة تشفيراً لكلمة " القائد " لدى معمر القذافي ، و بما أن كلا الرجلين استقر على رتبة " عقيد " ، بالرغم من الفارق النوعي بين المحطتين .

" المواطن " مقدمة مضمونة لترجمة المخبوء الأخضر " لاحقاً . وقد ثبت أنها محطة استراتيجية و حالة مناخ ، يقابلها متوالية محطات نفوذ و مواقع يجرى تحميلها على ديسك الأرشيف " سابقاً " كمصب تكتيكي أي حالة طقس .

وهنا نسأل لماذا هذا الاصرار على محطة " المواطن " كمنزلة بين المنزلتين ؟

أهي طريقة ناجحة في تصنيع الغيبوبة ؟ أم أن مصطلح " القرية الكزنية " لم يصل حارتنا بعد ؟ يدرك الجميع خضوع الهاجس الإستراتيجي لعدة جراحات تكميلية و تكتيكية .. وعليه قد نفترض أن المناخ المتكرر في مضارب جامعة كمبردج يتعلق بخصوصيات المواطنة .. و لكن هل يصح أن يكون اطلاق سراح العقيد سليمان أبو مطلق ..وجهاد المسيمي مجرد مواطنة ؟ و هل يمكن ادراج زيارته إلى مروان البرغوثي في زنزانته !! مجرد مواطنة ؟ و هل يندرج حضوره المكثف للإجتماعات العباسية الموسعة جداً ، والمصغرة جداً .. جداً .. مواطنية لوجه الله ؟ و إذا بصمنا له على ذلك كله فهل يصير ديالوجه و منولوجه مع وزير الدفاع الإسرائيلي موفاز ، وفي تل أبيب ، مواطنية على باب الله ؟

أم أن " دوره كمايسترو لاوركسترا الأمن و الاقتصاد ، الى حفرياته التنظيمية تحت قبة المؤتمر السادس لفتح ، ثم دوره في شق اوتوستراد في غابة السفارات .. كل هذا .. مواطنية .. بتواضع ؟

و ماذا عن " The Convoys " السادة الاربعة GMC الذي يرافقه ‍ ناهيك عن" convoys " الشيروكي و ايسوزو و هدير ماغنومات تبديل الحراسة المنتظم أمام بيته .. كل ذلك .. مواطنية .. ليس الا ؟ طبعاً لن نذكر آخر موديل من طرازٍ " بيجو " هلت على حارتنا ( سابقاً ) .. عفوا حارته لاحقاً .. وتذكرت ما قاله عمر بن الخطاب لأبي هريرة:" الله .. الله .. عرفناك ذا هرة .. "! فهل لنقول للسيد المواطن " عرفناك ذا بيجو " و نحن هنا لا نقصد آخر بيجو .. بل أول العهد بها . أحيانا أفكر في صدفة معنى كلمة " بيجو " في الفرنسية – لا تنطق التاء في آخرها – اذا ما عرفنا ترجمتها إلى العربية و هل يكمن سر مثلث اللاوعي (الطائر ، السيارة ، مسقط الروح ) في هذا الجدل المبكر مع الطيور .

يبدو أن على مستأجر مثلي أن يحمل عصاه ويرحل عن حارة كبار الملاكين هذه ، حتى لا تفتك به أخماسه المضروبه بأسداسه ، ويمضى بعيداً حيث لا عين تدمع ، و لا قلب يحزن .

و لكن .. أين "مدينة أين " ياسركون بولص وقد صارت غزة أضيق من خرم ابرة ، و مع ذلك فثمة من يستطيع أن يمرر الزرافة في خرمها .

وبعد ، هل نبني على هذا الفك والتركيب أن لدينا مواطنية " أ " و أخرى " ب " و ثالثة بدون .. و ماذا نفعل نحن يتامى المواطنيه من الفئة الرابعة ؟ هل نظل نراقب منسوب " التشيوء " المزمن في عظامنا ؟ .

ذات سخرية مرة ، عنون الماغوط مجلداً له هكذا : " سأخون وطني " ! عفواً يا ماغوط ، سنتأبط شرك الحميد ، و لكننا سنمتثل لنصيحة صديق الفدائيين ، ذاك الشقى جان جنيه ، بأن نرمي الوطن من أقرب شباك عندما يصبح حقيقة.

سادس عشر : محطة " الإقصاء والتهميش"

تميزت العشرية الفوضوية العجفاء بأنها حولت بعض المعارضين إلى حقل رماية لأحقادها ونيران استعلائيتها الجوفاء حتى شملت قائمة مثل ادوارد سعيد . وللأسف فما زالت أشعر بأن سياسة الإقصاء والأبواب الموصدة مستمرة في نسخة منقحة جديد وذلك لسببين :

1- بقاء جدران برلين الرئاسة أسياد الصورة الجديدة حول الخلف وهم من كانوا سببا في اتساع الهوة بين الناس والسلف نفسه .

2- تجربة حكومة الإصلاح العباسية المجهضة سابقا ، وفي أدنى درجات امتثالها لالفباء الإصلاح ، لم تقم بإعادة الاعتبار لمن القي بهم سدنة المزاحية الرعناء في العشرية السابقة على ذلك " الشئ " أيها السادة : الأقربون أولى بالاعتذار ، خصوصا إذا كان الأولى إن يحصل ضحايا العشرية السابقة على ذلك " الشئ ".
أيها السادة " الأقربون أولى بالاعتذار ، خصوصا إذا كان الأقربون ممن جاهروا بالإصلاح مبكرا عندما كنتم تلوذون بالسلولية ولتاريخ شاهده فحين انبرى خروتشوف بالنقد والتشريح لأخطاء الستالينية ، في أول مؤتمر حزبي يترأسه ، تلقى بعد أن فتح المجال للأسئلة المسموعة والمكتوبة ، سؤالا مكتوبا دون توقيع من صاحبه يقول : وأين كنتم من هذا الكلام عندما كان ستالين حيا ؟" قرأ خرتشوف السؤال وأسعفته بديهته للرد على عجز السائل فقال : " لقد كنت يومها جالسا في مكانك أيها الرفيق " وها نحن نعيد عليكم نفس السؤال ، باسمنا الصريح ، حتى لا نكون مكان ذلك الرفيق السوفيتي أيها الاخوة كرمازدوف .

ولا نريد أن نكون شهود زور على مقولة ، لا يليق بنا أن نشهدها متحققة بيننا ، وهي مقولة " مات الملك " عاش الملك "! قال المتنبي "فليسعد النطق إن لم تسعد الحال " فان كنتم لا تريدون ذلك لنا . فهو فرض عليكم تجاه سفير الخصب الكوني الذي طاول عنان السماء ، واعني روح الراحل ادوارد سعيد ، الذي ما كانت تليق به تلك الفظاظة الشرسة من " سادة الهشاشة .

سابع عشر : محطة التجاوزات الانتخابية

" نعرف أن ثمة نسبة لاتخفى من ظواهرها ، ونعرف ان ديمقرطيتنا "مع التحفظ على فلسفة المصطلح الذي لايجوز سجنه في الطقوس" مازالت وليدة ولاتعود إلى تراكمات 200 عام ، رغم ما أثارته من إعجاب دولي وإحراج عميق عربيا وندرك أن تلك التجاوزات يمكن تجاوزها ضمن هامش الخطأ المسموح به حتى في أعتى قلاع الديمقراطية كفرنسا ، ولكن هذا لا ينفي وقوع ما ينم عن جهل مخيف له طعم الفضيحة ، والذي كان ممكنا تلافيه ، ونحن هنا لا نعني استمرار الدعاية الانتخابية بعد انتهاء المهلة ، ولا تصويت البعض أكثر من مرة ، ولا ثغرة تمديد الموعد النهائي المحدد سلفا ،حتى صرنا سجليين : انتخابي و مدني ، لكننا نعني تلك الصورة المفزعة التي وزعتها وكالات الأنباء لزكريا الزبيدي < لا أعرف هل قصد منها المفاخرة أم المجاكرة ، أم المقاهرة " حين ظهر محاطا بحراس مدججين بالسلاح من الأخمص إلى الناصية ، بينما هو يضع ورقه الانتخابية في صندوق الانتخابات !!ياجماعة هذا صندوق انتخابات وليس دبابة ميركافا !! لن نقول من سمح له ، إذ لا أحد يستطيع منعه ، ولكننا نسأل كيف سمح لنفسه بأن تكون الفضيحة بجلاجل ، وعندما وفر وليمة لوكالات الأنباء التي تتصيد في الماء العكر . ولو لم نعكر نحن الماء ، لما وجدوا ما يتصيدونه لدينا .

ثامن عشر : " نهضة البروتسية

" ولا شأن لنا في انقلاب الآخرين "180" درجة من بطانة العهد السابق ، إلى متماهين مع "العهد الأحق" رغم الفارق النوعي بين العهدين . لكن ما لن نصمت حياله ، هو مطالبة هؤلاء بالبيرسترويكا والغلاسنوست ، وهو أول ما طالب به أحدهم يوم 11/1/2005 عبر إحدى الجرائد الفلسطينية اليومية ..فقد اعتلى الرجل منبر أناه العالية جدا ، وطالب الأقلية بعد انكشافها !!! إلى إتباع الأغلبية .. وإلا !! ثم انبرى مطالبا بالأمن والأمان ولو جاء على جثث الآخر الفلسطيني .

فقلت يا سبحان الله هذا الرجل الذي يملك أسطولا من المحلات في غير مدينة ، وأسطولا من السيارات فلسطينيا وعربيا ، ويرأس مجموعة من المؤسسات الرسمية بما فيها من موازنات وامتيازات .. بدأ يعطينا دروسا في لوازم الديمقراطية الأخيرة بوضع حصانها أمام العربة . ولأنه تحدث عن ضرورة الالتزام بقواعد اللعبة ، فإننا نستخدم تلك القواعد نفسها ، لنطالب أسياده بما يلي " أنقذونا من أمثال هذا قبل فوات الأوان " حتى لا نصل إلى منطق " انجح سعد فقد هلك سعيد " هذا إذا كنا لم ندخل تلك المرحلة بعد !

تاسع عشر : محطة فتوح

بصراحة .. لقد كنت سعيداً جداً أن الفترة الدستورية للرئيس المؤقت لم تكن ثلاث أشهر أو 65 يوماً .. و تمنيناً أن تنتهي الأيام الستون سريعاً لأن ذلك أفضل لنا و للرئيس المؤقت من قبلنا.

لماذا ؟ لأن ما عرفناه عن تسابق شلل الدهاقنة السلوليين المشهود لخم بالشطارة والعيارة و التبويس المريب استعانوا على حوائجهم في هجوم الترقيات و التعينات بالكتمان بإبقاء الخبر منحصراً بينهم ، وحكراً عليهم ..و حطراً عليهم .. و لما علمنا متأخرين جداً بهوية و خبرة و اعمار من عرفوا من تؤكل كتف روح روحي .. صرخنا :نار تعينات الراحل و لاجحيم المؤقت.

لماذ مرة أخرى ؟ لأننا نتمنى أن يعين الرئيس المؤقت لجنة من أهل الحكمة و الخبرة والضمير كي نفتح ملف بازار التعينات و الترقيات و المساعدات في العام الأخير للرئيس و التي تجوفت طبولها و تجوفت حتى صار خبر الترقية المذهلة يدق في رام الله ثم نسمع بعد دقيقة في سيبيريا وهضبة التبت و هو ما يتحمل مسؤوليته أهل الشورى ممن فرضوا أنفسهم علينا عبر صور الراحل في مكتبه و اجتماعاته و طائراته و عشائه و سياراته .

حسنا فعل الرئيس المؤقت باعتبار كل تعيناته و ترقياته كأن لم تكن ، مع إحالة الأمر إلى مجلس الوزراء.

هل نقول نقطة و أول السطر ، كلا ، فما زال في الفم دم كثير ‍‍‍!!.

عشرون : محطة " النكوص "

وتابعت ما عرضته وسائل ال" ميديا " وخصوصا الفضائيات ، من عينات عشوائية لازاء المواطنين الفلسطينيين ومطالبهم ، فوجدت أن غالبيتها العظمى تراوحت أمانيها بين " المأكل والملبس والمشرب وسهولة الحركة ، وان لا تكون المدارس والجامعات ثكنات عسكرية "!! قلة من طالبوا بالثوابت يبدو أنهم سلموا بأن للثوابت رب يحميها .

وتذكرت بأننا احترفنا العزف على أوتار " شعب الجبارين " حتى قطعناها ،واعدنا النغمة حتى افر غناها من محتواها _إلى حين طبعا _ وذلك عائد إلى أن المؤسسة !! قامت على سياسة " الكيل بمكيالين " مثلا : أبناء شعب الجبارين ، ينطبق عليهم المثل " أحشفا وسوء كيلة " أما أبناء المختارين منه : كالسنافر والأمراء وأطفال الأنابيب فينطبق عليهم : " تعود بسط الكف حتى لو أنه ثناها لقبض لم تطعه أنامله "

بهذه العقلية أصبح التناقض عاما ، مذهلا ، ومعاشا وملموسا ومشموما ومسموعا ومرئيا وفضائيا

خذ عندك هذا المثال : طفلة أنابيب لعضو لجنة مركزية وفتح ،تحصل على توقيع " الخلف " بمجرد تخرجها فتصير وكيل وزارة مساعد "صدق أو عمرك ما صدقت" ... في حين ..يستمتع شقيقها الطالب " أبو شبرة " كما قام بتوصيفه العقيد محمد دحلان في إحدى ندواته بأموال " يصرف له " الدورية المرسلة له إلى إحدى عواصم أوروبا كي يكمل منافسته لأحمد زويل !

أما على الجانب الآخر : فأينما وليت وجهك ثمة عشرات الآلاف من الخرجين العاطلين عن العمل . ثم يبكي أحدهم أمامك بكل ما أوتي من انكسار ، ذاك أن والده يصرف عليه ، فيما التلفاز الفلسطيني " مجال تخصصه " يخبره : نريدك ولكن لا اعتماد ماليا لك عندنا !!

وفي المشهد الكواليسي الكابوسي ،نعرف عن مئات من أبناء امرائنا يعملون منذ سنوات في الخليج ، في حين ما زالت رواتبهم سارية المفعول على ملاك السلطة هم وزوجاتهم الأميرات " تحرق العين " ناهيك عن مئات السيارات الحكومية الفارهة التي صرفت للأباء ثم تحولت إلى كراجات الأبناء يعرف الجميع أن أغلبية مراسلي الفضائيات والتقنيين في مكاتبها ، تعاقدوا على رواتب تعادل "2500" دولار ، ناهيك عن الامتيازات والوقت الاضافي . وبالرغم من هذه الحقيقة المليحة ، إلا أن الوجه الخلفي لها هو الفضيحة بعينها ، ذاك أن رواتب أخرى لهؤلاء جميعا ما زالت سارية المفعول ، منذ عشر سنوات ، من وزارة المالية ، وعلى ملاك التلفاز والفضائية ووكالة الأنباء " وفا " !! مع العلم أن رواتب الواحد من هؤلاء يكفي لتشغيل 3_4من الخريجين العاطلين عن العمل .

ناهيك عن أن عقودهم مع الفضائيات تشترط عدم الازدواجية ولتفترض أن المراسل والتقني قد سمح لنفسه بهذه السرقة على أنها مغنم ، فلماذا يتستر المسئول عن هذه الجريمة ؟

بالمناسبة .. لو غاب أحد ضعاف الموظفين يوما واحدا دون مبرر طبي ، لوجد ذلك مخصوما من راتبه آخر الشهر !

أيها السادة : وحين استعرضت الفضائيات عينات عشوائية من آراء أبناء المخيمات في لبنان حول مطالبهم من الرئيس القادم ، توحدت إجاباتهم : بدنا نرجع ، بدنا نعود ..وبس .فقلت ياسبحان الرب ! هؤلاء الممنوعون من 70 مهنة من بينها مهنة جمع القمامة ، لايريدون مأكلا أو مشربا أو ملبسا أو سهولة الحركة . فقط يريدون أن يعودوا !

وأناديهم : يافلقة الروح ، يا تقصيرنا المدوي ، يا مستحيلنا الوفي ، " حلوتسا " في انتظاركم وكذلك كثبانها !! فإلى أين أيها المقيمون في الأناشيد المقدسة ، الصاعدون على سلالم الألم .. فحيث أنتم ثمة المنع من الحياة .. وحيث تريدون ثمة المنع من الوطن !!

أيها الناس : سجون مصر تعج بالوزراء والمحافظين . أما نزيل سجون الأردن فهو الرقم الأمني الأصعب " البطيخى " وفي لندن يصرخ صحافي من " ديلي تلغراف " أنا أدفع أموالا لجابي الضرائب كي يصرف تذاكر سفر للوزير ، لا لكي يصرف على عشيقته وخادمتها !! فيطير الوزير . أما انتم فتصرفون على الأمير والوزير وعلى عشيقته وجواريه وقصوره ..فيمكث الوزير وتطيرون أنتم . وها أنت تتطورون وتتقدمون ..فبعد أن كنتم تدينون العمليات ضد المدنين ، صرتم تدينونها ضد الجنود !!

لم يبق لي إلا أن اختم بقول ميشيل فوكو " إني أزيل كل داخلية في هذا الخارج الذي لايبالي بالفرق بين حياتي وموتي ".

http://www.alhaqaeq.net/

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع