غوغائيون في المدينة...
!!!
رائعةٌ إنجازات الانتفاضة المباركة؛ فعلى مدار
أربع سنوات؛ لا يزال الشعب الفلسطيني يسطر بطولاته بيده في سفر التاريخ
الخالد, إلا
أن
الكثير من المشاهد اليومية السيئة؛ قد سادت بفعل ضعف القانون لأسباب
متعددة؛
أولها بُعد القيادة الفلسطينية الممثلة بشخص الرئيس عرفات عن قطاع غزة
لفترة طويلة؛
بعد
أن احكم التتار عليه الحصار, و ثانيها ما تعرضت له مقرات بعض الأجهزة
الأمنية
من
استهداف إسرائيلي حاقد؛ و ثالثها انتشار الفقر و البطالة بين الناس؛
كعقاب لهم
على
استمرار الانتفاضة, و رابعها انتشار مظاهر التسلح الخاطىء في
الانتفاضة؛ بعد أن
تحول السلاح إلى سلعة يمكن حملها في كل مكان؛ و استوى هواة الاستعراض
مع المناضلين
الشرفاء؛ في حيازة السلاح الذي يُشهره كثيراً الغوغائيون؛ و ليس
المناضلون
الحقيقيون في وجه المواطن بغير وجه حق.
ثمة
مسرحية يبدو أنها لا تنتهي؛ كم
تمنينا أن يكون القانون سيد الموقف هنا كي ينهها؛ و لكن ضعفه أو غيابه
جعل من
الفوضى و التسيب و الاستهتار؛ حالة يومية معاشه في كل مدينة؛ و لاسيما
مدن الجنوب
في
غزة؛ و المشاهد المتكررة تؤكد ما نقوله, و هنا نذكر بعض ما رأينا من
مواقف؛ لأن
كل
موقف يمثل عنواناً لمشكلة؛ و كثيرا ما تتوحد العناوين في مصب مشكلة
واحدة؛
علاجها الوحيد هو تفعيل دور القائمين على حفظ أمن المواطن؛ من مختلف
الأجهزة
انطلاقاً من الشارع, فالحكاية تبدأ مشاهدها من هناك وهذه بعضها:
المشهد
الأول: كي أصل إلى وسط المدينة؛ كان لابد لي أن أستقل سيارة أجرة؛ و ما
أن لامست
قدماي الشارع الرئيسي العام, نويت إيقاف أي سيارة كي تأخذني إلى حيث
أريد, فتوجهت
إلى
إحدى السيارات؛ التي كانت تتوقف وسط الشارع؛ و كان أحد الشباب يتحدث
إلى سائقها
من
الخارج؛ فظننت انه راكب يريد أن يوضح للسائق قبلته؛ فذهبت إليه لعله
يحملني معه,
و
ما أن نظرت إلى سحنته؛ صعقني انه كان يشتري مخدرات من الشاب الذي كان
يفاصله
السعر؛ فقررت محاصرتهما بنظراتي علهما يخجلان؛ أو يدركان بأنني قد
اكتشفت الجريمة؛
و
لكن البيع تم بطريقة سلسة و بدون إزعاج من أحد؛ و كأن أحدا لم ير, و
هنا نقول من
المسئول ؟
المشهد الثاني: أراد العريس أن يقيم حفلةً محدودة في مكان مستور؛ و
ذلك
لظرف عائلي خاص؛ فدعا قرابة الخمسين من الرجال؛ و استأجر مطعماً و مقهى
نشهد له
بالنظافة و الوقار و الاحترام؛ بل ويعتبر متنفسا لكل أبناء المدينة بعد
أن حُرم
سكانها من البحر؛ و بدأ الحفل بهدوء و صوت منخفض؛ كي لا ينزعج السكان
المجاورون
لمبنى المطعم من علو الصوت؛ دون وجود فرقة موسيقية؛ إذ اكتفى ذوو الحفل
بأغاني
مسجلة على أشرطة تُباع في الأسواق؛ و بعد ساعتين حضر بعض المسلحين
الغوغائيين إلى
المكان, و قاموا بإطلاق النار أمام المحل؛ و طردوا المدعوين من المطعم؛
و حطموا
زجاج بعض نوافذه الداخلية؛ و نصبوا أنفسهم قضاة شرعيين لما يجب أن يكون
و ما يجب
ألا
يكون !!! والغريب في الأمر أنه قد كان بالقرب من المكان؛ حفلة عرس تغلق
أكبر
شوارع المدينة و أقدمها؛ و لكن هذا العرس ليس مستهدفا؛ لأن صاحب العرس
لا يوجد عنده
مشكلة مع المسلحين؛ الذين تبرأت تنظيماتهم منهم, بينما صاحب المطعم كان
هدفا بحد
ذاته في رؤؤس مرتكبي الجريمة.
المشهد الثالث: أراد الدكتور الجامعي أن يسافر إلى
عمله بالسعودية؛ و لكن الأمر ليس سهلاً؛ لأن المعبر مزدحم؛ ففعل ما
ينبغي فعله؛ بأن
سلم
جواز سفره إلى ذوي الشأن في المعبر, و في اليوم التالي ذهب ليسأل عن
موعد سفره؛
فوجد أن جوازه قد تبخر, و لم يعد له مكان في المعبر, فسعى سائلا عن
الجواز في كل
مكان, لينتهي به الأمر إلى مفاوضات عبر التليفون مع مجهول؛ و ذلك على
طريقة الأفلام
المصرية القديمة, يبلغه بان الجواز سيعود و لكن مقابل مائتي دولار؛ و
تمت عملية
المقايضة, دون تفسير اللغز
!!!
المشهد الرابع: كنت أسير نحو ميدان المدينة
الشهير؛ و فجأة وجدت الناس تبتعد مرعوبة؛ فقلت في نفسي أن أمراً جلل قد
وقع,
فابتعدت عن الطريق مع من ابتعدوا دون معرفة السبب, و دققت في النظر
بدافع الفضول؛
لعلني اعرف الشيء الذي هربت منه الناس؛ ليتبين لي بأنه موكب عروس, و قد
تقدم خمسة
من
المراهقين يحملون السلاح أمام سيارة العروسين؛ و بدأوا في إطلاق النار
بشكل مائل
مما
قد يعرض حياة الكثيرين للخطر, و لكن من يستطيع أن يحاسب أو يعاتب ؟
المشهد
الخامس و ليس الأخير: بينما كنت أنتظر الدور في صالون الحلاقة, كان
يجلس بجواري رجل
ثلاثيني؛ و في يده سلاح من نوع "كلاشنكوف", كم رأيته يسير به في شوارع
المدينة,
فظننته من القادة الميدانيين للمقاومة, و حفاظا على شعوره و على حسه
الأمني, رفضت
أن
أشارك في الحديث الذي كان يدور بينه و بين بعض الجالسين المنتظرين
دوراً
للحلاقة, كي لا أكون موضع شك من قبله؛ و هو لا يعرفني, و بعد نصف ساعة
من الحديث
اكتشفت بأن صاحبنا القائد؛ غير منتمي لأي تنظيم ويعمل في تجارة السلاح؛
و أن هذا
"الكلاشينكوف"
بضاعته التي يعرضها للبيع !!! و لأنه لا يملك غير قطعة السلاح هذه؛
فإنها دائما تسير معه على كتفه؛ و هو لا ينكر أن السلاح هذا يزرع له
الهيبة في نفوس
الناس, فأهلاً و سهلا
!!! .
الغوغائيون في كل مدينة؛ والمشاهد لا تنتهي؛
والمسرحية كئيبة, فيها نحن الظالم و المظلوم؛ لا جديد فيها غير تكريس
الشعور
بالإكتئاب لدى الجميع, و من هنا نداء نوجهه إلى كل من يعتبر نفسه
مسئولاً عن أمن و
حياة المواطن, و إلى من يهمه الأمر؛ بأن انتبهوا إلى هذه الظواهر
السيئة؛ التي لا
تليق بنا كشعب مقاوم ومناضل, لذا فإننا نطالب جهاز الشرطة أن يتولى
القيام
بمسؤولياته الموكلة إليه؛ و العمل بالتنسيق مع الفصائل الفاعلة على
الأرض, على
محاسبة كل فرد يطلق الرصاص في المكان الخطأ, مع التأكيد على محاربة
الاتجار
بالمخدرات و تعاطيها.
المترجـم الصحفي
تامــــر
المصــري
thawrah211@hotmail.com
|