تحليل اخباري

 11/9/2005

اغتيال عرفات يخير دحلان والرجوب بين استعادة التحالف أو مواصلة العداء

ضعف عباس والقدومي يدفع لإنتاج دولة غزة وابقاء الضفة لشارون

شاكر الجوهري

أظهر اغتيال اللواء موسى عرفات, الرئيس الفلسطيني محمود عباس, أكثر ضعفا, بما لا يقارن مع توقعات المراقبين لأداء القائد الفلسطيني الإنطوائي, الذي كان يعالج خلافاته مع الرئيس الراحل ياسر عرفات, واعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح", بالإعتكاف أو تقديم الإستقالة.

وحين توفي عرفات, كان عباس, ليس مستقيلا فقط من رئاسة الوزراء, لكنه كان مستقيلا كذلك من عضوية اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية, والمركزية لحركة "فتح".. بل ومن عضوية الحركة, التي أعلن حينها أنه لن يعود الى عضويتها مطلقا.

ولم يجعل عباس رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير, ثم رئيسا للسلطة الفلسطينية, غير تقاعس فاروق القدومي عن القيام بالدور التاريخي, الذي وجد نفسه غير مؤهل له, فرشح عباس بدلا عنه.

وللمفارقة, فإن الساحة الفلسطينية تشهد, منذ وفاة ياسر عرفات, صراع الضعفاء. رئيس ضعيف للسلطة, يصارع ضعيفا آخر, تذكر فجأة أنه أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح"..! ولذلك يحاول كل منهما الإستقواء بآخرين.

عباس يعمل على الإستقواء بمحمد دحلان ورجاله..!

والقدومي يعمل على الإستقواء بالفصائل الفلسطينية الأخرى, وفي المقدمة منها "حماس" والجهاد الإسلامي, الى جانب ما يتيسر له من رجال "فتح" والسلطة الحانقين.

وتزداد المفارقة ادهاشا, حين يتحول عباس والقدومي الى واجهتين ضعيفتين لجوهر الصراع بين دحلان وفصائل وقوى المقاومة الفلسطينية, وذلك في خضم بحث كل من الجانبين عن واجهة شرعية, وجدها دحلان في شخص رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير, رئيس السلطة الفلسطينية, ووجدتها قوى المقاومة في شخص أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح", رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وهذا كان المدخل لصراع المرجعيات, عبر اعلان القدومي عدم شرعية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير, جراء فقدانها النصاب القانوني, وبالتالي عدم شرعية انتخاب اللجنة لعباس رئيسا لها, ثم تفويضه بصلاحيات رئيس دولة فلسطين, مع أن القدومي هو من رشح عباس لرئاسة اللجنة التنفيذية. وعبر اعلان عباس عدم وجود منصب رئيس حركة "فتح", أو رئيس اللجنة المركزية لحركة "فتح", وإنما القائد العام, الذي يلوح بأن يشغل موقعه, وأمين السر الذي لا صلاحيات له أكثر من كونه عضوا في اللجنة المركزية.

اوراق مخلوطة

وهكذا, فإن عباس لا يستطيع فعل ما لا يريده دحلان. والقدومي لا يستطيع فعل ما لا توافقه عليه فصائل المقاومة.

هذه الحقيقة تظهر صارخة للعيان الآن حين تخلط اوراق بعض رجال دحلان, مع بعض رجال المقاومة, في عملية اغتيال اللواء موسى عرفات, المستشار العسكري لرئيس السلطة, وحليف القدومي..!

هو مستشار لرئيس السلطة, لأن عباس الذي أطاح به, أراد أن يبقيه ورقة احتياطية يحاول من خلالها موازنة الكفة مع دحلان.. الحصان الجامح الذي لا حدود لطموحاته, بما في ذلك طموحاته في تولي رئاسة السلطة بدلا من عباس, الذي فكر بالفعل, بل إنه أبلغ عرفات أنه يريد أن يعينه قريبا وزيرا للداخلية, فلم يقبل بذلك دحلان.. وكان ما كان بهدف التأكيد على وحدانية العنوان في غزة.

وهو (عرفات) حليف للقدومي, لأن أمين السر يرفض قانون التقاعد, ويرفض احالة المناضلين الى المعاش.

وفي اطار هذا التحالف يضع القدومي, المدافع عن بندقية المقاومة, والمطالب باستمرارها, والناقد الدائم للفساد والفلتان الأمني.. يضع يده بيد أحد رموز الفساد, والعدو اللدود والشرس لقوى المقاومة, الذي مثلت مسلكياته على الدوام, بما في ذلك عمله في تشكيل ميليشيا خاصة به, بعد اقالته من قيادة الأمن الوطني والإستخبارات العسكرية, نموذجا للفلتان الأمني..!!

بل إن القدومي كان يبحث عن المال في كل مكان, من أجل أن يدفعه لهذا الحليف أو ذاك, بغض النظر عن المواقف أو المسلكيات, حتى قادته قدماه مؤخرا الى سلطان بروناي.

وفي الأصل, فإن موسى عرفات كان يملك المال, الذي جنى معظمه, وهو كثير, من الأتاوات التي كان يفرضها على المواطنين في المعابر. وهنا كانت بداية التنافس والخلاف الأعمق مع دحلان..!

الآن, بمقتل موسى عرفات, يفقد القدومي حليفا قويا داخل الأراضي الفلسطينية, ويفترض أن يفقد عباس حليفه المقابل محمد دحلان عبر اجراءات عملية تستهدف الذين اغتالوا مستشاره موسى عرفات..!

لكن عباس لا يفعل, لأنه ضعيف, ولأنه لم يحن موعد فك التحالف مع دحلان, الذي ربما يضعه (فك التحالف) ضعف وتردد الرئيس بيد الوزير..!

وهكذا نجد عباس لا يستطيع أن يطيل استقباله لمنهل, نجل موسى, العائد من الإختطاف, لأكثر من بضع ثوان, ظل خلالها صامتا, باستثناء دمعات غادرت عينان معبرتان عن حزن دفين على الحال التي آل اليها, بأكثر من حزنه على القتيل والمخطوف, الذي تعرض لتعذيب متواصل على مدى 48 ساعة.

تجاهل المعلوم

ونجده يوافق على تكليف المجلس الثوري لحركة "فتح" كلا من سمير المشهراوي, يد دحلان اليمنى, ونائب مدير الأمن الوقائي, الذي يتهمه الجناح الأساسي في لجان المقاومة الشعبية بقيادة جمال أبو سمهدانة, بأنه كان "المخطط ومدبر العملية (الإغتيال) المباشر", الذي كان دحلان, ووفقا لبيان أبو سمهدانة "العقل المدبر ومن أعطى القرار بتنفيذها", في حين نجح (دحلان) في "توريط بعض عناصرها (لجان المقاومة الشعبية) في الجريمة".

نجد عباس يوافق على تكليف المتهم "المخطط ومدبر العملية", بالعمل على اطلاق المخطوف منهل. وهي المهمة التي كلف بها كذلك أحمد حلس, القريب من أبي سمهدانة. فكان أن توجه كلاهما مباشرة الى المنزل الذي كان منهل محتجزا فيه, وعادا به الى الرئيس, وفقا لشروط معلنة, وشرط غير معلن.

الشروط المعلنة هي: "اعادة الأموال التي تم الإستيلاء عليها من المواطنين, ورد جميع المظالم الى اهلها, وفتح ملفات الفساد في السلطة, ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب, وفتح الباب أمام الشرفاء".. أي وضع الخاطفين في مواقع اتخاذ القرار..!

أما الشرط غير المعلن فهو مغادرة منهل قطاع غزة..

القتلة الخاطفون إذن معروفون كأشخاص وعنوان, وهم يضعون شروطا على السلطة, التي تقبل بهذه الشروط الهادفة الى اكساب جريمتهم للشرعية, والإنتقام من منهل, وإبعاده عن الساحة التي قد تشهد انتقامه منهم..!!

ورغم كل ذلك, يؤكد الرئيس عباس "أن وزارة الداخلية والأمن الوطني تبذل كل جهد للكشف عن الذين ارتكبوا هذه الجريمة النكراء وتقديمهم للمحاكمة"..!

إن تأكيدات الرئيس تعني أحد امرين لا ثالث لهما:

الأول: أن سمير مشهراوي لم يخبره, ولم يخبر وزارة الداخلية أين كان يحتجز منهل ومن أي عنوان أطلق سراحه, ومن فاوض, أو مع من تحدث, أو من هو صاحب القرار في ذلك العنوان.

الثاني: أن عباس أضعف من أن يتخذ أي قرار.

ونحصر الإحتمالات في اثنين لأننا واثقون من أن الرئيس أضعف من أن يكون ضالعا في ارتكاب مطلق جريمة من هذا الطراز.

ولأنه كذلك, أبلغ وزير خارجية اسبانيا أنه بات يخشى أن يطاله هو الرصاص في المرة المقبلة..!

ما سبق يتعلق بالتحليل, أما المعلومات التي تؤكد صحة التحليل فتقول إن المجلس الثوري انقسم على نفسه وهو يبحث ما يجب فعله لإطلاق سراح منهل عرفات, إذ كان هناك من يطالب بإرسال قوات امنية لإطلاق سراح منهل واعتقال خاطفيه, حيث أن العنوان معلوم, وكان عباس وانصاره يرفض اتخاذ أي اجراء..!

انتقام الأسرة

وهكذا وجد المجلس الثوري نفسه يقرر تكثيف الجهود للكشف عن منفذي الجريمة, ومراجعة الوضع الأمني, ومحاسبة قادة الأجهزة الأمنية لتقصيرهم بإفشال محاولة الإغتيال, رغم أن منزل موسى عرفات يقع في وسط منطقة امنية, كما قال صخر بسيسو نائب أمين سر المجلس.

أي أن المجلس أرضى الجانبين لفظيا.. فهو قرر كشف المجرمين المعروفين أصلا, ومعاقبة قادة الأجهزة الأمنية الذين لا يريد, أو لا يستطيع الرئيس أن يعاقبهم..!

هذا الضعف لا يقتصر تشخيصه, وتوظيفه فقط على المتهمين المعروفين باغتيال موسى عرفات, لكنه يشمل كذلك آل عرفات القدوة, ومنهم وزير الشؤون الخارجية في حكومة عباس, الذي لن ينجح في تهدئة خواطر, واحتواء غضب أحمد القدوة (الحاج مطلق) الشقيق الأكبر لموسى.

صحيح أن آل عرفات القدوة معدودون, لكن الصحيح أيضا أن اللواء الحاج مطلق, وهو مسؤول سابق للإدارة والتنظيم في الأمن الوطني, وكذلك منهل, يملكان مالا وفيرا قادر على تجنيد الرجال المحتاجين للمال, أو الراغبين فيه.

وقد تجلت مقدمات ومؤشرات الإنتقام في:

اولا: رفض الحاج مطلق دفن جثمان شقيقه قبل اطلاق سراح نجله منهل.

ثانيا: رفض دفن الجثمان في مقبرة العائلة في خان يونس, ما أدى الى أن تقوم السلطة بعملية الدفن في مقبرة الشهداء في غزة.

لم يكن الهدف من ذلك الإصرار على تكريم موسى عرفات, وإنما التعبير عن أن العائلة ترفض الدفن, وأنها ليست مسؤولة عن دفنه, لأنها تطلب الإنتقام اولا, وفقا للعادات العشائرية.

ثالثا: ولأن الأمر كذلك, فإن الحاج مطلق يرفض تقبل العزاء في شقيقه الأصغر منه, والذي كان على الدوام بمثابة ولد له.

وعلى ذلك, فإن اطلاق سراح منهل, لم يأذن فقط للسلطة بأن تدفن جثمان مستشار الرئيس, لكنه يأذن كذلك ببدء الإنتقام, بعد أن لم يعد منهل في خطر. ومن أجل اعطاء فرصة لاحتواء ردة الفعل الغاضبة, اختطف القتلة منهل. وللحيلولة دون أن ينتقم منهم لأبيه, اشترطوا مغادرته قطاع غزة..!

عباس ـ دحلان ـ الرجوب

الى ذلك, فإن ضعف الرئيس, أو حساباته ـ لا فرق ـ فوتت عليه فرصة الإطاحة بدحلان عبر القضاء, حتى لا يكون هو الهدف المقبل لرصاص الفلتان الأمني.. مع أن اغتيال موسى عرفات مثل ظرفا مثاليا للإقدام على مثل هذه الخطوة.

وحسابات الرئيس لا تقتصر فقط على ميزان القوى والسياسة, لكنها تتجاوز ذلك أيضا الى المال, والشراكة القائمة بين نجله ياسر ودحلان, وقد كان آخر انجازات هذه الشراكة العقد الذي حصلا عليه بقيمة ستين مليون دولار مقابل رفع انقاض المستوطنات الإسرائيلية, التي هدمت قبل الإنسحاب من غزة.

ويبقى السؤال الأهم: ما هي الخطوة المقبلة..؟

التوقيت الحالي ليس مناسبا لإطاحة الرئيس, خاصة وأنه يقر بواقع الحال.. ضعفه وقوة دحلان..!

هل يقدم دحلان اذن على تصفية خصمه الآخر اللواء جبريل الرجوب, المستشار الأمني لعباس, الذي كان بينهما ما صنع الحداد, اواخر عهد ياسر عرفات..؟

دحلان الذي يغلب الحسابات السياسية على الرغبات العاطفية, لا مصلحة له الآن في تغييب الرجوب, لأنه قد يرغم عباس على اتخاذ قرار من شأنه أن يخلط الأوراق على نحو لا يعرف أحد كيف يمكن اعادة فرزها بعده.

ثم ما الذي يمكن أن يجنيه دحلان من تغييب الرجوب, وهو الذي كاد يقتصر نفوذه على قطاع غزة, ولا يمكن أن يكون مقبولا من القادة الآخرين في الضفة, بعد أن قدم نفسه طوال الفترة السابقة ممثلا لغزة, في اطار حساسية غير مبررة, ساهم في تكريسها...؟

قد يكون المطلوب الآن استعادة تحالفه السابق مع جبريل الرجوب, الذي عمل ياسر عرفات على انهائه عبر لعبة تدمير مقر الأمن الوقائي في بيتونيا.

الرجوب نفسه يتصرف الآن على هذا الأساس, وهو ينتفض غضبا في وجه من يأتي على ذكر دحلان امامه بسوء, أو حتى بتساؤل.

لقد قام التحالف السابق بين الرجلين على قاعدة تقاسم وتكريس النفوذ, باعتبارهما أقوى رجلين في السلطة الفلسطينية.

ولكن, هل يفكر دحلان كما يفكر الرجوب..؟

إن لم يكن يفكر كذلك, فإن ضعف عباس وطموحات دحلان غير المحدودة قد يؤدي الى تدمير القضية الفلسطينية عبر اقامة دولة دحلان في غزة, بحكم الأمر الواقع.

وهذا هو الهدف اساسا من خطة شارون..!!

غير أن مثل هذا الهدف يستنهض كل قوى المقاومة ضده, وفي المقدمة "حماس", ويفقد هذه القوى أية حاجة الى صورة القدومي بين صفوفها.

 

الى صفحة القائمة السوداء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع