صراع الأجيال الفلسطينية على السلطة
بقلم :لهيب عبدالخالق
ربما لا يجد المراقب السياسي من خارج المشهد الفلسطيني سبباً لسقوط
الحواجز الأخلاقية بين فصائل فلسطينية أو بين المؤسسات والتشكيلات
الفلسطينية التي خاضت نضالاً قسرياً وقاهراً وطويلاً ضد الاحتلال.
فحيث وجدت القضية الفلسطينية منذ نصف قرن ويزيد، كانت هناك أولويات
تتصدر اللوائح والأجندات السياسية، ولم يكن بينها في أي وقت الصراع على
الكراسي، وعلى حساب إسقاط كل أوراق التوت وإحراق كل المراحل بما فيها
آخر أحلام التسوية.
في
المؤسسة الفلسطينية حيث كان النضال الفلسطيني رمزاً عربياً تشتعل حرب
بين الحرس القديم والجديد، وعلى خلفيات التشبث بكراسي السلطة، إذ يجد
الحرس القديم نفسه محصوراً بين مطالب إسرائيلية بالتنازل عن الكثير من
الحقوق، وبين شوكة الجيل الجديد التي بدأت تشتد وترى أفقاً آخر لنيل
الحقوق.
كثير من المراقبين لحظوا التشققات التي حاولت أجهزة السلطة الفلسطينية
إخفاءها دون جدوى، ولعل أول بوادر هذه التشققات نزوع شخصيات مثل هاني
الحسن وعباس زكي وصخر حبش إلى الهجرة خارج الأرض التي قاتلوا وناضلوا
بشراسة للعودة إليها، فالحسن وزكي طالبا بشكل رسمي مغادرة الأرض
المحتلة ولكن على عجلات دبلوماسية.
صخر
حبش الذي لم يكد يتلمس دربه بعد تجربة مرة بالأرض المحتلة، أشد مرارة
من تجربة اللجوء، شحذ أسلحة هجومية ضد الرئيس الجديد متهماً إياه بأنه
جاء على دبابة أميركية.
لم
يطل انتظار حبش لرد الفعل السلطوي الذي جاء بنبش مؤسسات حبش الإعلامية
التي قيل إنها واجهات وهمية برّر بها حبش وجماعته الرواتب الشهرية التي
كان يتقاضاها من الرئيس الراحل عرفات.
التراشق بالاتهامات لم يقتصر على الحرس القديم وحده، فقد انضمت جمهرة
الحرس الجديد للمعارضين لترشيح الطيب عبدالرحيم نائباً للرئيس، وقد لا
يُفاجأ أحد إذا ما رفضت كل المؤسسات التابعة لمنظمة التحرير هذا
الترشيح، لكن المفاجأة قد تكون بإصرار محمود عباس (أبومازن) عليه.
والطيب عبدالرحيم قصة أخرى، فهو السند الذي يبحث عنه أبومازن في وسط
تداعت حوله جدرانه القديمة وبدأت الأجيال الجديدة ترصف بنيانها في
السلطة.
المحيطون بالسلطة، والسياسيون الفلسطينيون يستهجنون إصرار أبومازن
عليه، فهو لم يحقق شعبية جماهيرية على الإطلاق، بل على العكس، ارتبطت
سيرته بالفساد الإداري ضمن أسماء مثل النشاشيبي وغازي الجبالي ومحمود
أبومرزوق وعلي شعف ومحمد دحلان وغيرهم.
وللأخير علاقة نفور مع الطيب عبدالرحيم، إذ برزت في فترة عرفات وما
بعده مشكلات بينهما على خلفية الصلاحيات وأمور شخصية، ناهيك عن قضايا
الفساد.
يُعد الطيب عبدالرحيم شخصية مقرّبة من أبومازن، وكذلك كان مدللاً لدى
الراحل عرفات، فهو محسوب على التيار الأردني في السلطة، خاصة وقد أقام
في الأردن وشغل منصب سفير فلسطين فيها لأربعة أعوام قبل أوسلو وله
علاقات قوية بالساسة الأردنيين.
دخل
فلسطين مع القيادة الفلسطينية إلى غزة فالضفة الغربية، وحاول التقرُّب
من المنظمة، لكنه فشل، وبرز خلاف بينه وبين أحمد عبدالرحمن الذي كان
أميناً عاماً للسلطة الفلسطينية، فقد زعم الأخير أنه الأحق بمنصب نائب
الرئيس الذي شغله عبدالرحيم أيام عرفات.
ويرى الفلسطينيون أن الطيب عبدالرحيم كان أحد مصادر الخلافات الداخلية
الفلسطينية بين «فتح» و«حماس» وبين «فتح» و«الشعبية»، وكان الجميع يؤشر
باتجاهه إذا دار الحديث عن أسباب توسع الخلافات.
ورغم أنه اتُهم بدس السم للراحل عرفات، لكن أحداً في الأرض المحتلة أو
من السلطة لم يتكلم بشكل واضح عن هذا الموضوع، حتى اللجنة التي شُكِّلت
للكشف عمّا أحاط بموت عرفات رفضت الحديث عن شيء.
وربما كانت قضية الطيب عبدالرحيم التي برزت على السطح مؤخراً قنبلة
دخانية تخفي وراءها تهاوي البناء الفلسطيني، فقد وجه الرئيس الفلسطيني
لطمة للديمقراطية الفلسطينية كما وصفت «حماس» عندما أعلن تأجيل
انتخابات المجلس التشريعي، والمؤتمر السادس لـ «فتح».
«حماس» اعتبرت هذا التأجيل سبباً كافياً للشك في مصداقية الاتفاقات
التي عقدتها السلطة مع الفصائل الفلسطينية في إعلان القاهرة وعدته
قراراً منفرداً يناقض الأصول والروح الديمقراطية، بل ذهبت إلى انه غطاء
على مشاكل داخلية تعاني منها السلطة.
«حماس» وضعت يدها على الجرح الحقيقي للمأزق السياسي الفلسطيني، خاصة
بعد التغييرات الدراماتيكية التي شكلها فوز «حماس» في الانتخابات
الأولى والمؤشرات التي رجّحت فوزها في الثانية.
لقد
جاءت قرارات «حماس» بالمشاركة في الحياة السياسية ودخول منظمة التحرير
الفلسطينية، مؤشراً على انعطافة مهمة في الحياة السياسية الفلسطينية،
وهو ما أثر على الشارع الفلسطيني فدعم «حماس» التي زاحمت شعبية «فتح».
ويرى الفلسطينيون أن فتح باتت تخسر مواقعها وجبهتها الداخلية، فقد
تفاقمت الخلافات داخلها على خلفيات كثيرة ليس أولها البطالة وليس آخرها
اقتسام الكعكات، وربما غياب الرمز الفلسطيني عرفات الذي عُرف بقدرته
على مسك الخيوط كلها بيد واحدة أحد أهم أسباب تأجيل مؤتمر «فتح»
السادس.
الشارع الفلسطيني يجد نفسه على مرمى حربين شرستين: حرب الداخل وحرب
العدو الصهيوني، وبين نار لم تخمد مدافعها منذ عام 1948، ونار الحرس
القديم وصراعه من أجل البقاء، تسقط كل إنجازات النضال الفلسطيني، ولن
تعود هناك قضية فلسطينية، لا لاجئين ولا قدس، ولا أرض، ولا شيء على
الإطلاق، سوى صراع الأجيال على كراسي ليست لها سلطة أبداً.
13-6-005
البيان الاماراتية
|