علي إثر مقالي في القدس العربي حول نتائج اجتماع اللجنة المركزية لحركة
فتح أرسل لي رئيس الحركة وأمين سر لجنتها المركزية، قراراً بتجميد
عضويتي من الحركة. وللأسف تسرع رئيس الحركة، أو بعض الذين حوله،
فأرسلوا القرار، الي عدد من وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية في
فلسطين، الأمر الذي أثار زوبعة أو فيضاناً من التعاطف مع كاتب هذه
السطور، وكأن الشباب، كانوا ينتظرون من أبو اللطف هذه الزلة التي أفصح
عنها منطوق القرار، إذ كان السبب هو المقال الذي تعرضت فيه لبيان
مركزية فتح . وقد أصدرت البيان التالي، لوضع المسألة في حجمها الطبيعي:
فوجئت بما صدر عن الأخ أبو اللطف، رئيس حركة فتح وأمين سر لجنتها
المركزية، بتجميد عضويتي من الحركة، دونما تحقيق، عن طريق لجنة
تنظيمية، مثلما تقتضي أصول العمل التنظيمي. وقد فاجأني أن قراراً كهذا،
يتجاهل انتقادات أشد مرارة، لمركزية الحركة، التي اجتمعت بكامل
أعضائها، بعد عشر سنوات، لتخرج ببيان إنشائي، يترك الملفات والأسئلة،
دونما إجابات وخطوات عملية ودونما مواعيد محددة!
قرار الأخ أبو اللطف، مؤسف من حيث هو مسيء له وليس لي. وبالطبع لا أقبل
الإساءة له، ولو سمع أخونا المُبجل، ردات فعل الشباب والقاعدة والأطر،
وأعضاء من المركزية نفسها، لقام فوراً بإجراء حاسم ضد من شجعه علي مثل
هذا القرار. ويعف لساني عن ذكر العبارات التي قيلت، والنكات،
والمقارنات، التي جعلت المسألة أشبه بدعابة سوداء، تحرك مياه الحركة
الراكدة. ويعلم الله أنني لا أرضي ذلك للأخ رئيس الحركة، الذي أعادني
ذات يوم، قبل أقل من سنتين، من مطار تونس، بعد أن توجهت للسفر الي
الوطن، ليبلغني في حضور الأخ أبو جعفر، مدير عام الدائرة، أن ثقته في
قوة شخصيتي وسلوكي تجعله علي قناعة بتكليفي بترؤس لجنة التحقيق مع
السفراء المخالفين!
ليس هناك أسهل من التعرض لمن لا يعيشون واقعنا، بما نعرفه عن عيوبهم،
لكن المهاترات لا تفسر التاريخ ولا تشرح الواقع. وأدعو الأخ أبو اللطف،
الي الاستدراك الفوري لخطئه، علي اعتبار أنه قد فتح الباب، للهجوم
عليه، وهذا غير مرغوب فيه. وربما أكون مضطراً للقول بالفم الملآن، أن
أحداً لا يستطيع تجميد عضوية مناضل من رجال الانطلاقة العسكرية الثانية
للعاصفة، في العام 1967 وجريح مرتين، وأسير لعشر سنوات، لا سيما عندما
يكون الطرف الذي يأنس في نفسه القدرة علي التجميد، لم يُضرب، ولم
يُسجن، ولم يُجرح، ولم يواجه الفاقة، ولم يصبر علي النعرات، وعلي الفرز
المناطقي للمناضلين، ولم تتشرد عائلته، من أجل فلسطين، وضمن مسيرة فتح
!
ليرتب أبو اللطف أموره، وليضبضب ورق الشّدة وليدقق في المسائل، فإن
وضعته في رأسي، ستكون الحكاية شافية جداً لغليل البعض الذي لا يقتنع
به. وستكون مبعث تسلية للآخرين. فلنحترم بعضنا، ولنحترم النظام!
عند هذه النقطة، انتهي البيان، لكن تعليقات كادرات التنظيم، في كل
أرجاء الوطن، جاءت أشد، واستشارني الكثيرون، في تفصيل ردود أفعال
مناسبة، ورأيهم أن هذا المنطق، الذي يبدأ به رئيس الحركة، بتجميد عضوية
كاتب فلسطيني ومناضل ملتزم، تاركاً الذين أطاحوا بقيم العمل الوطني
العام، وأهدروا مقدرات المجتمع، وعاثوا فساداً، وأوصلوا الحركة الي هذا
الحال؛ لا يبشر بالخير. ولم أكن سعيداً برسائل التضامن من شبابنا،
لأنها تناولت رئيس الحركة بما لا يسر، وهذا فعلاً لا أرضاه. ومن
المفارقات، أن أولي ردود الأفعال الغاضبة، جاءتني من نابلس جبل النار،
الأمر الذي يعكس فداحة الخطأ في تحديد العنوان وإرسال قرار التجميد
الذي لن يأخذ به أحد.
فالمعني بالأمر، كاتب يتواصل مع هموم ومشكلات شعبه، في كل الأرجاء،
وهذه الحقيقة بحد ذاتها، توضح أن رئيس الحركة لم يقلّب الأمر من كافة
جوانبه. فما جاء في مقالتي عن اجتماع مركزية الحركة، لم يكن فيه تلفيق،
مثلما ذكر الأخ أبو اللطف في قراره، لأن عدم الانعقاد، لسنوات طويلة،
لم يكن مبرراً، وهذه أولي النقاط في المقال. ولأن رفض أبو اللطف لأتفاق
أوسلو أعقبه تشجيع وموافقة علي خارطة الطريق وهذا موقف حدثني عنه
بنفسه، ولأن النظر الي خطوة الدخول الي الوطن، لا ينبغي أن تكون عيباً
لدي بعض أعضاء المركزية، وواجباً عند البعض الآخر، باعتبار أن هذا
التعارض في الرؤي، يعكس حال فقدان الانسجام السياسي أو التوافق علي
العناوين، ولأن إعلان نتائج انتخابات مركزية فتح في المؤتمر الخامس في
تونس، في العام 1989 جاء كإعلان عن الفوز بمغنم، وعن تشريف لا تكليف،
بحكم طبيعة التهاني والقبلات الحارة التي تخللت تلك اللحظة، وجاءت
الأيام لتثبت أن المزايا المالية هي مبعث السعادة، وأن مركزية فتح لم
تتحمل عبئاً، وإنما تحمل العبء، شباب القاعدة الفتحاوية، وقيادات الصف
الثاني وعلي رأسها القائد الأسير مروان البرغوثي، الذي أشبعوه غمزاً
ولمزاً، حتي بعد أن سيق الي السجن، ليدفع ثمن أدائه للدور الذي لم
يضطلعوا به!
التجميد هو المآل الذي يحيق بعضو، في حركة أو في حزب سائل، تجري
مفاعيله بأدق مما تجري الدورة الدموية. لكن فتح وعدلي صادق منها، يمران
بلحظات تجميد وتجلط، وبالتالي لا تجميد لأحد، في إطار لا يتحرك الي
مواجهة واجباته الإصلاحية. ومؤسف جداً، أن يكون من بين تعليقات الأخوات
والإخوة، من فتح علي قرار أبو اللطف بأنه وسام علي صدر عدلي صادق. لذا
دعوت رئيس الحركة لأن يستدرك وأن يعتذر أو أن يعلل، لكي لا يكون خاسراً
لصدقيته!