رسالة إلى العقيد محمد دحلان
بقلم : رأفت مرة
عزيزي العقيد محمد دحلان
تحية طيبة وبعد،
أردت في هذه اللحظة الفلسطينية الحرجة مخاطبتك بشكل مباشر وصريح، بسبب
ما يحكى عن دور مرتقب لك في الأشهر القادمة التي ستشهد انسحاباً
إسرائيلياً من قطاع غزة.
أردت مخاطبتك بشكل مباشر، لأنك كما يبدو صاحب الكفّة المرجحة لتسلّم
زمام الأمور لإدارة قطاع غزّة بعد الانسحاب الإسرائيلي. وطبعاً هذا
الأمر لا يفاجئنا لأننا نعرف أنك الأكثر قرباً إلى الإسرائيليين
والأميركيين والأكثر تفهماً للمصالح الإسرائيلية والأميركية، والأكثر
تفاهماً مع السلطات السياسية والأمنية في واشنطن وتل أبيب. ومن الطبيعي
أن تكون الأوفر حظاً لتسلّم هذه المهمة لأن وظيفتك في الماضي حين ترؤسك
للأجهزة الأمنية تمحورت حول تنفيذ الأهداف الإسرائيلية والأميركية من
اتفاق أوسلو، رغم أنك تبرر أفعالك بالإشارة إلى أنك كنت تنفذ قرارات
السلطة، وليس في هذا من شكّ.
عزيزي السيد دحلان،
لعلّك تدرك حساسية المرحلة الفلسطينية الراهنة التي أعقبت ثلاث سنوات
من الانتفاضة الباسلة التي أعادت تصويب القضية الفلسطينية وأحيت التمسك
بالثوابت الوطنية، وجددت مطالبة الفلسطينيين بحقوقهم وناضلت من أجل دحر
الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية المحتلة.
إن هذه الانتفاضة هي استمرار لمسيرة التضحية الوطنية الفلسطينية منذ
أوائل القرن الماضي، وهي تجديد للمطالب والأهداف الفلسطينية المعروفة.
لذلك فإن حجم التضحية الفلسطينية في هذه الانتفاضة، ومستوى الصمود
والتماسك الداخلي وتجليات الوحدة الوطنية المعبّر عنها بأكثر من مشهد
وموقف، لهي مبرر كاف للاعتقاد أن الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة وصلوا
إلى مرحلة دفعت الكيان الصهيوني للبحث عن مخرج ممكن وبأقل الخسائر لمنع
الانتصار الفلسطيني الأوسع أو لتأخيره، ولإخراج العدو الصهيوني بأقل
الخسائر الممكنة من الأراضي الفلسطينية. لا بل إن رئيس الوزراء
الصهيوني مع اقتناعه الكامل بأهمية الانسحاب من قطاع غزة، تحت تأثير
المقاومة، سعى إلى جعل الفلسطينيين يدفعون ثمناً باهظاً لأي انتصار
قادم لا يشك أحد في إمكانية تحققه، ولذلك عمل على بناء جدار الفصل في
الضفة الغربية وحاول رسم خطوط تحدد سلفاً نتائج أي مفاوضات سياسية
قادمة أو انسحاب إسرائيلي تحت ضغط المقاومة أو إنشاء دولة فلسطينية.
من ضمن هذا السياق يأتي الحديث عن إعطاء دور جديد لك لتسلّم إدارة قطاع
غزة، ولا يهم من الذي قدّم هذا الاقتراح طالما تؤيده حكومة شارون
وتدعمه السلطات المصرية حتى لو تحفّظ عليه الفلسطينيون وفي مقدّمتهم
رئيس السلطة ياسر عرفات والعديد من القوى الفلسطينية.
الحديث عن إعطاء دور لك في هذه المرحلة في ظل الظروف السياسية
الموجودة، يثير التساؤل ويدعو إلى الاستنفار. إذ مجرّد اقتراح اسمك
لتسلّم إدارة قطاع غزة مع إشارة عدد من الأطراف إلى أنك الرجل الوحيد
القادر على ذلك، ينبئ بالأسباب التي دعتهم لاختيارك وبالدور المنوط بك.
أنت تعلم أن اختيارك ليس لاستكمال مسيرة التحرير ولا لتحقيق الأهداف
الفلسطينية ولا لبناء الدولة الفلسطينية. اختيارك كما تعلم ليس لإعادة
اللاجئين ولا لتحرير القدس ولا لتنمية قطاع غزة ولا لبناء سلطة محلية
تقود القطاع نحو السيادة والاستقلال بالقدر الكافي، ولا لإجراء إصلاحات
تتماشى مع المصالح الفلسطينية، ولا لمحاربة الفساد وإجراء انتخابات حرة
أو تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية.
اختيارك هو لهدف واحد: حماية مصالح الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة
قبل الانسحاب، وحماية الكيان الصهيوني من قطاع غزة ومصالحه بعد
الانسحاب. أنت المعوّل عليك لقمع المقاومة وجمع الأسلحة واعتقال
المقاومين. أنت القادر على إقفال الجمعيات ومنع ما يسمى <<التحريض>>
ومحاربة ظاهرة العنف. أنت المهيّأ لمحاربة المساجد ومنع حرية الرأي
ومقاومة أي تحرك شعبي وتهديد الصحافيين.
هم يريدون قطاع غزة خاصرة جيدة ومريحة لإسرائيل، هذا القطاع المُتعِب
والمرعب يريدون وضعه في قبضة أمنية فلسطينية تقمع وتقتل وتعتقل، ولا
أحد يتحمل المسؤولية الأخلاقية والأدبية عنه. يريدون قطاع غزة على صورة
سجني غوانتانامو وأبو غريب، ويريدونك السجان القاتل. يريدون أن يؤدبوا
قطاع غزة لأنه أوجعهم طوال ثلاثين عاماً، ويريدونك لهذا الدور كي تمارس
القتل بالنيابة، وهم يكفلون لك ألا تلاحقك محكمة الجنايات الدولية.
يريدونك أداة لضرب ياسر عرفات وتحجيمه، ووسيلة لتنفيذ الأجندة الأمنية
الإسرائيلية وعائقاً أمام قيام دولة فلسطينية، ونموذجاً لتشويه سمعة
انتصار المقاومة الفلسطينية في زمن الاحتلالات، ومانعاً لتكرار نموذج
هزيمة الاحتلال في جنوب لبنان.
صحيح أنك ذكي، وأنك تقود جهاز الأمن الوقائي <<بكفاءة>>، صحيح أن بوش
يمتدحك وشارون يدللك وكونداليزا رايس تدعمك ورؤساء جهاز <<الشاباك>>
أصدقاؤك، صحيح أن أجهزة المخابرات الأميركية والصهيونية أمدتك بالوسائل
اللازمة للبقاء والاستمرار ما مكنك من استمالة بعض القيادات وشراء
المئات من قطع السلاح ولإنشاء
فرقة الموت في قطاع غزة،
وأنت تعلم دورها كما نعلم، صحيح أن الإصلاحات تُفرض لصالحك والقوانين
تعدَّل على مقاسك والأجهزة الأمنية تدمج لخدمة مشروعك... لكن لا تنس
أنك تتعامل مع الشعب الفلسطيني وأنك تعيش في فلسطين حيث القضية
الفلسطينية التي لا ترحم متنازلاً أو مستسلماً أو متهاوناً... ولعلّ
قراءة سريعة منك لخمسين عاماً ماضية تظهر لك كيفية انقلاب التحولات
لصالح القضية ومبادئها رغم كل محاولات التضليل والتحوير.
الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة يتم بفعل المقاومة والمقاومين وصمود
الفلسطينيين، والاحتلال سينتهي ويزول عاجلاً أم آجلاً، فلا تقف في وجه
الانتصار الفلسطيني، ولا تحاول حماية الاحتلال وهو يجرجر أذيال
الهزيمة، ولا تنصّب نفسك حامياً لمصالح الاحتلال، حتى لو كانت تتم تحت
ما يسمى الإصلاحات أو تطبيق خارطة الطريق، أو أي مسمى زائف.
يردد الشارع الفلسطيني أنك ذكي، لذلك أتمنى أن يوصلك ذكاؤك إلى محاولة
أخذ العِبرة من عملاء للاحتلال ماتوا برصاص أفراد أحرار من شعوبهم، ومن
عملاء انتهوا إلى ما انتهى إليه مصير أنطوان لحد في لبنان وأحمد الجلبي
في العراق.
الخيار أمامك: إما الامتناع عن تسلّم منصب مدير مصالح الاحتلال
الإسرائيلي في قطاع غزة، وإما مواجهة حالة من الرفض الفلسطيني لا أشكّ
للحظة في أنها ستوصلك إلى نهاية كل من أتى على ظهر دبابة إسرائيلية.
غزة لن ترشّك بالعطر، ورفح لن تفرش لك السجادة الحمراء، وبيت حانون لن
تبني لك أقواس النصر، برغم ما تتمتع به من دعم خارجي ونفوذ من بعض
المجموعات في الداخل، لأن الخيار في الساحة الفلسطينية محصور باتجاهين:
مع فلسطين وشعبها وقضيتها ومقاومتها، أو مع الاحتلال وأزلامه المحليين
وعملائه، فاختر لنفسك الموقع.
المصدر : خاص نداء القدس 04/6/2004، 15:29
|