ضابط شرطة يشعل فتيل حرب أهلية !
حسن الحسن
السلطة الفلسطينية، أعربت مراراً وتكرارا،ً وعلى لسان كافة المسؤولين
فيها، عن عجزها وشللها في توفير الحماية للشعب الفلسطيني الذي يتعرَّض
لعلميات قتل وتدمير وإرهاب صهيوني لم تخفف من قسوتها ووحشيتها
"التهدئة" المعلنة التي دعا إليها محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية
في الثامن من شهر شباط (فبراير) الماضي، والتي التزمت بها فصائل
المقاومة كافة.
حالة العجز والشلل التي تعاني منها "السلطة"، أمرٌ يمكن فهمه بل
وتأكيده؛ ولكن الأمر الذي لا يمكن فهمه ويستحيل قبوله، هو أن تستخدم
"السلطة" حالة العجز بالدفاع عن شعبها في وجه العدوان الصهيوني، كذريعة
لشن عمليات منظمة و"مشرّعنة" تستهدف الشعب الفلسطيني ومجاهديه
ومقاوميه، في سياق تنفيذ إملاءات خارجية كشرط لتوطيد أركان نظام سياسي
يقوم على مبدأين اثنين:
* تقديم مصالح "السلطة" على مصالح الشعب الفلسطيني، وهو ما عبّرت عنه
بوضوح نيران الأسلحة التي أطلقتها عناصر الأجهزة الأمنية التابعة
للسلطة على مجاهدي كتائب القسّام ومقار حركة "حماس" في قطاع غزة
تنفيذاً لأوامر صادرة من تل أبيب وواشنطن تطالب فيها "السلطة" بضرب
فصائل المقاومة وتفكيك بنيتها التحتية، ويأتي في مقدمة الفصائل التي
على "السلطة" ضربها حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي".
* والأمر الآخر هو أن "السلطة" حسمت أمرها بأن تعتمد في استمرار
"شرعيتها"، وضمان وجودها على صانع القرار في واشنطن وتل أبيب، وليس على
الشعب الفلسطيني، وهو ما عبّرت عنه ردود الفعل الباهتة والمائعة لـ
"السلطة" إزاء الخروقات الصهيونية المتواصلة للتهدئة، ردود الفعل تلك
التي لم تتمايز كثيراً عن ردود فعل النظام العربي الرسمي والموقف
الأوروبي، وبالمقابل، فالسلطة، وعلى لسان وزير داخليتها، قد أطلقت
العنان لقواتها لضرب أي فلسطيني يحاول الردّ على الخروقات الصهيونية
للتهدئة، وفي هذا السياق نجد أن د. محمد غزال القيادي في حركة المقاومة
الإسلامية "حماس" قد أصاب كبد الحقيقة حين قال في معرض التعقيب على
جريمتي الاغتيال في سلفيت وغزة يوم (15/7) واللتين استهدفتا كوادر من
كتائب القسّام: "من سعى إلى التهدئة اهتم بالحفاظ على دم الإسرائيليين،
وليس دم الشعب الفلسطيني".
"التهدئة"
بات واضحاً بأن الولايات المتحدة وإسرائيل عندما دفعتا محمود عباس
لإطلاق مشروع "التهدئة"، كان الهدف هو إحداث شرخ في صفوف المقاومة،
ولكن فصائل وقوى المقاومة فوّتت على أمريكا وإسرائيل الفرصة، بإعلان
الالتزام بالتهدئة، وحينها انتقلت اللعبة ـ الخطة إلى مرحلتها
الثانية، وهي مواصلة قوات الاحتلال لعملياتها العدوانية من قتل وتدمير
واعتقال بينما "تكون" فصائل المقاومة، مقيّدة ومكبّلة بحالة "التهدئة"،
غير أن الفصائل فعّلت وكرّست مبدأ الالتزام بالتهدئة مع حق الرد على
الخروقات الصهيونية، فانتقلت الخطة إلى المرحلة الثالثة، والمتمثلة
باستفراد العدو الصهيوني بأحد فصائل المقاومة، وبالفعل شنّت قوات
الاحتلال حملة قتل واعتقال استهدفت أعضاء حركة الجهاد الإسلامي في
الضفة الغربية، فقتلت وأصابت العشرات واعتقلت المئات من مجاهدي الحركة،
وفي هذه الأثناء، عمدت "السلطة" لإشغال الرأي العام الفلسطيني من خلال
إثارة قضايا والسعي لحلها، كقضية الخلاف بين عباس والقدومي، وصوّرت
وسائل الإعلام الأمر وكأن مأساة الشعب الفلسطيني ستنتهي حال انتهاء
"الخلاف" بين هذين الشخصين.
وفي سياق الحديث عن التهدئة لا بد من التنويه إلى أن قوات الاحتلال
الصهيوني نفذت أكثر من 8000 خرق منذ تاريخ (8/2) قتلت خلالها أكثر من
55 فلسطينياً، وجرحت أكثر من 900 آخرين، بينما اعتقلت نحو 1400
فلسطيني.
أوامر لإطلاق النار على المجاهدين
وأمام التصعيد العدواني الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني والاستفراد بحركة
الجهاد الإسلامي، كان لزاماً على فصائل المقاومة الرد على جرائم
الاحتلال، وبالفعل شنّت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة عمليات عسكرية
ضد المستوطنات ومواقع الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية، إلا أن نصر
يوسف وزير داخلية "السلطة" كان قد أعطى أوامره بإطلاق النار على كل
فلسطيني يحاول الردّ على الانتهاكات الصهيونية، مشرّعاً الأبواب لحرب
أهلية، وهذا ما أوضحه القرار الصادر عن وزير الداخلية في "السلطة"
بتاريخ (7/6) والذي أعطى الأوامر على نحو جلي لا لبس فيه باستخدام
السلاح وإطلاق النار ضد المجاهدين والمقاومين.
وفي مساء يوم (14/7) أقدمت قوات الأمن التابعة لـ "السلطة" في شمال
قطاع غزة على تنفيذ أوامر يوسف بارتكاب جريمة بحق مجموعة قسّامية كانت
عائدة إلى مواقعها بعد تنفيذ مهمة جهادية، حيث فتحت عناصر يوسف النار
عليهم، وفي حيثيات هذا الحادث يقول المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في
تقرير له: "بدأت الأحداث في حوالي الساعة 7:00 من مساء يوم أمس الخميس
الموافق 14/7/2005 في أعقاب قيام مجموعة تابعة لكتائب عز الدين القسام
– الذراع العسكري لحركة حماس بإطلاق عدة صواريخ من شمال قطاع غزة
باتجاه الأراضي الإسرائيلية. وأثناء محاولة أفراد المجموعة المسلحة
الانسحاب من المكان، تعرضوا لإطلاق نار من قبل رجال أمن فلسطينيين مما
أسفر عن إصابة خمسة من أفراد المجموعة. وتم نقل جميع المصابين إلى
مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، ووصفت المصادر الطبية جراح اثنين منهم
بالخطيرة".
ولم ينته الأمر، عند هذا الحد، فقد حشدت وزارة الداخلية قواتها وشنّت
هجوماً على أنصار حركة حماس وأعضائها في حي الزيتون بغزة وحي الصبرة،
وفتحت النار بكثافة على الأهالي مما أسفر عن مقتل ثلاثة أطفال وإصابة
نحو 50 بجراح.
ولكي تخفي داخلية "السلطة" الحقيقة قامت بإطلاق النار على سيارة تعود
لوكالة "رمتان" الإخبارية ثم قامت بتفتيش تلك السيارة والاستيلاء على
أشرطة التسجيل التي رصد الأحداث في حي الزيتون، وأكد المصور الصحفي
زكريا أبو هربيد أن عناصر الأمن الفلسطيني صادرت أشرطة التصوير التي
كانت بحوزته بعد قيامه بتغطية الاشتباكات التي وقعت صباح يوم (16/7) في
منطقة الزيتون بمدينة غزة، كما قامت عناصر يوسف بمنع سامي أبو زهري
المتحدث باسم حركة حماس من دخول برج شوا وحصري مساء يوم (15/7) ثم
رافقته قوة من الشرطة إلى مباني إحدى مكاتب الصحافة، ويشار في هذا
الصدد إلى أن قناة "الجزيرة" بثت على الهواء خبر منع الناطق الإعلامي
لحماس من إجراء المقابلة.
ومع قدوم الوفد المصري إلى قطاع غزة، في محاولة لتطويق الأحداث، أبدت
حركة حماس حرصاً شديداً على إخماد نار الفتنة التي أشعلها نصر يوسف
وأزلامه. إلا أن أجهزة أمن "السلطة" كانت حرصة من جانبها على الدفع
بالأمور باتجاه تجاوز أي إمكانية لإنهاء حالة الاحتقان وحماية الوحدة
الوطنية، وهو ما كشفته الحملة العدوانية التي شنّها عناصر الأمن
الوقائي في مخيم جباليا شمال قطاع غزة فجر (19/7) من إطلاق نار على
مجاهدي كتائب القسّام إضافة للاعتداء على مقار لحركة حماس في المنطقة،
وفي هذه الأثناء نشر "الأمن الوقائي" عناصره في شوارع قطاع غزة،
وإمعاناً في تأجيج الموقف، نظمت أجهزة أمن "السلطة" مؤتمراً صحفياً في
غزة تحدث فيه شخصاً ملثماً وقد أحاط به مجموعة من الملثمين المسلحين،
وزعم هذا الملثم أنه يتحدث باسم "كتائب شهداء الأقصى" وتركّز حديثه في
إطلاق التهديدات بشن هجوم كاسح على مجاهدي القسّام، وما هي إلا دقائق
حتى صدر بيان باسم كتائب شهداء الأقصى ينفي بشكل قطعي علاقة هذا الملثم
بكتائب الأقصى.
الأحداث التي شهدها قطاع غزة تشير بوضوح إلى أن هناك تياراً قوياً داخل
السلطة الفلسطينية يحرص أشد الحرص على ضرب وتفكيك فصائل المقاومة، قبل
تنفيذ خطة الانسحاب الصهيوني من قطاع غزة، إيماناً منه بأنه في حال
الانسحاب الصهيوني، واستئناف عملية الانتخابات المحلية والبلدية وإطلاق
عملية الانتخابات التشريعية، سيفقد مواقعه لصالح قوى المقاومة، ومهد
هذا التيار "السلطوي" لمشروع الحرب الأهلية بنشر حالة الفوضى والفلتان
الأمني في الأراضي المحتلة، ووصلاً إلى خلط الأوراق، وتبديد الفوارق
بين سلاح المنفلتين وسلاح المقاومين، ليسهل فيما بعد توجيه الضربات
المتتالية لكل من يحمل السلاح، بما فيهم المجاهدين والمقاتلين.
نصر يوسف
يبقى أن نشير إلى أن نصر يوسف كان المسؤول المباشر عن مجزرة مسجد
فلسطين التي وقعت عام 1995 حين فتحت عناصر أمنية فلسطينية النار على
مصلين عزّل في مسجد فلسطين بمجرد فراغهم من أداء صلاة الجمعة، الأمر
الذي أدى إلى استشهاد قرابة العشرين منهم، وجرح مائتين.
فنصر يوسف والذي أصدر الأوامر بإطلاق النار على الفلسطينيين في قطاع
غزة، يعمل حالياً على إعادة مجده "القمعي والدموي" من خلال منصب
الجديد كوزير للداخلية في "السلطة"؛ والسؤال هل بات نصر يوسف معنياً ـ
أو مكلفاً ـ بزج الساحة الفلسطينية في فصول مأساوية من الصراع الداخلي
والحروب الأهلية، بعد أن كانت مهمته تنحصر بالضرب والقمع والتنكيل
بأبناء جلدته؟.
|