بعد إنتهاء مهلة إنذار دحلان لعرفات في 10 أغسطس:

 

«الحقائق» تكشف أسباب الخلاف بين الرجلين

 

ثلاثون مليون دولار دفعها الإتحاد الأوروبي فجرت الخلاف بين عرفات ودحلان
الرئيس يطالب بها ووزير الشؤون الأمنية السابق يرفض..!
عرفات اعاد الجبالي مديرا للشرطة وأمر باختطافة لإرغامه على تسليمه 27 مليون دولار جمعها كخاوات
هاني الحسن لعب دورا هاما في تحالف "حماس" مع عرفات.. سلم قيادتها ملفا أعده حول فساد دحلان
البرغوثي حول تحالفه من جبريل الرجوب إلى دحلان إثر الغاء "المركزية" لمرجعيتي التنظيم في الضفة والقطاع
أبو عمار يعلن امتلاكه شريط تسجيل لمكالمة بين دحلان ولارسون بشأن تحركات انصاره في غزة

هنالك حلقة مفقودة، إلى جانب عملية خلط الأوراق الحادثة الآن في خضم الصراع المحتدم داخل حركة "فتح"، كما داخل السلطة الفلسطينية، وهذا ما جعل محمد دحلان يستحضر في اللقاء الذي جمعه مساء الخميس 29/07/2004 مع نخبة من رؤساء تحرير وكتاب الصحف الأردنية (نشرته صحيفة الحقائق يوم السبت 31/07/2004 ) اللوحة التي يعلقها سائق سيارة أجرة في غزة على سيارته، وتقول "والله ما أنا فاهم حاجة".

بالطبع، فإن هذه العبارة لا تنطبق على دحلان نفسه، ولا على الرئيس ياسر عرفات، فكلاهما "فاهم كل حاجة"، فيما يتوق المواطن إلى فهم "ولو حاجة"..!

وهذا ما جعلنا نبحث عن الحلقة المفقودة التي يعمل الجميع على اخفائها، مواصلاً عملية خلط اوراق غير مسبوقة في تاريخ الخلافات الداخلية الفلسطينية، لأن هذه الحلقة تكشف صفحات معتمة في تاريخ كل اطراف الصراع..!

السؤال المركزي الذي لا يجد اجابة، ونحن نغوص في كل التفاصيل هو: إذا كان العقيد محمد دحلان هو من يقود كتاب شهداء الأقصى ويتحدث باسمها، فكيف تصر اميركا واسرائيل ومصر على تسليمه وزارة الداخلية في حكومة السلطة، أو الملف الأمني في قطاع غزة عشية الإنسحاب الإسرائيلي كي يتولى ضبط الأمن، وقمع أي مقاومة للإحتلال وقواته..؟!
بالطبع، المطالبة الأميركية ـ الإسرائيلية ـ الأوروبية ـ المصرية تضع في اعتبارها، وهي تطالب بإسناد الملف الأمني للدحلان ممارساته في هذا الإتجاه يوم كان يشغل مدير الأمن الوقائي في قطاع غزة. ومن بين هذه الممارسات اعتقال قادة وكوادر حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي، والتنكيل بهم.. الشاهد على ذلك تعرض صدر الشهيد الدكتور ابراهيم المقادمة للكي بواسطة مكواة كهربائية، غادر سجن الأمن الوقائي وهو يحتفظ بأثرها وسط صدره.

ولم تقتصر ممارسات الدحلان على ذلك، إذ أن رجاله اطلقوا النار على مقاتلي "حماس" والجهاد الإسلامي، فضلا عن مقاتلي وكوادر اللجان الشعبية الذين يضمون في الأساس مقاومي حركة "فتح"، وكتائب شهداء الأقصى.

يبرر الدحلان هذه الممارسات قائلا أنه كان ينفذ الخطة الأمنية التي وضعتها القيادة، لكن القيادة تسرب معلومات تتساءل فيها عن اسباب استهداف اسرائيل لشخص الرئيس عرفات، وتركها الدحلان يسرح ويمرح كما يشاء، وينتقل عبر الحواجز الإسرائيلية بكل سهولة ويسر، وكذلك حليفه سمير المشهراوي وتصر اسرائيل كذلك على اسناد الملف الأمني له..؟ وتجيب مصادر القيادة الفلسطينية على ذلك بالقول إن اسرائيل تشك في نوايا عرفات، وتتهمه بالوقوف وراء كتائب شهداء الأقصى، ولا تثق بغير الدحلان لإنجاز مهمة تفكيك هذه الكتائب والتنكيل بها، ما يعني أن الدحلان ينفذ المطالب الإسرائيلية، ولا يلتزم بتكتيكات القيادة الفلسطينية..!

الإصلاح الذي يريده دحلان

يمكن استشفاف ذلك من حديث الدحلان نفسه عن الفساد وضرورة مكافحة هذا الفساد، والتعريف الجديد غير المسبوق الذي يقدمه للفساد باعتباره يشمل اساسا اضاعة فرص الحل السياسي. وهو يحدد في هذا المجال رفض ياسر عرفات لمبادرة الرئيس الأميركي كلينتون التي طرحها قبل انتهاء ولايته فقط بأسبوعين..! ويتساءل الدحلان قائلا: هل يجوز رفض مبادرة كلينتون ثم معاودة القبول بها بعد سنتين..؟

الدحلان في تساؤله هذا يتجاهل أنه لم تكن هناك من قيمة عملية لقبول مبادرة كلينتون في حينه، وأن اقطاب النظام العربي هم الذين طلبوا من عرفات رفض تلك المبادرة، انتظاراً لمبادرة جديدة وبديلة توقعوها من جورج بوش.. صديق النفط العربي..!!

العقيد دحلان يدرك هذه الحقائق، كما يدرك كذلك حقيقة خلطه لأوراقه بأوراق الإصلاح والإصلاحيين، وكتائب شهداء الأقصى. ومن قبيل هذا الخلط مطالبته الرئيس عرفات الإلتزام بوثيقة الإصلاح الشامل التي أقرها المجلس التشريعي عام 2000، ومطالبته في ذات الآن بإعادة النظر في هيكلية ومرجعية المؤسسة الأمنية، وعدم التعامل مع شخصيات مشكوك فيها..

ماذا يعني ذلك..؟

دحلان الذي لا يمكن أن يكون جادا في مطالبته الإلتزام بوثيقة الإصلاح لعام 2000، لأنه مثله مثل عرفات لم يأت على ذكرها منذ ذلك الوقت، جاد جداً في المسألتين الآخرتين لترابطهما معا:

اولا: اعادة النظر في هيكلية ومرجعية المؤسسة الأمنية التي يلتقي عليها مع اميركا والإتحاد الأوروبي واسرائيل وأطراف عربية.

ثانيا: رفضه اسناد قيادة الأجهزة الأمنية لمنافسيه، وإن كان يؤكد عدم رغبته في تولي أي منصب في السلطة، فإن حلفاءه هم الذين يطالبون له بهذه المناصب..!

وللتذكير، فإن تحرك الدحلان بدأ فور أن تم تعيين موسى عرفات قائدا للأمن العام في قطاع غزة.. أي فور تعيين مرجعية بديلة لمرجعيته الأمنية في القطاع.

لقد كان دحلان المتأثر الوحيد من هذا التعيين، أما المواطن الفلسطيني، فإن دحلان وموسى عرفات بالنسبة إليه وجهان لعملة فاسدة واحدة..!

عرفات قرر اختطاف الجبالي

إلى ذلك، مصادرنا تؤكد ما يؤكده الدحلان من أن محمود نشبت الذي اختطف اللواء غازي الجبالي بعيد تعيينه مديرا للشرطة هو أحد رجال عرفات، وأن عرفات رقاه بعد أن اعتقله دحلان بتهمة الإتجار بالحشيش، وخصص له موازنة.. الأمر الذي يؤكد عدم مسؤولية دحلان عن اختطاف الجبالي، وكذلك عن مقاومة الإحتلال الذي كان يتولاها نشبت باسم كتائب شهداء جنين، وأن عرفات يخلط اوراق المقاومة بأوراق الفساد، بخلاف دحلان الذي يعمل الآن على خلط اوراق الفساد بأوراق المقاومة..!

ولكن، لم يقدم نشبت على اختطاف الجبالي، وكلاهما من رجال عرفات..؟
الضالعون في علم التكتيك العرفاتي فقط يمكنهم التفسير..
يقول هؤلاء إن عرفات قرر اعادة تعيين الجبالي مديرا للشرطة في قطاع غزة، واختطافه في ذات الآن..!
لماذا..؟
لأن عرفات الذي ضاقت به السبل ماليا يريد من الجبالي تسليمه الأموال التي جمعها على سبيل الخاوة من الناس، ويقدرها عرفات نفسه بـ27 مليون دولار. وهو يريد هذه الأموال لحاجته لها، وكي لا يفكر الجبالي في استخدامها ضده. وكان الجبالي وافق على اعطاء عرفات فقط عشرة ملايين دولار، منكرا وجود الـ17 مليونا الأخرى، لكن عرفات أصر على تسلم كامل الملايين..!

ازاء عدم الإتفاق، قرر عرفات تعيين الجبالي مديرا للشرطة واختطافه، بحيث لا يشك أحد في دوره بعملية الإختطاف، وذلك كي يرغمه على تسليم الأموال، قبل أن يفقد حياته. ولذلك، فقد أنذر خاطفو الجبالي بقتله إن لم يقله عرفات من منصبه، مع أن القتل يحقق الإقالة، لكن المطلوب كان الأموال لا قتل الرجل..!

ولأن هذا كان الهدف من اعادة تعيين الجبالي، فقد وافق الرئيس على اقالته فوراً ودون تردد، فيما ظل يرفض اقالة موسى عرفات، لأن موسى هو الخيار الحقيقي للرئيس..!

الأموال الأوروبية

المال موجود أيضا في حكاية عرفات مع دحلان، والمبلغ مقارب لما كان في حوزة الجبالي، لكن مصدره ليس الخاوات، وهذا ما جعله اكثر خطورة، لأنه متصل بتناقض الأهداف والحسابات السياسية..!

تقول المصادر إن دحلان، حين كان وزيراً للشؤون الأمنية، مكلفا بوزارة الداخلية، دفع له الإتحاد الأوروبي، بناء على طلبه، مبلغ 30 مليون دولار، كي يصرف منها على شراء ذمم ومواقف قادة وكوادر الأجهزة الأمنية. وبعد أن استقالت حكومة محمود عباس، تنامت المعلومات إلى مسامع عرفات بشأن هذه الملايين، فسأل دحلان كم انفقت من أصل الثلاثين مليونا..؟ اجاب دحلان تسعة ملايين، فبادره عرفات يطلب منه تسليمه الواحد والعشرين مليونا الأخرى..! لكن دحلان رفض ذلك، وظل مواظبا على الرفض حتى الآن.

وبفضل هذه الملايين لم ينجح دحلان فقط في تجنيد الأنصار، لكنه نجح كذلك في تحييد عدد من أعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح"، بدأ يتحدث احدهم مؤخراً بعد تحركات غزة عن قانون المحبة الفتحاوي، وظل دحلان يصب غضبه وهجماته فقط على هاني الحسن، لأن الحسن أبرز الطامحين في منافسة دحلان على خلافة عرفات..! وبدوره فقد لعب الحسن دوراً مهما في تكتيل الأنصار حول عرفات في مواجهته لدحلان، ومن ضمنهم حركة "حماس" التي زود قيادتها في دمشق مؤخرا بملف تفصيلي اعده حول فساد دحلان.

ويرى المراقبون في نقد الدحلان العلني لأسلوب عرفات في شراء مواقف اعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح" دعوة للإتحاد الأوروبي، ودول أخرى مختلفة مع عرفات سياسيا لأن تمده بالمزيد من الأموال، ما دامت هذه الدول ادركت اهمية المال في الصراع على السلطة وعلى السياسات، وعبرت عن ذلك بقرارها تجفيف المصادر المالية للرئيس الفلسطيني.

ودحلان لا يوظف فقط الأموال من أجل تجنيد الأنصار، لكنه يوظف كذلك الملفات غير الأخلاقية لبعض كبار السلطة الفلسطينية التي آلت إليه بحكم موقعه السابق في قيادة جهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة. وهذا تحديداً ما جعل نفوذه في غزة أكبر منه في الضفة الغربية، وإن كان هو يقر في هذا الجانب بدور لأعضاء اللجنة المركزية المتواجد اغلبهم في الضفة.

ولأن خلاف دحلان ـ عرفات متصل بالسياسة، ويزاوج ما بين الفسادين المالي والسياسي، فإن الشاب الطموح يواصل تحركاته لكسب اطراف سياسية دولية واقليمية مؤثرة عبر التركيز على خلافه السياسي مع عرفات المتصل برفضه تشدد عرفات تفاوضيا، مذكراً بأن ما صنع عرفات لم تكن فقط دماء الشهداء، إنما كذلك المعادلة الدولية، متسائلا ضمنا لم يحق لعرفات ما لا يحق له..؟! وعلى هذا المحور لايكتفي دحلان بنقده رفض عرفات لمبادرة كلينتون، والزعم أنه عاود القبول بها بعد سنتين، لكنه يواصل رفضه لاستمرار المقاومة المسلحة للإحتلال، حتى وهو يعمل على خلط اوراقه بأوراق كتائب شهداء الأقصى، وذلك عبر تحميل عرفات مسؤولية سقوط آلاف الشهداء والجرحى. ويعمد دحلان في هذا الإطار إلى استحضار التاريخ متسائلا مع من كان الحق في الصراع الذي خاضته الثورة الفلسطينية في الأردن، أو في لبنان، علما أن أحداً لا ينكر دور اسرائيل في لبنان، على الأقل وهي التي فرضت حليفها بشير الجميل في حربها على الثورة الفلسطينية رئيسا لجمهورية لبنان، وإن قتل قبل توليه مسؤولياته الدستورية..!

وفي هذا الإطار يجيز دحلان لعرفات أن يتحالف مع حركة "حماس"، بما يعنيه ذلك من تأليب اطراف دولية وعربية على عرفات، ولا يجيز له التحالف مع أحمد جبريل، بما يعنيه ذلك من تزكية دحلان لنفسه لدى الأردن نظراً لسلبية الموقف الأردني من جبريل.

ولأن هذه التحركات تهدف إلى القطاف، فقد توجه دحلان من عمان إلى القاهرة كي يلتقي سرا ممثلين للإتحاد الأوروبي وفقا لموعد محدد مسبقاً، وقبل وصوله عمان قادما من القاهرة.

التحالف مع البرغوثي

لكن الإشتباك لم يبدأ حين طالب عرفات دحلان بتسليمه الأموال، بل قبل ذلك، حين حاول الدحلان الإستيلاء على مرجعية تنظيم حركة "فتح" في قطاع غزة بالتناغم مع محاولة مماثلة قام بها جبريل الرجوب مدير الأمن الوقائي السابق في الضفة الغربية، بالتعاون مع حليفه مروان البرغوثي.. وهو التحالف الذي استهدف الحد من صلاحيات ومرجعية اللجنة المركزية للحركة. وبسبب وحدة المعركة، فإن مروان البرغوثي أصبح حليفا تلقائيا لدحلان في مواجهته الراهنة مع عرفات..! ويسعى دحلان إلى توظيف الشعبية الكاسحة التي حظي بها البرغوثي بعد اعتقاله، في الصراع مع عرفات. وتؤكد مصادر موثوقة أن دحلان طلب من الجنرال شاؤول موفاز وزير الدفاع الإسرائيلي اثناء مفاوضاته الشهيرة معه اطلاق سراح كل من مروان البرغوثي وسليمان أبو مطلق الذي اعتقله الإسرائيليون على خلفية دعمه لمقاومين للإحتلال، فكان أن اطلق فقط أبو مطلق دون غيره من كوادر المقاومة، ولم يستجب موفاز لطلب اطلاق البرغوثي الذي يرى دحلان أن اعتقاله قد لمعه بما فيه الكفاية كي يخوض به لاحقا معركة منافسة، وربما اقصاء عرفات..! وتقول المصادر إن قرار اطلاق البرغوثي يملكه على كل حال شارون لا موفاز.

وفي الأساس، فإن البرغوثي هو الذي أوجد قاعدة الخلاف، حين شكل، قبل أن تبعده اسرائيل، امانة سر لحركة "فتح" في الضفة الغربية برئاسته، بهدف أن يصبح هو المرجعية الأولى لتنظيم حركة "فتح" في الضفة، من دون اللجنة المركزية، والمجلس الثوري للحركة. وبعد تأسيس السلطة الفلسطينية، وعودة البرغوثي، شجع عرفات على احياء مرجعية الضفة الغربية باسم اللجنة الحركية في الضفة، وأقام مثلها في قطاع غزة برئاسة أحمد حلس. لكنه شكل كذلك لجنة حركية عليا برئاسته، وينوبه في رئاستها صخر حبش عضو اللجنة المركزية بهدف الإشراف على انتخابات اقاليم الحركة داخل الوطن، وتشكيل قيادات تنظيم الداخل بشكل متصل به مباشرة. غير أن الأمور لم تسر كما اراد عرفات، إذ أن جبريل الرجوب الذي تحالف مع مروان البرغوثي عمل على السيطرة على التنظيم من خلال تجنيد مسؤولي التنظيم في الأمن الوقائي، أو فرض ضباط في الأمن الوقائي مسؤولين في التنظيم من خلال التلاعب بنتائج الانتخابات، وهو ما تصدى له صخر حبش في حينه، فكان أن تعرض لشتائم وتهديدات ضمنها الرجوب في بيان اساءة لحبش تم توزيعه، الذي كان يرفض من حيث المبدأ سيطرة العسكر على الحركة (الحزب) كي لا تتكرر تجارب بعض الدول العربية في فلسطين.

لكن عرفات انحاز يومها إلى جبريل الرجوب، لأنه كان يخطط لاضعاف اللجنة المركزية، وفرض سيطرته الشخصية على التنظيم من خلال قيادات محلية ضعيفة في الضفة والقطاع. وظل الحال على ذلك طوال عشر سنوات.

وقد سعى عرفات خلال العشر سنوات إلى توظيف البرغوثي في تمرير بعض سياساته ومن بينها تمويل بعض خلايا كتائب شهداء الأقصى، كي لا يظهر هو في الصورة بشكل مباشر.

غير أن البرغوثي بعد اعتقاله، لم يتردد في اطلاق تصريحات من داخل سجنه الإسرائيلي ينتقد فيها بعض تصرفات عرفات، ربما بأمل أن يربط الإسرائيليون بين هذه التصريحات وحماسه السابق منقطع النظير لاتفاق اوسلو.

مرجعية التنظيم

وتزامنت تصريحات البرغوثي يومها مع خلاف طارىء اعترى علاقة عرفات بعباس زكي عضو اللجنة المركزية، وكذلك اختلافه مع دحلان، فقرر الغاء مرجعيتي التنظيم في قطاع غزة والضفة الغربية، ما أثار حنق الدحلان الذي كان قطع شوطا بعيدا على طريق السيطرة على التنظيم في غزة من خلال اللجنة الحركية العليا في القطاع ، وقرر عرفات تشكيل مكتب للتعبئة والتنظيم داخل الأراضي الفلسطينية برئاسة هاني الحسن عضو اللجنة المركزية، ليكون بديلا لمرجعيتي الضفة والقطاع، ومستقلا عن مكتب التعبئة والتنظيم المركزي في تونس برئاسة محمد راتب غنيم (أبو ماهر) ، وضم المكتب في عضويته اربعة آخرين من اعضاء اللجنة المركزية هم صخر حبش، عباس زكي، زكريا الأغا، حكم بلعاوي، وآخرون من اعضاء المجلس الثوري منهم صخر بسيسو، حمدان عاشور، عثمان أبو غربية، روحي فتوح وأحمد حلس.

لقد كانت أهم نتائج هذا القرار كف يد انصار دحلان عن مرجعية التنظيم في قطاع غزة، كخطوة في اطار خطوات أخرى كان مقرراً أن تتبعها، وتتعلق خاصة بكف يده عن الأجهزة الأمنية في القطاع، التي لم تكف مع استقالته من موقع مدير الأمن الوقائي. إذ سرعان ما عينه محمود عباس (أبو مازن) وزيرا للشؤون الأمنية لرفض عرفات واللجنة المركزية اسناد وزارة الداخلية إليه، التي سرعان ما كلفه أبو مازن بملفها..! فكان هذا التكليف إلى جانب اصرار أبو مازن على توزير دحلان ابتداء، أحد أهم الأسباب التي جعلت عرفات يعمل مبكراً على الإطاحة بتلك الحكومة، من قبيل الحرص على الذات من انقلاب قد يدبره عباس ـ دحلان ضد الرئيس..!

تعيين الجبالي والإطاحة به على أيدي محمود نشبت كان مجرد جزء من سيناريو أعده عرفات بدقة لإعادة تشكيل مرجعية الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، بما يكف يد الدحلان وأنصاره عنه، وذلك عبر الحاق الأمن الوقائي والشرطة والدفاع المدني بوزارة الداخلية، والغاء استقلالية انصار دحلان بقيادة الأمن الوقائي، وكذلك عبر تعيين اللواء موسى عرفات قائدا للأمن العام في القطاع، وليكون بمثابة مرجعية أمنية أولى. وهذا ما جعل انصار دحلان ينتفضون ضد تعيين موسى عرفات ويطالبون بإقالته، مع أن كلاهما في هم الفساد شرق..!!

وبالطبع، فإن من اسباب تحرك عرفات استشعاره أن دحلان وأنصاره هم القوة الوحيدة التي يستطيع أبو مازن تحريكها على الأرض.

ويروي قادمون من رام الله على لسان عرفات اتهامه الدحلان ببدء تحركه بالتنسيق مع المفوض الأوروبي تيري ريد لارسون، وقوله أنه يملك شريطا لمكالمة مسجلة بين دحلان ولارسون بهذا الخصوص يقول لارسون فيها للدحلان إن الظروف باتت مهيأة بعد التقرير الذي قدمه لمجلس الأمن، وانتقد فيه أداء عرفات وعدم مقاومته للفساد، كي يتحرك ضد الرئيس.

لا أحد يستطيع أن يؤكد صحة هذه المعلومة من عدمها في ظل الحملات الإعلامية المتبادلة بين الطرفين، غير أن هناك سؤالا بالغ الأهمية يطرح نفسه: لم يحدد دحلان العاشر من آب/اغسطس الجاري موعدا أخيرا لعرفات كي يحقق قبله الإصلاح المطلوب، وإلا استأنف تحريك انصاره في قطاع غزة..؟!

المصادر تربط بين هذا التاريخ وتنسيق مفترض مع لارسون لإعادة تحريك تقريره المرفوع لأمين عام المنظمة الدولية ومجلس الأمن الدولي. كما أن هذا التاريخ قد يكون متصلا بعمل وسطاء سريون بين دحلان وعرفات.

فساد الدحلان

ولكن هل يستطيع عرفات تنفيذ الإصلاحات التي يطالب بها دحلان، والإصلاحيون الحقيقيون خلال بضعة أيام..؟

يجيب الضالعون في علم التكتيكات الفلسطيني أنه إذا كان الأمر ينحصر فقط بتنحية منافسي دحلان، واعادة اطلاق يده وأيدي انصاره في الأجهزة الأمنية في القطاع، فإن هذا ممكن. وبالقطع، فإن الدحلان لا يريد أكثر من ذلك.
ولأن هذه هي الحدود الفعلية لمطالب الدحلان، فإنه لم يكرر امام وسائل الإعلام ما يقوله امام زواره الآخرين، خاصة ممن يمكن أن يرفعوا التقارير لعرفات من أنه يملك وثائق تؤكد استيلاء عرفات على نصف مليار دولار من أموال الشعب الفلسطيني، وتحويله مبلغ 15 مليون دولار، وليس 11 مليوناً لزوجته سها المقيمة في باريس.

تسريب مثل هذه المعلومات لعرفات يراه الدحلان أفضل من نشرها عبر الإعلام الذي قد يضطر في هذه الحالة إلى اثبات موضوعيته وعدم انحيازه عبر الحديث عن شراء الدحلان لمنزل رشاد الشوا رئيس بلدية غزة السابق بمبلغ 850 ألف دولار، وترميمه وصيانته بمبلغ 250 ألف دولار، واحتكاره لاستيراد الإسمنت والحصمة والبترول لقطاع غزة، وكذلك وكالات تجارية متعددة لسنوات طويلة من عمر السلطة.

ما سبق يثير تساؤلان هامان:

الأول: إذا كانت هذه هي حقيقة دحلان، فكيف كان عرفات يكلفه بالتفاوض مع الإسرائيليين على مدى قرابة العشر سنوات دون أن يزوده حتى بأي توجيهات أو تعليمات، وكان يكتفي فقط بأن يقول له "ارسل حكيما ولا توصيه"..؟!

الذين يعرفون طريقة تفكير عرفات يردون بأن عرفات بهذا الأسلوب لم يكشف تكتيكه التفاوضي لأحد، وإنما كان يحتفظ به فقط لنفسه لتقتصر مهمة دحلان على ابلاغه بالإقتراحات الإسرائيلية، لينفرد هو برفضها أو قبولها.

حقيقة شعبية الدحلان

الثاني: كيف يحظى دحلان بكل هذه الشعبية على صعيد التنظيم والرأي العام في قطاع غزة..؟

وعلى هذا يرد العارفون ببواطن الأمور منكرين أن تكون مظاهرة مكافحة الفساد التي خرجت في غزة ضمت ثلاثين ألف نسمة، كما يدعي دحلان. ويؤكدون أنه رغم عملية خلط الأوراق الهائلة التي حدثت، حيث أن كل الناس يرفضون الفساد، وفي المقدمة منه فساد دحلان نفسه، فإن مجموع الذي شاركوا في تلك المسيرة لا يزيد عن فقط ثلاثة آلاف مواطن.

أما الإنتخابات التنظيمية التي يقول دحلان أنه فاز بها بنسبة 99%، وأن انصاره فازوا فيها بنسبة 95%، فإنه لم يشارك فيها غير انصار دحلان الذين نظموها بشكل منفرد بعيدا عن جسد التنظيم، ودون اشراف الهيئات والمرجعيات التنظيمية المعتمدة.

وكمثال على ذلك، فإن جمال أبو سمهدانة مسؤول لجان المقاومة الشعبية في قطاع غزة، وهو كادر فتحاوي متقدم، وذا شعبية كاسحة، خاصة أنه نجح في تدمير العديد من دبابات الميركافا الإسرائيلية لم يشارك في هذه الإنتخابات. وكذلك الأمر بالنسبة إلى العبد القوقا الذي قصف الإسرائيليون منزله ثلاث مرات، ولا يزال مطلوبا لقوات الإحتلال.. فضلا عن عموم كوادر وافراد كتائب شهداء الأقصى الذين لم يجدوا ما يبرر أن يردوا على قرارات اللجنة المركزية للحركة بإنشاء مكتب للتعبئة والتنظيم عبر انتخابات تفتقد للشرعية. والدحلان نفسه يؤكد أنه لم يتم حتى الآن توثيق عضوية اعضاء حركة "فتح"، فاتحا بذلك الباب امام التساؤل عما إذا كان الذين شاركوا في الإنتخابات التي نظمها هو اعضاء في الحركة أم لا..؟

خلط الأوراق

ويبقى هناك تساؤل بالغ الأهمية: كيف أمكن لمحمد دحلان أن يخلط اوراقه بأوراق كتائب شهداء الأقصى..؟

تؤكد مصادر موثوقة أن عملية الخلط هذه لم تبدأ الآن، وإنما منذ فترة طويلة، وتحديداً بعد نجاح قوات الإحتلال الإسرائيلي في اغتيال الشهيد جهاد العمارين قبل سنتين، وهو مؤسس وقائد كتائب شهداء الأقصى في قطاع غزة، والذي تم اغتياله بواسطة زرع متفجرة في تكاية الرأس بسيارته، اتهم بزرعها أحد افراد الأمن الوقائي (اياد عثمان)، وداخل مقر الأمن الوقائي في غزة.

وتلفت المصادر هنا إلى أن اسرائيل نجحت قبيل بدء تحركات انصار الدحلان في غزة في اغلاق مواقع كتائب شهداء الأقصى على الإنترنت كي تحول دون اعلان موقفها مما يجري باسمها، خاصة فل ظل استحالة استخدام قادتها للهاتف مجددا نظرا لاحتمال أن يؤدي ذلك إلى رصد اسرائيل لمكان وجود المتحدث واغتياله فورا بواسطة الطائرات.
بعد كل ذلك يمكن فهم مقاصد دحلان وهو يعلن عزوفه عن قبول المناصب أو السعي إليها، مردفا أن الشعب الفلسطيني الذي صبر طوال 40 عاما، قادر على الصبر لخمس سنوات أخرى يتم خلالها الإصلاح. وهو إذ لا يفطن إلى التناقض بين القدرة على الصبر خمس سنوات اضافية، والإنذار الذي وجهه لعرفات بضرورة تحقيق الإصلاح خلال عشرة أيام، فإن المراقب الفطن يدرك اسباب الحملة الشعواء التي يشنها الدحلان على مركزية "فتح"، مطالبا باطاحة جميع اعضائها باستثناء فقط عرفات، واتصال ذلك بتخطيط دحلان لخلافة عرفات الذي يقدر له أن يموت خلال خمس سنوات..!

 

 

عمان – الحقائق - شاكر الجوهري

  8/11/2004

http://www.alhaqaeq.net/defaultch.asp?action=showarticle&secid=3&articleid=21680

الى صفحة القائمة السوداء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع