الأجهزة الأمنية التابعة لـ "السلطة" تنشر الفوضى

وتدفع باتجاه المزيد من الفلتان الأمني

 

غزة

المركز الفلسطيني للإعلام

يبدو أن الأوضاع الفلسطينية الغير مستقرة في الضفة الغربية وقطاع غزة مرشحة للتصاعد أكثر، ليس بسبب المواجهة المستمرة مع جيش الاحتلال الصهيوني فقط، وإنما أيضاً، بسبب الفوضى الرسمية أو شبه الرسمية -إن صح التعبير- والتي تقوم بها مجموعات محسوبة على السلطة أو أجهزتها الأمنية، أو العناصر التي تنتمي إلى مجموعات مقربة من حركة "فتح" ومدعومة من قيادات في السلطة.

 

ففي الأسبوعين الماضيين وقعت العديد من الحوادث التي أظهرت بوضوح مدى حالة الفوضى التي تعيشها أجهزة السلطة الأمنية كان من أبرزها تمرد عناصر من جهاز الاستخبارات في غزة، حيث قام عناصر الجهاز بالاحتجاج على قرار وزير الداخلية اللواء نصر يوسف بفصل الشرطة العسكرية عن جهاز الاستخبارات، واتهمت مصادر رسمية اللواء موسي عرفات الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات بالوقوف وراء الأحداث التي يقوم بها أفراد الجهاز، خاصة وأنهم اقتحموا مقر المجلس التشريعي في غزة ومقر محافظة رفح في حين أغلقوا الطريق الساحلي.

 

من جهتها قالت وزارة الداخلية في السلطة الفلسطينية أنها ماضيةٌ في تنفيذ خطة الإصلاحات بإعادة تنظيم وهيكلية الأجهزة الأمنية، موضحة أن ما حدث عبارة عن مظاهر سلبية ومدانة، من شأنها أن تؤثر سلبًا علي المواطن والمجتمع الفلسطيني، ومشددة على أنها ستتعامل مع هذه المظاهر وفقًا للقانون والأصول!! من جهته يشير مركز غزة للحقوق والقانون إلى عدم قدرة السلطة الفلسطينية بسط سلطتها وسيادتها على كل الأراضي الفلسطينية جراء إعادة دولة الاحتلال احتلالها لمعظم مناطق السلطة.

 

وقال إنه نتيجة لذلك العجز، تجددت ظاهرة أخذ القانون باليد من قبل بعض المواطنين، وخاصة في حل النزاعات الناشئة فيما بينهم، مما أدى لوقوع العديد من المواطنين الأبرياء قتلى وجرحى كضحية لهذه الظاهرة.

 

ورصد المركز في تقريره عن الشهر الماضي مقتل (6) فلسطينيين، وإصابة (5) آخرين جراء تعبيراً عن حالة الفوضى والانفلات الأمني، وتم أيضاً في الفترة ذاتها تنفيذ عملية اختطاف مسلح، كما تم الاعتداء على مؤسسات حكومية وأهلية وممتلكات خاصة.

 

حوادث خطيرة

حوادث أخرى لم تكن أقل أهمية من تمرد واحتجاجات عناصر جهاز الاستخبارات، حيث قام عناصر من كتائب الشهيد أحمد أبو الريش وكتائب شهداء الأقصى بإشعال إطارات السيارات وإغلاق طريق صلاح الدين في منطقة مفترق القرارة، وذلك للمطالبة باستيعابهم في الأجهزة الأمنية، وللمطالبة بذلك أيضا قامت عناصر من كتائب شهداء الأقصى في نابلس بإطلاق النار على مبنى محافظة نابلس وإصابة مرافق المحافظ بجروح متوسطة.

 

وفي مواجهة في رفح جرى تبادل لإطلاق النار بين عناصر الأجهزة الأمنية على أثر عملية التسجيل للدورات العسكرية التي أعلنت عنها وزارة الداخلية، كما تم في حادث آخر اعتراض سيارة قائد وحدة التدخل السريع في الشرطة بدير البلح وإطلاق النار على مرافقه وإصابته بجروح.

 

وفي جريمة أخرى تمت بسلاح السلطة قام مرافق وكيل وزارة شؤون الأسرى في الضفة الغربية بقتل الصحفي سمير الرنتيسي.

 

إخفاء الحقائق

ويبدي الفلسطينيون من جهتهم استغراباً متواصلاً من تصرف السلطة التي تحاول دوماً إخفاء الحقائق وتخرج بياناتها مبهمة غير واضحة بعد أي أحداث تتورط فيها عناصر الأجهزة الأمنية، وفي هذا السياق يقول د. رياض المالكي: "إن السلطة تحاول طمس أسماء شخصياتها المتهمة وكأن الحديث يدور عن غرباء أو مجهولي الهوية، مانعة تداول المعرفة وإحقاق حق المواطن في التعرف على تفاصيل التحقيقات ونتائجها والتأكيد على الأسماء المتهمة خاصة تلك التي استغلت مناصبها ومواقعها ونفوذها في السلطة وخارجها من أجل تحقيق استفادة منفعية لها.

 

ويشير المالكي إلى أن ذلك يفتح باب الاجتهاد عند غياب الحقيقة ويتساءل المواطن عند امتناع السلطة عن نشر الخبر وتفاصيله عن الأسباب الكامنة وراء إخفاء جوانبه، اعتقاداً من السلطة أن سياسة تجاهل الخبر إعلامياً سوف يمنع تداوله ويقلل من متابعته بين المهتمين من المواطنين، وأن معاناة المواطن اليومية وهمومه المتكاثرة ستساعدها في معالجة أية ردود فعل ساخطة من قبل المواطن.

 

بدوره يقول الشاب أحمد حسن ( 25 عاما)ً من مدينة خانيونس: "لقد بتنا نخاف على أنفسنا عند خروجنا إلى الشارع، ولا نعرف من هو الذي يحافظ على الأمن، نحن نرى أناساً بزي رجال الشرطة يطلقون النار على أشخاص آخرين يرتدون نفس الزي، وتساءل حسن "من سيحمي أمن المواطن إذا كان هؤلاء يحتاجون إلى من يحاسبهم ويحمينا من تصرفاتهم؟!.

 

وترى الفتاة عبير يونس (23 عاماً) من مدينة غزة أن "المسؤول عن حماية المواطن بالأساس هو "القانون" الذي ينظم العلاقات بين المواطنين وبين كافة فئات المجتمع وليس الأفراد هم من يقومون بحماية المواطن بالأساس بل هم يطبقون القانون، ونظراً لأن "القانون" يسير طبقاً لأهواء ومصالح شخصية جعل المواطن يفقد الثقة به، وبالتالي فالجميع يعمل ما يراه مناسباً من وجهة نظره وأصبح قانون الغاب هو السائد".

 

وتشير يونس إلى أنه لولا وجود بعض الأفراد والقوى التي يهمها مصلحة المواطنين لساءت الأمور أكثر من ذلك، ويذكر في هذا السياق أن الاشتباكات المسلحة بين أفراد الأجهزة الأمنية الفلسطينية تعزز الشعور لدي المواطن الفلسطيني بان أفراد الأجهزة الأمنية هم الأساس في حالة الفلتان الأمني السائدة في المجتمع الفلسطيني.

 

مؤشرات

الأحداث الأخيرة التي وقعت في غزة، رام الله، رفح ونابلس أظهرت العديد من المؤشرات التي تعبر عن الحالة التي وصلت إليها الفوضى في أجهزة السلطة في ظل غياب واضح للقانون ومن أهم تلك المؤشرات:

- أعمال الاحتجاجات التي أخذت طابع العنف أو التهديد بالعنف حدثت من قبل الأجهزة الأمنية أو من يتبع لها من العناصر التي توالي مراكز قوى معينة هنا أو هناك.

- السلاح المستخدم في حوادث العنف والفوضى هو في الأغلب سلاح سلطة.

- غياب القانون وتراجع هيبة سلطة القضاء لعدم ثقة المواطنين بها نظراً تعرضهم لحالات كثيرة من فساد هذه المؤسسة أدى إلى عدم وجود مرجعية تحكم العلاقات بين الفئات المختلفة من الشعب الفلسطيني.

- نجاح عمليات الاحتجاج والتهديد التي يقوم بها عناصر معينة تشجع مجموعات أخرى أو أفرادا للتوجه نحو نفس السلوك الذي يؤتي ثماره في الغالب، وأصبحت "الزعرنة" سلوكاً يتم التباهي به.

 

انتقادات

وتتواصل الانتقادات الموجهة للسلطة وأجهزتها الأمنية بسبب استمرار حالة الفلتان الأمني الداخلي والصراعات المسلحة بين أفراد الأجهزة الأمنية.

 

حيث جددت القوي الوطنية والإسلامية في رام الله والبيرة موقفها المعلن علي امتداد السنوات الماضية، برفض مظاهر وأشكال الفلتان الأمني وأخذ القانون باليد واستخدام السلاح ورصاص بعض أفراد أجهزة السلطة ضد المواطنين، وخاصة في ما سمي "طوشة" بين أفراد من جهازين رسميين وسط مدينة رام الله.

 

ويذكر في هذا الصدد أنه قد حدثت اشتباكات بين الأجهزة الأمنية مساء الجمعة الماضي في رام الله بمكان يعج بالأطفال على خلفية خلاف شخصي بين أشخاص لهم أقارب في تلك الأجهزة.

 

ورأت القوى أن الفساد قد ازداد وتعمق وأن الفلتان الأمني قد توسع وعم أكثر من ذي قبل وأخذ أشكالاً أشد عنفاً وأقسى مظهراً.

 

ودعت القوى مؤسسات المجتمع وقواه الحية إلى التدخل الإيجابي والمسؤول لمنع تجاوز القانون ووضع حد لكافة أشكال ومظاهر الفساد، معتبرة أن التجاوزات الغريبة والمستهجنة التي تصل إلى حد مس المقار الرسمية، لا تحل بلجنة تحقيق هنا أو هناك، بل وإعطاء كل الصلاحيات إلى قضاء نزيه وفعال وقانون يعمل به ومحاكم متخصصة ومشرعة الأبواب أمام المواطنين دون تدخل ولا محسوبية من أي كان.

 

وقررت القوى في اجتماعها مؤخراً التوجه بمذكرة تفصيلية إلى رئيس السلطة التنفيذية والي المجلس التشريعي تمهيداً إلى الدعوة لتحرك شعبي حازم ومسؤول.

 

ومن جهتها شجبت المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية "مفتاح"، في بيان صحافي صادر عنها، الاشتباكات بين أجهزة الأمن الفلسطينية، والتي كان آخرها الاشتباكات بين رجال الشرطة وجهاز الأمن الوقائي في رام الله، وبين الأمن الوطني، وجهاز الأمن الوقائي في رفح، مما أوقع العديد من الإصابات علي حد قول البيان.

 

وقالت "مفتاح" إن هذه الاشتباكات تعزز المطلب الفلسطيني بضرورة الإسراع بإصلاح هذه الأجهزة وإعادة تأهيلها، حيث أنه يفترض فيها السهر علي أمن المواطنين وليس الاقتتال فيما بينها، والانخراط في صراعات القوة والنفوذ.

 

وطالب البيان بإنزال أشد العقوبات علي من يقفون وراء هذه الحوادث، التي يجب أن تنتهي وإلي غير رجعة من المجتمع الفلسطيني، مناشداً السلطة الفلسطينية بمضاعفة جهودها في الحفاظ علي أمن المواطنين، وصيانة سيادة القانون.

 

ويرى د. رياض المالكي أن حالة الفوضى الأمنية تتواصل يومياً لدرجة أن الحدث أصبح متوقعاً عند كل صباح أو قبيل انتهاء يوم عمل، مشيراً إلى أن "الطوشة الأمنية" في رام الله مؤخراً أو تظاهرة عناصر الاستخبارات العسكرية في غزة ما هي إلاّ انعكاس لمثل هذه الحالة التي لا نجد لها مثيلاً في أية رقعة من العالم، بحيث يخرج المسلحون ليضيفوا رعباً إلى الشارع ثم ينتهكوا ويعبثوا بمقر السلطة التشريعية دون أن نرى رد فعل رسمياً على مستوى الحدث عدا الإدانة اللفظية.

 

ويضيف المالكي قائلاً:"إن ما حدث مساء الجمعة في رام الله من استنفار جهاز أمني بأكمله ويتحول إلى مدافع عن قريب لأحد منتسبيه أو مسؤوليه حتى لو أدى ذلك إلى إطلاقه النار على جهاز آخر انتصر أيضاً لقريب أحد منتسبيه، محولين الأجهزة الأمنية إلى ملكية أفراده وأقاربهم، يتدخلون دون وجه حق ودون التحقق من ملابسات ما حدث، مشيراً إلى أن كل ذلك يتم في مكان مليء بالأطفال دوماً ويتابع المالكي قائلاً: "إن مكالمة هاتفية واحدة من قريب أو قريبة لمنتسب في أي جهاز أمني أو عسكري أو فصيل مسلح كافية لإشعال حرب داخلية".

 

الى صفحة القائمة السوداء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع