القدس- 17 أيار 2004

في كلمة أمام مجلس الأمة الكويتي:
أبو مازن يدعو إلى وقف العمليات العسكرية وتوحيد الأجهزة الأمنية وفصل السلطات

استعرض أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس "أبو مازن" الوضع الفلسطيني الراهن وآفاق المستقبل في كلمة له أمام مجلس الأمة الكويتي، يوم 16 أيار، حلل فيها الواقع السياسي الفلسطيني.

ودعا "أبو مازن" في خلاصة عرضه للوضع الفلسطيني والمواقف الإسرائيلية، العربية والدولية إلى وقف كل أشكال العمليات العسكرية من الجانب الفلسطيني، وتوحيد الأجهزة الأمنية، وبناء سلطة القانون من خلال فصل السلطات، ومتابعة مسيرة الإصلاح، وترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني عبر الشروع بحوار وطني شامل.

وطالب المسؤول الفلسطيني الذي شغل منصب أول رئيس وزراء فلسطيني، بالتحول من عقلية الثورة إلى عقلية الدولية، وقال: "آن الأوان لكي يفهم الجميع أن عقل الدولة غير عقل الثورة. وأن قيادة المجتمع تختلف عن قيادة التجمعات والجماعات. وأن البندقية غير المسيسة سلاح قطاع الطرق. وان غابة البنادق شعار لا يصلح للدولة العصرية. وان التعددية، تعددية سياسية فكرية وليست عسكرية. وأن حرية التعبير لا تعني أبداً أن أحداً يأخذ بيده تطبيق القانون متى يشاء وحيث يشاء وكيفما شاء" .

وأضاف: "وإذا ما تحققت الإجراءات سالفة الذكر، فيقيني أننا نستطيع ان نضع أقدامنا على أول طريق الخروج من مأزقنا الداخلي والسياسي الراهن. ونمهد الطريق لإعادة ترميم علاقاتنا مع الأطراف المعنية بملف عملية السلام، ونعمر سلاح أشقائنا وأصدقائنا بذخيرة حية، للدفاع عن حقوقنا الوطنية الثابتة والمشروعة".

وأعتبر "أبو مازن أن "الاستجابة لهذه الاستحقاقات يفسح لنا المجال، للمطالبة بانسحاب جيش الاحتلال إلى حدود 28/9/2000. واعتبار أي انسحاب إسرائيلي من أي جزء من الأرض وإخلاء أية مستوطنة أو موقع عسكري سيكون مقبولاً ومطلوبا، عندما يكون جزءاً من خطة تستند إلى الشرعية الدولية، وتكون السلطة الفلسطينية هي وحدها العنوان والشريك المحاور والمفاوض . إن تنفيذ هذه الاستحقاقات سيفسح المجال لاستئناف عملية السلام، وبدء مفاوضات الحل النهائي وصولاً إلى إحياء خطة (خارطة الطريق) وتنفيذها بعد أن رماها وعد بوش (لرئيس الوزراء الإسرائيلي شارون)خلف ظهره".

يذكر أن محمود عباس كان قد استقال في أيلول 2003 من منصبه كأول رئيس وزراء للسلطة الفلسطينية احتجاجاً على العقبات التي قيل أن الرئيس ياسر عرفات وضعها في طريقه، والتي حالت دون تنفيذ حكومته لبرنامجها المعلن بشأن الإصلاح وضبط الوضع الداخلي والعودة إلى طاولة المفاوضات. وقدم "أبو مازن" استقالته من عضوية اللجنة المركزية لحركة "فتح" إثر تصاعد الخلافات مع أعضاء اللجنة المركزية، فيما امتنع منذ استقالته من رئاسة الوزراء عن المشاركة في اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. وكان "أبو مازن" المرشح الأقوى لخلافة الرئيس عرفات.

وفي ما يلي النص الكامل لكلمة "أبو مازن":

بسم الله الرحمن الرحيم

الوضع الفلسطيني الراهن وآفاق المستقبل

ُيسعدني، ويُشرفني أن أكون معكم، وبينكم على ارض الكويت العزيزة، وهنا بالذات في صرح الديمقراطية الكويتية. اسمحوا لي أن أتقدم بجزيل الشكر للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الأمة الكويتي، وأخص بالشكر السيد محمد جاسم الصقر رئيس هذه اللجنة الموقرة، الذين أولوني هذا الشرف بدعوتي للحديث هنا في بيت الأمة الكويتي في حضرتكم الموقرة وفي بلدكم الشقيق .

أيهـا الســادة:

اقفل القرن الماضي عقده الأخير بحدثين هامين، ما زالت تداعياتهما تتوالى فصولاً في دنيا العرب، من مشارقها وحتى مغاربها .

الحدث الأول: تمثل في وقوع سابقة رهيبة لا نظير لها من قبل في تاريخ العلاقات العربية – العربية، تلك العلاقات التي يفترض أن تبنى على الاحترام والتقدير والمصير الواحد المشترك. وهي غزو صدام حسين لدولة الكويت، في محاولة لمحو سيادتها والقضاء على كينونتها .

إلا أن هذا الاحتلال البغيض لم يدم طويلاً، وإن بقيت آثاره التدميرية قائمة، تشهد على هذا العمل الأخرق، الذي ينافي كل الشرائع والنواميس .

ولئن تحررت ارض الكويت وشعبها من الاحتلال، فإن معاناة الكثير من العائلات الكويتية، لازالت قائمة وهي تعيش المرارة والأمل .

على الجانب الآخر من المشهد فقد كابد الشعب العراقي، ودفع ثمناً باهظاً لقاء الحماقات التي ارتكبها الرئيس العراقي السابق .

بيد أن خلاصه من كابوس صدام حسين، لم يصل به إلى النهاية السعيدة التي رجاها ورجوناها معه، فقد وقع فريسة لحالة من الفوضى والضياع بسبب الاحتلال االذي يرزح تحته الآن.و نأمل أن ينتهي في أقرب الآجال، ليسترد العراق عافيته وليتمتع شعبه بالحرية والديمقراطية اللتين افتقدهما عقوداً طويلة .

وقبل أن أُغادر هذا الحدث الجلل، لن يفوتني الإعراب عن أملي وأمل الشعب الفلسطيني بان تسترد العلاقة الفلسطينية - الكويتية عافيتها، وتنتهي الآثار السلبية والمقيتة التي أحدثتها جملة من المواقف، التي لا تعبر عن أصالة العلاقة الأخوية بين الشعبين، وتفتقد صوابية الرؤية، وتفتقر إلى التعبير عن عمق العلاقة التي ُنسجت عبر عشرات السنين. وتتجاهل المواقف القومية التي وقفتها الكويت قيادة وشعباً تجاه قضية العرب الأولى، حيث شملتها بالرعاية والدعم والإسناد والاحتضان. ولكن إذا أردنا أن نستعرض التاريخ لكي نستفيد منه، فلن تمنعنا غصّاته الكثيرة من تجاوزها .

أما الحدث الثاني: فهو مؤتمر مدريد الذي اطلق عملية السلام في الشرق الأوسط، ببداية مرحلة التفاوض الفلسطينية الإسرائيلية في العاصمة الأسبانية. ومن بعدها في واشنطن. ثم في أوسلو عاصمة النرويج، التي شهدت التوصل لاتفاق إعلان المبادىء، الذي ُسمي بإسمها(اتفاق أوسلو). وفتح صفحة جديدة في الصراع الدائر في الشرق الأوسط. وكان ُمقدراً له لو تم الالتزام به والبناء عليه ان ينهي نحو قرن من الزمان حافل بالمآسي، والعذابات، والحروب، تلك الحروب التي انتهت في غالبيتها إلى هزائم حافلة بالخسارات على كل الأصعدة.

إن قيام السلطة الفلسطينية وعودة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وكذلك عودة ثلاثمائة ألف فلسطيني خلال الفترة من 1994-2000 إلى أرض الوطن، كانت من أبرز نتائج هذا الاتفاق. إلا أن التطورات اللاحقة أفضت إلى نتائج مغايرة، بددت الآمال بإمكانية متابعة سير تنفيذه، والانتقال السلس إلى مفاوضات الوضع الدائم. وكانت بداية هذه التطورات إقدام متطرف يهودي على اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك اسحق رابين، وخلفه في المنصب شيمون بيرس الذي سقط في الانتخابات. وحل محل حزب العمل حزب الليكود (الذي عارض"اتفاق اوسلو") بزعامة احد رموز التطرف بنيامين نتياهو. وبهذا التغيير في قمة السلطة السياسية في إسرائيل، دخلت عملية السلام في مأزق ما زال يتعمق منذ ذلك الحين وحتى الآن، حيث بقي الكثير من الالتزامات الاسرائيلية الواردة في (إتفاق أوسلو) عالقة بلا تنفيذ.

غير أن هذه المرحلة شهدت بعض المحطات التفاوضية، وأسفرت عن بعض النتائج المتواضعة، كاتفاق (بروتوكول الخليل) وتفاهمات (واي ريفر).

لقد أدركت الإدارة الأمريكية حينها العقبات التي تعترض طريق مواصلة عملية السلام، وبدعم منها عاد حزب العمل إلى رئاسة الحكومة، ولكن بزعامة ايهود براك هذه المرة، حيث واصل سياسة سلفه الليكودي ورفض بشكل قاطع الحديث عن قضايا المرحلة النهائية. كما أنه رفض تنفيذ كل البنود الخاصة بالانسحابات وإعادة الانتشار التي تم الاتفاق عليها سواء معه أو مع سلفه.

لكن المحطة الأهم، والتي كان لها ما بعدها في تلك المسيرة التفاوضية المتعثرة والصعبة هي محطة (كامب ديفيد)، حيث وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، وانتهت النهاية المعروفة للجميع. الأمر الذي اسس للدخول في مرحلة جديدة من الصراع مثلت الانتفاضة الراهنة عنوانها الأساسي.

لقد بدأت الانتفاضة في أشهرها الأولى جماهيرية، وسلمية، وضمت بين جنباتها معظم فئات الشعب الفلسطيني، وأعطت بعض النتائج الايجابية من تعاطف علامي مع قضيتنا وشعبنا ضد الاحتلال والسياسة الإسرائيلية مما أدى إلى تمادي جيش الاحتلال في عدوانه انتقاما واستدراجا لرد فلسطيني بالسلاح ودخلت الانتفاضة مرحلة العسكرة الأمر الذي أسفر عن نتائج سلبية، ما زالت تتوالى فصولاً ماثلة أمام كل عين. فقد سوّغ استعمال السلاح استنفار الترسانة العسكرية الاسرائيلية، حيث أمعنت قتلاً وتدميراً واجتياحاً. والأسوأ من هذا أن بعض أجهزة السلطة الأمنية أو أفراد فيها تورطت في هذه الانتفاضة، مما جعل شكل الصراع يظهر على أنه حرب بين سلطتين رسميتين (السلطة، والحكومة الإسرائيلية). وأخيراً لا آخرا، فقد أُعيد احتلال الضفة الغربية بكاملها، واجزاء كبيرة من غزة. ودُمرت أجهزة السلطة ومؤسساتها، وعمّت الفوضى السياسية والعسكرية، وساد الخراب الاقتصادي والاجتماعي.

اخلص إلى القول أن أسلوب إدارة الصراع بهذه الطريقة، أعطى حكام إسرائيل الذرائع القوية التي كانوا يسعون إليها، للتخلص من أسلوب المفاوضات السياسية، وحررها من الوفاء بأية التزامات. وأطلق يد شارون للامعان في التخريب والتدمير والقتل. والمفارقة انه رغم كل هذه الجرائم -التي ارتكبها شارون-، فقد سجّل نجاحاً بإدراج النضال الوطني الفلسطيني في قائمة الأعمال الإرهابية. بخاصة إثر تفجيرات الحادي عشر من أيلول 2001 في الولايات المتحدة. لقد كانت تلك الأحداث فرصة متاحة لنا لمراجعة الأسلوب العسكري في كفاحنا، لكنها فرصةٌ ضاعت كما ضاعت فرص كثيرة. وبالمقابل فقد استغلت إسرائيل تلك الفرصة لتثبيت دورها كحليف استراتيجي للولايات المتحدة في حربها العالمية ضد الإرهاب.

في ظل الظروف سالفة الذكر بدأت الدعوات للإصلاح الداخلي. وطرحت خطة (خارطة الطريق) كمخرج من الأزمة السياسية الطاحنة، بعد فشل جميع الجهود التي سبقتها، حيث ذهبت (خطة تينيت)، و(تفاهمات ميتشل) والإعلانات المتكررة لوقف اطلاق النار ادراج الرياح. واستمر الصراع مستعراً، ودورة العنف الدموية تدور بلا انقطاع.

في أتون هذا الوضع، كان لا بد من تأمل وضعنا الداخلي لإصلاحه، وإجتراح معجزة الخروج من المأزق السياسي، والميداني، بيد ان الدعوة للاصلاح وهي فلسطينية اصلاً، وضرورة موضوعية، ومطلب النخب الوطنية، إلا أنها تحولت إلى اتهامات بالعمالة والخيانة، بعد أن طرحتها اللجنة الرباعية الدولية.

لقد كانت وما زالت الدعوة للإصلاح، والتخلص من الفوضى والفساد، والعودة لبناء المجتمع المدني، وفصل السلطات المختلفة، واشاعة الديمقراطية، والحد من سلطة الفرد، والتفرد، وبناء سلطة القانون كُلها إجراءاتٍ لا يمكن القفز عنها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. إلا أن هذه الدعوات جوبهت بالصدود والرفض وأحيانا كثيرة بالاتهامات والتخوين. وليس خافياً على احد انه قد نشأت فئة داخل السلطة منتفعة من استشراء حالة الفساد، وترعرعت (القطط السمان) من انعدام الشفافية والمساءلة. وبهذا أصبحت لها مصالح ببقاء هذه الحالة، وبالتالي فهي لن تتوانى عن الدفاع عن مصالحها، تحت اسماء ومسميات وهمية، من طراز التمسك بالموقف الوطني، وعدم الانصياع للإرادة الأجنبية وما شابهها من ادعاءات تخفي جوهراً مغايراً تماماً.

وحديث الإصلاح الفلسطيني حديث ذو شجون يطول شرحه، ويقود حكماً إلى الحديث عن المخاض العسير إبان استحداث منصب رئيس الوزراء، وتعديل القانون الأساسي، وتحديد صلاحيات هذا المنصب وما دار حوله من معارك، وما خيض ضده من حروب، اثناء عملية تشكيل الحكومة، ومن ثم اثناء مزاولتها عملها. حيث وضعت برنامجاً يعالج مختلف مناحي الحياة الفلسطينية الداخلية والسياسية، والاجتماعية، والأمنية، والمالية. ولكن حجم العقبات التي ُوضعت أمامها داخلياً، إضافة إلى جبال العراقيل التي اقامتها حكومة شارون في وجهها حال دون إنجاز برنامجها، الذي حازت على أساسه ثقة المجلس التشريعي. وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى استقالة الحكومة، (وتسليم الأمانة).

أيها السـادة:

الوضع الراهن والمستقبل

إلى أين من هنا؟

لقد تواصل وتعاظم في هذه الأثناء، انهيار الأوضاع الأمنية والاجتماعية والسياسية في الأراضي الفلسطينية. ونتيجة لضربات الاحتلال المتلاحقة والتي كما اسلفت اسفرت عن إعادة احتلال الضفة الغربية واستباحة قطاع غزة... قررت إسرائيل ومن ورائها أمريكا أن الطرف الفلسطيني لم يعد أهلاً للتحاور والشراكة. وبالتالي فلا حوار معه ولا مفاوضات. وفرضت عليه قطيعة شبه كاملة... وبخاصة تجاه الرئيس ياسر عرفات. وانسحبت هذه القطيعة أيضا على الوزارة الجديدة، التي لم يعد لها حول ولا قوة .

وهكذا اختفت اللجنة الرباعية وتفرقت، ولم تعد تجد شيئاً لتجتمع من أجله. وضاعت في زحمة الأحداث خارطة الطريق، التي كانت النهج الذي يلزم الجميع. ويفترض أن يلتزم ببنوده الجميع، على الرغم من التحفظات التي تطلقها إسرائيل بين الفينة والأخرى .

وتردت الأحوال إلى درجة أن الحديث عن المسار السياسي الفلسطيني انعدم تماماً. ولم يعد يشغل الناس في الأراضي الفلسطينية وخارجها، إلا الحديث عن لقمة العيش وافتقادهم الكامل للأمن والأمان. ولم يعد على ألسنتهم إلا عبارة واحدة "اللهم آمنا في أوطاننا". وذلك بسبب الإحساس بالغربة على أرض الوطن، وليس هناك أسوأ من الغربة على أرض الوطن. بصرف النظر عن وطأة الاحتلال الذي يجثم على صدور الناس، يصادر حريتهم ويحرمهم من حقوقهم. لكنهم يصبرون على هذا ولسان حالهم يقول "ما بعد الشدة إلا الفرج". ولكن... عندما ُيحرمون الأمن ولقمة العيش في ظل سلطة هي منهم وإليهم، فإن معالم المأساة تتجسد وتتجذر. وتبدأ العلاقة بين الحاكم والمحكوم يعتريها الشك، وانعدام الثقة حتى يقع الفراق. إن الله تبارك وتعالى يدعو عباده لعبادته، لأنه "أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ".

في هذا المناخ المحاصر بالأزمة من كل جانب، تفككت الأجهزة الأمنية. وبالتالي لم تعد قادرة على القيام بواجباتها. بل إنها فعلياً تحولت من اجهزة يفترض ان تحمي الأمن وتوفر الأمان للمواطن إلى عبء عليه. وازداد الوضع الاقتصادي تردياً، وفاقت نسبة من هم تحت خط الفقر ال60% من الشعب. وتفككت العلاقات الداخلية، وتهدمت جسور الحوار بين السلطة من جهة والقوى والفصائل من جهة أخرى، مما أدى إلى تعدد السلطات والأجندات والبرامج وطرق وأساليب النضال. وأسس كل فصيل مناطق نفوذه، وأخذ القانون بيده. بحيث أصبح الحديث عن الوحدة الوطنية في حالة كهذه اشبه بالسخرية السوداء.

الحـوار الوطنــي:

إن قتامة هذه الصورة كانت تحتم الإقدام على فعل انقاذي فوري يرفض التأجيل. ولعلي من المؤمنين بأن ترتيب الوضع الداخلي، هو نقطة الانطلاق لتصحيح هذا الوضع. والخروج من هذا المأزق. وهذا غير قابل للتحقيق دون الانفتاح على القوى الأخرى. وفتح حوار حر وطليق يضع الجميع أمام مسؤولياتهم، على أساس برنامج سياسي ونضالي واحد دون إلغاءٍ لحق الاختلاف، ودون مصادرة الحق في التعددية السياسية، وحرية الاجتهاد.

لذلك صمّمت على التوجه مباشرة إلى جميع الفصائل دون تحفظ أو حساسيات. بخاصة حركتي حماس والجهاد اللتين لا أتردد في المجاهرة باختلافي معهما في الكثير من شعاراتهما السياسية، وطرق وأساليب عملهما. دون أن يُفسدَ الخلاف للود قضية.

ولذلك فقد أجريت مع التنظيمين حوارات معمقةً في أوقات مختلفة، بدءاً من حوار القاهرة في شهر ديسمبر من عام 2002. واستمر الحوار بشكل مكثف قبل تشكيل الحكومة وأثناء وجودها وبعد استقالتها وإلى يومنا هذا... وأستطيع أن أُجمل هذا الحوار وتطور مراحله بالنقاط التالية :

- لقد رفضت حركتا حماس والجهاد وغيرهما في بداية الحوار مبدأ إعلان هدنة شاملة داخل الخط الأخضر وفي كل الأراضي الفلسطينية .

- أصرتا على موقفهما من رفض الاعتراف بمنظمة التحرير وبالشرعية الدولية وقراراتها. كما أصرتا على إقامة قيادة موحدة فلسطينية على أنقاض المنظمة.

ولكن مع استمرار الحوار وتعزيز الثقة، وتطور الوقائع على الارض، أدى كل ذلك إلى موافقة جميع المنظمات وفي مقدمتها حماس والجهاد على إعلان هدنة فلسطينية من طرف واحد. وكانت أول هدنة يتم الاجماع عليها في تاريخ النضال الفلسطيني. وقد صمدت هذه الهدنة اثنين وخمسين يوماً.

في يوم 19/8/2003 واثر عملية القدس الشهيرة التي تبنتها حركة حماس انهارت الهدنة.

وعلى الرغم من فشل الحوار الذي تواصل لاحقاً في شهر ديسمبر 2003، حيث لم تتوصل الأطراف المختلفة إلى موقف موحد، إلا أن تحولاً كبيراً، وبالغ الأهمية، وعميق الدلالة، طرأ على الفكر السياسي وعلى مواقف حركتي حماس والجهاد .

فقد اعلن الشهيد المرحوم الشيخ أحمد ياسين ولأول مرة في تاريخ حركة حماس، أنه يوافق على دولة فلسطينية في حدود 1967. رغم أنه أضاف عليها (كحل مرحلي)، وانه مستعد ان يمنح الإسرائيليين هدنة لعشرة سنوات. وبذلك فقد خطا الشيخ الشهيد خطوة كبيرة، مقرباً حركة حماس فعلياً من البرنامج الوطني الفلسطيني الشهير بالبرنامج السياسي الذي اعتمد منذ عام 1988. على هذا الوجه، ودون التقليل من شأن التحفظ المشار إليه، إلا أن الامر الجوهري في هذا الموقف، اعتبر تحولاً هاماً في مواقف حركة حماس السياسية. وذات الأمر ينطبق على حركة الجهاد أيضاً .

أما بخصوص القضية الثانية وهي مسألة المشاركة في قيادة موحدة داخل إطار المنظمة فما زالت قيد البحث، وتخضع للجدل ولم تحسم حتى الآن. ولكنها غير مرفوضة من قبل حركة حماس .

بالطبع لن تفوتني الاشارة هنا إلى أن حدثاً جللاً بوزن اغتيال الشيخ احمد ياسين. وخلفه الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، قد أدى إلى ارتفاع درجة التوتر في صفوف كوادر حركة حماس، وجميع الفصائل الفلسطينية بلا استثناء. إلا أن فكرة الهدنة والمشاركة في إدارة قطاع غزة –في حال انسحاب إسرائيل منه- ما زالت ُتناقش. غير أن مناخات الشك وعدم الثقة والحساسيات والحسابات، تسيطر على هذه الحوارات. مما يجيز للمتابع طرح السؤال حول امكانية وصولها إلى نتائج مرضية، ونهايات جدية.أيهـا الســادة:

الانسحاب من غزة :

مما لا شك فيه أن إلقاء آريئيل شارون وبدون سابق إنذار أو تمهيد أو مقدمات حجر عزمه على مغادرة قطاع غزة من جانب واحد، حرك المياه في البركة الراكدة.

لقد أصاب شارون بحجره هذا الساحة السياسية الفلسطينية وأطرافها المختلفة بحالةٍ من الحيرة والذهول والتخبط. وأثار خيالات وأيقظ حساسيات. وبدأت عمليات جرد الحسابات لأطرافها الرئيسية وقواها الأساسية. وطغت الفوضى على الموقف الفلسطيني. إذ لا يوجد رأي واحد أو موقف موحد. فالحوار جرى بين أمريكا وإسرائيل عن مستقبل الشعب الفلسطيني، فيما غُيِّب الشعب صاحب القضية. ولعل في هذا السلوك تكمن واحدة من أخطر تداعيات هذا الحوار، الذي أفضى إلى توافق بينهما. ذلك انه فعلياً أعاد عقارب الساعة أكثر من أربعين عاماً إلى الوراء، إلى مرحلة ما قبل قيام منظمة التحرير الفلسطينية والاعتراف بها كممثل شرعي ووحيد من جهة، ومن جهة اخرى فإن ماجرى كرر ما فعلته بريطانيا، عندما وعد وزير خارجيتها جيمس ارثر بلفور في العقد الثاني من القرن الماضي، بإقامة وطن قومي لليهود حيث منحت بريطانيا "ما لا تملك لمن لا يستحق". وعدنا كما كنا يقررون مصيرنا بالنيابة عنا وليس معنا .

يمكن إجمال مواقف الأطراف الفلسطينية حيال هذا التطور البالغ الأهمية، بأنها تراوحت بين الرفض المطلق لفكرة الانسحاب، وبين القبول المطلق لهذا الانسحاب. وما بينهما طيف واسع من الألوان منها على سبيل المثال لا الحصر :

- رفض الإجراء أحادي الطرف الذي يعلنه شارون، أي رفض الانسحاب .

- رفض الإجراء ما لم يرتبط بانسحاب مثله في الضفة الغربية .

- رفض أي إجراء خارج إطار خارطة الطريق .

- الاستعداد لاستلام المستوطنات فوراً .

- الاستعداد لقبول الخطة بشرط إخلاء القطاع من كل مظاهر الاحتلال (الجيش والمستوطنون) والحدود مع مصر .

"قنبلـة" بـوش : (14/4/2004)

بإعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش دعمه لخطة الانسحاب من جانب واحد، وتسليمه شارون رسالة الضمانات ذائعة الصيت، وإعلان شارون تفاصيل خطته أحادية الطرف للانسحاب من غزة، بعد مشاورات ومحادثات مكثفة قيل في وصفها إنها الأطول في تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وإنها تميزت بالسرية المطلقة بين الإدارتين للإعداد الدقيق للقاء المنتظر بين الرئيسين بوش وشارون، بلغت تلك الجهود ذروتها.

لم تعرف كل الأطراف الدولية أو المحلية أية تفصيلات عن مضمون هذه المباحثات، ولا عن الخطة الإسرائيلية، إلا ما أتيح لها من خلال التكهنات أو ما سربته وسائل الإعلام. أما الطرف الفلسطيني، فقد أقيم عليه حَجْر سياسي وأُحكم الحصار من حوله وُعزل عزلاً تاماً. بحيث لم يتلق أية معلومات رسمية أو غير رسمية، إلا ما كان يرشح عن أطراف لا دور لها في هذا الملعب ولا تعرف إلا القليل عما يجري في الملعب.

الموقف الأمريكي قبل إعلان بوش:

وإلى ما قبل تفجير "القنبلة" الأمريكية في البيت الأبيض يوم 14/4/2004، لا بأس من استعراض تطور الموقف الأمريكي من القضايا الأساسية، التي جرى تناولها في هذا اليوم وذلك على النحو التالي:

- وافقت الولايات المتحدة على عدد من قرارات مجلس الأمن التي تدين الاستيطان وتطالب بإجتثاثه، ومنها (237)، (252)، (259)، (465)، (478) وغيرها.

- إن الاستيطان غير شرعي ويخالف القرارات الأممية.

- إن الاستيطان عقبة في طريق السلام.

- لابد من بحث مصير الاستيطان في مفاوضات المرحلة النهائية.

استمرت أمريكا لحوالي نصف قرن بالمطالبة بوضع القرار 194 بشأن اللاجئين على أجندة الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكانت تبادر فوراً إلى إعادة التصويت والتصديق عليه لتأكيده وحتى يبقى حياً.

- لابد من إنهاء الاحتلال الذي وقع في العام 1967. وهذا النص ورد في خطاب الرئيس بوش يوم 24/6/2002 كما ُثبت في خارطة الطريق.

في 28/6/2003 قالت مستشارة الأمن القومي كونداليسا رايس والمسؤول الأمريكي أليوت ابرامز لرئيس الوزراء الإسرائيلي: "إن السور لا يبنى فوق الخط الأخضر وإنه ليس سياجاً ريفياً، بل إنه جدار ولا تقل لنا إنك لا تريده أن يكون حدوداً سياسية.

وفي 27/7/2003 قال الرئيس بوش في اللقاء الذي تم بيننا في البيت الأبيض وبعدها في المؤتمر الصحفي: "إن الجدار مشكلة وقد ناقشته مع شارون، إنه من الصعب جداً تطوير الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بوجود جدار يتلوى كالأفعى داخل الضفة الغربية. وإن هذا الجدار سينهي إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وإذا كان بناؤه من أجل ضمان الأمن فلماذا لا يُبنى داخل الخط الأخضر؟".

هذه المواقف التي انتهت إلى طرح خطة (خارطة الطريق)، والتي بدأنا بتطبيقها في شرم الشيخ والعقبة يومي 4،3/6/2003، وُجهت لها ضربة إن لم تقض عليها تماماً فقد جعلتها خاوية من أي معنى، وتلاشت جميعها في لقاء واشنطن من خلال الخطابات المعلنة ورسالة التطمينات الأمريكية لشارون. تلك الوثائق التي قلبت الأمور رأساً على عقب. وبصرف النظر عن كونها مواقف أُحادية الطرف وأنها تعبر عن وجهة نظر أمريكا كدولة منفردة، لا تستطيع وحدها أن تغير وتبدل الاتفاقات والقرارات الدولية، إلا أن خطورتها أنها تأتي في نفس الوقت من أمريكا، الدولة العظمى الوحيدة في العالم، والتي أصبحت مواقفها السياسية وقراراتها وأفعالها أفعل من الشرعية الدولية ومن الأمم المتحدة. وبالتالي فإنه ليست لدينا أوهام بأن أمريكا، هي اللاعب الوحيد في العالم.

من هنا فإننا ننظر إلى ما جرى في البيت الأبيض يوم 14/4/2004 على أنه خطوة تدميرية للسلام، ولخارطة الطريق التي رعتها أمريكا.

تفاصيل بيان بوش:

ولعل ما حمله بيان الرئيس بوش من تناقضات في بعض النقاط، لا يقل خطورة عن تلك النقاط الصارخة في وضوحها، ذلك بانها تفتح الأبواب وتشرع النوافذ على مصراعيها للإجتهادات والفتيا. إنها نموذج للغموض غير البناء، الذي يفسح المجال للطرف الأقوى لكي يطبقها بما يتناسب ومصالحه ورؤيته. ومن بعض هذه النقاط أوجز ما يلي:

الترحيب بخطة فك الارتباط التي أعدتها الحكومة الإسرائيلية، والتي ستقوم إسرائيل بمقتضاها بسحب منشآت عسكرية معينة، والانسحاب من كل المستوطنات من قطاع غزة. كما ستسحب منشآت عسكرية ومستوطنات محددة من شمال الضفة الغربية.

على ضوء الوقائع الجديدة على الأرض، بما في ذلك المراكز السكانية الرئيسية الإسرائيلية، فمن غير الواقعي أن نتوقع أن تكون نتيجة المفاوضات النهائية عودة كاملة إلى خطوط الهدنة لعام 1949. إن أي اتفاق على الوضع النهائي لا يمكن أن يتحقق إلا على أساس تغييرات متبادلة يتم الاتفاق عليها وتعكس تلك الحقائق الواقعية.

تؤيد الولايات المتحدة إقامة دولة فلسطينية تكون قابلة للحياة ومتماسكة (لا فواصل بين أراضيها) ومستقلة وذات سيادة. (وهنا نتساءل كيف؟)

تتفهم الولايات المتحدة أنه بعد انسحاب إسرائيل من غزة ومناطق من الضفة الغربية، فإن الترتيبات الموجودة حاليا والمتعلقة بالسيطرة على الأجواء والمياه الإقليمية والممرات البرية بالضفة الغربية وغزة، سوف تستمر.

إن حل موضوع اللاجئين الفلسطينيين كجزء من اتفاق المرحلة النهائية سيحتاج إلى إرسائه من خلال إقامة دولة فلسطينية، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين فيها بدلاً من توطينهم في إسرائيل.

إن الحاجز (الحائط) الذي أقامته إسرائيل ينبغي أن يكون حاجزاً أمنياً وليس حاجزاً سياسيا، كما ينبغي أن يكون مؤقتاً لا دائماً. وبهذا فإنه لن يضر بالوضع النهائي بما في ذلك الحدود النهائية.

لقد أدرك وزير الخارجية الأمريكي كولن باول بحسه الديبلوماسي، خطورة ما أقدم عليه الرئيس بوش فقّدم مساهمته للتقليل من خطورة وأهمية هذه الخطوات، بادعائه أنها لا تتضمن أي تغيير في سياسة الولايات المتحدة. وأن كل شيء خاضع للمفاوضات النهائية. وأن مثل هذه الإجراءات تصب في مصلحة الفلسطينيين.

غير أن شارون اعتبر في خطابه أمام الكنيست يوم 22/4/2004 رسالة بوش، جزءاً لا يتجزأ من خطته للانسحاب الأحادي- وقال: "إن الدعم الدبلوماسي الذي حصلت عليه خلال زيارتي للولايات المتحدة، إنما هو إنجاز لم يسبق له مثيل ولم يحصل منذ إنشاء دولة إسرائيل. وإنه يشكل ضربة قاضية غير مسبوقة للفلسطينيين منذ عام 1948".

الخطـة الإسرائيليــة:

أما تفاصيل الخطة الإسرائيلية التنفيذية فقد اشتملت على النقاط والمحاور التالية:

- تتخلى إسرائيل عن الاستيطان في غزة. وتحتفظ بمناطق في الضفة الغربية تعتبر جزءاً من دولة إسرائيل، ومنها مستوطنات مدنية ومناطق أمنية، وأماكن أخرى لإسرائيل مصالح فيها.

- ما سيخلى من مناطق في غزة لن يبقى فيها وجود عسكري ثابت.

- ستخلي إسرائيل أربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية.

- ستواصل بناء الجدار الأمني، إلا أن مساره سيأخذ بعين الاعتبار القضايا الإنسانية.

- ستسيطر إسرائيل بشكل مطلق على المجال الجوي والبحري لقطاع غزة.

- وكذلك تسيطر على الخط الفاصل بين مصر والقطاع.

مع "وعد" الإدارة الأمريكية هذا انتهت مرحلة ما كان يعرف بالحماية الأمريكية لإسرائيل وأمنها وتفوقها! ووضِع حجر الأساس لبداية مرحلة جديدة، تقضي بحماية التوسع الإسرائيلي في اندفاعته الجديدة وهي الأشرس منذ احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967. والأخطر منذ نكبة عام 1948. حيث تتخذ هذه الحماية شكلاً استيطانياً لا يخالف قرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة فحسب، بل والمواقف الرسمية الأمريكية ذاتها المشار إليها سابقاً.

هذا "الوعد" أفصح بشكل جلي، عن أن السيطرة والوجود الأمريكي المباشر في المنطقة، لا يعني بأي حال من الأحوال تسريحاً مبكراً لإسرائيل ودورها الإقليمي، بل أكدّ أن لإسرائيل دوراً محورياً ومركزياً في الاستراتيجية الأمريكية، التي تستهدف منطقة الشرق الأوسط، كبيراً كان أم صغيراً.

على الخط نفسه نتابع السير، فالرئيس الأمريكي الذي قدم وعداً غير مسبوق من قبل أية إدارة أمريكية، ودعماً مطلقاً لخطة شارون للانسحاب من طرف واحد من غزة، إنما انسحب هو ومن طرف واحد من دوره كراع يفترض به الحياد والنزاهة من عملية السلام، وأنهى هذه العملية بإصدار شهادة إعفاء لشارون، لاستئناف أية مفاوضات حول قضايا الوضع الدائم.

ولم يوفر هذا "الوعد" فعلياً القرارات أو المرجعيات التي تخص القضية الفلسطينية، بدءاً من القرار( 242 ومروراً بالقرار 338، وقبلهما 194، وانتهاءً بمدريد، وأوسلو، وخارطة الطريق... لقد أحرق جميع هذه المرجعيات ولم يأت على ذكرها سوى من قبيل التضليل وحفظ إشاعة الأوهام. ومعها أشعل النار بحقوق الشعب الفلسطيني فانقض على حق اللاجئين بالعودة، ماسحاً نحو ستة عقود من العذاب والمذابح، مباركا حق الاستيطان مكافئا سرقة الأرض واقتلاع الأشجار وسحق عناصر التنمية لشعب واقع تحت الاحتلال. وعبث بالحدود وكرر كلاماً لم يعد مفهوماً عن رؤيته لقيام دولة فلسطينية لأنها ستقوم على ما يفيض عن حاجة المستوطنين من ارض. وبذلك فقد انقلب الرئيس الأمريكي على رؤيته، ولم يبق من خطة خارطة الطريق سوى ورقة تذروها الرياح.

الموقـف الأوروبـي:

لقد غصت الخطة بتفاصيل كثيرة نشرت جميعها على الناس، ولا حاجة للتعرض لتفاصيلها. واللافت للنظر أنها لاقت ترحيباً من رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير. وكذلك من قبل منسق الاتحاد الأوروبي خافير سولانا. لكنهما دعيا اللجنة الرباعية للاجتماع، لمعالجة هذا الأمر من أجل تطبيق خارطة الطريق، لانهما وبخاصة سولانا أدركا أن ما جرى في واشنطن كان بمثابة إرسال قبلة الوداع لدور اللجنة الرباعية، ولأوروبا على وجه التحديد، وإعلان نهاية دور السلطة الفلسطينية. ومن هنا تأتي مطالبة الأوروبيين وإلحاحهم جميعاً، بضرورة وجود سلطة فلسطينية قوية، قادرة على إعادة بناء مؤسساتها الأمنية، وضبط الوضع الأمني في مناطقها، إذا أرادت هذه السلطة أن يكون لها دور في عملية السلام.

غير أن الجدير بالملاحظة أنه على الرغم من الرفض الأوروبي العنيد للانسحاب أحادي الطرف من غزة، في البداية وعلى الرغم من التأكيدات المتتالية بان أي عمل يجب أن يتم من خلال خارطة الطريق التي تعتبر أوروبا نفسها أحد أهم رعاتها، إلا أن وتيرة الرفض المعلن قد انخفضت وتراجعت بنسبة كبيرة، مكتفية بترديد عبارات الشرعية الدولية وضرورة التفاوض بين الأطراف المعنية، لكنها مع ذلك لم تتماثل مع الموقف الأمريكي.

فالموقف الأوروبي يختلف عن الموقف الأمريكي في كثير من خطوطه التفصيلية إلا أن ما لا يفهمه الكثيرون بأن لأوروبا دوراً مكملاً لدور أمريكا وليس بديلاً عنه، وليس بين اليدين ما يعتد به للاستنتاج بعكس ذلك. دون التخلي عن ضرورة أن نكسب هذه المجموعة الدولية الهامة إلى جانبنا فخبرتنا علمتنا أن نسبة التحيز الأوروبي لإسرائيل تتضاءل بقدر ما نعمل نحن على ترتيب بيتنا الداخلي ونسحب الذرائع من يدها، وأيدي غيرها .

الموقـف الروســي:

والشيء نفسه يمكن أن يقال عن الموقف الروسي رغم عراقة هذا الموقف في دعم القضية الفلسطينية منذ عهد الاتحاد السوفيتي. ولأنها تنتابها هي الأخرى ذات مشاعر الريبة والشك بأن الموقف الأمريكي المنحاز على هذا النحو مفضٍ لا محالة إلى التفرد، لا في الشأن الفلسطيني فحسب، بل وفي المنطقة بأسرها، مع كل ما يعنيه ذلك من مخاطر على دورها ومصالحها في هذه المنطقة الواقعة على حدودها الجنوبية.

لذلك حاولت روسيا الاحتفاظ بالمسافة المناسبة بين طرفي الصراع، لتحفظ دورها الذي تريد له الاستمرار في التأثير ولو بالحدود الراهنة. وقد صاغ وزير الخارجية الروسي موقف بلاده عشية لقاء بوش شارون (13/4/2004) على النحو التالي :

- الانسحاب من قطاع غزة خطوة هامة على أن ينظر إليها على أنها جزء من التسوية الشاملة .

- لا يجوز لإسرائيل توسيع المستوطنات بالضفة بحجة استيعاب المستوطنين. لان هذا مخالف لخارطة الطريق .

- يجب على إسرائيل أن تقتنع بان الاحتلال ليس في صالحها .

- وعلى الفلسطينيين أن يفهموا بأن "الإرهاب" يسيء إلى مطالبهم العادلة، ولذلك لابد أن يبذلوا جهدهم لإحلال النظام، والسيطرة المطلقة، وعدم السماح للإرهابيين القيام بأية عمليات .

- وعلى إسرائيل أن تعتبر أن أية خطوة في مجال الانسحاب إنما هي جزء من تنفيذ خارطة الطريق .

الدور المصري والأردني:

إن تأثيرات، وتداعيات خطة شارون للانسحاب من جانب واحد، ودعم ومساندة بوش لهذه الخطة تلقي بظلالها على دول الجوار العربي المحيطة بفلسطين. وتصيب بتداعياتها مصالحها الاستراتيجية. فمصر الجارة الجنوبية لفلسطين وإسرائيل، وبحكم أنها الطرف العربي الذي لا زال يحتفظ بخيوط مع السلطة، وتربطها كذلك معاهدة سلام مع إسرائيل، فأنها تقف على رأس المعنيين في المنطقة بهذه الخطة، بخاصة وأن الحديث يدور عن دور مصري محتمل لإنجاح خطوة الانسحاب. أي أن مصر تتمتع ببعض المزايا التي تؤهلها لذلك. فعلاقة مصر مع إسرائيل تأثرت بما يجري في الأراضي الفلسطينية، وسحبت سفيرها من تل أبيب، إلا أنها لم تبلغ حد القطيعة الكاملة هذا أولا . وثانياً: فإن مصر حريصة على إبقاء خطوط علاقتها مع الولايات المتحدة نشطة، وعلى اعتراف الأخيرة بدورها الإقليمي والعربي. وثالثاً: في ظل استنكاف السلطة عن القيام بواجباتها الأمنية وبخاصة في قطاع غزة، فإن مصر تحث على ملء هذا الفراغ، لأن إشاعة الفوضى في غزة بعد الانسحاب إن نفذ، سيؤثر تأثيراً مباشراً على أمنها القومي.

غير أن الإقرار بأهمية وحيوية الدور المصري لا يبدد عدداً من الأسئلة حول طبيعة هذا الدور المفترض ومنها:

- ما هو الدور المصري المطلوب ؟

- هل هو تدخل عسكري كامل في القطاع ؟

- هل هو تواجد عسكري مصري على الحدود ؟

- هل هو دور لإعادة تدريب وتنظيم أجهزة الأمن الفلسطينية؟

وعلى ضوء الإجابة على هذه الأسئلة فإن هناك مسألتين لابد أن تبحثهما مصر مع إسرائيل وأمريكا :

الأولى: ان اتفاقية كامب ديفيد لا تسمح لمصر بتقدم قواتها نحو الحدود وفي مساحات معينة، وإذا اضطرت مصر لإحضار قوات إلى الحدود أو داخل الحدود فإن هذا يتطلب تعديل اتفاقية كامب ديفيد .

والثانية: إذا وصلت القوات المصرية أيا كان حجمها إلى الحدود الفلسطينية المصرية، فإن مصر بحاجة إلى نشر قوات لها على حدودها المشتركة مع إسرائيل والتي تمتد من رفح إلى طابا .

وإذا حصل وتم الاتفاق على كل هذه البنود، وتمت الإجابة على كل هذه الأسئلة، فإن أسئلة مصرية إضافية يجب ان توجه إلى إسرائيل وأمريكا والفلسطينيين على النحو التالي :

- على أمريكا أن تضمن ضبط إسرائيل إذا ما تعرضت هذه لأي هجوم، وأن لا يكون الرد ضد الوجود المصري في غزة.

- أن تتعهد إسرائيل بعدم مهاجمة القطاع إذا حصلت عمليات عسكرية في الضفة .

- أن يتعهد الفلسطينيون جميعا، سلطة وتنظيمات بالانضباط الكامل .

إن الحديث الإسرائيلي عن موعد الانسحاب، يصل إلى سنة ونصف من هذا التاريخ.. وإلى أن يحين هذا الموعد لابد من إجلاء كل هذا الغموض والإجابة على كل هذه الأسئلة .

بقي أن نقول إن الأردن الجار الشرقي لنا ولإسرائيل، هو أيضا الأكثر تأثراً بأية تطورات استراتيجية وعميقة تقع في الأراضي الفلسطينية، لأسباب كثيرة غنية عن البيان. ناهيك عن أن الأردن هو الآخر يرتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل، ولديه مخاوفه المشروعة من خطة لها أبعادها وتأثيراتها الجغرافية والديمغرافية الخطيرة.

بعد كل ذلك يبقى السؤال الأصعب يدور في الهواء: كيف نحوِّل هذا العمل الأحادي الطرف إلى حلقة في سلسلة تبدأ بإخلاء غزة وتنتهي بالحل النهائي المتوج بتطبيق الشرعية الدولية؟ هذا هو التحدي.

أيهـا السادة..

لا بد لنا من الإشارة إلى محطات ثلاث أخيرة :

أولا : سقوط خطة شارون في الاستفتاء الذي جرى داخل حزب الليكود يوم 2/5/2004، بنسبة 60.5 % إلى 39.5 %. وقد جاءت النتيجة لصالح أقصى التطرف في حزب الليكود، الذي يرفض معتنقوه فكرة التخلي عن الاستيطان بكافة أشكاله. وأصبح شارون أمام خيارات صعبة للمضي في الخطة أو تعديلها أو التراجع عنها.

ثانياً : بيان اللجنة الرباعية بتاريخ 4/5/2004 وقد تضمن النقاط الأساسية التالية:

- الالتزام برؤية الدولتين، وعلى الطرفين القيام بالتزاماتهما.

- حق إسرائيل بالدفاع عن النفس، ولا بد من وقف متبادل لإطلاق النار.

- الجدار أمني وليس سياسيا، مؤقت وليس دائما.

- الانسحاب من المستوطنات حسب خطة شارون إيجابي ومقبول.

- حل القضايا النهائية من خلال التفاوض وعلى أساس الشرعية الدولية.

- لا بد من قيادة فلسطينية مسؤولة وملتزمة من خلال رئيس وزراء قوي للقيام بالإصلاح المطلوب.

دور أمني لمصر.

ثالثا : نتائج زيارة الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن يوم 6/5/2004.

- الالتزام برؤية الدولتين.

- تأكيد على خطة شارون.

- الحل النهائي القائم على الشرعية الدولية.

- ضرورة الإصلاح في الشرق الأوسط.

- إرسال رسالة لرئيس الوزراء الفلسطيني من بوش لشرح الموقف الأمريكي.

التشخيص:

خطة شارون: بعد الفشل، أمامه..التعديل..التغيير.. الإلغاء. وهذا يتطلب: استفتاء عام..انقسام الليكود.. تغيير الائتلاف.

الموقف الفلسطيني: إذا انسحب من أي جزء علينا أن نستلمه فورا.

ضمانات بوش: تنازلات تخالف الشرعية..لا نتعامل معها..وإن كانت تتحدث عن "حقائق على الأرض" ودولة في الـ 2005 لم تعد واقعية.

3- تطمينات بوش للعرب: لا تختلف عما ورد في رسالة بوش لشارون..فهي تقول: "كل شيء خاضع للمفاوضات بين الطرفين".

خارطة الطريق: تبقى المرجعية بأجزائها الثلاثة سارية المفعول.

المخاطر: ضرب البنية التحتية-الدولة ذات الحدود المؤقتة.

الالتفاف: هدنة وتهدئة-مفاوضات المرحلة النهائية.

من أين نبدأ: أن نعود طرفا مسؤولا صاحب الحق في التفاوض والقرار. 

الخلاصـــة :

في ضوء ما سلف، ليس عصّياً على المرء صياغة خلاصة المأزق الذي طرحه ارئيل شارون، تحت اسم الانسحاب من جانب واحد. فهو من جهة صعب، ومن جهة أخرى خطير. صعب لأنه من النوع الذي يستحيل رفضه، - أقصد الانسحاب- وخطير لأنه يقايض فعلياً إخلاء غزة مقابل الانقضاض على الضفة الغربية.

حيال هذه المعادلة المركبة والمعقدة لا تصلح الإجابات السهلة، ولا حتى المختصرة: بنعم أو لا، فلم نعد نملك ترف إضاعة الوقت، ولا إحلال المشاعر الساخنة والصاخبة والرغبات على الرغم من مشروعيتها مكان الوقائع. فلا بد من التقدم بجرأة نحو إيجاد مخارج من هذه الأزمة السياسية الطاحنة. فالوقت من دم كما يقال، وليس أمامنا من سبيل سوى التقدم بجرأة، واتخاذ الإجراءات التي تحفظ لشعبنا وحدته، وتحميه من خطر نكبة جديدة، وتعزز صموده على أقل تقدير. وفي عداد هذه الإجراءات:

أولاً: وقف العمليات العسكرية كافة من الجانب الفلسطيني لإشاعة الهدوء والاستقرار . وسحب المبررات من يد إسرائيل لمتابعة عدوانها وتدميرها، والدفع باتجاه مواجهة إسرائيل في كل ساحة ممكنة، غير الساحة العسكرية التي تتفوق فيها علينا بما لا يقاس.

ثانياً: توحيد أجهزة الأمن في إطار واحد وتحت قيادة واحدة وقرار واحد، وسلطة واحدة.

ثالثاً: بناء سلطة القانون من خلال فصل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية. وإجراء الانتخابات وإشاعة الديمقراطية باعتبارها شروطا للمحافظة على المشروع الوطني الفلسطيني، وتحقيق الحلم الفلسطيني لأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة .

رابعاً: توفير الأمن والأمان وأسباب الحياة الكريمة لجميع أفراد الشعب الفلسطيني في وطنهم، وأن يكونوا سواسية أمام القانون. وهذه هي المتطلبات الأساسية بل الشروط، لإطاعة ولي الأمر والقبول بسلطته واحترام أوامره وقرارته، وذلك بإنهاء غربة المواطن في أرض الوطن.

خامساً: متابعة مسيرة الإصلاح التي تعثرت كثيراً، والتي تشمل مختلف مناحي الحياة المالية والإدارية والقضائية والسياسية، والتي تضمن للشعب حق التمتع بالشفافية والمحاسبة وتكافؤ الفرص والعيش الهانىء.

سادساً: حوار وطني صريح ومسؤول، يستشعر الجميع من خلاله أن الخطر سيطوي الجميع، ما لم يستبينوا الخطأ من الصواب، ويسارعوا إلى وأد الخلافات مهما كانت أولوياتها ومراتبها. لأن مستقبل الوطن وحلم الشعب وسيادته أولى من المصالح الآنية الضيقة. وأكرر هنا مرة أخرى وللتاريخ ما حذرت منه في عام 1993 أمام المجلس المركزي حول اتفاق أوسلو بان هذا الاتفاق يحمل في طياته أمرين، فإما أن نقود شعبنا إلى الاستقلال واما أن يُكرس الاحتلال.

سابعاً: من الواضح أن الشعب الفلسطيني حتى لو أعاد ترتيب بيته من الداخل، فإنه لا يستطيع الاستمرار في مواجهة المحتل الإسرائيلي منفردا، إذ لابد من دعم عربيّ جديّ وحقيقي، على الرغم من أن الظرف العربيّ السائد حالياً لا يبشر بتمتع قضيتنا بالبعد العربي والالتزام القومي اللذين لا غنى عنهما. ومن هنا تجدر الإشارة والتأكيد على أن مبادرة سمو الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية التي اعتمدت في بيروت تعتبر الأساس والإطار لمثل هذا الدعم ولأية تسوية يمكن التوصل إليها. مع العلم أن هذه المبادرة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من خارطة الطريق.

ثامناً: آن الأوان لكي يفهم الجميع أن عقل الدولة غير عقل الثورة. وأن قيادة المجتمع تختلف عن قيادة التجمعات والجماعات. وأن البندقية غير المسيسة سلاح قطاع الطرق. وان غابة البنادق شعار لا يصلح للدولة العصرية. وان التعددية، تعددية سياسية فكرية وليست عسكرية. وأن حرية التعبير لا تعني أبداً أن أحداً يأخذ بيده تطبيق القانون متى يشاء وحيث يشاء وكيفما شاء .

وإذا ما تحققت الإجراءات سالفة الذكر، فيقيني أننا نستطيع ان نضع أقدامنا على أول طريق الخروج من مأزقنا الداخلي والسياسي الراهن. ونمهد الطريق لإعادة ترميم علاقاتنا مع الأطراف المعنية بملف عملية السلام، ونعمر سلاح أشقائنا وأصدقائنا بذخيرة حية، للدفاع عن حقوقنا الوطنية الثابتة والمشروعة.

إن الاستجابة لهذه الاستحقاقات يفسح لنا المجال، للمطالبة بانسحاب جيش الاحتلال إلى حدود 28/9/2000. واعتبار أي انسحاب إسرائيلي من أي جزء من الأرض وإخلاء أية مستوطنة أو موقع عسكري سيكون مقبولاً ومطلوبا، عندما يكون جزءاً من خطة تستند إلى الشرعية الدولية، وتكون السلطة الفلسطينية هي وحدها العنوان والشريك المحاور والمفاوض . إن تنفيذ هذه الاستحقاقات سيفسح المجال لاستئناف عملية السلام، وبدء مفاوضات الحل النهائي وصولاً إلى إحياء خطة (خارطة الطريق) وتنفيذها بعد أن رماها "وعد" بوش خلف ظهره.

على الرغم من جميع الصعوبات، ليس أمامنا سوى أن نظل محكومين بالأمل – ولكنه يتضاءل إلا إذا عرفنا كيف نعيد بناء بيتنا. وندرك واقعنا ونتعامل مع عصرنا وحقائقه. فليس باجتراح البطولات وحدها تحقق الشعوب النصر. ولا بترديد الهتافات والشعارات تدرك الحداثة والمعاصرة. فأرصفة التاريخ مليئة بجثث أمم وشعوب تخلفت عن واقعها، وامتنعت عن الاستجابة لتحدياته فلاقت حتفها. ونحن نحاول ونجتهد لمغادرة الحفرة الضيقة التي وجدنا أنفسنا بها فلسطينيين وعرباً ومسلمين، من أجل توسيع مساحات الأمل، وتضييق مساحات المقابر...

بسم الله الرحمن الرحيم

"لا يكلف اللهُ نفساً إلا وُسعَها، لها ما كَسَبت وعليها ما اكتسبت. رَبَنا لا تؤاخذْنا إن نسينا أو أخطأنا. ربنا ولا تحْمِل علينا إصراً كما حَمَلته على الذين من قبلنا. ربنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به. واعفُ عنا واغفر لنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين". صدق الله العظيم.

"والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"

 

الى صفحة القائمة السوداء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع