"العرب" تنفرد بنشر نص دراسة خاصة اعدتها وزارة الداخلية الفلسطينية التسوية السياسية ضرورية في المنعطفات لكنها لا تلغي الصراع بتاتا ـ مبادرة شارون تهدف إلى تقزيم خارطة الطريق المقزمة اصلا وهي انجاز لصمود الشعب الفلسطيني
عمان ـ شاكر الجوهري: تخلص دراسة اعدتها وزارة الداخلية والمن الفلسطينية إلى أن مبادرة أرئيل شارون رئيس وزراء اسرائيل للإنسحاب المنفرد من قطاع غزة ما هي إلا عملية التفاف على خارطة الطريق بهدف تقزيمها، وهي المقزمة أصلا. وتبدأ الدراسة التي اعدتها ادارة العلاقات العامة في مديرية الأمن العام بوزارة الداخلية، وحصلت عليها "العرب" بإقرار ضرورة أن تتخلل الصراع المتواصل فترات من الراحة أو الهدنة أو التسوية، دون أن تلغي الصراع بتاتا. الدراسة، وهي بعنوان "خطة الفصل وآثارها على الوضع الفلسطيني"، تقارن بين مبادرة شارون وخارطة الطريق، وتخلص إلى أن مبادرة شارون سينتج عنها إقامة أربع كتل فلسطينية في الضفة الغربية مشتتة شمالا ووسطا وجنوبا. وترتبط هذه الكتل بممرات ضيقة تبقى تحت الرحمة الأمنية "الإسرائيلية" مع بعضها البعض ومع قطاع غزة، باستثناء القدس. وبقاء المستوطنات المعزولة في عمق الأراضي الفلسطينية بغرض المساومة أيضا، خاصة في قضايا حساسة ومصيرية للشعب الفلسطيني كاللاجئين والقدس والحدود والمياه. وتقليص العلاقة الفلسطينية ما بين "إسـرائيل" والفلسطينيين إلى الحد الأدنى، لدفعهم للبحث عن حلول أخرى في الرزق والعلاقة مع الآخر التي تتيح فرص التطور من خلال الهجرة إلى دول الجوار، وتفعيل الهجرة الاختيارية. وتعتبر الدراسة مبادرة شارون التطبيق العملي للفكر الصهيوني الذي يطمع في الاستيلاء على أكبر قدر من الأرض الفلسطينية مع التخلص من التكتلات السكانية الكبيرة، والإبقاء على هؤلاء السكان في أوضاع حياتية واجتماعية واقتصادية لا تجعلهم يفكرون إلا في لقمة العيش، ناهيك عن أن الخطة من ألفها إلى يائها خطة أمنية مئة بالمئة، فهي تلزم السلطة الفلسطينية دون تسميتها صراحة بكل الترتيبات الإدارية والأمنية حسب أوسلو. وتشير الدراسة إلى جملة بدائل فلسطينية لمواجهة مبادرة شارون اهمها توحيد الموقف الفلسطيني في هذه المرحلة التاريخية من نضال الشعب الفلسطيني. واعتبار الإنسحاب الإسرائيلي وتفكيك المستوطنات من غزة وقطاعها وبعض المستوطنات في شمالي الضفة إنجازا لصمود الشعب الفلسطيني وكفاحة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. والمباشرة في الحوار الجاد والفاعل بين أطراف المعادلة السياسية الفلسطينية في قطاع غزة، للاتفاق فيما بينهم والتوصل إلى موقف موحد بشأن الأوضاع في القطاع وإدارته بشكل مشترك وفاعل وذلك بعد الانسحاب "الإسرائيلي". هنا نص الدراسة، وهي بتاريخ 2/6/2005:
خطة الفصل وآثارها وضع الفلسطيني
مقدمــة: - يختلف الصراع الدائر على أرض فلسطين عن غيره، ويمكن القول: إنه حالة خاصة في تاريخ الصراعات، فالصراع الفلسطيني -الإسرائيلي ليس صراعاً بين دولتين يمكن حله بمقادير من التفاوض أو الحروب، بل هو صراع بشري واجتماعي وجغرافي وتاريخي وسياسي وحضاري وعقائدي في آن واحد، وهو صراع موغل في التاريخ وممتد في الزمن معاً، كما هو صراع على الأرض الفلسطينية نفسها بين مجموعتين بشريتين، تستند كل واحدة منهما على عناصر تاريخية ودينية وثقافية، صحيحة كانت هذه العناصر أم زائفة، ولها في الوقت نفسه عمق بشري وسياسي يشد أزرها ويقوي بقاءها، وهذا الأمر يجعل الصراع ممتداً في الزمن ولا ينتهي إلا بواحدة من نتيجتين: إما الإبادة أو الترحيل. هل التسوية السياسية ضرورة في بعض الأحيان؟- هذا الصراع المتواصل لا بد أن تتخلله فترات من الراحة أو الهدنة أو التسويات السياسية، فواقع وتاريخ هذا الصراع يظهر أنه مر في منعطفات تصبح فيها التسويات السياسية ممكنة وضرورية أحياناً، وهذه التسويات لا تلغي الصراع بتاتاً، إنما تنقله من مرحلة إلى مرحلة أخرى مختلفة، وفي ظل هذه المرحلة التي نحياها في تاريخ الصراع الفلسطيني مع المشروع الصهيوني، وفي ظل تفاقم الأزمة في العلاقات الرسمية الفلسطينية "الإسرائيلية"، برزت في السنوات الأخيرة عدة مشاريع لتسوية هذه الأزمة كتقرير ميتشيل، خطة تينيت، وبرزت من بين هذه المشاريع خارطة الطريق التي قدمها الرئيس الأمريكي جورج بوش، وخطة فك الارتباط التي قدمها رئيس الوزراء "الإسرائيلي" أرئيل شارون. - عندما قدم شارون خطته تجاهل خارطة الطريق خاصة أنه كان قد أبدى أربعة عشر تحفظاً عليها ، وعندما أبدت أمريكا وأوروبا تأييدها لخطة شارون اشترطت أن تقود هذه الخطة في النهاية إلى تطبيق خارطة الطريق، وبقي الأمر مثاراً للجدل. - وسنحاول من خلال هذه الدراسة فحص إمكانية الربط بين خطة فك الارتباط وبين خطة خارطة الطريق، وذلك للإجابة على السؤال التالي: هل يمكن أن تكون خطة شارون جزءاً من خارطة الطريق أم لا؟ - وللإجابة على هذا السؤال لا بد بداية من استعراض مكونات خارطة الطريق وخطة شارون، وبالتالي تحديد أي نوع من العلاقة يربط هذين المشروعين وقياس تأثير هذه الخطة على خارطة الطريق. مشروع خارطة الطريق الأمريكية: - تهدف خارطة الطريق حسبما ورد في النص الحرفي المعدل بتاريخ 14/11/2002 إلى "تسوية نهائية للصراع مع المشروع الصهيوني في فلسطين في العام 2005، كما جاء في خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش في 24 حزيران 2002 والذي تم الترحيب به من قبل الاتحاد الأوروبي، روسيا، والأمم المتحدة في البيانات الوزارية للجنة الرباعية 16 يوليو و17 سبتمبر، وهذه التسوية التي سيتم التفاوض عليها بين الأطراف ستؤدي إلى انبعاث دولة فلسطينية، هذه التسوية ستنهي الصراع الفلسطيني- "الإسرائيلي"، وستنهي الاحتلال الذي بدأ في العام 1967 على أساس مرجعية مؤتمر مدريد ومبدأ الأرض مقابل السلام وقرارات مجلس الأمن 242، 338، 1397 والاتفاقيات المبرمة بين الأطراف". - وحددت الخطة جدولاً زمنياً للتنفيذ، كما تقرر وفقا ًللخطة أن "تجتمع اللجنة الرباعية بشكل متواصل، وعلى مستويات عالية من أجل تقييم أداء الأطراف في تنفيذ الخطة في كل مرحلة يتوقع من الأطراف أداء التزاماتها بشكل متوازٍ"، وتم تقسيم الخطة إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى: - تتطلب هذه المرحلة من كلا الطرفين وقف العنف، لكنها تُكثر من التفصيل فيما يتعلق بالسلطة الفلسطينية حيث تطالبها بالقيام بإصلاح سياسي وأمني فلسطيني داخلي، وبمقتضى هذه الخطة يجب على السلطة إجراء إصلاحات مالية، ودمج الأجهزة الأمنية الفلسطينية في ثلاثة أجهزة رئيسية، واعتقال وتوقيف الجماعات التي تشن وتخطط لهجمات عنيفة ضد "الإسرائيليين" في كل مكان، وتفكيك القدرات والبنى التحتية لما تسميه الخطة الإرهاب الفلسطيني، وفي المقابل تقضي الخطة بانسحاب "إسرائيل" إلى حدود 28 سبتمبر 2000، وتجميد جميع النشاطات الاستيطانية بما يتوافق وتقرير ميتشيل، وأن تقوم "إسرائيل" أيضاً بتفكيك جميع البؤر الاستيطانية التي تمت إقامتها منذ شهر آذار لعام 2001. وتشمل هذه المرحلة إصدار بيانات متبادلة من الطرفين تقضي باعتراف كل طرف بالآخر وبأحقيته بالعيش بسلام، وأن تقوم الحكومة "الإسرائيلية" بإعادة فتح المؤسسات الفلسطينية المغلقة في القدس الشرقية. المرحلة الثانية: - تتركز الجهود فيها على إحياء العلاقات وإعادة الروابط العربية مع "إسرائيل" والتي كانت قائمة قبل الانتفاضة واستمرار التعاون الأمني الفعال على الأسس التي وضعت في المرحلة الأولى "الاعتقال- وتفكيك بنى الفصائل الفلسطينية- وجمع السلاح" وفي المقابل إنشاء دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة من خلال عملية تفاوض فلسطينية "إسرائيلية" يطلقها مؤتمر دولي تعقده الرباعية بالاتفاق مع الأطراف والذي سيكون أيضاً انطلاقاً لعملية سلام شامل في الشرق منطقة الأوسط بما يشمل السلام بين "إسرائيل" وسوريا، "إسرائيل" ولبنان. المرحلة الثالثة: - ويستمر خلالها التعاون الأمني الفعال والدائم على الأسس التي وردت في المرحلة الأولى وتعقد اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة مؤتمراً دولياً ثانياً بالتشاور مع الأطراف لإقرار الاتفاق المبرم في المؤتمر الأول بشأن الدولة بحدود مؤقتة وبعد ذلك تبدأ عملية تفاوضية تؤدي إلى حل نهائي ووضع دائم، تشمل العودة والقدس واللاجئين والمستوطنات، ودعم التقدم نحو تسوية شاملة بين "إسرائيل" ولبنان وسوريا وتقبل الدول العربية بتطبيع العلاقات مع "إسرائيل" والأمن لكافة دول المنطقة في إطار سلام عربي- "إسرائيلي" شامل. - نلاحظ من خلال هذا العرض أن هناك تفصيلاً في بداية الخطة في الشق الأمني، حيث تم التأكيد على إعادة بناء أجهزة الأمن الفلسطينية لتقوم بدورها في جمع الأسلحة وتفكيك بُنى الفصائل الفلسطينية والإسراع في عملية الاعتقال والتوقيف للأشخاص والجماعات المطلوبة، وفي المقابل نرى تقزيم المشروع الفلسطيني إلى دولة ذات حدود مؤقتة مرتبط وجودها بالتفاوض، وإن المراقب لوضع المفاوضات الفلسطينية "الإسرائيلية" يعرف جيداً أن هذه الدولة لن ترى النور لربطها بالمفاوضات مع الجانب "الإسرائيلي"، هذا فضلاً عن قضايا الحل النهائي جميعها "القدس- الحدود الدائمة- اللاجئين- المستوطنات". - إن هذه الخارطة من شأنها إعادة العملية السلمية إلى المربع الأول، حيث تضيف مرحلة انتقالية جديدة، لمدة ثلاث سنوات بعد أن كانت المرحلة الانتقالية التي نصت عليها اتفاقات أوسلو ومدتها خمس سنوات قد انتهت منذ عام 1999، كما أن الأهم في صياغة الخارطة هو ما يتعلق بالجانب الأمني الذي يشكل المحور والهدف، في إعادة ما يسمى بناء الأجهزة الأمنية، وبشكل فاعل في التصدي لأية مقاومة للاحتلال، وتتحمل الدول العربية جانبًا من المسؤولية بوقف تقديم المساعدات لما يسموه المنظمات الإرهابية، ورغم أن النصوص لا تقترب من التسمية، فإن من الواضح في ضوء المواقف الأمريكية وإلى حد ما الأوروبية التي وضعت كافة الفصائل والقوى الفلسطينية على قائمة منظمات الإرهاب، أن المقصود الجميع دون استثناء ويتضح ذلك من نص "جمع الأسلحة غير القانونية" أي كل قطعة سلاح لا تكون معروفة لأجهزة الأمن الفلسطينية الجديدة. وثيقة فك الارتباط. - إن أرئيل شارون والتيار الذي يمثله في المجتمع "الإسرائيلي" هما أكثر من يرفض في الجوهر خطة خارطة الطريق، حتى بنصوصها البائسة التي نشرت ولكن شارون بصفته رجل سياسة أولاً وأخيراً اختار أن يعلن تأييده لخارطة الطريق مع اعتراضاته وتحفظاته الأربعة عشر عليها، وأدرك أنه لا بد أن يعمل على احتواء هذه الخارطة، ويصنع من نفسه رجل سلام، ويبادر إلى الخطوة الأولى في خطة غاية الدهاء، فطرح خطة فك الارتباط ليصل إلى غايته، وزيادةً في التضليل ربط تنفيذها بخطة خارطة الطريق مؤكداً أنه سيلجأ إلى تنفيذها بعد أشهر إذا لم يف الفلسطينيون بالتزاماتهم في خارطة الطريق. بنود الخطة: تعتمد بنود خطة فك الارتباط على بعض المحاور. 1- إخلاء قطاع غزة من المستوطنات الموجودة فيه وإعادة انتشارها من جديد خارج القطاع، على أن تحافظ على القطاع كمنطقة منزوعة السلاح. 2- ستنشر إسرائيل قواتها على الحدود الخارجية للقطاع وستسيطر بشكل مطلق على المجال الجوي للقطاع. 3- ستواصل "إسرائيل" القيام بعمليات عسكرية في المجال المائي لقطاع غزة وستحتفظ لنفسها بالحق الأساسي في استخدام القوة ضد التهديدات التي تنشأ في المنطقة. 4- ستعمل "إسرائيل" على منع تواجد قوات أمنية غريبة في قطاع غزة أو الضفة الغربية دون التنسيق معها وبغير موافقتها. 5- ستواصل "إسرائيل" الحفاظ على تواجد عسكري على طول الخط الحدودي الفاصل بين القطاع ومصر (مسار فيلادلفيا). 6- إخلاء 4 مستوطنات شمال الضفة الغربية (غنيم، كديم، حوفي، سانور). 7- تحتفظ "إسرائيل" لنفسها باستخدام القوة ضد التهديدات التي تنشأ في المنطقة. 8- تسمح "إسرائيل" لقوات أجنبية توافق عليها وبالتنسيق معها لتدريب قوات الأمن الفلسطيني. 9- ستواصل "إسرائيل" بناء الجدار الأمني جدار الفصل العنصري. 10- يتم الاستمرار بالتعامل بالإجراءات المتبعة اليوم على المعابر الدولية بين القطاع ومصر أو بين الضفة والأردن. - ومن خلال هذا العرض يتضح مدى خبث هذه الخطة وهدفها إلى إقرار أمر واقع على الأرض دون تدخل أطراف دولية، واستفراد في القرار دون شريك، وبالتالي فرض الأمر الواقع بتكريس الاستيطان في الضفة الغربية والاحتفاظ بالغالبية العظمى من أراضيها واحتوائها داخل سور عازل، وفي المقابل يخلي قطاع غزة تحت وطأة الكلفة العالية للاحتلال والتخلص من العبء الديموغرافي والخلاص من بؤرة المقاومة- وهذا طبعاً حسب الرأي الاسرائيلي. الخطة تحت المجهر. - إن قراءة لخطة شارون رغم التأكيد على أنها تتماشى مع خارطة الطريق، إضافة إلى بعدها الديموغرافي والاقتصادي والأمني، تكشف عن رؤية لشارون لم تتغير- تتلخص في عدة محاور هي: 1- بقاء قطاع بعرض 16-20 كيلومتراً في غور الأردن من النهر وحتى شارع ألون تحت السيطرة "الإسرائيلية". 2- بقاء قطاع بعرض حوالي 10 كيلومتر من صحراء الضفة القليلة المساحة أصلا (الطريق الذي يربط القدس بأريحا عبر نهر الأردن). تحت السيطرة "الإسرائيلية". 3- بقاء قطاع أضيق على طول الخط الأخضر من الغرب بطول يبلغ 7.5 كيلومترا. وهذا ما جسده عمليا جدار الفصل والقضم الذي أقامته "إسـرائيل" بحجة حماية "الإسرائيليين" وتعزيز أمنهم. وبالشكل التفصيلي فإن خطة شارون سينتج عنها: 1- إقامة أربع كتل فلسطينية في الضفة الغربية مشتتة شمالا ووسطا وجنوبا. ترتبط هذه الكتل بممرات ضيقة تبقى تحت الرحمة الأمنية "الإسرائيلية" مع بعضها البعض ومع قطاع غزة، طبعا باستثناء القدس. 2- بقاء المستوطنات المعزولة في عمق الأراضي الفلسطينية بغرض المساومة أيضا، خاصة في قضايا حساسة ومصيرية للشعب الفلسطيني كاللاجئين والقدس والحدود والمياه. 3- تقليص العلاقة الفلسطينية ما بين "إسـرائيل" والفلسطينيين إلى الحد الأدنى، لدفعهم للبحث عن حلول أخرى في الرزق والعلاقة مع الآخر التي تتيح فرص التطور من خلال الهجرة إلى دول الجوار، وتفعيل الهجرة الاختيارية. 4- و في الجدار: يؤكد استمرار البناء في الجدار الفاصل وقرار التسريع في بنائه عكسته خطة شارون كعمل إعلامي دعائي لكسب الوقت وإيهام العالم أن شارون يمتلك رؤية سياسية ثاقبة وناضجة، وأنه رجل سلام. إن عملية استكمال الجدار ستؤدي حتما إلى خلق وقائع ميدانية على الأرض تتمثل في الاتي : 1- شمول حوالي 53 ألف مستوطن يعيشون في 19 مستوطنة في غرب الجدار، أي إن العملية ستكون مضمونة عملياً لـ"إسرائيل". 2- ستقع 19 بلدة وقرية فلسطينية غربي هذا الجدار، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 100 ألف نسمة، ستتأثر عمليا أكثر من 150 قرية وبلدة وتجمع سكاني يقطنها حوالي 697 ألف نسمة، على جانبي الجدار مما قد يمهد إلى نوع من التهجير الاختياري. 3- تصل المساحة المستهدفة بالقضم بجداري العزل (الغربي وجدار العمق) إلى ما يربو على 1248 كيلومتراً مربعاً، أي ما يعادل 21.3% من مساحة الضفة الغربية. - لاشك أن خطة شارون الأحادية التي أعلنها في الثامن عشر من ديسمبر الماضي أمام المؤتمر السياسي الصهيوني في هرتزيليا وأطلق عليها خطة الفصل الكبرى الأحادية الجانب، تستهدف الفصل بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين". وتتضمن إخلاء عدد من المستوطنات النائية القائمة في قلب التجمعات الفلسطينية وإزالة البؤر غير الشرعية التي أقيمت بدون ترخيص حكومي، مع تعزيز الوجود "الإسرائيلي" في بقية المستوطنات التي ستظل تحت السيطرة "الإسرائيلية". كما تتضمن الإجراءات استكمال بناء الجدار العازل والانسحاب من المدن الفلسطينية، ثم السماح بعد ذلك للفلسطينيين بإعلان دولة مؤقتة داخل بقية المناطق على مساحة تقدر بما يتراوح بين 50% و58% من أراضي الضفة الغربية. - من ناحية أخرى تهدف الخطة إلى استكمال بناء الجدار الفاصل، الذي يصادر مساره ما يقارب 45% من مساحة أراضي الضفة، وبدأت "إسرائيل" في بنائه عام 2002، وانتهت بالفعل من تنفيذ المرحلة الأولى منه بطول 90 كيلو متراً من محافظة جنين إلى قلقيلية، ويلتهم الجزء الغربي منه ثلث مساحة الضفة خارج الخط الأخضر، مما ينذر بظهور مشكلة جديدة أمام المفاوض الفلسطيني بإلغاء "إسرائيل" لهذا الخط، مما يعني رفض الالتزام بحدود 1967 والتهرب من قرار مجلس الأمن 242، إن خطة شارون بشكلها الحالي هي تجاوز لكل القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية وللأمم المتحدة وأخلاقياتها ومبادئها. - كما أن الخطة ستساعد إسـرائيل حتما في تكريس المستوطنات، وقد استبعدت خطة شارون الالتزام بتنفيذ عملية إخلاء المستوطنات التي نص عليها تقرير لجنة ميشيل وخارطة الطريق. لأن شارون هو المهندس الأول للاستيطان فإنه بدلاً من تفكيكها أقام نحو 60 موقعاً في الضفة منذ توليه السلطة قبل ثلاث سنوات، وارتفع عدد المستوطنات إلى 256 عام 2003، بعد أن كانت 146 عام 1994، كما أجازت الكنيست ميزانية جديدة بلغت 30 مليون دولار بدعوى تعزيز الحراسة عليها، والإعلان خلال الشهرين الماضيين عن عطاء موازنة لإقامة 300 شقة سكنية جديدة بها. وتشير المعلومات إلى أن مساحة المستوطنات بلغت 2% من الأرض المحتلة بعدما كانت 1.5% قبل تولي شارون السلطة. - تعطي الخطة لشارون بشكلها الحالي فرصة استكمال الجدار العنصري العازل والذي يشكل محاولة جديدة لفرض واقع جديد على الأرض فبعد أكثر من ثلاث سنوات من المواجهة مع الفلسطينيين يستطيع رئيس الوزراء الإسرائيلي من خلال تطبيق برنامجه للحل الانتقالي بعيد المدى فرض الأمر الواقع كحل نهائي، حيث يؤدي إلى إقامة دويلة فلسطينية في قطاع غزة إضافة إلى ما يقارب 50% من مساحة الضفة الغربية. في هذا الإطار، يحول الجدار المناطق الفلسطينية إلى كنتونات غير متواصلة جغرافيا، محاطة بالمستوطنات "الإسرائيلية"، وهذا بالمحصلة النهائية يعيق إقامة دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي داخل الضفة وبين الضفة وغزة. كما أن الخطة تهدف إلى عزل القدس الشرقية عن باقي مناطق الضفة، مما يحرمها من أن تكون المركز الديني والتاريخي والثقافي والتجاري لأبناء الشعب الفلسطيني، ويقلص عدد ساكنيها من الفلسطينيين إلى نسبة تقل عن 20%. الأهداف، الأسباب والدوافع- إن ما يدعو إلى ضرورة الوقوف عند خطة شارون وقفة جدية، فاحصة ومتأنية، هو نجاح الاستراتيجية "الإسرائيلية"، إلى حد ما، في ربط حربها مع الفلسطينيين على أنها جزء لا يتجزء من حرب العالم المتمدن على الإرهاب الدولي بصوره المختلفة وأشكاله المتعددة، والسـؤال الذي يتبادر إلى الأذهان الآن: ما هي حقيقة دوافع شارون لقرار الانسحاب من غزة؟ يمكن القول: إن هناك مجموعة من الأهداف والدوافع التي يمكن تلخيصها فيما يلي: 1- إحداث نوع من التوازن السياسي على صعيد الجبهة الداخلية، بمحاولة فتح حوار مع حزب العمل والقوى السياسية الداعية إلى استئناف عملية السلام المعطلة، ولكن شارون يحاول في الوقت نفسه إقناع هذه الأطراف مجتمعة بأن ما ينطبق على غزة ليس بالضرورة أن ينطبق على الضفة، وهو في ذلك يجزئ التعامل مع القضية الفلسطينية، وربما فشل شارون في التعاون مع عناصر اليمين "الإسرائيلي" المتطرف في جلب الشعور بالأمن والاستقرار للشارع "الإسرائيلي"، رغم أنه من أكثر "الإسرائيليين" تشددا وتطرفا ولكنه من باب المناورة السياسية أراد تغيير بعض قواعد اللعبة بشكل يضمن بقاءه في الساحة السياسية لمدة أطول. 2- تخفيف الضغوط الداخلية التي يواجهها والأزمة العميقة التي وقع فيها نتيجة سياسته العدوانية وإصابة حكومته بالخلل وخروج وزيرين منها، يضاف إلى ذلك الأزمة الشخصية التي يعاني منها شارون حاليا والمتمثلة في قضايا الاختلاس، والفساد المالي والسياسي في إسرائيل. 3- سعيه إلى التملص من عملية التسوية من جهة، وفرض إملاءات التسوية على الفلسطينيين، بالمواصفات الإسرائيلية من جهة ثانية، لاسيما في الظروف الدولية والإقليمية الراهنة، كما أن شارون يحاول جاهداً التنصل من بعض الالتزامات السياسية التي فرضتها عليه خطة خارطة الطريق الأمريكية 4- يعاني الاقتصاد "الإسرائيلي" من جراء احتلال مناطق ما وراء الخط الأخضر مشـكلات عديدة نتيجة تحمل عبء إدارتها اقتصاديا ويدخل في إطارها وجود العديد من المستوطنات التي يشكل قاطنوها من المستوطنين مأزقا أمنيا واقتصاديا لحكومة شارون في آن واحد ولذلك أراد أن يخرج من هذا المأزق والمقصود هنا قطاع غزة ليلقي بتبعاته الأمنية والاقتصادية على الآخرين. 5- التخلص من العامل الديموغرافي الذي يؤرق الاسرائيليين على مدار الساعة، فقد أراد التخلص من أكبر قدر ممكن من الفلسطينيين، وبالنظر لتعذر تمرير حلول من نوع "الترانسفير" فإن الحل الوحيد بالنسبة للإسرائيليين هو الانفصال عن الفلسطينيين لتلافي الأخطار التي يمكن ان يقعوا فيها متمثلة بتحول إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية أو ربما دولة ذات أغلبية عربية. 6- الالتفاف على التفاعلات الحاصلة في الحلبة السياسية الإسرائيلية الناشئة عن وثيقتي "جنيف" و"نسيبة – أيالون"، والناجمة أيضا عن انتعاش اليسار الإسرائيلي، بعد إخفاق سياسات اليمين في مختلف المجالات الداخلية والخارجية، والتي يؤكدها تراجع نسبة التأييد لشارون إلى 48% بين الإسرائيليين، بعد أن وصلت في مراحل سابقة إلى 75%، ويبدو أن شارون بات أمام واقع تحول في مزاج الإسرائيليين، فهناك 75% منهم يؤيدون إجراء المفاوضات مع الفلسطينيين و65% يؤيدون إقامة دولة فلسطينية في إطار المفاوضات "منهم 63% من ناخبي الليكود"، و60% يوافقون على إخلاء مستوطنات غزة، و58% يوافقون على إخلاء مستوطنات نائية ومعزولة في الضفة، وهناك أيضا تراجع في التأييد لشارون، فهناك 50% من "الإسرائيليين" أعربوا عن عدم ثقتهم به، و54% أعربوا عن تطلعهم لقيام حكومة ائتلافية من الليكود وشينوي والعمل بدلا من الحكومة الحالية، التي تضم الليكود وأحزاب اليمين المتطرف وشينوي. 7- إنه يريد أن يعدل من سياسته الأمنية بحيث يجعل من تكلفة التواجد العسكري الإسرائيلي خارج القطاع أقل من تكلفة هذا التواجد داخل القطاع في ظل تصاعد العمليات الفلسطينية، ويسعى إلى استجلاب أطر أمنية جديدة تضمن له تحقيق أهدافه بأقل تكلفة ممكنة. 8- تطمح إسرائيل لأن تكون حلقة استراتيجية مهمة في سلسلة الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة ولعب دور مهم في مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يهدف، إلى استبدال النظام الإقليمي العربي بنظام شرق أوسطي تلعب فيه إسرائيل الدور الريادي المسيطر، وهو أحد أهدافه. 9- التدهور في مكانة "إسرائيل" على الصعيد الدولي، إذ إن هناك 60% من الأوروبيين ونصف الأمريكيين باتوا يعتقدون أن "إسرائيل" تشكل خطرا على الأمن الدولي. وأن "إسرائيل" باتت تظهر في العالم على صورة دولة استعمارية عنصرية تفرض سيطرتها على شعب آخر بوسائل القوة، في ظل هذه الأجواء المأزومة يجد شارون أهدافا ومبررات كثيرة للحديث عن السلام، محاولا إقناع العالم أن لديه خطة سلام قابلة للتطبيق على أرض الواقع. 10- اختبار السلطة الفلسطينية أمنيا ودفعها للاصطدام بالفصائل الفلسطينية، فشارون يراهن بقوة على قضية الانسحاب الإسرائيلي من غزة التي يمكن أن تؤدي حسب رأيه إلى صدام بين السلطة وفصائل العمل الوطني والإسلامي، وعلى هذا الأساس فإنّ الجانب الفلسطيني، يجب أن يكون على حذر في التعاطي مع هذه المبادرة والتركيز أكثر على الانضباط الميداني بشكل يضمن الوصول إلى الأهداف السياسية والاستراتيجية المرجوّة والمحددة. 11- هناك عامل آخر ومهم أيضا وهو أن غزة وقطاعها ليست من أرض الميعاد التي يزعم بها اليهود وفق معتقداتهم التوراتية مما يجعل إمكانية الخروج منها والموافقة على ذلك أمراً ممكناً ومقبولاً لدى الأحزاب السياسية "الإسرائيلية" المختلفة.
إذن فالأهداف من وراء هذه الخطة يمكن تلخيصها في أربعة محاور رئيسية هي: - الحسابات الداخلية "الإسرائيلية" - الحسابات الخارجية والرأي العام الدولي - عوامل توراتية - نقل الصراع إلى الداخل الفلسطيني والمراهنة عليه إن أبرز تأثيرات خطة الانسحاب من غزة هي: 1- القضاء على مشاريع التسوية والخطط الآنفة الذكر التي طُرحت لحل القضية الفلسطينية بشكل أو بآخر. 2- تتخلص "إسرائيل" من كل وعودها السابقة بشأن التسوية في المنطقة. 3- جعل المبادرة السياسية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وحلها بيد الحكومات "الإسرائيلية" القادمة. 4- القضاء على حلم الدولة الفلسطينية. 5- إلهاء المجتمع الدولي وإظهار "إسرائيل" بأنها المبادرة إلى السلام من خلال هذه الخطة التي تعطي "إسرائيل" ولا تأخذ منها. - لا يحتاج المتابع للمشهد السياسي الفلسطيني المتمثل بخطة شارون للانفصال عن غزة إلى الإدراك بأننا أمام سلوك شاذ يتنكر للقوانين ويستخف بالقيم الإنسانية والمواثيق الدولية، يتحلل فيه الجانب الإسرائيلي وبدعم لا محدود من الجانب الأمريكي من جميع الشروط والقوانين التي حكمت المشهد السياسي منذ توقيع اتفاقيات أوسلو بالرغم من عدم خلو الخطة من نصوص مخادعة مثل النص الذي يفيد بأن "عملية الانفصال لا تنتقص من قيمة الاتفاقيات القائمة بين "إسرائيل" والفلسطينيين". - فمثل هذا النص وغيره ينبغي قراءته في ضوء السياق العام للخطة، والتي تتجاوز نهائياً الجانب الفلسطيني، ولكن مع ذلك فإنها لا تعفيها من القيام بأداء الأدوار الأمنية التي التزمت بالقيام بها في محاربة "الإرهاب" -على حد زعمهم- والحفاظ على أمن دولة إسرائيل ومواطنيها، أي بتعبير أكثر وضوحاً، تأمين إدامة العيش تحت نير الاحتلال، بعد تقنينه وجعله أقل كلفة.
- وبنظرة أكثر عمقا لخطة شارون للانفصال، يتضح لنا أن الشعب الفلسطيني أمام فصل جديد من الصراع والحرب وليس أمام نهاية قريبة للاحتلال، فهي خطة يهدف شارون من ورائها إلى تحرير نفسه وجيشه من المقاومة الفلسطينية والديموغرافيا الفلسطينية ويعيد العدو في إطارها موضعة قواته، في أماكن أكثر أمنا على أطراف القطاع، استعداداً لخوض معارك جديدة، فخطة شارون لا تشير إلى أي عملية انسحاب، تترتب عليها حقوق سياسية للشعب الفلسطيني، يمكن البناء عليها في تحقيق الحرية والاستقلال، فالخطة تمثل التطبيق العملي للفكر الصهيوني الذي يطمع في الاستيلاء على أكبر قدر من الأرض الفلسطينية مع التخلص من التكتلات السكانية الكبيرة، والإبقاء على هؤلاء السكان في أوضاع حياتية واجتماعية واقتصادية لا تجعلهم يفكرون إلا في لقمة العيش، ناهيك عن أن الخطة من ألفها إلى يائها خطة أمنية مئة بالمئة، فهي تلزم السلطة الفلسطينية دون تسميتها صراحة بكل الترتيبات الإدارية والأمنية حسب أوسلو. - ولا شك أن حكومة شارون ستعمل على توظيف نفوذها في الولايات المتحدة وأوروبا من أجل الضغط على السلطة والقيادة الفلسطينية للقيام بدور نشط في محاربة عناصر الفصائل الفلسطينية وخاصة في قطاع غزة وهذا سيخلق أوضاعاً تهدد أهم منجزات الانتفاضة وهي وحدة الشعب وفصائله، حيث أن أي شكل من أشكال التعاطي السياسي والانجرار إلى التفاوض حول الترتيبات الإدارية أو الأمنية، سيرتب استحقاقات وتبعات أمنية على القيادة الفلسطينية، يستحيل عليها الوفاء بها في ظل استمرار الاحتلال. - يتضح من ذلك بأن شارون لا يؤمن بأي حل للمشكلة الفلسطينية، وإنما هي محاولة جديدة لإدارة الأزمة بطريقة تقلل بنظره من الخطر الفلسطيني وخاصة بعد أن فشل في هزيمة الفلسطينيين عسكرياً، لذلك سيعمل على خلق شروط أفضل لمناعة إسرائيلية كافية للعيش لفترة طويلة الأمد مع المشكلة الفلسطينية دون حل، يتمكن فيها الجانب الإسرائيلي من استكمال بناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية ويُهوِّد المزيد من الأرض الفلسطينية، ويتحين الفرص الإقليمية والدولية للتخلص من الديموغرافيا الفلسطينية، والحفاظ على طابع الدولة اليهودية. - ما تقدم يمثل ملخصاً لرؤية شارون دون الخوض في تفاصيل المشهد السياسي الداخلي على الساحة الإسرائيلية والذي يمكن أن يعطل تنفيذ هذه الخطة خاصة بعد رفض أعضاء الليكود بأغلبية كبيرة دعم سياسات شارون للفصل وإذا لم يحصل شارون على دعم مجلس الوزراء أو الكنيست، فإنه لن يتمكن من تنفيذها على الأرض وقد يؤدي ذلك إلى إجراء انتخابات مبكرة أو حصول تغييرات دراماتيكية على المشهد السياسي الإسرائيلي. تحديات وتخوف فلسطيني- الخروج من غزة يأتي ضمن مخطط شارون لفك الارتباط مع الفلسطينيين من طرف واحد، وخطورة هذه الخطوة تكمن في تهرب شارون من كل الاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين، ومن قرارات الشرعية الدولية، وعدم اعترافه بهما، وبالتالي تغييب أي مرجعية دولية أو قانونية للحقوق الفلسطينية، بل يمكن القول: إن مخطط الانسحاب من غزة من طرف واحد أخطر من خارطة الطريق حتى بالتحفظات الأربعة عشر التي وضعها شارون، فخطة خارطة الطريق بالصيغة "الإسرائيلية" كانت تعترف بوجود طرف فلسطيني مفاوض، وتفترض حقوقاً والتزامات على كلا الطرفين، الأهم من ذلك أنه كانت تلوح في الأفق دولة فلسطينية ذات سيادة، حتى وإن أخذت شكل السيادة المنقوصة، وكلها أمور مفتقدة في خطة شارون الحالية. - على صعيد آخر، لم يبلور شارون وحكومته الليكودية اليمينية قراراً نهائياً للخروج من غزة فالخطة المعدلة تمرحل الانسحاب وتضع شروطا لتطبيق كل مرحلة، مما يشكك في مصداقية شارون ويجعل احتمال التراجع عن الفكرة أمرا واردا، أو يماطل في التطبيق لشهور أو سنوات، موظفا هذه الفترة لاستكمال بناء الجدار واستكمال السيطرة على الضفة الغربية، وما يعزز هذه التخوفات هو التعديلات التي صادقت عليها الحكومة "الإسرائيلية" يوم السادس من حزيران من عام 2004، كما أن هناك خشية فلسطينية من أن تكون غزة أولا وأخيرا، وخصوصا مع هيمنة اليمين في إسـرائيل، كل ذلك لا يشير إلى احتمال أن يكون الانسحاب من غزة خطوة نحو الانسحاب من بقية الأراضي المحتلة، وما حديث الخطة عن تفكيك مستوطنات في الضفة إلا لخلق ما يوهم بوجود ارتباط ما بين الخطة وخارطة الطريق، كما أن هدف شارون هو نقل المعركة إلى الصف الفلسطيني. - لا تتحدث الخطة بوضوح عن انسحاب من كل غزة بل من مستوطنات في غزة مما يحافظ على وجود عسكري في غزة، وبالتالي استمرار مصادر للتوتر، كما أن الخطة تضمن سيطرة عسكرية إسرائيلية على الأجواء والمياه الإقليمية الفلسطينية، ولا يوجد أي ذكر لسيادة فلسطينية على غزة بل الحديث عن سيطرة أمنية، وهناك فرق كبير بين السيطرة الأمنية والسيادة، فالخطة تتحدث عن فك الارتباط مع الفلسطينيين وليس مع فلسطين أو أرض فلسطينية. وهذا يعني أن غزة ستكون تحت حكم ذاتي فلسطيني وسيطرة أمنية فلسطينية مصرية محدودة، فيما السيادة والأمن العام بيد إسـرائيل. - ورغم القناعة أن الزمن الحالي لا تعيش في ظله كيانات سياسية كاملة السيادة في ظل عولمة الاقتصاد والثقافة والمال، مع هذا يمكن القول: إن الدولة الفلسطينية ستكون دائما بحاجة ماسة إلى رعاية "إسرائيلية" دائمة لأن عوامل الجغرافيا والاقتصاد والأمور العسكرية ستعمل لصالح "إسـرائيل" ومصالحها في المنطقة. - يضاف إلى ذلك أن هناك غياب لأي إشارة لموضوع الدولة، فهل ستسمح "إسـرائيل" للسلطة الفلسطينية بان تقيم دولة ذات سيادة في غزة تكون منطلقا لاستكمال استعادة ما تبقى من غزة والضفة، إن هناك تخوّفاً جدّياً من تردي الوضع الاقتصادي في غزة إذا ما تم الفصل مع إسـرائيل من طرف واحد، فاقتصاد غزة ضعيف وهش، وسيكون الوضع الاقتصادي أكثر رداءة إذا مُنع الفلسطينيون من فتح المطار ومن بناء ميناء غزة وربط اقتصادهم بالاقتصاد المصري، كما أن الوضع الاقتصادي الفلسطيني سيزداد سوءا إذا قامت إسـرائيل بإغلاق حدود غزة مع الحدود الفلسطينية لعام 1948 ومع مصر مما سيولد ردات أفعال شديدة من جانب الفلسطينيين الذين لم يستطيعوا حتى الآن خلق بنية تحتية قوية واقتصاد متين قادر على استيعاب آلاف الفلسطينيين الذين يتدفقون كل عام على أسواق العمل. - خطورة الخطة ستتبين عندما يحين موعد تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة، حيث أن هناك إعتقادا أن شارون سيتخلى عن شرط عدم التفاوض مع الفلسطينيين، وسيطالب المصريين والأمريكيين بجر الفلسطينيين للجلوس إلى طاولة المفاوضات، ولكن لفرض إملاءات أمنية وليس لمفاوضات سياسية، حيث سينتزع من السلطة الفلسطينية التزامات أمنية كضمان عدم مهاجمة إسـرائيل وعدم التعرض للعملاء وعدم التحريض ضد إسـرائيل وجمع الأسلحة وغير ذلك، بل قد يشترط قبل أي انسحاب بدء السلطة بتطبيق ما عليها من التزامات أمنية حسب خطة خارطة الطريق إن ألحت السلطة على الربط ما بين خطة شارون وخارطة الطريق. خطة شارون وخارطة الطريق- بعد نشر خارطة الطريق وقيام وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول بزيارة إسرائيل، أكدت حكومة شارون على ضرورة إدخال 14 تعديلا على الخارطة، فقد أعلن "الإسرائيليون" عشية اجتماع شارون – أبو مازن أن الحكومة الإسرائيلية لن توافق على خارطة الطريق من دون 14 تعديلا عليها، كما أكد سلفان شالوم وزير خارجية إسرائيل أمام الصحفيين في لندن: أن إسرائيل لديها 14 مساهمة تهدف إلى تعديل خارطة الطريق وإلا فإنها تخشى أن تكون خارطة الطريق مثل كثير من المبادرات الفاشلة. ويمكن تلخيص الأخطار المترتبة على عدم التفريق بين الطرحين بالنقاط التالية : 1- حينما أعلنت السلطة موافقتها على خارطة الطريق أعلنت أن لها تحفظات على بعض البنود وأنها ضمنتها برسالة إلى اللجنة الرباعية دون أن تعتبر ذلك مسًّا بموافقتها على الخطة، في حين أن حكومة شارون لم تعلن موافقة صريحة على الخطة. 2- ليونة الموقف الفلسطيني أفسحت المجال لتصلب في الموقف "الإسرائيلي" مدعوماً بالموقف الأمريكي المؤيد له. 3- تجميد تطبيق الخطة، بحجة أن الجانب الإسرائيلي قد التزم بما عليه وأن الخلل قادم من الجانب الفلسطيني، مما سنح لخطة شارون بالظهور مع ما تحمله من مضامين خطيرة على الفلسطينيين خاصة والعرب عامة. 4- خطة شارون هي خارطة الطريق ولكن وفق المقاييس الإسرائيلية والمصالح الأمريكية ومن الخطأ اعتبار خطة شارون هي خطة خارطة الطريق، لأن شارون استطاع بخطته تجاوز العقبات التي اعترضت سياسته الدامية والإرهابية في مواجهة خارطة الطريق. البدائل الفلسطينية- الموقف الفلسطيني في الوقت الحالي لمواجهة خطة شارون والتحديات السياسية والميدانية المختلفة يجب أن يكون واضحاً ومنسقاً بين السلطة وفصائل العمل الوطني والإسلامي من أجل ضمان موقف فلسطيني موحد ومن أجل سد كل الثغرات والنوافذ الضيقة التي يمكن للأعداء والخصوم في كل الساحات من أن يتسللوا من خلالها لإحداث إرباك وبلبلة فلسطينية داخلية، لهذا يجب أن تنطلق الاستراتيجية الفلسطينية من المحددات التالية : 1- توحيد الموقف الفلسطيني في هذه المرحلة التاريخية من نضال الشعب الفلسطيني. 2- اعتبار الإنسحاب الإسرائيلي وتفكيك المستوطنات من غزة وقطاعها وبعض المستوطنات في شمالي الضفة إنجازا لصمود الشعب الفلسطيني وكفاحة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. 3- المباشرة في الحوار الجاد والفاعل بين أطراف المعادلة السياسية الفلسطينية في قطاع غزة، للاتفاق فيما بينهم والتوصل إلى موقف موحد بشأن الأوضاع في القطاع وإدارته بشكل مشترك وفاعل وذلك بعد الانسحاب "الإسرائيلي". 4- توحيد النظرة الفلسطينية الاستراتيجية والتكتيكية للدور العربي بمعناه الشــامل ودول الجوار خاصة. 5- الاتفاق على خطة عمل مشتركة لمعالجة ما خلفه الاحتلال من دمار واحتواء ومعالجة مشـكلات الفلتان الأمني والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية. 6- التنسيق بين الفصائل الفلسطينية والجانب السياسي الفلسطيني أو بمعنى آخر تكامل الدور الفلسطيني في مواجهة الاحتلال. 7- محاولة دراسة شاملة ومفصلة لرؤية الفصائل الفلسطينية لخطة شارون ودراستها دراسة قانونية وإبداء موقف موحد في مواجهة أخطارها والفوز بالجانب المفيد للشعب والفصائل الفلسطينية في هذه الخطة. - يذكر الإسرائيليون بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين، كان أول من فكر بنقل المستوطنات من موقع إلى آخر، وتوسيع مستوطنات أخرى، وإزالة مواقع استيطانية صغيرة، ووضع خطة لذلك، حيث أطلع عليها شارون في حينها بالنيابة عن حزب الليكود الذي كان معارضاً آنذاك، وبالتالي فإن شارون، لم يفعل سوى إخراج الملفات من أدراجها، ووضع بعض النقاط التفصيلية عليها ليس إلا، هذه الخطة ليست من نتاج أفكار شارون وحسب، وإنما شاركت في إعدادها عدة أطراف في المؤسسة الإسرائيلية من بينها الاستخبارات العسكرية، باعتبارها ستصبح حدوداً نهائية لا تنازل عنها للدولة الفلسطينية القادمة، ويجمع المراقبون على أن شارون يبني استراتيجية تعتمد على تضييع الوقت. - وقد استغل شارون عدة عوامل محلية وإقليمية ودولية لإطلاق مبادرته الأحادية الجانب، فعلى الصعيد المحلي لدى شارون ورطة داخلية تختص بالفساد وسوء إدارة أموال الدولة وضعف عام على مستوى التوازنات الحزبية داخل الحكومة، إقليميا فشل شارون في خطته الاستراتيجية لإنهاء الانتفاضة الفلسطينية في مائة يوم كما ادّعى في اليوم الأول لانتخابه وبالتالي يحاول شارون من خلال هذه الخطة أن يعوض عن فشله الميداني والعسكري بخطة سياسية يعتقد أنها ستكون قادرة على إنقاذ "إسـرائيل" وهيبتها في العالم، أما على الصعيد العالمي فسمعة إسـرائيل في مشوهة في ظل يقظة وسائل الإعلام والرأي العام العالمي، كما أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية على المحك حاليا بعد تزايد فرص نجاح المشروع الأمريكي الجديد في العراق والشرق الأوسط. - يستغل شارون أيضا عاملاً آخر هاماّ على صعيد الوضع الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية وهو قرب إجراء الانتخابات الرئاسية العامة في نهاية هذا العام والتي يلعب اليهود الأمريكيون وجماعات الضغط المؤيدة لهم دوراً مهماً فيها، فخطة شارون جاءت لضمان تجاوز خارطة الطرق الأمريكية لأن شارون نفسه مقتنع أن الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة جورج بوش الجمهوري لن تكون على درجة من الغباء السياسي لتمارس الضغوط على إسـرائيل لأن ذلك يمكن أن يفقدها أصوات اليهود وأموالهم التي تتدفق لتمويل حملات بوش الانتخابية. الخلاصة: - بعد هذا العرض لخطة خارطة الطريق وخطة فك الارتباط الشارونية يظهر بوضوح كيف استطاع أرئيل شارون، أن يلتف على خطة خارطة الطريق ويحتويها من خلال إظهار أن خطته ما هي إلا جزء منها، ولكنها في الواقع هي تقزيم لها، وخفض لسقفها المنخفض أصلاً، يتضح ذلك من خلال معرفة أن أهم التحفظات الشاورنية على خارطة الطريق كانت تتمثل في إسقاط عبارة إنهاء الاحتلال الذي وقع عام 1967، وإسقاط عبارة وقف النشاطات الاستيطانية بما فيها النمو الطبيعي، والمطالبة بتعهد أمريكي بالوقوف ضد أي مبادرة أو مشروع يطرح في مجلس الأمن أو المحافل الدولية لحل الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" - فقد قام أرئيل شارون من خلال خطته لفك الارتباط بتحقيق أهدافه والحفاظ على مكتسباته من خارطة الطريق المتمثلة في وقف الانتفاضة وجمع أسلحة الفصائل الفلسطينية والتعاون والتنسيق الأمني مع أجهزة الأمن الفلسطينية بما يضمن استمرار ذلك، وفي المقابل قام بفرض أهم تحفظاته على المجتمع الدولي من خلال احتفاظه بحقه في التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية بدعم أمريكي متواصل، وبذلك يكون أرئيل شارون قد فرض واقعاً جديداً على الأرض، الإبقاء للفلسطينيين على مساحة صغيرة في الضفة الغربية محاطة بسور عازل، وقطاع محاصر براً وبحراً وجواً، وللفلسطينين أن يفعلوا بها ما يحلو لهم، وبذلك يكون قد تخلص من الانتفاضة، وظهر أمام المجتمع الدولي كرجل سلام.
|