نواقص الخطة

(1) ماهية الدولة المستقلة ذات الحدود المؤقتة:

رغم أن جوهر خارطة الطريق يتمحور حول الخروج من دوامة العنف الراهنة والعودة للمفاوضات الدائمة من خلال قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات حدود مؤقتة، فإن الخارطة لا تشير بأي قدر من الوضوح لماهية هذه الدولة. تدور المرحلة الثانية، المعنونة "الانتقال"، حول "خيار" إقامة هذه الدولة في عام 2003 وتعطيها المواصفات التالية:

(1) مستقلة

 (2) ذات حدود مؤقتة

 (3) ذات سمات سيادة

 (4) قائمة على الدستور الجديد

 (5) محطة نحو التسوية الدائمة وبالتالي فهي تبقى قائمة حتى يتم التوصل للتسوية الدائمة.

 (6) تولد من خلال مؤتمر دولي تدعو له اللجنة الرباعية ومن خلال "تشابك أو تواصل engagement " فلسطيني-إسرائيلي ينطلق من هذا المؤتمر.

 (7) تتمتع بأقصى حد من التواصل الإقليمي الذي يتم تعزيزه من خلال "تطبيق التزامات سابقة" بما في ذلك خطوات أخرى على صعيد المستوطنات.

 (8) يقوم أعضاء من الرباعية بالدعوة لاعتراف دولي بالدولة الفلسطينية بما في ذلك إمكانية العضوية في الأمم المتحدة.

إن الأمرين الجوهريين في هذه القائمة هما ما جاء في البندين الثالث والسابع أعلاه، فالبند الثالث يشير إلى أن الدولة ستتمتع بسمات سيادة فيما يشير السابع إلى تمتعها بأقصى حد من التواصل الإقليمي. لقد تركت الخطة الباب مفتوحاً أمام إمكانية محتمة: ستشير إسرائيل إلى أن النص يعني "بعض" وليس "كل" سمات السيادة المتعارف عليها دولياً، وأن التواصل الإقليمي قابل للتحقيق من خلال الشوارع والأنفاق والجسور وليس من خلال الانسحابات وإعادات الانتشار وإخلاء المستوطنات. إن النصوص المتعلقة بهذين البندين هما في الحقيقة جوهر وقلب خارطة الطريق فيما يتعلق بالمكاسب الفلسطينية ولكنهما في الوقت ذاته الأسوأ من حيث الوضوح والتفصيل.

كما أن إشارة الخطة "لخيار" و"إمكانية" إقامة الدولة ذات الحدود المؤقتة يشير كما يبدو لتردد فلسطيني في الالتزام بالإعلان عن دولة فلسطينية قبل التوصل لحل دائم. لقد أعلنت إسرائيل والولايات المتحدة موافقتيهما على قيام هذه الدولة، وبالتالي فإن عدم الحسم الوارد في النص يشير لتردد فلسطيني. ربما تعتقد بعض أطراف القيادة الفلسطينية أن قيام دولة ذات حدود مؤقتة قد يدفع العالم للاعتقاد بأن الصراع قد انتهى، والتوقف بالتالي عن الضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال عن بقية المناطق الفلسطينية التي ستبقى تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية وخاصة في حالة فشل المفاوضات النهائية في التوصل لحل دائم في عام 2005. قد يعكس هذا التردد الفلسطيني أيضا وجود إشكالية قانونية في قيام دولة فلسطينية لا تعلن بشكل حاسم أن حدودها هي حدود 1967وذلك بقبولها بحدود مؤقتة للدولة. كما أن هناك شكوكا عميقة بنوايا شارون التي تهدف إلى تحويل الترتيبات المؤقتة إلى ترتيبات دائمة.

(2) رؤيا الحل الدائم:

رغم احتواء الخطة على عناصر إيجابية حول الحل الدائم، مثل المبادرة السعودية والإشارة لإنهاء الاحتلال الذي بدأ في عام 1967، فإنها تفتقد لأية تفصيلات تساهم في ضمان عدم فشل المفاوضات النهائية. كما أن الإشارة للمبادرة السعودية جاء في مقدمة الخطة وليس في بنود المرحلة الثالثة حيث من المفترض أن تكون. وحتى عندما يتم الإشارة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل (في البند السادس من المرحلة الثالثة) فإن الخطة تتجنب أيضاً الإشارة للمبادرة السعودية مما يزيل الربط القائم حالياً بين التطبيع والعودة لحدود عام 1967.

كما أن من المتوقع أن تقدم إسرائيل تفسيراً للنص القائل "بإنهاء الاحتلال الذي بدأ في عام 1967" على أنه لا يعني بالضرورة الانسحاب إلى تلك الحدود، بل يعني إزالة صفة الاحتلال وهو أمر يمكن أن يتم مثلاً بضم تلك المناطق لإسرائيل كنتيجة لعملية المفاوضات. ستدعي إسرائيل أن ضم تلك المناطق فيه تنفيذ لقرار مجلس الأمن 242 وللرؤيا التي قدمها الرئيس جورج بوش في 24/ حزيران 2002 واللذين أشارا لعودة إسرائيل لحدود قابلة للدفاع عنها.

كذلك لا تشير الخطة إلى أي جديد حول حل مشكلة اللاجئين والقدس إلا بإشارات بسيطة تخدم الموقف التفاوضي الإسرائيلي فقط. فالبند الخامس من المرحلة الثالثة يشير إلى أن هدف التسوية هو "إنهاء  الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي"، وأن تسوية مشكلة اللاجئين ستشمل حلاً "واقعيا" وأن تسوية وضع القدس ستأخذ بعين الاعتبار "المصالح الدينية والسياسية للطرفين" و"سيحمي مصالح اليهود والمسيحيين والمسلمين في العالم بأسره". إن هذه الإضافات الجديدة قد تشكل مدخلاً لطلبات إسرائيلية جديدة لا ترد في قرارات الأمم المتحدة السابقة أو في المبادرة السعودية وتضعف بالتالي من الموقف التفاوضي الفلسطيني. 

(3) الاستيطان:

رغم وجود جانب إيجابي يتعلق بتجميد كافة النشاطات الاستيطانية في المرحلة الأولى "بما في ذلك النمو الطبيعي للمستوطنات" فإن النص لا يشير صراحة إلى أن ذلك ينطبق على مستوطنات القدس. هناك جانبين آخرين للاستيطان فيهما نقص واضح. فاللغة المستخدمة للإشارة للبؤر الاستيطانية، في المرحلة الأولى، تتحدث عن تفكيك "بؤر استيطانية تمت إقامتها منذ مارس 2001". إن في هذا تجاهل لبؤر استيطانية عديدة تمت إقامتها منذ حكومة نتنياهو. كما أن هذا النص يعفي إسرائيل من إزالة "كافة" هذه البؤر. كذلك، فإن الإشارة "لخطوات إضافية حول المستوطنات"، وهي الإشارة الواردة في البند الخامس من المرحلة الثانية، يكتنفها الغموض التام. فمن جهة، ليس واضحاً ما هو المقصود بكلمة "خطوات action". فبالرغم من أن أطراف الرباعية قد ترى في ذلك إخلاء لبعض المستوطنات، فإن إسرائيل لن تقبل على الأرجح بهذا التفسير بسهولة. ومن جهة أخرى يوجد في النص التباس بحاجة لتوضيح: فهذه الخطوات الإضافية تجيء ضمن سياقين: "عملية قيام الدولة ذات الحدود المؤقتة... بما في ذلك خطوات إضافية تتعلق بالمستوطنات"، و"تطبيق اتفاقات سابقة، تهدف لأقصى حد من التواصل الجغرافي، بما في ذلك خطوات إضافية تتعلق بالمستوطنات" وليس واضحاً أيهما المقصود. فإن كان المقصود السياق الثاني، أي أن الخطوات الإضافية هي تطبيق لاتفاقات سابقة، فإن إسرائيل ستدعي على الأرجح أن ذلك لا يشمل إخلاءً لأي مستوطنات قائمة لأن ذلك الإخلاء لم يأت ذكره في أي من الاتفاقات السابقة. 

(4) الإصلاح السياسي والقيادي:

تشير الخطة إلى جملة من الإصلاحات السياسية المطلوبة في المرحلة الأولى: (1) صياغة دستور بنظام برلماني ديمقراطي قوي ورئيس للوزراء ذي سلطات، (2) تعيين رئيس وزراء انتقالي ذي سلطات أو إقامة حكومة مخولة أو جسم معين لصناعة القرار، (3) إصلاح مؤسس وقانوني يؤدي لفصل حقيقي بين السلطات (4) تعديل قانون الانتخابات الفلسطيني، (4) إصلاحات في الإدارة والاقتصاد والقضاء حسبما حددث لجنة الإصلاح الدولية المنبثقة عن اللجنة الرباعية (5) تشكيل لجنة انتخابات مستقلة وإجراء انتخابات حرة ومفتوحة.

ليس هناك أي مشكلة في مضمون هذه الإصلاحات فيما عدا الإصلاح الوارد في البند الرابع أعلاه الذي يعطي للجنة الإصلاح الدولية الحق في وضع بنود محددة للإصلاح حتى بدون موافقة أو تنسيق مع الطرف الفلسطيني. إن في هذا البند مؤشر لتوجه دولي جدي نحو محاولة فرض وصاية مدنية وإدارية على السلطة الفلسطينية.

لكن هناك مشكلة كبيرة في وضع شرط الإصلاح السياسي ضمن مبادرة دولية حيث أن في ذلك تدخلاً سافراً في شؤون داخلية للطرف الفلسطيني. لا يكمن الخطأ في المطالبة الدولية بالإصلاح وإنما في جعل إجراء هذه الإصلاحات شرطاً مسبقاً للاستقلال. ومما يفاقم المشكلة اشتراط الانتقال للمرحلة الثانية من خارطة الطريق بموافقة كافة أعضاء الرباعية وإقرارهم بأن الطرف الفلسطيني قد أوفى بكافة هذه التعهدات. إن من المعروف أن للولايات المتحدة (وإسرائيل بالطبع) تفسيرها الخاص لكافة هذه الإصلاحات وهو تفسير يجيء تحت عنوان "تغيير النظام". بعبارة أخرى، إن لم تؤد هذه الإصلاحات إلى جعل منصب الرئيس عرفات منصباً رمزيا (وهو أمر يوجد حوله خلاف واستقطاب فلسطيني داخلي) فإن الولايات المتحدة قد تعارض أي ضغوط على إسرائيل للانتقال للمرحلة الثانية، بل وربما تعارض أي ضغوط على إسرائيل لتنفيذ التزاماتها في المرحلة الأولى.

إن النص الوارد في مقدمة المرحلة الثانية من الخطة، والذي يؤكد على أن قيام الدولة ذات الحدود المؤقتة "سيتحقق عندما يكون للشعب الفلسطيني قيادة تعمل بحزم ضد الإرهاب، ولها الرغبة والقدرة على بناء ممارسة ديمقراطية..." سيوفر بالتأكيد الذريعة المناسبة للولايات المتحدة وإسرائيل وذلك في حالة قيام الناخب الفلسطيني بإعادة انتخاب ياسر عرفات في الانتخابات المقررة في نهاية المرحلة الأولى. إن الموقف الأمريكي تجاه هذه المسألة ليس سراً وقد تم إبلاغه أكثر من مرة لوفود فلسطينية رسمية زارت واشنطن، وهو الموقف المعلن للحكومة الإسرائيلية بقيادة شارون.

(5) "التشابك" الفلسطيني-الإسرائيلي لإقامة الدولة

تشير الخطة إلى أن "تشابكاً" فلسطينياً-إسرائيلياً (ينطلق من المؤتمر الدولي الذي يعقد في المرحلة الثانية) سيؤدي لولادة الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة. كما تشير الخطة إلى أن عملية "التشابك" هذه ستشمل "تطبيقاً لاتفاقات سابقة لتعزيز الحد الأقصى من التواصل الإقليمي، بما في ذلك خطوات أخرى تتعلق بالاستيطان..." ليس واضحاً ما هو المقصود "بالتشابك". يمكن لإسرائيل في ظل هذا الغموض الادعاء بأن المقصود هو "مفاوضات" (كما جاء في المسودة الأولى لخارطة الطريق) وأنه يعطي بالتالي لها الحق في تحديد كل هذه الأمور. ويمكن للطرف الفلسطيني إعطاء نفس التفسير وبالتالي المطالبة بدور مماثل لدور إسرائيل في رسم الحدود المؤقتة وتحديد سمات السيادة. إن هذا الغموض لا يخدم أحداً إلا الطرف الإسرائيلي. ماذا سيحدث في حالة كهذه؟ وخاصة عندما يفشل الطرفان في التوصل لاتفاق حول قيام الدولة أو عدم قيامها؟ حول سمات السيادة التي ستتمتع بها؟ حول المقصود بتنفيذ الاتفاقات السابقة؟ حول المقصود بالتواصل الإقليمي؟ وحول المقصود بخطوات أخرى تتعلق بالاستيطان؟ ستدّعي إسرائيل عندها أنها هي وحدها صاحبة الحق في رسم الحدود المؤقتة وتحديد سمات السيادة وأن "التشابك" لا يعني إلا "التنسيق" مع الطرف الفلسطيني لإبلاغه بالقرارات الإسرائيلية. 

(6) موعد بدء المفاوضات النهائية

ليس واضحاً لماذا تؤجل الخطة عملية بدء المفاوضات النهائية حتى مطلع عام 2004. فإن نجح الطرفان في المرور بسلام من المرحلة الأولى، فما المانع في بدء المفاوضات النهائية فور بدء المرحلة الثانية وانطلاقاً من المؤتمر الدولي الأول الذي يتم عقده في تلك الفترة؟ في هذه الحالة تسير المفاوضات النهائية جنباً إلى جنب مع "التشابك" الفلسطيني-الإسرائيلي الهادف لإقامة الدولة ذات الحدود المؤقتة. فإن نجح الطرفان في التوصل لحل دائم بشكل سريع فيمكن عندها القفز عن مرحلة الدولة ذات الحدود المؤقتة.

(7) مؤسسات القدس

تطالب الخطة إسرائيل بإعادة فتح الغرفة التجارية "ومؤسسات أخرى مغلقة في القدس الشرقية". إن هذه الصياغة لا تعني بالضرورة كافة المؤسسات الأخرى المغلقة، وبالتالي يمكن لإسرائيل الادعاء مثلاً بأن هذا البند في المرحلة الأولى من الخطة لا يعني إعادة فتح بيت الشرق.

(8) الأسرى والمعتقلون

تخلو الخطة من أي ذكر لمصير آلاف الأسرى والمعتقلين الذين شاركوا في الانتفاضة فلا تأتي على ذكرهم في أي من مراحلها الثلاثة.

(9) الأداء والبرنامج الزمني وقدسية المواعيد

تحمل الخطة عنواناً ذي مغزى: "خارطة طريق مبنية على الأداء". إن المقصود بالطبع أن للأداء في تنفيذ الالتزامات أهمية قصوى في تحديد الانتقال من مرحلة إلى أخرى خلال الفترة الزمنية المحددة لتطبيق الخطة وهي ثلاث سنوات على أقصى حد. أما الجدول الزمني فهو جدول "واقعي" كما جاء في مقدمة الخطة، وهناك فرق هائل بين ما هو "واقعي" وما هو "ملزم". لهذا فإن المواعيد ليست مقدسة، وهي ليست سوى اقتراحات مقدمة للطرفين، فإن جاء الأداء سريعاً فإن مقدمة الخطة تبشر بأن التقدم عبر المراحل قد يكون أسرع مما هو مقترح. أما إن كان الأداء بطيئاً أو ناقصاً، فإن مقدمة الخطة تهدد بأن ذلك "سيعيق التقدم" عبر المراحل.

تتجاهل الخطة أن هناك عدم تماثل في الثمن المدفوع من كل طرف عند التقاعس عن الأداء. فللفلسطينيين مصلحة في إنهاء المراحل بأسرع فرصة ممكنة للوصول للحل الدائم. أما إسرائيل فسرعان ما تفقد الدافعية للتقدم عبر المراحل فور التزام الطرف الفلسطيني بوقف إطلاق النار في الأيام والأسابيع الأولى من المرحلة الأولى. بل على العكس، إن لإسرائيل مصلحة في تأخير الانتقال للمرحلة الثانية لأطول فترة ممكنة. كما أن لها مصلحة في تمديد المرحلة الثانية لعشرات السنوات. كل ما على إسرائيل عمله هو تأجيل تنفيذ التزاماتها. فمن الذي سيفرض عليها تطبيق التزاماتها في مواعيدها "المقترحة"؟

 (10) الحكم على الأداء في ظل ادعاءات متناقضة من الأطراف

تعطي اللجنة الرباعية نفسها الحق في تقييم أداء الطرفين والحكم عليه وبالتالي تحديد الموعد الحقيقي للانتقال من مرحلة إلى أخرى. تحدد الخطة في مقدمة المرحلة الثانية ومقدمة المرحلة الثالثة أن على هذا الحكم أن يكون بإجماع أعضاء الرباعية. لكن الخطة لا تضع آلية لمعالجة وضع يدعي فيه أحد طرفي الصراع أنه قد أكمل التزاماته فيما يرفض الآخر هذا الادعاء. ما هي قيمة إجماع الرباعية عندها ما لم تكن مستعدة لإلزام الطرف الآخر بقبول حكمها؟

الى صفحة تفريط وتنازلات

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع