ماذا لو أفشلوا الحكومة الجديدة
؟!!
د. حسن أبو حشيش
رئيس قسم الصحافة والإعلام بالجامعة الإسلامية - غزة
8/4/2006
زخرت صفحات الصحف , و برامج الإذاعات و الفضائيات
بعبارات الإشادة و المدح و التبجيل و العز و الافتخار بالانتخابات
الفلسطينية , و
الانتقال السلس و الهادئ للسلطة من فصيل إلى فصيل .. ورغم أننا مارسنا
حقا من
حقوقنا في التغني بممارستنا الديمقراطية إلا أن هناك وجها آخر للقضية ما
كان ينبغي
أن يحدث من قبل تجمعات وتكتلات لهم دور كبير في عملية الافتخار والاعتزاز
بل ينسبون
الفضل في سلامة الأجواء الانتخابية و بساطة تداول الحكم لأنفسهم .. وقد
لامسنا هذا
الوجه الخفي بائن الأثر والقول منذ قبيل الانتخابات حين تم تعديل
التشريعات
والقوانين لتكون على المقاس بالضبط , وحين تم استغلال مشاركة سكان القدس
لإلغاء
الانتخابات , وحين رفضوا كل محاولات التقارب على مدى خمسة أسابيع لتشكيل
حكومة
ائتلافية , و حين حاولوا تخريب الجلسة الأولى للمجلس التشريعي الجديد...
ولكن
أدركنا الأمر بقوة و ربما نزداد مع الأيام إدراكا حين دخل الوزراء أماكن
العمل , و
وجدوا ما وجدوا من خراب, و فساد , ونهب و سرقة , وتعيينات ، وإفراغ بعض
الوزارات من
جزء من أثاثها ... كل ذلك صاحبه سلسلة من الإجراءات والقرارات
الإسرائيلية ، و
الأوروبية, و الأمريكية ، مع حملات إعلامية لشخصيات فلسطينية ، وتحركات
ميدانية
مشتركة مع بعض الجهات الفلسطينية و تصعيد صهيوني مبرمج ، و إغلاق المعابر
...
هذا هو الوجه الآخر الذي اعتبره رفضاً مبطناً
وعملياً لنتائج الانتخابات وسط خطاب إعلامي يوحي بالقبول والرضا .والسؤال
الكبير
الذي يطرح نفسه ماذا يريدون ؟! هل يريدون الاستمرار في الفشل ، والخراب ،
و التدمير
و الفساد على حساب الشعب وكل أحزابه وأطيافه ؟! وهل لا يريدون لأحد أن
يوقفهم عند
حدهم وينقذ البلاد والعباد ؟! إنني أعتقد أن هذه الفئة القليلة المتنفذة
والمتجبرة
هي التي قادت حركة فتح و منظمة التحرير إلى ما وصلت إليه من تدهور و
تراجع , و إن
الذي تأثر وأصيب هو الشعب و ليس هذه القلة الحاكمة ، واليوم هذه الفئة
تحاول ذر
الرماد في العيون والتمترس وراء حركة فتح ، و وراء منظمة التحرير ،
واستغلال
اليافطتين لإفشال حركة حماس في إدارة الحكومة الجديدة ظانة أن العودة
ستكون محمودة
لهم ليتحكمون في الرقاب من جديد . علينا قراءة الواقع جيداً بعقولنا ، لا
بعواطفنا
,
وهذه القراءة من الضروري أن يقوم بها الجميع ، وتدركها كافة الأطراف
المحلية
والعربية والدولية والإسرائيلية ، وهي: أن السعي والتوحد لإفشال الحكومة
الفلسطينية
الجديدة ، سيزيد حركة حماس قوة وشعبية ، و سيعطي المبرر الواقعي والصواب
لها و
لغيرها أن تكفر وترفض أي حكومة جديدة أخرى ، وسوف لا يسمح الشعب
الفلسطيني بالعودة
إلى الوراء وإعادة سياسة التحكم و الاستفراد ونهب الخيرات من قبل مجموعات
متنفذة
تلبس ثوب أحزاب وطنية عريقة كحركة فتح ، كما أن العمل على إفشال الحكومة
سيقلب
الطاولة على كل الأطراف ، و سيربك المنطقة ، ولن يكون الشعب هو الخاسر
الوحيد بل
سوف لا يكون خاسراً شيئاً لأنه في الأساس خاسر كل شيء ... بينما سيغرق
الذين عمدوا
إلى إحباطه و إفشال حكومته في الخسران الأكيد على صعيد النفس والمال
والنفوذ
والاستقرار في المنطقة كلها
.
هم يدركون جيداً أن حماس عملت كل ما بوسعها كي تقترب
منهم ، وتتعامل معهم ، وهم على دراية بمدى تطور الخطاب والفكر والسلوك
السياسي لدى
حماس سواء الموجه إلى المستوى المحلي أم الصهيوني أم العالمي ، كما
يدركون أن
الالتقاء على القواسم المشتركة بات قريباً جداً ...ولكن هم لا يريدون
لأنها مصالحهم
الخاصة وليس الحزبية ، وكراسيهم الشخصية و العائلية لا الفكرية
والأيديولوجية
...
إننا نقرأ و نحلل كقادة رأي ومراقبين ومحللين أن العمل على إفشال الحكومة
الجديدة
يعني كل شيء سيئ للمنطقة : إنه يعني البقاء على نهب أموال الدعم المقدمة
من الدول
المانحة ، ويعني البقاء على غالبية طبقات الشعب مسحوقه ، ويعني البقاء
على حالة
التدهور في حقوق الإنسان و ضياع الحريات ، ويعني رفض الديمقراطية و
الانتخابات التي
تنص عليها منظمات حقوق الإنسان و المنظمات الدولية ، ويعني رفض تداول
السلطة ،
ويعني فقدان الأمن والأمان للإنسان في حياته و سكنه و وظيفته ، ويعني
رفضاً صريحاً
للتهدئة التي تلتزم بها حماس و العودة الفورية إلى المقاومة المسلحة بما
فيها
العمليات الاستشهادية في عمق الكيان الإسرائيلي ، ويعني تصاعد وتيرة
الحقد الشعبي
العربي و الإسلامي ضد كل من وقف في سبيل إجهاض هذه التجربة النظيفة
والفريدة
والوليدة
...
إن محاربة حماس في حكمها يعتبر تقويضاً للتيار
الإسلامي الوسطي الذي يلتزم بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم دون
إفراط أو تفريط
و بالتالي تشجيع كل من يخرج عن هذا الخط في الفهم و الممارسة
...
من هنا فإنني أشدد على أننا في مفترق طرق صعب و معقد
، و المسئولية تقع على كاهل الجميع ، كما أن نجاح الحكومة سيلقي
بظلاله الوافرة على
الجميع فإن الإفشال لا -سمح الله- سيكون طامة على الجميع ... هكذا علينا
قراءة
الأمر و الموضوع ، فالدرس صعب ، و يحتاج إلى مهارة و ذكاء لفهمه من ألئك
الذين
يعتقدون أن عجلة الزمان مازالت في انتظارهم
.
إن الحكومة الجديدة في المائة يوم الأولى من عمرها
تمر في عنق زجاجة ، و خاصة بعد أن أثبتت للعالم مدى الخواء والفراغ
الإداري والمالي
والإنتاجي المعاش في الوزارات ... فيا ترى هل ستخرج من هذا العنق الضيق
بأمان وبأقل
الخسائر؟! ... نحن علينا التفاؤل المصحوب بالعمل و الدعم الجماهيري, فمن
الضروري
عدم الصمت على كل المهاترات التي نراها يومياً ، فإنني أعتقد أن الشعب
الفلسطيني
يملك مفاتيح اللعبة السياسية من حيث تدخلا ته ووقوفه بجانب حكومته التي
انتخبها
ومحاربته للفئات المستفيدة من عملية الإفشال
|