حكومة الوحدة الوطنية .. متى .. كيف .. لماذا؟! |
بقلم : سعيد دويكات
نابلس – فلسطين
أقل من خمسة شهور هو العمر الزمني للحكومة الفلسطينية ، ولكنها شهور بسنوات بما حملته من أحداث وضغط وخنق وحصار وقتل وتدمير ، جبال من المعاناة والألم صبت فوق رأس الحكومة الفلسطينية ومن خلفها الشعب الفلسطيني في محاولات مستمرة وحثيثة لابتزاز تنازلات سياسية ، وحتى الآن باءت كل هذه المحاولات بالفشل الذريع ، وقد عبر الاحتلال عن فشله علانية ، عندما لجأ – وفي هجمة غير مسبوقة- لاعتقال الوزراء والنواب ورئيس المجلس التشريعي وإلى قصف مقر رئيس الوزراء والوزارات ، بل إن الأمر وصل حد محاولة اغتيال رئيس الوزراء بطرد مسموم .. وقد أدت هذه التصرفات الرعناء من الحكومة الإسرائيلية -المستحدثة - إلى ردود أفعال عكسية وإلى رفع أسهم الحكومة من جديد ..
إلا أن هذا كله لا ينسي أن الشعب الفلسطيني يقف اليوم أمام معضلة حقيقية إزاء الحصار الهائل المفروض عليه وأعمال التقتيل والتنكيل والاجتياحات المستمرة ضده ..وانقطاع الرواتب للشهر السادس على التوالي ، وإن تخللها دفعات من الحكومة التي يسجل لها أنها حفرت في صخور الحصار بأظافرها لتوفيرها للموظفين والعاملين .
إذن فالأمر يستدعي وقفة جادة وعاجلة من الجميع ، الرئاسة والحكومة والتشريعي والفصائل ، فقد دقت ساعة الحقيقة وآن لكل مسئول أو فصيل أن يقف وقفة تقييم ومراجعة للموقف ، خاصة وأن الوضع يأخذ في الانحدار بشكل كبير .. فلا يعقل أن يترك طرف من الأطراف يصارع الحصار وحده ، فتقطع عنه الأموال وتمنع التحويلات من الخارج ، وتحجز أموال الضرائب عند الاحتلال ، وفي الداخل تسحب منه الصلاحيات خاصة تلك التي تدر بعض الموارد المالية ، ثم يقال له : إعطاء الرواتب صلاحية خاصة بك وحدك فأرنا ما عندك ؟!ولأن هذا خطا جسيم فإن المطلوب هو تكافل كل القوى الآن لتشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس وثيقة الوفاق الوطني من أجل الحفاظ على الثوابت ، مع الأخذ بعين الاعتبار احترام الخيار الشعبي الفلسطيني في الانتخابات الأخيرة ، وإشراك أكبر عدد ممكن من شرائح وقطاعات واتجاهات الشعب الفلسطيني في الحكومة على قاعدة العمل المخلص البناء لهذا الشعب ، والتركيز على قضية النواب والوزراء المختطفين ، لأن تجاهل قضيتهم يعني للاحتلال أنه إذا ما أراد أن يفشل حكومة فلسطينية فما عليه سوى أن يعتقل بعض وزرائها !! وهو أمر مرفوض بالقطع لدى الفلسطينيين .
ومن ثم يجب الابتعاد عن الانتهازية السياسية وتسجيل المواقف لمصالح فئوية أو شخصية ، فالوضع في غاية الصعوبة والوقت لا يعمل في صالحنا .. وعلينا أن نكون صرحاء مع أنفسنا فليس من المعقول المراهنة على صبر وصمود الشعب إلى الأبد دون توفير مقومات الصمود أو بعضها على أقل تقدير ، وكذلك فإن من التجني توجيه الهجوم والطعن لوزير يقبع في زنازين الاحتلال وآخر يتنقل ما بين غرفة التحقيق والمستشفى بعد أن ساموه ألوان العذاب ، بينما يغض الطرف عن القطط السمان والحيتان الذين مصوا دماء الشعب بعد أن مصوا ملايينه!!
من هنا يبدو جليا أن حكومة الوحدة الوطنية أصبحت طوق النجاة الأول للشعب الفلسطيني ، وذلك لأن الفشل في تشكيلها يعني الكارثة بكل ما تحمل الكلمة من معنى .. ومن الضرورة بمكان ألا يلتفت أحد إلى مقولات البعض ممن لا يعنيهم أمر الوحدة شيئا ، حيث يبشرون صباح مساء بفشلها مسبقا وعدم صلاحيتها !! ناسين أو متناسين أن جزءا كبيرا من حكومات العالم هو نتاج أحزاب كثير منها متناقض الفكر والطرح ويتعايشون وينتجون ، لأن لديهم همّ واحد اسمه الوطن .. ولعل حكومات الاحتلال خير دليل على ذلك ، إذ رغم تناقضاتهم الأيديولوجية والسياسية فإن المتابع لتصريحات الناطقين باسم حكومة الاحتلال - وهم كثر – لا يكاد يعرف لأي حزب ينتمي هذا المتحدث لأنه يتكلم باسم ( إسرائيل) .
هذا درس يجب أن نتعلمه وهو أن الوطن أكبر من الفصيل بل إنه الوعاء الجامع والحضن الدافئ لكل الفصائل. إزاء ما تقدم ، لا بد من حكومة وحدة وطنية تحمل على عاتقها هموم الوطن والمواطن و تتصدى للفساد والمفسدين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية لأن الفاسد لم يحترم وطنا ولا قيما ولا انتماء ، ومن الجريمة أن تتم التغطية على الفاسدين أو تهريبهم أو إطلاق سراحهم بعد أن سرقوا قوت الناس البسطاء الذين لا يجدون ما يسدون به جوعة أطفالهم !! ومنطق الأشياء يقول وقبله كافة الشرائع والقوانين : إن مكان هؤلاء هو السجن وليس التهريب أو رفع الرتبة وإعلاء المكانة ..
نحن بحاجة إلى حكومة وحدة وطنية صادقة شاملة ، حكومة بصلاحيات كاملة غير منقوصة تجمع شتاتنا وتوحد صفنا ، هدفها الحفاظ على ثوابت الوطن وكرامة المواطن من خلال توفير حياة كريمة له بعيدا عن المزايدات والمناكفات السياسية وبعيدا عن المماحكات و توجيه الطعنات من الخلف ومن الأمام أو الضرب تحت الحزام!!
|