بسم الله الرحمن الرحيم
 

اللعب في الوقت الضائع

   عبد الرحيم الحايك ( أبو الهيثم ) أمين سر حركة فتح  / صنعاء

          لقد أسفرت الانتخابات ، التشريعية الفلسطينية ، في نظري ، عن مفاجأتين  : الأولي ، فوز حركة حماس ، بأكثر مما كانت تتوقع ، والثانية ، خسارة حركة فتح بأكثر مما كانت تتوقع ، في ظل أوضاعها الداخلية المتردية ، وما رافق ذلك من خروج ، بعض كوادرها ، من تحت مظلتها  ، للاستظلال بمظلة الاستقلال ، فجنوا على الحركة ، وجنوا الحصاد المر لأنفسهم.

          فلقد كانت حماس تنتظر من هذه الانتخابات ، أن تحصل على ما يقارب ربع مقاعد المجلس التشريعي ، وهذا ما أكدته نتائج الاستطلاعات ، التي أجرتها أكثر من جهة قبيل موعد الانتخابات  ، وهذا ما كانت تتمنا ه حماس ، لتكون معارضة قوية في المجلس التشريعي ، تستطيع وبتحالفات آنية ، إعاقة أي قرار يصطدم مع رؤيتها للحل النهائي ، للقضية الفلسطينية.

          أما  حركة فتح ، فكانت الاستطلاعات تعطيها ، أكثر بقليل من نصف المقاعد ، لتستطيع ، وبتحالفاتها مع حلفائها التقليديين ، من الجبهات الأخرى ، أن تصل إلى ثلثي المقاعد ، بحيث يؤهلها مركزها المرتقب ، السير قدماً في العملية السلمية ، بناء على البرنامج ، الذي تبناه الرئيس / محمود عباس ( أبو مازن)وانتخب على أساسه ، بواقع 62% أي أقل من ثلثي الأصوات بقليل .

          لكن المفاجأتين ، أثرتا على كل من الرابح والخاسر معاً ، فالرابح لا يستطيع الوفاء بالالتزامات الدولية ، التي تؤهله للحكم ، والانسجام في نفس الوقت ، مع ناخبيه الذين طرح عليهم ، برنامجاً مختلفاً ، يشمل الكثير من الطهر الثوري ، وينأى عن واقع التسوية ، الذي أقره المجتمع الدولي ، ولا مناص من تنفيذه ، ولذلك وقع ممثلو حماس في ربكة شديدة ، وحرج أكيد ، وهم يحاولون أمام وسائل الإعلام ، التراجع عن برامجهم الانتخابية ، والحفاظ في نفس الوقت ، عل ثقة ناخبيهم ، الذين ينتظرون الحد الأدنى من الأمن والكفاية  ، مصداقاً لقوله تعالى " الذي أطعمهم من جوع ، وآمنهم من خوف "

          فبدأت جهات متعددة ، التهديد بالتجويع ، وبدأ العدو الصهيوني ، تصعيد  عمليات القتل غير المبررة ، التي لا بد من الرد عليها ، حسب برنامج المقاومة ، الذي روجت حماس نفسها على أساسه ، فالرد على تلك العمليات ، يزيد منها ، والسكوت عليها ، على مضض ، يطرح السؤال الكبير أمام الجماهير ، أين المقاومة التي وعدتمونا بها  ؟!

          إن زيارة وفد حماس  ، إلى موسكو ، التي عندما أعلنها بوتين ، رقصت لها حماس وهللت ، لم تسفر إلا عن الطلب رسميا من حماس ، الاعتراف لإسرائيل بالوجود الشرعي ، وإيقاف العمل المسلح ضدها ، وتنفيذ الاتفاقات التي أبرمتها السلطة الوطنية الفلسطينية ، عبر وزاراتها المتعاقبة ،  فهل تستطيع حماس أن تفي بذلك وتبقي في نفس الوقت ، على ماء وجهها أمام ناخبيها ؟!

          إن معظم المؤشرات ، تدل على أن وزارة تشكلها حركة حماس ، بمفردها وبناء على برنامجها ، لن تعمر طويلاً ، وإن انتخابات مبكرة ، ستكون هي الحل ، وأنا أستطيع أن أخمن ، بأن حماس لن تحرز نفس النصر ، لو أجريت الانتخابات ، مرة أخرى ، خلال الأشهر القليلة القادمة ، فماذا على حركة فتح أن تفعل ؟!

          أقول وبكل جرأة ، ليس لدى  " فتح " مزيداٌ من الوقت تضيعه ، فهي كمن يلعب في الوقت الضائع من المباراة ، فعليها أن ترتب صفوفها بسرعة ، وألا تركن إلى أربع سنوات قادمة ، هي عمر المجلس التشريعي الرسمي ، فلا بد من عقد اجتماعات للجنة المركزية  ، لحركة  فتح بكامل أعضائها ، من الداخل والخارج ، وأن تضع الخطط ، للنهوض بالحركة ، بشكل جيد وسريع ، وألا تستمر في تأجيل المؤتمر العام السادس للحركة ، وأن تبادر إلى تفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ، لتحوز على ثقة حلفائها ، من المنظمات الأخرى ، الذين ساءهم حال المنظمة ، وما آلت إليه مؤسساتها ، وأن تكون حركة فتح ، كما عهدناها  هي الرافعة الأساسية  للمنظمة ، بل هي العمود الفقري في جسدها .

          فكل يوم ، بل كل ساعة ، لها أثر على الحركة ، ومصيرها ، وللحفاظ على تاريخ هذه الحركة ، ومنجزاتها النضالية ، فالشعب الفلسطيني ، لم يتخل عن "فتح" أو يتنكر لنضالاتها ، فقد أعطاها أصواتاً أكثر من حماس ، رغم فوز حماس بأغلبية المقاعد النيابية ، وذلك بعد تشتيت الأصوات المعطاة لحركة " فتح" ، فالشرعية الانتخابية ( البرلمانية ) ، لا تلغي الشرعية الشعبية .

          إن مراجعة الذات ، بل ومحاسبتها أبضاً ، بالنقد الذاتي البناء ، هي مفتاح التقدم للأمام ، وتجاوز الأزمة ، وتقليص آثارها السلبية ،  فنحن كحركة ثورية رائدة ، للنضال الفلسطيني ، نقف على مفترق طرق ، ولقد تعودت منا الجماهير ، أن نسير ببصيرة نحو طريق التحرير ، لأرضنا ومقدساتنا ، متجاوزين ، كل المعوقات ، التي تؤخر مسيرة النضال ، أو تحرفه عن مساره الصحيح ، في ظل التعقيدات المصاحبة لقضيتنا ، فتجربة "فتح" الثرية ، في الكفاح المسلح ، والنضال السياسي ، كفيلة بتوجيه بوصلة القضية ، نحو شاطئ الأمان ، رغم الأمواج العاتية ، والرياح غير المواتية .

          ولننقِ غلتنا من الزوان ، ونخلص حديقتنا من الأعشاب الضارة ، ليعود لها بهاؤها ونضارتها ، ولتعطي ثمارها اليانعة ، وعطاءها الوفير ..وإنها لثورة حتى النصر...

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع