سوبر ستار=20 آلاء!

بقلم:سري سمور/جنين/فلسطين

نسمع كثيرا عن نقص الموارد وشح المصادر المالية ،وحفظنا عن ظهر قلب الجُمل المعبرة عن الأزمة المالية الخانقة التي تعصف بالسلطة الفلسطينية ،نرى كثيرا من المواطنين وقد ضاقت بهم سبل العيش الكريم،ونسمع أنين المرضى الذين يحتاجون للعلاج والدواء ؛ولا دواء ولا علاج إلا لبعض من يحالفهم الحظ ،ونستشعر معاناة الطلاب الذين حصلوا على معدلات بتقدير ممتاز وجيد جدا وجيد في امتحانات الثانوية العامة ولا يتمكن ذووهم من دفع الأقساط الجامعية لهم،وقد شهدنا تأخير رواتب الموظفين لأسبوعين والحجة هي هي أي شح الإمكانيات المالية ونفاذها وفراغ الخزينة!

مطلوب منا أن نتعامل مع هذا الواقع ونتقبله وأن نقدم تنازلات سياسية تمس حقوقنا الوطنية كي تكرم علينا إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بما يسد جزءا من احتياجاتنا المالية ،وعلى الدوائر المختلفة التابعة لوزارات السلطة تحمل النقص في الورق والقرطاسية وحبر الطابعات وكل ما هو ضروري لحاجات العمل ؛لأنه يا سادتي يا كرام مطلوب منا أن نشد الحزام وأن نتحمل الآلام وأن ننتظر لعله في يوم من الأيام يعم السلام!

قرأت عبارة بل حكمة تنسب للإمام علي ابن أبي طالب ،كرم الله وجهه، ولم أكلف نفسي البحث عن مدى صحة النسبة ،لأن العبارة صحيحة المضمون والمعنى ،بغض النظر عمن قالها والحكمة ضالة المؤمن؛العبارة يا سادتي تقول:" ما جاع فقير إلا بما مُتع به غني" فهل تنسحب مضامين هذه العبارة قليلة الأحرف والكلمات عظيمة المعاني والدلالات على واقعنا الذي بت أرى كلمة "الأليم" صغيرة أو لا تعبر عن حقيقة واقعنا الذي بات الألم يتألم لآلامه!

أنا كنت مضطرا للمقدمة السابقة وهي ليست مقدمة بقدر ما هي تعبير عما يدور في نفس فرد من الشعب المتألم حتى قعر الألم،الصابر حتى أوج الصبر،وبين يدي مثال أو واقعة أو سموها ما شئتم للتعبير عن صدق العبارة المنسوبة لعلي كرم الله وجهه،هو مثال قد يبدو صغيرا أمام ما يعرفه غيري ممن منّ الله عليهم أو ابتلاهم بمعرفة "البلاوي" التي حصلت وتحصل كل يوم.

الحكاية يا إخوتي ويا أخواتي أن شعبنا الفلسطيني برز منه شاب وفتاة،الشاب برز في مجال بعيد تماما عن المجال الذي برزت فيه الفتاة ،وكلاهما حصل على مكافأة،لكن الفرق بين المكافأتين استفزني وأثار حفيظتي وأجج نيرانا لم أملك لقلة حولي وقوتي إلا صبها كمداد على الورق،فرأس مالي قلمي وعلتي ومشكلتي هي رأس مالي!

"عمار حسن" شاب فلسطيني اشترك كمتسابق في برنامج "سوبر ستار" ولا داعي لإعادة التعريف بالبرنامج المذكور فهو معروف للقاصي والداني،ولم ينجح عمار حسن رغم أن شركة الاتصالات الفلسطينية وشركة جوال جندت نفسها وقامت بحملة لدعمه كي ينجح عبر المكالمات المسجلة والرسائل العشوائية لأجهزة الجوال،عمار حسن إذن هو الشاب موضوع حديثنا،أما الفتاة الفلسطينية فهي "آلاء جهاد صالح" وقد فازت بالمرتبة الأولى في المسابقات الدولية للفتيات في حفظ القرآن الكريم.

وأنا أطالع إحدى الصحف المحلية يوم الثلاثاء 21/3/2006م قرأت خبر منح السيد الرئيس محمود عباس مكافأة مالية قيمتها 1000 دولار للفائزة في حفظ كتاب الله آلاء جهاد صالح،أمر جيد وجميل ومشجع،هكذا قلت لنفسي.

لكن حين عدت إلى الوراء لم أشعر بأي نوع من الراحة؛فمجلس الوزراء الموقر المنتهية صلاحيته قرر في تاريخ 11/8/2005م منح عمار حسن مبلغ 20000 دولار لكي يتمكن من إصدار ألبومه الغنائي!

يا إلهي! هذا يعني أن مكافأة عمار حسن الذي حتى فشل في أن يكون سوبر ستار الفلسطيني تساوي عشرين ضعفا بالمقارنة مع مكافأة آلاء التي فازت في حفظ كتاب الله الكريم،ألا يحق لي أن أغضب وأن أمتعض؟قد يرى البعض أن عمار حسن سيستخدم المبلغ الممنوح له لأغراض إصدار ألبوم أما آلاء فهي حصلت على مكافأة تضعها في جيبها!ربما ،ولكن ألا نشجع قرينات آلاء كي يكون لنا في كل عام آلاء؟أم أن "سوبر ستار" أهم ممن يحفظ القرآن.

وكي لا يقول قائل أنني ضد الغناء والطرب، وأنني فاسد المزاج بحاجة إلى علاج،أو أنني وكيل الملا عمر في جنين ،أو أنني متحجر ومتزمت،أقول:لا لست كذلك،لكني أرى أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله ،ومن له وجهة نظر أخرى فهو فاسد المزاج،لست ضد الفن ولا الغناء،لكن أنا مع رفع شأن حفظة كتاب الله في ربوع بلادي والعمل على زيادة عددهم وتنويع شرائحهم  وتشجيع غيرهم للحاق بهم،أظن أن هذا من حقي.

أم أن للأمر مغزى أجهله؟ربما مجلس الوزراء الموقر يريد أن يثبت للعالم أن شعب فلسطين هو شعب متحضر يحب الفن ويعشق الطرب وليس شعبا محبا للعنف والإرهاب!يا هؤلاء والله لو اشترك كل شباب فلسطين في مسابقات السوبر ستار وتحولت كل فتيات فلسطين إلى راقصات فإن نزار قباني قد حسم الأمر بقوله:"متهمون نحن بالإرهاب!" ،فلا تتعبوا أنفسكم،وتنفقوا المال الذي ستسألون كيف أنفقتموه في يوم تشخص فيه الأبصار.

ومن ناحية أخرى دعوني وأنا الموظف الذي يتقاضى راتبا مقداره 2000 شيكل(حوالي 444 دولار) وهو حسب ما أعرف متوسط الرواتب في مؤسسات السلطة الفلسطينية ،فإن المبلغ الذي مُنح لعمار باشا حسن يساوي راتب العبد الفقير لمدة خمسة وأربعين شهرا أي ما يقارب راتبي في مدى أربعة أعوام،أي راتب خمسة وأربعين موظفا ممن يتقاضون نفس راتبي وهو راتب تسعين موظفا من شريحة أخرى،أليس هذا صرفا في غير محله؟ألا تحرم مثل هذه النفقات مريضا من العلاج أو طالبا من الدراسة؟ثم يقال:لا رواتب في أول الشهر ،انتظروا حتى المنتصف فلربما!أعرف أنني هنا قد أتهم بالمزاودة والتجني والافتراء وغير ذلك،لن أقول ما يبرئ ساحتي من هذه التهم ،أنا هكذا رأيت الأمور ومن يراها بمنظور آخر فهو حر.

وسؤالي هو:كم مثالا يثبت جوع الفقراء بما يتمتع به الأغنياء عندنا؟وكم قصة مثل قصة عمار حسن وآلاء صالح تعرف العامة والخاصة؟الكثير بالتأكيد،ولو نظرنا لمئة حالة صرف مشابهة خلال عام لتمكنا من إنجاز أمر أهم بالتأكيد من ألبوم غنائي أو ما هو على نمطه!

ليهنأ عمار حسن بما حصل عليه فالذنب ليس ذنبه،أما أنت يا آلاء فمعك الله ولا بأس بمكافأتك فهي جيدة لو لم يكن في الأمر "سوبر ستار" غير ناجح  حصل عليها مضروبة بعشرين فقط،رغم أنك فزت فبارك الله لك ولأهلك!

أما أنت أيها الشعب المسكين فعلم أولادك وبناتك على حب الصعود إلى القمة عبر بوابة سوبر ستار وستار أكاديمي لأن الشهرة والمال وتأييد المسئولين فقط من هذا الباب...ورأصني يا جدع!!

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع