شعار المرحلة بعد اختطاف سعدات
غزة ـ اريحا أولا على طريق المقاومة والتحرير
شاكر الجوهري-
15/3/2006
لا أحد يعرف الظرف الذي انتقل فيه المناضل الكبير أحمد سعدات من أسر سلطة
عباس, إلى أسر سلطة الإحتلال الإسرائيلي, وما إذا كان قد استسلم فعلا,
كما تدعي السلطات الإسرائيلية, وهو فعل ارادي لا نعرف إن كان أقدم عليه,
أم تراه تعرض وغيره من المناضلين الفلسطينيين للتخدير, الذي افقدهم الوعي
والإرادة, لبعض الوقت الكفيل بإنجاز اسرهم, وأوقعهم في قبضة الإحتلال
مباشرة, بدلا من القبضة البديلة..!
الأيام كفيلة بكشف الحقيقة.. بل الحقائق..
وأول هذه الحقائق التي غدت الآن ساطعة أكثر من الشمس, وليس للمرة الأولى,
هي أن سجون السلطة الفلسطينية مملوءة بالمناضلين, لا بالجواسيس..!
مئات المناضلين انتقلوا مع سعدات من أسر السلطة, إلى الأسر المباشر لدى
قوات الإحتلال..!!
وحين يكون المناضلون في السجون, لا يمكن, ولا يقبل أي عقل, مقولة أن
السجانين هم حماة المشروع الوطني الفلسطيني..!!
ثاني هذه الحقائق هي أن ادعاء رأس السلطة الحالي, كما كان يعتقد رأسها
السابق, بأن اعتقال المناضلين يحميهم من قبضة الإحتلال الإسرائيلي.. هو
مجرد وهم كاذب, حتى لا نقول شيئا آخر.
ولم يكن الشعب الفلسطيني, ورأس سلطته, في حاجة إلى عملية اقتحام سجن
اريحا, واختطاف المناضلين من بين أيدي سجاني السلطة, ليعيدوا اكتشاف
العقلية والسلوك الإسرائيليين في التعامل مع سيادة السلطة واجهزتها
الأمنية وسجونها.. ذلك أن اقتحام سجن اريحا ليس سابقة, بل هو ثالثة
الأثافي, أعقب سابقتين اولاهما اعتقال (حتى لا نقول تسليم) مناضلي خلية
صوريف من مناضلي "حماس" أثناء نقلهم, الذي ارتأى الأمن الوقائي ضرورته
(..!) من سجن الخليل إلى سجن نابلس..!!
وثانيهما مهاجمة مقر قيادة وسجن الأمن الوقائي في بيتونيا قرب رام الله
سنة 2002, واعتقال مناضلي "حماس", الذين شيدت الأموال الأميركية ذلك
السجن لهم..!!
الأنكى من ذلك هو أن رأس السلطة, المعروف بحصافته, وقصر لسانه, وعدم
اطلاقه الكلام غير المناسب في المكان والزمان.. بل والعلنية غير
المناسبة.. ارتأى بكل هذه الحكمة والحصافة أن يكرر احراجه العلني للجبهة
الشعبية بإبداء استعداده لإطلاق سعدات ورفاقه, إن تلقى رسالة خطية من
المكتب السياسي للجبهة الشعبية تؤكد أن الجبهة تتحمل مسؤولية الحفاظ على
حياة هؤلاء المناضلين..!
لم يرد عباس المزاودة بهذا الكلام على الجبهة الشعبية, لكنه أراد أن
يحرجها, وأن يواصل المماطلة حتى لا يطلق سراح أسير سلطته, كونه غير معني
بإغضاب اسرائيل واميركا وبريطانيا, مع أن ايهود اولمرت لم يكتف برفض
التقائه, الذي يرقى إلى سحب الإعتراف به, لكنه كان يمنع كذلك نائبه شيمون
بيريس من الإلتقاء به.
لو كانت السلطة انصاعت لقرار محكمة العدل العليا الفلسطينية حين صدر أمرا
بإطلاق سراح سعدات ورفاقه, لتدبر أمر نفسه, وأفلت من أجهزة أمن الإحتلال,
وهو الذي ما تمكنت السلطة من اعتقاله إلا عبر الخداع, حين اعتقد أن من
خدعوه أقل سفالة من واقعهم وحقيقتهم..!
ومن عجب أن يكشف الإعلام الإسرائيلي قبيل اقتحام سجن اريحا وختطاف
المناضلين الذين كانوا فيه عن أن بيريس التقى عباس سرا في عمان قبيل بدء
جولة اوروبية لرئيس السلطة الفلسطينية.
بالقطع إن هذه السرية لم تكن على اولمرت, لأن بيريس ظل طوال حياته أجبن
من أن يخالف أمر أي من رؤسائه. والسرية بالتالي لم تكن على الرأي العام
الإسرائيلي الذي يضعه قادته واعلامه دوما في صورة التطورات.
وحين يكون الأمر كذلك, يكون من حق الشعب الفلسطيني وقواه الحية أن تطرح
العديد من الأسئلة والتساؤلات حول اسباب سرية لقاء عباس ـ بيريس, وما تم
بحثه في هذا اللقاء, وعلاقة اللقاء بالأحداث التي اعقبته..!!
نكرر.. طلب رسالة ضمانات من المكتب السياسي للجبهة الشعبية لم يكن بهدف
المزاودة. وحتى لا نقول غير ذلك, نكتفي بالقول إن هذا الطلب العلني, وما
استدرجه من رد علني من الجبهة الشعبية تم توظيفه لتبرير عملية اقتحام سجن
اريحا, تماما كما تم من قبل تبرير اقتحام سجن بيتونيا بحديث علني مماثل
دار حول هل نطلق أم لا نطلق سراح مناضلي "حماس" الذين كانوا تحت حماية
السلطة فيه..!
بعد تبيان كل ما سبق, فإن سلطة تتكرر خديعتها (حتى يثبت العكس), لم يعد
يحق لها بعد اليوم ادعاء الحكمة بأثر رجعي, أو بشكل مسبق..
نقول ذلك من موقع الثقة بأن هذه السلطة باتت تستمرىء تعرضها للخداع,
وإلا, فما بال رئيسها الشكاك بكل القوى الوطنية, لا يشك بالتحذير
البريطاني الأميركي اعتبارا من الثامن من الشهر الجاري بأنه قد يتم سحب
حراس سجن اريحا الأميركيين والبريطانيين..؟!
على كل, هي سلطة تقع في فخ الخداع الإسرائيلي كل يوم, على نحو لا يمكن أن
يخلو من قصور يوجب المساءلة الشعبية, إن لم تبادر إلى المساءلة الذاتية,
والنقد الذاتي, واخلاء مواقع المسؤولية.
الخداع, إن صحت روايته, ليس اسرائيليا فقط, لكنه اميركي ـ بريطاني كذلك.
ولعل أسخف ما صدر عن رموز في السلطة بهذا الشأن هو التساؤل: كيف سنثق
بالضمانات الأميركية ـ الأوروبية بشأن مراحل الحل المقبلة في ضوء تراجعهم
عن دورهم في سجن اريحا وتسهيل الإقتحام الإسرائيلي له..؟!
أيها السادة.. هذا سؤال مقلوب, لأن السؤال الصحيح هو كيف صدقت السلطة بأن
اميركا وبريطانيا ستقومان بحماية سعدات من اسرائيل, وهما (خاصة) اميركا,
لم تلتزم بأي من التعهدات التي اعطتها لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ
بدأت الإتصالات بينهما, بعد انتقال قيادة المنظمة من بيروت إلى تونس,
وحتى الآن.
أولم يكن مقررا قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بموجب اتفاقات اوسلو عام
1998..؟!
أولم يتعهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون بعدم احداث اسرائيل أي تغيير من
جانب واحد على طبيعة الأراضي الفلسطينية المحتلة قبل التوصل إلى اتفاق
الحل النهائي بما في ذلك.. بل في مقدمة ذلك وقف الإستيطان وتوسعة
المستوطنات القائمة..؟!
إن الذي لا يلتزم بضماناته المقدمة بشأن المسائل الكبرى, لم يكن متوقعا
منه الإلتزام بضماناته المتعلقة, مهما كبر شأن المناضل الكبير أحمد
سعدات, بالمسائل الصغرى..
وعلى الرغم من كل ذلك, فإننا لن نفاجأ مطلقا, إن وقف اليوم أو غدا, أحد
الذين يزعمون مقدرتهم على قراءة الممحي, ليحاضر بنا وبالشعب وبالأمة
متسائلا: أولم نقل لكم إننا كنا نحمي سعدات..؟!
امثال هؤلاء يتوجب أن نرد عليهم بالفم الملآن: أولم نقل لكم أن الشعب نزع
ثقته منكم ومن برنامجكم, ومنحها لمناضلين آخرين وبرنامجهم المقاوم الذي
تخليتم عنه, بعد أن تيقن, ليس فقط من أنكم غير قادرين على انجاز المشروع
الوطني الفلسطيني, بل من عدم امتلاككم لهذا المشروع.. ذلك أنكم, كما تبين
في التجربة العملية, تحولتم الى مشروع فساد وافساد, وتفريط بمصالح الشعب
والأمة, والثوابت, لصالح الإستثمارات و"البزنس" السياسي والتجاري الذي
تحولتم إليه, بعيدا جدا.. بل وفي الطرف النقيض لمنطلقات ومبادىء واهداف
وثوابت "فتح" التي عرفناها, ونسيتموها..!
وبعد,
فلقد جاء اقتحام سجن اريحا, وتحويل المناضلين الذين كانوا فيه من قبضة
سلطتهم, إلى قبضة الإحتلال المباشرة, بعيد أن نزع الشعب ثقته منكم,
فتنحّوا قبل أن تصبحوا اهدافا مشروعة للشعب, كما هم الآن مواطني الدول
التي كررت التواطؤ المكشوف مع المشروع الصهيوني التوسعي على حساب حقوق
الشعب الفلسطيني.
بلطجة اريحا يجب أن تكون مفصلا عميقا بين نهجين وعهدين..
وبالله عليكم, لا تحاولوا أن تفرضوا حمايتكم الآن على القادة الجدد الذين
انتخبهم الشعب, ربما بأمل التخلص منكم في المقام الأول, ذلك أنهم سبق أن
جربوا حمايتكم للشقيقين الشهيدين عادل وعماد عوض وكذلك ليحيى عياش..!!
الآن يتوجب أن يكون الشعار, بعد أن اخرجت المقاومة الإحتلال من غزة, وبعد
بلطجة اريحا: غزة اريحا أولا على طريق المقاومة والتحرير, بدلا من طريق
المساومة والخداع والتفريط.
|