العـــــار...!!

مؤمن بسيسو

باحث وكاتب صحفي فلسطيني - غزة

 16/3/2006

لم أجد بديلا لكلمة "العار" لوصف حقيقة وتداعيات المشهد المؤلم الذي انتهى باعتقال المناضل أحمد سعدات ورفاقه من سجن أريحا الثلاثاء الماضي.

"العار".. لأننا سوّغنا لأنفسنا اعتقال المجاهدين والمناضلين استجابة للإملاءات الخارجية دون جرم أو جناية، وارتضينا أن نكون دوما مطية لرغبات وأهواء الأعداء، ومستودعا لاستيعاب سياساتهم الأمنية العدوانية دون تردد أو ممانعة أو تقييم، وكرّسنا أسلوب "الصفقات المريبة" ثمنا لحرية زائفة ومكاسب وهمية وحسابات بالغة الضيق والفئوية والاختزال؟؟!!

من العبث أن ننصرف إلى نقد الاحتلال فحسب، فجرائمه وإرهابه لم يتوقف لحظة، ومنْ ينتظر من الاحتلال غير القتل والتدمير والتخريب، أو يأمل في التزامه بصوت الحكمة والتهدئة، ومنطق العقل والسياسة، فليراجع وطنيته في صميمها، وليتفحص عقله جيدا، قبل أن تذروه الأحداث، أو تهوي به ريح الواقع في مكان سحيق!!

إن الشجاعة والصراحة الوطنية تُملي علينا الاعتراف المرّ بمسئوليتنا عن جريمة اقتحام سجن أريحا ونتائجها، فما جرى جزء من واقع اختلاق الأزمات الذي برعنا في صناعته منذ نشأة السلطة وحتى اليوم، والذي يعتمد الخلاص والاستنقاذ الشخصي والفئوي بعيدا عن الوطن وهمومه ومصالحه الحقيقية.

ألم نكن قادرين على طيّ الملف وإنهاء القضية، بشكل هادئ وبأقل الخسائر، منذ زمن، أم أن الالتزامات الأمنية البائسة أكثر قداسة من أرواح وحرية وكرامة المجاهدين والمناضلين، وأكثر قداسة من الحقوق والثوابت الوطنية؟؟!!

ربّ ضارة نافعة، فهذه الجريمة يُفترض أن توقظ الغافلين الذين استمرأوا الدعوة لاحترام الالتزامات والاتفاقيات على إطلاقها، ولا زالوا يشترطون على الحكومة الجديدة اشتراطات تعجيزية، من قبيل الاعتراف بوثيقة الاستقلال، والتقيد بكامل الالتزامات، وقبول القرارات الدولية بشكل مطلق، مع ما يحمله ذلك من هدايا مجانية للاحتلال، وإخفاض لسقف الموقف السياسي إلى مستويات متدنية وبعيدة عن منطق الفهم السياسي الرصين!

موقف هؤلاء الغافلين الذي يتدثرون - وهما- بالواقعية السياسية، لا يؤشر إلى أي شكل من أشكال الاعتبار من أخطاء الماضي، أو استخلاص العبر من زلزال الهزيمة القريبة، ويصر على استنساخ ذات المواقف والسياسات، التي عاقبها الشعب - بقوة- في الانتخابات الأخيرة، وقد يكون حكمه عليها أشد وطأة وأكثر قسوة حال الإصرار عليها مستقبلا.

تستطيع حركة "فتح" أن تبدأ مسيرة السلامة الوطنية، وتشرع في طيّ صفحة واقع الأزمات والملفات السوداء الذي صنعته من واقع قيادتها للسلطة طيلة الفترة الماضية، وتبرهن للشعب على مدى جديتها ومصداقيتها الوطنية، من خلال الانخراط في حكومة وحدة وطنية مع حركة "حماس"، وتفكيك كل العقبات التي زرعتها ولا تزال- في وجه "حماس" وحكومتها القادمة، ونبذ الشروط والمطالب التعجيزية لقاء مشاركتها، وقبول برنامج مؤسس على صيغة مشتركة تمثل حلا وسطا لمختلف الفرقاء.

ورغم قناعتي الأكيدة بعدم مشاركة "فتح" حتى لو قبلت "حماس" بكل شروطها، فإنني على يقين أن هناك جهات وتيارات مصداقة داخل فتح، تؤمن بالشراكة الحقيقية، وتدرك مخاطر سياسة الهروب والتخذيل وزرع العقبات، إلا أن صوتها يبقى أضعف حالا في مواجهة الآخرين أصحاب الصخب والضجيج العالي.

جريمة سجن أريحا تفتح بوابة واسعة للفهم والتقييم والاعتبار، فهل من مُدّكر؟!

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع