الجندي الأسير سيناريو واحد لعودته

 

إبراهيم المدهون – باحث وكاتب سياسي

 

العملية المتميزة الأخيرة للمقاومة الفلسطينية وضعت النقاط على الحروف, ووقف الجميع أمام الحقيقة. إن الجندي الإسرائيلي يفوق أهميته القرى والمدن وساكنيها, وأن هذا الجندي يهتز له العالم وترتجف على حياته الدول, وتهرول البعثات الأمنية والسياسية وغيرها لإخراجه, ولا يكف كوفي عنان إرسال المبعوثين والاتصال شخصيا هنا وهناك لإخراج هذا الجندي سالما آمنا ويعود إلى أهله مطمئني البال! .

 

غير مبال ٍ هو ومؤسسته الدولية بآلاف المخطوفين من النساء والرجال والأطفال، والشيوخ والوزراء والنواب, والذين تحتجزهم السلطات الإسرائيلية بشكل غير إنساني.

من حق إسرائيل أن تتغول وتستشرس وأن تقتل الأطفال ما دامت تلاقي كل هذه الرعاية من المؤسسات العالمية، ومن بعض الدول العربية. من حقها أن ترتكب المجازر إن كان قتلها للصغار والنساء دفاعاً عن النفس، وأي مسٍّ بجنودها ودباباتها ومجنزراتها وبوارجها الحربية، هو اعتداء صارخ, وتعدٍ على القوانين, وتهديد للاستقرار الأمني في المنطقة والعالم.

أسر الجندي الإسرائيلي تطور خطير في ساحة الصراع الفلسطيني, جاء بعملية نوعية, وجاء في ظل تهديد باجتياح غزة, وفي وقت حصار يضيق على الشعب الفلسطيني وحكومته المنتخبة. مع محاولات حثيثة لإسقاطها وتجريدها من معناها.

لهذا كانت عملية الأسر نقلة نوعية, نقلت الصراع إلى ملعب الجانب الإسرائيلي. وأعادت حساباته, وأربكت توازناته، وأوقفت اجتياحاً كان مُعداً له. للقضاء على الحكومة بعدما فشل الحصار الاقتصادي والسياسي من القضاء عليها, وبعد فشل جرِّ الشارع الفلسطيني إلى فتنة داخلية.

 

عملية الأسر أيضا منحت الأمل لآلاف المعتقلين الذين ينتظرون هذا اليوم بفارغ الصبر, بعد فشل عمليات التسوية من إخراجهم, وبعد نجاح عملية حزب الله في لبنان، والذي أجبر اليهود على إخراج مجموعة كبيرة من الأسرى اللبنانيين.

أسر الجندي اليوم يحشد التفافا جماهيريا فلسطينياً لم يسبق له مثيل, ولم يعد الجندي المأسور مُلكاً لفصيل ما، بل أصبح قضية وطن وملكاً لآلاف الأسرى, ولجميع الفصائل الفلسطينية، والتي تعاهدت على عدم التفريط به أو تسليمه وإعادته مطمئناً إلى ذويه من غير عودة للمعتقلين والأسرى والأسيرات.

 

أصبح أسر الجندي قضية وطنية وحّدت الصف , وركزت الجهود , ودعمت الموقف اتجاه خط معين، لا يستطيع أحد تجاوزه , ومطالب القسام الأخيرة هي مطلب الفصائل من يمينها إلى يسارها . فالجندي الأسير الآن أمل المواطنين وأمل آلاف الأسرى وآلاف العائلات, لهذا لا أمل أن يخرج الجندي آمنا إلى أهله من غير تلبية جميع الشروط.

الوساطة المصرية تؤكد أن هناك تجاوباً إسرائيلياً للمطالب الفلسطينية, وأنه بات يدرك الآن ألاَّ أمل لنجاح أيِّ عملية عسكرية, وأن حياة الجندي غير مضمونة إلا بالإفراج عن الأسرى والأسيرات, ولهذا تحاول الحكومة الإسرائيلية أن تبتزّ من حماس مقابل مطالب أقل إلحاحا, وتشن حرباً نفسية على الشعب الفلسطيني, بضرب مواقع خالية, واستهداف موارد حيوية, وإحداث ضجيجٍ وأصوات مرعبة تخيف الأطفال فقط.

 

إن بعبع الاجتياح لا يخيف غزة ولا المواطنين فيها ولقد تمترس الجميع خلف الأسرى, فبعد الحصار والتجويع, والمجازر اليومية, أصبح الاجتياح لا يضيف شيئاً، بالعكس هناك روح معنوية عالية للتصدّي لهذا الاجتياح. فقد عادت الكثبان الرملية، وعادت السواتر العسكرية, ويساعد الأطفال والعجائز في ذلك, ويعمل الشباب ليلاً ونهاراً على تعبئة الشعب الفلسطيني الذي أصبح جاهزاً فقط لاستقبال الأسرى والاحتفال بخروجهم وإقامة الأعراس.

يدرك الفلسطينيون أن حكومة أولمرت تعمل على كسب الوقت, وللبحث عن حلول جديدة تجنبها دفع ثمن جرائمها، إلا أن الوقت ليس من صالح الجندي المأسور, خصوصا إنْ شعروا بمماطلة هذه الحكومة.

 

بالفعل الهجمة الإسرائيلية شرسة, والحصار يمسّ بقوت العائلات الفلسطينية, والظلام يخيف الأطفال, والجوع بدأ ينتشر خلف أسوار البيوت مع صمت عربي مطبق، ومع ذلك يدرك الشعب أن الأزمة الإسرائيلية كبيرة، وأن رهانات الصهاينة على آلياتهم العسكرية التي لا تُهزم أصبحت من الماضي. وأنَّ الخيارات أمامهم ضيِّقة لاستعادة الجندي, وليس أمامهم إلا الانصياع لأوامر حماس بفك الحصار وإخراج المعتقلين.

 

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع