سعادات من معتقله نائب رئيس الحكومة يا أبا الوليد ...

أيمن اللبدي- 16/3/2006

نائب رئيس تحرير صحيفة الحقائق - المشرف العام على «الحقائق الثقافية»

لا نعتقد أن موفاز و أولمرت ومن خلفهما كديما وبقية الجوقة في حكومة «إسرائيل» قد أرادوا وهم يبحثون عن تعزيز الأرصدة في العملية الانتخابية المقبلة من خلال إراقة الدم الفلسطيني كعادة جنرالات الجيش والأحزاب الصهيونية الدائمة وغير المحتاجة لكثير من النقاش حولها ، لا نعتقد أنهم أرادوا إعادة تمثيل عملية اغتصاب فلسطين من قبل العصابات الصهيونية عام 1948 من جديد ولو من بعيد، لكن ببساطة شديدة هذا ما قد حدث يوم 14 آذار 2006.

مقولة التاريخ والتكرار عبر الملهاة والمأساة في الفكر الفلسفي تشهد اختلافاً من حولها واختلافاً فيها بيد أنها فلسطينياً أكثر من يومية متألقة باستمرار عبر كوميديا سوداء من العيار الثقيل، ومع ذلك فإنها لا تلفت انتباه السادة مفكري هذا العصر إلا قليلاً، التاريخ جاهز دوماً أن ينسخ نفسه ويتلاعب بمفردات الصورة مرة هنا ومرة هناك وهو لا يعبأ كثيراً بالأدوات الملقاة على مسرح الحدث عقب انتهائه من لعبته طالما هذه الأدوات هي لا تعدو: الدم الفلسطيني والكرامة العربية.

عملية أريحا كانت أمس تمثيلاً مفيداً لاغتصاب فلسطين أفادت إنعاش الذاكرة العربية المهترئة قليلاً من حول هذه النقطة بحيث غدت عصية على الرقع ولو بالليزر والتقنيات الحديثة، لكنَّ موفاز ومعه أولمرت وبقية الجوقة استطاعوا أمس أن يقدموها على مسرح أريحا من جديد وبتفوق على أسلافهم من قادة العصابات الصهيونية المغتصبة من شتيرن وهاجناه وغيرها ممن وقف على رأسها بن غوريون ومناحيم بيغن واسحق شامير.

الاختلاف هذه المرة أن البث كان تلفزيونياً وعلى الهواء مباشرة ودون حكواتي ينقل الحكاية من أولها إلى آخرها وقد ينسى أو يتناسى هذا الدور أو هذه الفقرة لعلة ما أو لسبب ما ، كما أنها هذه المرة لا تجري على أبواب حيفا ويافا والسبع التي لا يُراد تذكرها عند البعض بل تجري في أريحا من حول المقاطعة وسجنها الذي كان معتقلاً للرفيق أحمد سعادات أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واللواء فؤاد الشوبكي مسئول التمويل في حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» وعدد من رفاقهما ومن مطاردي فصائل المقاومة الفلسطينية المكبلة بخوازيق التهدئات والمطريات.

حكومة بريطانيا العظمى المنتدبة على فلسطين للحفاظ عليها وتحديثها فعلتها وانسحبت قبل موعد انسحابها المعلن وبتنسيق مع العصابات الصهيونية المسبق وغدر تالٍ لأهل فلسطين وسلمتها لهم مع أسلحتها وعتادها وعدتها وكل خرائطها، هذه المرة حكومة بريطانيا غير العظمى تقول أنها فعلت ذلك حفاظاً على سلامة المراقبين البريطانيين حيث حياتهم أصبحت مهددة لأن المعتقلين شرعوا في استخدام أجهزة الهاتف النقّال! طبعاً المتحدث باسم الخارجية البريطانية لم يحدد متى شرعوا ؟ السبب أنهم أصلاً لم يتركوا هواتفهم ولا هذا السلاح النووي القادر على قصف لندن من أريحا من لحظة دخولهم هذا المعتقل!

الجنرال سترو وزير خارجية بريطانيا غير العظمى - حيث أنه اشترك في العملية التلفزيونية من البرلمان البريطاني مباشرة  -  قال بأنهم سبق وأبلغوا السلطة منذ أسبوع أنهم سيغادرون يوما ، طبعا سترو لم يقل أنه أخبر السلطة أنهم مغادرون هذا اليوم وهذه الساعة علماً أنها لم تكن المرة الأولى التي يتقدم فيها الطرفان البريطاني والأمريكي بمذكرات تحتوي ملاحظات حول ظروف اعتقال هؤلاء المعتقلين للسلطة الفلسطينية وكلها من النمط الذي يحاول التنغيص على هؤلاء المعتقلين بظروف حياة أصعب تحاكي السجون الصهيونية ودوما نجزم أنها كانت بطلب «إسرائيلي»، كما لم تكن المرة الأولى التي تتجاوب مع هذه الطلبات والمذكرات السلطة الفلسطينية بالحوار كما أفاد من ستراسبورغ النائب عن منطقة أريحا والوزير الأسبق وكبير المفاوضين الفلسطينيين!

حكومة الولايات المتحدة الأمريكية التي تناست روحانية دستورها الأصلية ومواثيق وتعليمات الآباء المؤسسين يوم اختارت التصويت لصالح العصابات الصهيونية والتقسيم في فلسطين منذ العام 1947 وقامت بدورها التاريخي في التواطؤ على تهجير نصف شعب فلسطين وتشريده وسرقة أرضه ومقدراته واغتصابها جهاراً نهاراً وقتل أبنائه وبناته وتسليم هذا الوطن الذي عمره يفوق عمر الولايات المتحدة نفسها بثلاثين ضعف فقط ، عادت اليوم وعبر حكومة «النبي مسيلمة الاليكتروني» جورج بوش بلعب دور معزز من جديد في عملية أريحا الجديدة وحاولت عبر المتحدثين باسم إدارتها ووزارة خارجيتها من أول إيرلي إلى آخر الجوقة من جديد التبرير وممارسة دور الدعارة السياسية الدولية بامتياز وأسهل المواقع المعتاد لتوجيه الضغوط أي السلطة الفلسطينية هو أسهل المواقع للصق الاتهام به وتقديمه للسادة المحلفين مجرماً رغم أنفه !

الرباعية العتيدة معروفة فلسطينياً قبل أن تولد وأجزم بذلك وأحلف ولو سألتم أي فتى أو فتاة فلسطينية في أي بقعة حول العالم وأي مجتمع عنها لأفاد وغنى، نعم ذلك لأنها جزء لا يتجزأ من ثوابت النشيد الفلسطيني فقد عرفها الفلسطيني عبر أنشودة (على الرباعية)، لكن هذه الرباعية طبعا التي كان يغني لها أبناء الوطن غير الرباعية التي حافظت على دورها تماماً وهو دور شاهد الزور في كل مرة، فقولها الفصل ليس فصلاً بالمرة إن كان عبر اتفاقيات أو حتى أحلام لا تجيزها حكومة «فوق القانون» في تل أبيب وهي دوما تلجأ إلى التريث مثل التلميذ البليد الذي لا يجيب قبل أن يكتمل السؤال تماماً وحتى يأخذ وقتاً كافياً لعله يلمح الإجابة في وجه الأستاذ أو يوحي له بذلك أو يتعجل أحد الطلاب النبيهين فيبدأ بسرد أول كلمات المحفوظات المطلوب تسميعها.

الأخ عمرو موسى - وحياة النبي - أرثي لحاله وأحب هذا الرجل وأحترمه فعلاً وأعده يوماً بقصيدة عصماء طويلة مقيلة فقط ربما تنسيه ما هو فيه، وأتمنى لو يعفيه شياطين الفضائيات هؤلاء من عفرتتهم المعهودة في اصطياد الأسئلة التي هي أشبه بفترة الإعلانات عند مشاهدي فيلم السهرة، فهؤلاء بالتأكيد يعلمون  أن الفيلم الذي طال عشر ساعات ولم يتخلله فترة إعلانات ستتعب المشاهد حتى لو كان غسان ابن الرفيق أحمد سعادات الذي يشاهد على أعصابه ما يدور أو حتى لو كان أحد ملجئي هذا الشعب الصابر المرابط في اليرموك أو صيدا أو الوحدات يمسك بمفتاح بيته وهو يتابع سجل ذكرياته مع الصور المتدفقة، ولذا فهم يقدمون فترة الإعلانات عبر سؤال الأخ عمرو موسى أو لو تمكنوا من سؤال د.أغلو أيضاً فستكون فترة الإعلانات أطول!

في التبريرات الصهيونية لهذه العملية قصة (عنز ولو طارت) والتي بدأت بإنكار وجود هذا الاتفاق أصلاً على لسان وكتف شاي ديفيد المتحدث باسم الجيش العصاباتي من على شاشة إحدى الفضائيات وحتى لحظة إعادة السؤال ليتهم السلطة الفلسطينية بأنها لم تكن تقوم بدورها وهم جاءوا (لحماية المدنيين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»  من هؤلاء الإرهابيين) وقبل أن تنضج الوقاحة والغطرسة كفاية عند جنرالات هذه العصابة والمتحدثين باسمها ليقولوا أنهم فعلوا ذلك في ضربة إستباقية لأن الحديث كثر مؤخراً عن احتمال إطلاق سعادات وبقية رفاقه تنفيذا لقرار محكمة العدل الفلسطينية العليا التي قضت بأن احتجازهم ليس ذا صفة فهم برآء تماماً من هذه التلفيقة والتخريجة السريعة لمأزق حكومة تل أبيب في هذا الاختراق النوعي الذي مثلته عملية تصفية أشد وجوه الحكومة السابقة عنصرية ووقاحة وغطرسة رحبائيم زئيفي وأحد المتحمسين لقرار اغتيال الرفيق المناضل أبو علي مصطفى في هذه الحلقة.

السلطة الفلسطينية كانت في الواقع موضع المقتل وحائط المبكى معاً وموقع الرئاسة تحديداً هو أولا وأخيراً المطعون السابق واللاحق وعلى جنوبهم وعلى كل الوجوه، فإن صحت رواية «حلف العدوان الثلاثي» الجديد على أريحا هذه المرة بإخبار السلطة بنية انسحاب المراقبين فإنها ستكون الطامة الكبرى والدليل الأخير على سقوط مصداقية هذه السلطة أمام المواطن الفلسطيني في توفير حمايته والقيام بدورها سيما وهو معتقل لديها وأسير تحت مسئوليتها المباشرة - مع مراقبين دوليين أو بدون- خاصة وأن أجهزة الإعلام المحاولة التنصل من وزر الانسحاب المتزامن مع الدخول «الإسرائيلي» نشطت في الترديد لاسطوانة أن عمل هؤلاء كان للإشراف والمراقبة وليس الحماية بحال، وهي في هذا ستكون على أقل تقدير أقل درجة من الاتهام الذي سيوجه لها من قبل الشارع الفلسطيني على اختلاف شرائحه بدءاً من خيمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين طبعا وغير منتهية بمكان حيث ستبقى تدور وتتدحرج ككرة الثلج كاشفة عن سوابق الاتهام مثلاً بتسليم خلية صوريف الشهيرة أو مبنى الأمن الوقائي في بيتونيا أو حتى محتجزي كنيسة المهد ! وهنا ستكون هذه الواقعة بالتأكيد سقوط سياسي لا نظير له بالنسبة إلى موقع الرئاسة تحديدا هذه المرة.

وإن كانت هذه الرواية غير صحيحة بحق السلطة الفلسطينية فستكون أيضا كارثة حقيقية لنهج استمر عليه رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس بمنهج الثقة بالطرف الصهيوني والدعوة لمحاذاة خطوط الاتفاقات والتعهدات والتهدئات والالتزامات وغيرها من الدين الذي كفر به الجميع في الملعب إلا السيد عباس نفسه، بل إن الطرف الآخر وهو في مقام الخصم وصل إلى درجة نفي وجود هذه جميعاً بعد أن قتلها فعلياً بممارساته ووصل أيضا إلى نفي شراكة السيد عباس أكثر من مرة لا يريد تصديقها ولا تصديق دويها الذي أصبح تالياً مجرّد فاصلة لازمة على نغمة سمجة جرى تكرارها بحيث غدت ليست ذات قيمة في بقية المعزوفة حيث الجديد فيها هو درجة الترجمة اليومية لهدر الكرامات.

الفصائل الفلسطينية عليها أن تعيد حساباتها من ألف إلى باء وأولها حماس ولا يستغربن أحد ذلك وعليها أن تنجز ما توصلت إليه من اتفاق شراكة سياسية بأسرع وقت، أقترح على الأخوة في حماس وعلى أبو الوليد تحديداً الذي كان على الهواء مباشرة مع الرفيق سعادات عبر الفضائيات أن يطلب من رئيس حكومة حماس المكلف الأخ إسماعيل هنية بتسمية الأخ سعادات نائباً لرئيس وزراء حكومة الشراكة القادمة، دعوها تكون رسالة مزدوجة لهذا الغافي المتألق في غفوته والمسمى الضمير العالمي والمنظومة الدولية العتيدة، إن الرد الحقيقي على هذا السقوط السياسي الفاحش لهذه المجموعة الدولية حتى الآن يكون ببرنامج وطني كفاحي مكتمل وقوي لمواجهة المرحلة المقبلة، فكما كان هناك ما يحلو للبعض ترديده  عقب أحداث نيويورك بما قبل سبتمبر وما بعدها فإنه اليوم أصبح جلياً أن هناك ما هو عقب سقوط أسوار أريحا وما قبلها ويجب أن يكون.

على السادة الذين غنوا «دلعونا» ورقصوا على أنغام «مشعل» أن يراجعوا قليلاً أنفسهم في قصة الاتفاقات والتهدئات والمنظومة الدولية والتعهدات والضمانات وكل التحتانيات والمقدمات والمؤخرات وأن يحذروا عند الاقتراب من إطلاق أي مفردة سياسية أو حتى مهنية تتعلق بأي عنصر من عناصر الشرف والفروسية والأخلاق في موضوعة التعامل مع هذا العدو ومفردات الصراع معه، فهو يتقن ليس فقط خرق كل ذلك بل أصبح يتقن بنفس القوة البصق على الوجوه بعد الورق مباشرة ودون حائل - لا أدري هل ينقض هذا الوضوء أم لا ربما تحتاج فتوى-، أيضا لا ننسى الجانب الذي كلما - دقّ الكوز بالجرة- نفض وانتفض مثل ديك المزبلة الفصيح ليطالب بشدة ومدة في ضرورة احترام الاتفاقات والمحافظة عليها، المضحك المبكي أنه لا توجد هذه الاتفاقات إلا في خياله المريض فقط، نعم هناك مرض اسمه مرض - اتفاقولوجي- ينطبق هذه الأيام على كثيرين من محبي ممارسة دور العقلانيين السياسيين المنضبطين المسئولين، جميل ونقطة. وعلى كلٍّ فإن هذا العدو يفهم لغة واحدة فقط وينزل عند حدة حروفها دوماً ، هذه اللغة قالها يوماً الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رحمه  الله  «ما أخذ بالقوة، لا يسترد بغير القوة» .!

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع