عندما يتحول القادة الفلسطينيين لأوراق
ضغط سياسية
بقلم : مهند صلاحات
/
كاتب فلسطيني مقيم في الأردن
قبل ساعات بدأت إسرائيل هجوماً مسعوراً على سجن أريحا وبدأت بحصار السجن
حيث يعتقل الأمين العام للجبهة الشعبية وبدأت تطالب من بداخله بالخروج
والاستسلام،حيث أسفر هذا الهجوم السافر عن استشهاد شرطي فلسطيني وأحد
المعتقلين السياسيين الفلسطينيين أيضاً داخل سجن أريحا الذي اقتحمته قوات
الاحتلال لاعتقال الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات، وبذلك تكون
إسرائيل قد انتهكت قرارات الشرعية الدولية، وضربت كما فعلت في قانا من
قبل بالحماية الدولية التي مُنحت لسعدات ورفاقه الذين اغتالوا وزير
السياحة الإسرائيلي كرد على اغتيال الأمين العام السابق للجبهة الشعبية
لتحرير فلسطين " أبو علي مصطفى".
إسرائيل التي لها سابقة إجرامية ضد الشرعية الدولية والأمم المتحدة بشكل
مباشر، حين قامت بمجزرة قانا بداخل أحد مقرات الأمم المتحدة في لبنان،
تعيد الكرة مرة أخرى بقصف سجن أريحا الذي يخضع لحراسة بريطانية أمريكية،
وبقرار حماية دولي، مما يعني أن هنالك ضوءاً أخضراً من أمريكا ببدء
الهجوم على السجن لاستخدام السجن ومن هم في داخله ورقة ضغط سياسية على
الحكومة الفلسطينية الجديدة للبدء بجولة مفاوضات، فالرسالة الإٍسرائيلية
واضحة جداً وهي أن تعلن حماس أول جولة تفاوض مع إسرائيل حول وقف الهجوم
الإسرائيلي على السجن، وعن سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية والمتهم
بإعطاء الأوامر باغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي، والذي كان
يتفاوض مع حماس حول مقعد وزاري في الحكومة الجديدة.
إسرائيل فقدت كل أوراقها، ويهود أولمرت أحد تلاميذ شارون يود عبر
تهديداته السابقة باغتيال هنية أحد قادة حماس قبل أيام، والآن عبر الهجوم
على سجن أريحا يود أن يرسل رسالة واضحة للشعب الفلسطيني وقيادته بأن
سياسة شارون لم تنتهي حتى اللحظة، وأن إسرائيل مدركة اللعبة السياسية
التي تريد حما اللعب فيها، بالتالي فأولمرت يدرك أن مراوغة حماس في النطق
بالاعتراف بإسرائيل والذي هو كواقع قانوني قد تم لكن كواقع سياسي لم تزل
حماس تخدر به جماهيرها وتستخدمه كورقة سياسية أمام إسرائيل.
حقيقة مثل هذه الورقة قد تكون مفيدة لحماس لأن تعلن مفاوضات تحت ظرف
مشروع مع إسرائيل وسقوط ما كانت حماس تنادي فيه من قبل وهو أن مجرد
الجلوس مع الطرف الإٍسرائيلي على طاولة تفاوض يعني الاعتراف، فحماس ستملك
مبرراً قوياً الآن لأن تجلس مع الطرف الإسرائيلي بمبررٍ قوي أمام
الجماهير التي انتخبتها وأما الدول التي راهنت عليها، فحماس تجيد اللعب
بالأوراق أكثر من صنّاع أوسلو ذاتهم وعلى رأسهم محمود عباس الذي جرف
بتياره منظمة التحرير وحركة فتح واليسار الفلسطيني وساهم في صعود حماس
على قمة الهرم السياسي الفلسطيني لتستلم زمام الأمور من بعده.
المعركة التي تجري الآن في سجن أريحا هي معركة سياسية كانت الجبهة
الشعبية ضحية تستخدمها إٍسرائيل لتفاوض فيها حماس بطريقة مختلفة وسريعة،
وحماس ستستفيد من هذه الورقة بشكل ملحوظ، ومن بعدها ستجلس لطاولة مفاوضات
تقابل فيها الطرف الإسرائيلي بمباركة دولية وشعبية، وإذا تجرأت إسرائيل
على اغتيال سعدات ورفاقه الأربعة – وهذا ليس مستغربا في ظل انتهاء اليسار
الفلسطيني سياسيا – فستكون هنالك مرحلة لجر التنظيمات الفلسطينية لمعركة
جديدة قصيرة الأمد تنتهي بمفاوضات.
وهي معركة إسرائيلية أيضاًَ، لكن معركة من نوع أخر يود فيها أولمرت رفع
شعبية كاديما مرة أخرى بعد أن هبط كحزب سياسي بعد مرض شارون وعجز أولمرت
عن السير على نفس خطى شارون السياسية وبالذات بعد الإعلان الإسرائيلي عن
انسحاب أحادي الجانب قابله رفض شعبي إسرائيلي وخصوصاً في صفوف
المستوطنين.
إسرائيل تتعامل مع القادة الفلسطينيين كأوراق رابحة سواء على النطاق
الداخلي في انتخاباتها، أو على النطاق الخارجي من خلال التعامل مع حماس
والمجتمع الدولي وخصوصاُ في ظل تصاعد الهجمة العالمية ضد إيران والتي
تطرحها حماس كحليف حقيقي لها.
|