وطويت صفحة عرفات والعرفاتيين إلى الأبد
أ.د. عبدالكريم محمد الأسعد
11-04 -2006
هنيئا للفلسطينيين وللعرب المعنيين بالسقوط المدوي لاكثر مرشحي حركة فتح
في انتخابات المجلس التشريعي الجديد التي اجريت في الضفة والقطاع في
25/1/2006 فقد اصبح من نجح منهم اقلية في المجلس لا حول لهم ولا طول بعد
ان تمتعوا سنين طوالا بالاكثرية المطلقة وبما تؤدي اليه هذه الاكثرية من
نفوذ.
لقد بدأ أفول نجم العرفاتيين حقا بهذه النتائج الباهرة والمذهلة بكل
المقاييس وليس ذلك غريبا على شعب فلسطين الذي برع دائما في اعطاء الدروس
الرادعة لكل المتلاعبين في شؤونه المتجرين بشجونه.
ان بداية افول نجم العرفاتيين يعني بالضرورة بداية افول ذكرى زعيمهم
الميت عرفات الذي قاد الشعب الفلسطيني اكثر من اربعة عقود الى المهالك
واضاع جميع فلسطين وتنازل عن حق اللاجئين في العودة وتناسى القدس ونبذ
الجهاد وجعل السلام مع العدو خياره الستراتيجي النهائي واتخم هو وزبانيته
بما ابتلعوه من المال الحرام ولم يتركوا موبقة او فسادا الا ارتكبوها
وكأنهم عصابة لصوص يترأسها لص محترف لم يكن لها هم الا السلب والنهب
امعنوا في الانحراف وكونوا شلة من نشالي السياسة والاقتصاد احاطت برمزهم
»السيئ الرئيس« لعبوا لعبة الثلاث ورقات على المسرح السياسي فكانوا سادة
(الجلا جلا) و(الاونطة), عمل رئيسهم عرفات على ايهام الناس بقيام دولة
فلسطين (على ارضنا الفلسطينية) كما كان يردد ثم اخذ يرسي دعائم مؤسسات
وهمية منحها اسمه (الكريم) لتصبح معالم على دوره (التاريخي العظيم) في
المسيرة النضالية التي ادت الى التحرير الكامل والاستقلال التام, بوس
وحضن واستعرض حرس (القرف) وسط طلقات المدفعية بمشية الاوزة العسكرية مع
كبار جنرالات ومارشالات جيشه الباسل واسس عددا ضخما من الاجهزة الامنية
اكثر مما تأسس في المانيا النازية في عهد هتلر وفي ايطاليا الفاشية في
عصر موسوليني وفي الاتحاد السوفياتي ايام ستالين وشكل قوات برية وجوية
وبحرية وحرس حدود وخفر سواحل ممسوخة من العاطلين موهما الشعب بان الدولة
حقيقية وليست وهما او مزحة سمجة من مزحاته السخيفة, ارسى دعائم ديمقراطية
زائفة وركب مجلسا وطنيا على المقاس, لا معارضة فيه ولا من يعارضون ثم
ادعى انه ابو الديمقراطية الحقيقية ليس في العالم العربي بل في العالم
كله ملأ جيوب المرتزقة وعقول السذج بالاموال المحرمة وبالتخيلات التافهة
وبالاقاويل المضللة حتى اذا طلع النهار وتبين الخيط الابيض من الخيط
الأسود من الفجر ظهر لكل ذي عينين التزييف والتخدير اللذان عاش فيهما
هؤلاء السذج امدا غير قصير تحت قيادة عرفات ورئاسته, لقبه المنافقون
بألقاب ما انزل الله بها من سلطان ولم نسمع بها من قبل فهو في نظرهم
الرمز والظافر والقاهر وايوب الصابر وفلتة الزمان وابو الثورة وامها
وزوجها وهي زوجة استهلكت كل وقته واخرت زفافه طويلا على سها هانم واجلت
بالتالي اطلالة ولية العهد السعيدة الاميرة (زهوة) ابنة (عرفات الاول)
سنوات طويلة كان من الافضل لو ولدتها امها مبكرا ان تقضيها على كنف
والدها الرئيس وفي رعايته تتدرب خلالها على يديه الكريمتين في ادارة دفة
الحكم وعلى حل المشكلات الشعبية العامة وعلى التعامل مع القضايا
الاقليمية والدولية المعقدة التي ستواجه حتما الدولة الزهوية في مسيرتها
المظفرة, لم يكتف عرفات في حياته بهذه (الصنمية) فبادر عن طريق المسؤولين
من محبيه وقابضي دولاراته الى تحميل الخزينة العامة المفلسة تكاليف تخليد
ذكراه وبناء قبره ونحت تماثيله واعتبار موته مناسبة للطم الخدود وشق
الجيوب والتحسر على الماضي العرفاتي المزدهر وجعل قبره محجا يحج اليه
الناس في كل وقت للزيارة والتبرك والتصالح (مدد يا مولانا شيخ الطريقة
العرفاتية) الجديدة.
جعل حياته (البائسة) نبراسا ومنارا وارساء لتاريخ زعامته التي لم يجد
بمثلها القدر على اية امة من الامم في القديم والحديث.
نقول اللهم لا شماته ولكن الدوام للاصلح كما هو معروف واما الزبد فيذهب
جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض ولا يصح في النهاية الا الصحيح
ولا بد في خاتمة المطاف لليل ان ينجلي وللقيد ان ينكسر فيتبين الناس
حينذاك انهم كانوا مثل الاطرش في زفة عرفات وانهم كانوا ضحية ألاعيبه (
وتخويناته) ومكره التافه وتفاهته الماكرة وجهله المطبق وغبائه المستغلق
وعمى عينيه النضاحتين بكل شئ الا الايمان والامانة والذكاء.
لقد حرص على الزعامة الخادعة والقيادة المغرورة وعلى الكسب غير المشروع
وباقصى سرعة على حساب القضية واهلها من اللاجئين والثكالى والمعاقين
ونحوهم.
ان عرفات شكل بلا مضمون وزيف بلا صدق ووهم بلا حقيقة ودجل وشعوذة بلا
امانة, ومن كان هذا ديدنه سيكون مآله ومصيره وفقا لسنن التاريخ ومجريات
الاحداث سلة المهملات لا يترحم عليه اي مخلص ولا يمدحه اي منصف ثم ينساه
الناس بعد فترة من الزمان ليست طويلة كما نسوا امثاله من المتسلقين
المهزومين, تلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا .
من المؤكد ان دولة عرفات قد بدأت بالزوال منذ مات وستدول بالكامل كما
دالت دولتا عاد وثمود وسيأتي يوم قريب يتساءل فيه الناس مستغربين اين
الفلوس الكثيرة المسروقة? واين مستشارو عرفات من كل لون الذين ربا عددهم
على عدد مستشاري قراقوش? واين سفراؤه الميامين الذين تلألأت بهم صالات
السفارات? واين وزراؤه الكثر الذي ازدانت بهم ابهاء القصر
العرفاتي(السعيد)? اين محمد رشيد وهاني حسن وزعنون وجرير القدوة وحكم
(بلاوي) وعشراوي ومشهراوي وطيراوي ورجوب الدبدوب ودحلان وسائر الغلمان?
لقد اصبحوا في خبر كان وذهبوا جميعا الى حيث ألقت رحلها أم قشعم غير
مأسوف عليهم وعلى زمنهم الذي انقضى بالهم والحزن.
* أستاذ سابق في الجامعة
|